مجلة التحالف| نحو قانون عمل موحد ينتصر لعلاقات عمل متوازنة وعادلة

بقلم/ محب عبود – وكيل نقابة المعلمين المستقلة

منذ اندلاع ثورة 25 يناير المجيدة، تزايدت الأصوات التي تطالب بإعادة النظر في قانون العمل الحالي الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 من اتجاهات مختلفة. ولم يكن ذلك بجديد؛ حيث يتهم ممثلو العمال، وهم الطرف الأضعف في علاقات العمل، القانون بالانحياز إلى أصحاب العمل، وهم الطرف الأقوى في تلك العلاقات، وحرمانهم من حقوق وحريات إنسانية عامة نصت عليها كافة المواثيق الدولية، مثل الحق في الإضراب. بينما يتهم ممثلو أصحاب العمل القانون بالإخلال بحقوق الملكية لهم، مثل حقهم في فصل العمال أو، بلغة أكثر رقة، الاستغناء عن العمال حينما يرون ذلك في مصلحتهم.

وقد قدمت وزارة القوى العاملة مسودة مشروع جديد يتم مناقشتها الآن في لجنة القوى العاملة بمجلس النواب تمهيدًا لعرضها على المجلس لإقرارها، وهو في الواقع لم يستطع تجاوز العيوب الجوهرية الموجودة بالقانون الحالي، مع بعض التعديلات الشكلية التي يُجرى الترويج الزائف لها.

ولهذا، نرى ضرورة ألا يخرج أي تشريع ينظم علاقات العمل عن مبادئ أساسية:

1 – الانتصار لمبدأ العدالة الاجتماعية في إطار مبادئ الدستور المصري.

2 – ضمان حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة دون تغول على حقوق الفئة القوية.

3 – تعبيد طرق الوصول لعلاقات عمل أكثر عدلاً وتوازنًا.

العوار واقتراحات المعالجة

أولاً: الفوضى والتناقضات والانتهاكات التي تشيعها شركات توظيف العمالة في علاقات العمل

تطبيق نظام شركات توظيف العمالة داخل جمهورية مصر العربية جعل منها مدخلاً للعديد من المظالم، وتنصل أصحاب العمل من حقوق العمال الذين يعملون لديهم بالفعل باعتبار أنه لا توجد علاقة عمل مباشرة بين العامل وصاحب المنشأة. ولهذا نجد عاملين يؤديان نفس العمل داخل المنشأة، بينما لا يحصل أحدهما على ربع ما يحصل عليه الآخر من أجور أو امتيازات أخرى، كما يستطيع صاحب المنشأة الاستغناء عنه دون أن يكون له أي حقوق. وفي ذات الوقت، ليس للعامل أي حقوق لدى المقاول أو الشركة المساهمة في حالة المشروع الجديد!

وقد جاء التعديل في مسودة القانون المقدم من الحكومة ليزيد الطين بلة: “وكالات التشغيل الخاصة التي تتخذ شكل الشركة المساهمة، أو التوصية بالأسهم، أو ذات المسؤولية المحدودة، أو الشخص الواحد المرخص لها بذلك من الوزارة المختصة.” وكان النص في القانون رقم 12 لسنة 2003: “شركات المساهمة، أو شركات التوصية بالأسهم، أو ذات المسؤولية المحدودة بعد الحصول على ترخيص من الوزارة المختصة.” فلم يخجل المشرع هذه المرة من ذكر الشخص الواحد أي المقاول!

ولهذا نرى ضرورة أن ينص التشريع على حظر عمل هذه الشركات في الداخل ونقترح النص التالي:

“يحظر مزاولة عمليات إلحاق المصريين للعمل بالداخل إلا عن طريق:

الوزارات والهيئات العامة بالنسبة للعاملين لديها.

المنظمات النقابية العمالية بالنسبة لأعضائها فقط.

شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص المصرية، فيما تبرمه من تعاقدات مع الجهات الأجنبية في حدود أعمالها وطبيعة نشاطها.”

وعلى سبيل الاحتياط، نرى ضرورة أن ينص التشريع على ما يلي:

“في كل الأحوال، حال موافقة صاحب العمل على شراء قوة عمل العمال المعروضة عليه سواء مباشرة من العامل أو عن طريق وسيط، بغض النظر عن الإطار القانوني الذي ينظم عمل هذا الوسيط، تكون علاقة العمل الناشئة بين طرفين: الأول هو العامل بشخصه، والثاني هو صاحب المنشأة سواء بشخصه أو من ينوب عنه، وتكون كافة الالتزامات التي نشأت عن هذه العلاقة على كلا الطرفين حسب دوره فيها.”

ثانيًا: التمييز الفج في تطبيق القانون ضد بعض فئات العمال

رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهتها منظمة العمل الدولية وكافة المؤسسات الحقوقية في الداخل والخارج إلى مشاريع القوانين السابقة، إلا أن المشرع لم يستطع تجاوز عقبة إهدار حقوق عمال المنازل. ومن المعروف أن غالبية هؤلاء هم من النساء اللائي يتعرضن لصنوف من القهر يصعب حصرها. ومع ذلك، وقع المشرع في خطيئة مخزية! إذ رغم النص في البند 2 من المادة 4 على أن هذا القانون لا يسري على عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، نجده في المادة 64 يضع استثناءً من الاستثناء الوارد في المادة 4 فينص على: “يقصد بالعمل في تطبيق أحكام هذا الفصل كل عمل تابع، أو أية مهنة، أو حرفة بما في ذلك العمل في الخدمة المنزلية.”

نحن نرى ضرورة التوقف عن هذا العبث وإلغاء الاستثناء الموجود في المادة 4.

ثالثًا: حرمان العمال من حقهم في الإضراب

رغم توقيع مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي تعترف المادة 8 منه بحق العمال في تشكيل النقابات أو الانضمام إليها وتحمي حقهم في الإضراب، إلا أن المشرع لا يقبل بإتاحة هذا الحق للعمال، ويجري الالتفاف حوله بكل الأساليب. فنجد المسودة المقدمة من الحكومة تنص في المادة 207 على: “يحظر الإضراب، أو الدعوة إليه، أو إعلانه، في تطبيق أحكام هذا القانون، بالمنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي، أو بالخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين، ويصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتحديد هذه المنشآت. ويحظر الدعوة للإضراب أو إعلانه في الظروف الاستثنائية.”

وينص قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 والمنشور في الوقائع المصرية العدد 160 في المادة 1 بشأن تحديد المنشآت الحيوية والاستراتيجية التي يحظر فيها الإضراب عن العمل على: “يحظر الإضراب عن العمل أو الدعوة إليه في المنشآت الحيوية أو الاستراتيجية التي يؤدي توقف العمل بها إلى اضطراب في الحياة اليومية لجمهور المواطنين، أو الإخلال بالأمن القومي والخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين، وتعتبر من قبيل هذه المنشآت ما يلي:

منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي.

المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات.

المخابز.

وسائل النقل الجماعي للركاب (النقل البري والبحري والجوي).

وسائل نقل البضائع.

منشآت الدفاع المدني.

منشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحي.

منشآت الاتصالات.

منشآت الموانئ والمنائر والمطارات.

العاملون في المؤسسات التعليمية.”

نلاحظ استخدام تعبير “وتعتبر من قبيل هذه المنشآت”، أي أن هذه مجرد أمثلة للقياس عليها. أعرف أن لسان حالك يقول: وماذا تبقى لكي يمارس فيه حق الإضراب! ولكن هذه إحدى عجائب التشريع في بلادنا!

لما سبق، نرى ضرورة عودة هذا الحق لأصحابه، ويتم النص بوضوح على ما يلي:”الإضراب، أو الدعوة إليه، أو إعلانه، غير محظور في تطبيق أحكام هذا القانون، فيما عدا في الوحدات القتالية العسكرية فقط.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *