مسابقة “سري للغاية”|  شكاوى من استبعاد كفاءات في مسابقة مديري العموم بمصلحة الضرائب.. وأسئلة حول أسباب التكتم على أسماء المقبولين

درب

 ما زالت مسابقة “مديرو العموم” بمصلحة الضرائب التي أعلنت عنها وزارة المالية في شهر فبراير لعام ٢٠٢٢ تثير الجدل؛ لما تضمنته من شبهات وإجراءات مخالفة للقانون ٨١ لسنة ٢٠١٦ المعروف بقانون الخدمة المدنية، وكذلك قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم ٣٥ لسنة ٢٠١٩، حسب تقديرات عدد من المتابعين والمهتمين.

فالمسابقة التي تم الإعلان عنها في عهد وزير المالية السابق محمد معيط، افتقرت للمعايير الضرورية والضوابط اللازمة، بعد أن قامت اللجنة المعنية بالمسابقة بتغيير أسماء المقبولين أكثر من مرة، وذلك في أعقاب قيام عدد من المستبعدين بالتقدم بشكاوى لأكثر من مرة، حيث أكدوا أنهم تمكنوا من إثبات وجود أسماء من المقبولين بالمخالفة للقانون، حيث يمنع القانون تعيين من يصدر بحقه أحكام قضائية تتعلق بالشرف أو الأمانة، وكذلك من صدرت ضده أحكام قضائية وقرارات جزائية تتعلق بنطاق عمله.

وقال أحد المستبعدين -فضل عدم ذكر اسمه- إن من ضمن المخالفات الصارخة وجود أعضاء في لجان المسابقة مثار حولهم شبهات عدة من تحقيقات في النيابة العامة في قضايا تزوير وصدور قرارت وزارية بمراجعة قراراتهم الإدارية السابقة، ومن صدرت بحقهم قرارات وأحكام من النيابة الإدارية، ما يبطل عمل هذه اللجان وقراراتها، وبالتالي فاختيار أصحاب هذه الوظائف يكون باطلا.

ويستكمل “أما المفاجأة الأغرب والتي تثير الاندهاش وأكثر من علامة استفهام هو الخطاب الذي أرسلته اللجنة الفنية الدائمة للوظائف القيادية بوزارة المالية إلى رئيس مصلحة الضرائب وعليه عبارة (سري للغاية)”.. مضيفا “لقد أرفق مع الكتاب أسماء المقبولين والذي اعتبره الخطاب أنها أسماء يجب أن يتم التعامل معها في إطار تام من السرية والكتمان”.

وطبقا للقانون تكون جميع المسابقات علانية وتعلن شروطها ومعايير اختيارها، كما يجب إعلان أسماء المقبولين بالطرق التي تمكن أصحاب الضرر بالحق من الطعن على بعض أو كل أسماء المقبولين في حال وجود أسباب قانونية توجب الطعن على قبول تلك الأسماء أمام القضاء المختص.

“درب” تفتح هذه التحقيق في المخالفات والشبهات التي طالت مسابقة مديرو العموم بمصلحة الضرائب، والتي ما زال المتضررين عاجزين عن الحصول على حقوقهم وزارة المالية على تنفيذ هذه المسابقة دون النظر أو التحقيق في الاتهامات المتعلقة بمخالفة القانون.

أصل الحكاية

نشرت مصلحة الضرائب المصرية في شهر فبراير 2022 الإعلان رقم 2 لسنة 2022 عن توفر 588 درجة وظيفية بالمسمى الوظيفي “مدير عام”، بحسبب ما ورد بالإعلان، وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية، وكذا قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 35 لسنة 2019 بشأن معايير وتقييم الوظائف، على أن يبدأ التقديم لمدة شهر في المدة من 13/3/2022 تنتهي في 12/4/2022.

وبعد توضيح الإعلان الوظائف الشاغرة، نشر الشروط اللازمة لشغل الوظائف والتي جاءت في أربعة بنود رئيسة هي:

1- مؤهل عالٍ يتوائم مع نوع وطبيعة العمل.

2- قضاء مدة بينية مقدارها عام على الأقل في وظيفة بالمستوى الوظيفي الأول (أ) وذلك بالنسبة للموظفين بالجهاز الإداري للدولة، وبالنسبة لغيرهم قضاء مدة كلية مقدارها 17 عاما على الأقل تتفق مع طبيعة عمل الوظيفة.

3- أن يتوافر لدى المتقدم المهارات والقدرات اللازمة لشغل الوظيفة وإنجازاته السابقة.

4- اجتياز البرامج التدريبية المقررة في ضوء ما يحدده الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.

وقد أبلغت الأمانة الفنية والموارد البشرية المترشحين بالتوجه لإجراء الكشف الطبي في القاهرة، ما يعنى إعلان أسماء المقبولين والسير في إجراءات التعيين طبقا للمادة 17 من القانون 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها وهو ما يتضح معه أن جهة الإدارة ماضية في تعيين المذكورين ممن تم الاتصال بهم لإجراء الكشف الطبي.

شكاوى واستبعاد وحجب النتيجة

وقام عدد من المستبعدين بإرسال شكاوى بشأن معرفة أسباب استبعادهم، ما دعا اللجنة الفنية للوظائف القيادية إلى العمل على تصحيح مسار المسابقة، فقامت خلال شهر يوليو 2023 بالاتصال مرة أخرى بأشخاص آخرين لإجراء التحاليل الطبية للتعيين في المسابقة بمعهد تحليل المخدرات بإمبابة بمحافظة الجيزة.

وقام المستبعدون بتقديم شكاوى للمرة الثانية، ما دفع رئيس مصلحة الضرائب إلى إصدار قرار بعقد امتحانات لجميع المتقدمين، وتم عقد امتحان تحريري لجميع المتقدمين في أكتوبر2023 بمعهد النظم والمعلومات، وهو عبارة عن امتحان إلكتروني (من 90 سؤالا اختياريا) في الحاسب الآلي، واللغة الإنجليزية، والمحاسبة، والضرائب، والإدارة، والقدرات النفسية.

وقال أحد المستبعدين لـ”درب”: كان من المفترض ظهور النتيجة فورا بعد الانتهاء من الامتحان، كما هو متبع في الامتحانات الإلكترونية من خلال جهاز الحاسب الآلى، إلا أن المفاجأة كانت في حجب النتيجة، وحين سأل الممتحنين عن السبب كانت الإجابة بأن ذلك هو طلب اللجنة المسئولة عن المسابقة.

واستكمل: وعندما أرسل المتقدمين للمسابقة شكاوي لمعرفة درجاتهم في الاختبار، استجابت اللجنة بعد شهر ونصف الشهر، وقامت بإرسال رابط إلكتروني لمعرفة النتيجة بإدخال الرقم القومي لكل زميل تقدم للمسابقة؛ فتظهر رسالة مضمونها “عذرا فقد تم وضع اسمك على قوائم الانتظار بهذه المرحلة مع إمكانية التواصل معك في مراحل لاحقة”.

وأضاف: تم دعوة زملاء آخرين لحضور المقابلات الشخصية بدعوى تحقيقهم أعلى الدرجات في الاختبار الإلكتروني، وتم حجب نتيجة هؤلاء الزملاء بحجة ترشيحهم للمقابلة الشخصية، وتم حجب درجاتهم في الاختبار، كما قامت اللجنة المعنية بالمسابقة بالاتصال بأشخاص محددة؛ لإجراء التحاليل الطبية اللازمة، وهذه الخطوة مفترض أنها الأخيرة بعد التقييمات التي بناء عليها يتم اختيار المقبولين، بحسب القانون.

ويلفت أحد المستبعدين الآخرين النظر إلى أن اللجنة خالفت أيضا قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 بإجراء اختبارات تحريرية بالمخالفة للمادة 17 من القانون والمواد 53 و 55 و 56 من لائحته التنفيذية لهذا القانون، فالقانون لا ينص على إجراء اختبارات تحريرية للمتقدمين للمسابقة.. حسب قوله.. مشددًا في الوقت ذاته على أن “اللجنة خالفت كذلك قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 35 لسنة 2019 وذلك بعدم الإعلان الفوري عن نتيجة الاختبار الإلكتروني”.

وبحسب المتضررين من المسابقة، فمنذ التقديم للمسابقة والمستندات المنصوص عليها فى الإعلان فى الفترة من  13/3/2022 إلى 12/4/2022 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور لم يتم إجراء أي مقابلات مع المتقدمين للمسابقة؛ وذلك بالمخالفة لمواد لقانون الخدمة المدنية رقم 17 و أرقام 53 و55و56 من لائحتة التنفيذية.

مخالفات بالجملة

ومن أبرز المخالفات التي أتُهمت بها اللجنة، مخالفة المعايير التي حددتها اللائحة التنفيذية للقانون 81 لسنة 2016 حيث نصت المادة 56 من لائحتة التنفيذية على أنه يتم تقييم المستوفين لشرط شغل الوظيفة على أساس أربعة معايير رئيسية هي:

أ – القدرات العلمية: ومن مؤشراتها الحصول على درجات علمية، وإجادة لغات أجنبية، والقدرة على التعامل مع الحاسب الآلي، والاشتراك في المؤتمرات وإعداد البحوث والمذكرات الفنية، ويحدد لهذا المعيار خمسة وعشرون درجة.

ب – التاريخ الوظيفي: ويشمل على الأخص تقارير تقويم أداء المتقدم، والإنجازات التي حققها أثناء حياته الوظيفية، وسابقة الأعمال في مهام مماثلة أو متقاربة مع الوظيفة المتقدم إليها، ويحدد لهذا المعيار خمسة وعشرون درجة.

ج – المقترح التطويري: وهو المقترح الذي تقدم به للوحدة المعلنة، ويحدد لهذا المعيار خمسة وعشرون درجة.

د – السمات الشخصية: وتشمل على الأخص مهارات القيادة واتخاذ القرارات والإبداع، وحل المشكلات وإدارة الأزمات، ومهارات الاتصال والإقناع والعرض، ويحدد لهذا المعيار خمسة وعشرون درجة.

ضد القانون

وبعد اجتياز المتقدمين للمعايير الأربعة السابقة تعد لجنة الوظائف القيادية ووظائف الإدارة الإشرافية قائمة نهائية بالمرشحين لشغل تلك الوظائف بعد التأكد من تمتعهم بصفات النزاهة وحسن السمعة. وترسل هذه القائمة، بعد اعتمادها من السلطة المختصة، لإصدار قرار التعيين.

لكن المفاجأة، حسب عدد من المتقدمين، أنه تم اختيار عناصر ضمن المقبولين لا تحمل المؤهل المناسب للأعمال الضريبية، فقد تم اختيار حاصلين على بكالوريوس الزراعة، وليسانس الآداب قسم جغرافيا، ومعهد فني لاسلكي.

أما المفاجأة الأغرب -حسبما ذكر عدد من المتضررين- هي اختيار أحد المتقدمين والصادر ضده أحكام قضائية في تحرير إيصالات أمانة في القضية رقم 31787 لسنة 2019 قسم إمبابة، حصر 1821 لسنة 2020 وتم الحكم فيها غيابيا بالحبس سنتين بجلسة 2/2/2020. أيضا صدر ضده حكم بالحبس شهرين في واقعة سرقة في القضية رقم 8981 لسنة 2002 جنح العجوزة بجلسة 3/8/2002، كما صدر ضده جزاءات إدارية من النيابة الإدارية في أكثر من واقعة.. وبالرغم من ذلك تم تكليفه مديرا عاما للإدارة العامة لمكافحة التهرب الضريبي القاهرة ثالث مدمج بما يعد مخالفة صريحة للقانون.

في المقابل، تحدثت “درب” إلى أحد المسئولين في مصلحة الضرائب والذي نفى تلك الاتهامات جُملة وتفصيلا، مؤكدًا أن اختيارات الهيئة تقوم على النزاهة والشفافية وهناك تدرج في آليات الاختيار لانتقاء أفضل العناصر القادرة على استيعاب المتطلبات الوظيفية والقدرة على التطور.

وحول ما تردد عن استبعاد بعض الكفاءات من الاختيار في مقابل منح الفرصة لآخرين أقل خبرة وكفاءة، قال المصدر “لا يمكن أن يكون ذلك قد تم بشكل عمدي، وإذا كانت هناك شكاوى بهذا الخصوص فهي محل فحص وسيتم اتخاذ اللازم”.

مؤهلات خاصة

بالاطلاع على نوعية المسمى الوظيفي لـ”مديري العموم” المطلوب تسكينها في هذه المسابقة من المتقدمين، لوحظ أن هناك عدد 117 إدارة تتطلب أن يكون مديرها العام ممن يتمتعوا بمهارات وقدرات فريدة من نوعها في مهام الإدارة والقيادة وتقديم الحلول غير التقليدية والإبداعية طبقا لمتطلبات العمل، علاوة على السمات الشخصية المعروفة بـ”الكاريزما الخاصة” التي لا تتوافر إلا في نوعية معينة من المتسابقين، كذلك المؤهلات العلمية التي حصل عليها تطويرا من أدائه خلال رحلته الوظيفية.

ومن أمثلة هذه الوظائف:

– مدير عام الإدارة العامة للتخطيط الاستراتيجي والسياسات بالإدارة المركزية للإدارة الاستراتيجية.

– مدير عام الإدارة العامة لإدارة المشروعات بالإدارة المركزية للإدارة الاستراتيجية.

– مدير عام الإدارة العامة للسياسات والدعم الفني ومتابعة أداء المكافحة بالإدارة المركزية للتحريات والضبط.

– مدير عام الإدارة العامة للتحريات والضبط المركزي وتحليل المعلومات بالإدارة المركزية للتحريات والضبط.

– مدير عام الإدارة العامة للبحوث الفنية بالإدارة المركزية للدراسات الضريبية.

– مدير عام الإدارة العامة للأداء المؤسسي بالإدارة المركزية للتطوير المؤسسي.

– مدير عام الإدارة العامة لتقييم الأداء للعاملين بالإدارة المركزية لإدارة وتنمية المواهب.

– مدير عام الإدارة العامة للتدريب بالإدارة المركزية لإدارة وتنمية المواهب.

– مدير عام الإدارة العامة لشئون مراكز التدريب بالإدارة المركزية لإدارة وتنمية المواهب.

بعد عرض جزء من هذه الوظائف، فنحن أمام وظائف حساسة ولها طبيعة خاصة في مصلحة حكومية استراتيجية مثل مصلحة الضرائب التي توفر حوالي 70% من إجمالي الدخل القومي للدولة؛ بما يعني أن من يشغل تلك الوظائف يجب أن يشغلها وفقا لمعايير القدرات والمهارات التي تتطلبها الوظيفة، وفي إطار كامل من إعلان الشفافية والنزاهة، لا عن طريق المحاباة والمحسوبيات.

اختفاء الملفات.. و”سري للغاية علامة تعجب”

ونعود إلى أحد المستبعدين الذي أكد أنه طبقا للقانون، فإن اللجنة مطالبة مُلْزَمة بإجراء المقابلات مع جميع المتقدمين لاختيار العناصر الأكفأ والأجدر بشغل الوظائف المطلوبة؛ للتأكد من المعايير الخاصة بالسمات الشخصية – على وجه التحديد – وهو ما لم يحدث، حيث تم استبعاد مجموعة كبيرة من المتقدمين ومنهم أصحاب كفاءات وقدرات خاصة لا ينقصهم سوى اختبارهم والتأكد من كفاءاتهم، وقد تم إجراء المقابلات مع المجموعة التي تم اختيارها فقط، وما يثير الدهشة هنا، أنه تم اختفاء عددا من الملفات الخاصة بالمتقدمين مما حدا باللجنة طلب إعداد الملفات من المقبولين مرة أخرى؛ مما يثبت أن هناك إهمالا في الحفاظ على مستندات ووثائق المتقدمين.

ويشرح أحد المستبعدين ما وصفه بـ”الخطوة المثيرة للاندهاش”، قائلا “أرسلت الأمانة الفنية للجنة الدائمة للوظائف القيادية إلى رئيس مصلحة الضرائب كتابا بتاريخ 2/5/2023 ممهورا في مربع أعلى يسار الكتاب بعبارة (سري للغاية).. وفحوى الكتاب هو تنبيه رئيس مصلحة الضرائب على المرشحين لشغل وظائف (مديرو العموم) للتوجه لعمل التحاليل الطبية اللازمة لثبوت عدم تعاطيهم المخدرات، طبقا لما تفرضه المادة (3) من القانون رقم 73 لسنة 2021.. كما أوضح كتاب اللجنة إرفاق الكشوف الخاصة بأسماء المرشحين للوظائف، على أن يتم استيفاء البيان الإلكتروني لكافة المرشحين للتعيين، مع اعتبار الموضوع (سري للغاية)”.

وأردف “هنا السؤال: ما الذي يجعل رئيس الأمانة الفنية للجنة الدائمة للوظائف القيادية بوزارة المالية يطلب في كتابه إلى رئيس مصلحة الضرائب أن تكون كشوف المرشحين (طي الكتمان وفي إطار السرية الكاملة)”.

ويضيف “لا تكتب عبارة سري للغاية إلا في خطابات الأجهزة الأمنية والأجهزة التي من طبيعة عملها أن تكون مكاتباتها ومعلوماتها محاطة في إطار من السرية؛ لاعتبارات تمس الأمن القومي والمصلحة العليا للبلاد، أما في مكاتابات وزارة المالية ومصلحة الضرائب بشأن مسابقة لشغل وظائف (مديرو العموم) والتي من المفترض أن تكون علانية في جميع مراحلها أمام المتقدمين وتوضيح أسباب الرفض والقبول، والتي أُمهِرَتْ بعبارة (سري للغاية)، والتأكيد على سرية الأسماء التي اختارتها اللجنة فهو ما يثير علامات الاستفهام والتعجب، وينذر بغياب كبير للنزاهة والشفافية حول إجراءات تلك المسابقة، والكيفية التي تم من خلالها اختيار المترشحين لشغل الوظائف، حسب قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *