مجلة التحالف| دراسة ترصد ما فعلته الحرب في الاقتصاد السوداني المأزوم.. كيف يدفع الشعب السوداني وأجياله القادمة تكلفة الحرب الدائرة منذ عام
إعداد / مركز دراسات التحالف الشعبي
أصدر مركز دراسات حزب التحالف الشعبي الاشتراكي دراسة تحت عنوان “ماذا فعلت الحرب في الاقتصاد السوداني المأزوم؟” تناول من خلالها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والظروف الصعبة التي يعيشها المواطنين في ظل مواجهة انعدام أمن غذائي حاد ما يُنذر بتعرض نحو 4.9 مليون شخص إلى المجاعة.
وتقول الدراسة إن الاقتصاد السوداني كان يعاني منذ سنوات عددًا من الأزمات الهيكلية الكبري منها انهيار قيمة الجنيه السوداني وزيادة المديونية الخارجية التي وصلت إلي 96 مليار دولار تمثل 182% من الناتج المحلي السوداني لتصبح السودان أحد اكبر سبع دول مدينة في العالم. ( العربية – 25 مايو 2023). وقد واكب ذلك انهيار قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار حتي وصل إلي 1440 جنيه سوداني ( كان السعر 570 قبل الحرب) والريال السعودي 378.6 جنيه والدرهم الإماراتي 386.9 جنيه . كما يختلف سعر صرف الدولار بين بنك وآخر ( أخبار السودان – 18 إبريل 2024) . لذلك يصبح من الضروري تأمل آثار الحرب علي المواطن السوداني والاقتصاد السوداني.
ووفقا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة فإن 17.7 مليون شخص – أكثر من ثلث سكان البلاد – يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة. وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص – حوالي 16 بالمئة من إجمالي سكان البلاد – من منازلهم منذ بدء النزاع.
فقدان معظم الأسر في السودان لمصادر دخلها، والآثار الهائلة للحرب على سوق العمل والتجارة والزراعة والصناعة، أصبحت الدائرة تضيق أكثر فأكثر بالنسبة للسودانيين في الداخل والفارين داخليا واللاجئين.
وتضيف الدراسة أن “خسارة أكثر من 2.7 مليون مواطن لوظائفهم بالقطاع الخاص، وبما يرتبط بذلك من الإضعاف الحاد لنشاط التجارة الداخلية والخارجية وما يرتبط بها من حجم مقدر من العمالة، هذا بجانب موظفي الحكومة والقطاع العام المتوقفين عن العمل بولايات الحرب”.
وتضاعفت أسعار السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيها، مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
وقُدر الارتفاع في أسعار السلع الغذائية بنسب تتراوح بين 300% إلى 400%، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من 8 آلاف جنيه سوداني.
شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
وحسب مصادر طبية، فإن عدد الذين فقدوا حياتهم بسبل عدم تلقي العلاج ونقص الدواء يفوق عدد قتلى الحرب البالغ نحو 5 آلاف حتى الآن ( سبتمبر 2023) وفي حين تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بأقل من 10 في المئة من طاقتها؛ أجبرت الحرب أكثر من 2800 صيدلية مسجلة بالعاصمة على إغلاق أبوابها، وتعمل فقط أقل من 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية معقدة. وتوقفت 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب.
يواجه القطاع الصحي خطر الانهيار الكامل بعد خروج اكثر من 60 في المئة من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار. وبسبب صعوبة الوصول للمستشفيات وانعدام الأدوية المنقذة للحياة يموت يوميا المئات من المصابين بالأمراض المزمنة مثل الكلى والسكري وغيرها.
أما في ملف التعليم، فتقول الدراسة إن نحو 19 مليون طالب وطالبة فقدوا عام دراسي كامل، حيث توقفت الدراسة في المراحل المختلفة كليا منذ اندلاع الحرب. وتعرضت اكثر من 70 % من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصة الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي او جزئي.
وتضيف الدراسة فيما يتعلق بالمباني والمنشآت أن القصف الجوي والمدفعي المكثف دمر نحو 10 % من المباني السكنية و40 % من الأسواق و60 % من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.( سكاي نيوز عربية – 15 إبريل 2024).. فيما فقد نحو 2.5 مليون شخص وظائفهم في القطاع الخاص، وأن القليل منهم في المؤسسات أجبروا على تقديم طلب إجازات من دون رواتب.
وقدر بعض الخبراء قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، مع التحذير بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
انخفاض معدل النمو الاقتصادى إلى -18.3% وفقًا لتوقعات البنك الدولى لعام 2023. كما بلغت خسارة الناتج المحلى الإجمالى السودانى بنسبة 151.1٪، ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلى الإجمالى إلى 43.91 مليار دولار فى عام 2023. ووفقًا لـ”فيتش سوليوشنز”.
وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة، ودخل اكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة لفقدان مصادر دخلهم في ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وتستكمل الدراسة “ثروات الشعب السوداني تستغل في الصراع الدائر حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع. فالسودان من أهم منتجي الذهب في القارة الأفريقية والثالث عشر بين البلدان المنتجة للذهب في العالم. يحاول طرفا الصراع السيطرة على المعدن الأصفر، ما جعل السودان واحدا من أكثر البلدان فقرا على الرغم من أنه يعوم على بحر من الثروات وتصل احتياطيات من الذهب إلى 1550 طنا. كما توفر صناعة الذهب في السودان موارد هائلة وثروة يتم تهريبها إلى الخارج لينفق منها على الحرب الأهلية”.
وتسترسل أن السودان “أنتج عام 2022 ما يصل إلى 18,6 مليون طن من الذهب بزيادة قدرها 611 كيلوغرام عن 2019، لكن هذا لا يمثل سوى 50 بالمئة من إجمالي الإنتاج حيث تختفي النسبة الأخرى التي يتم إنتاجها بشكل غير رسمي. بلغ إنتاج منجم ’هاساي‘ لوحده منذ اكتشافه حوالي 14,09 مليون طن ذهب”.
وتصل قيمة حصيلة إنتاج الذهب في السودان بالإمكانيات الحالية إلى نحو 5,5 مليار دولار سنويا، يجري نهب 4 مليارات دولار منها لصالح الأطراف المتصارعة. توجد مناجم الذهب في صحارى وجبال شرق نهر النيل وفي محاذاة البحر الأحمر وأعلى سلسلة جبال البحر الأحمر وأيضا في مناطق جبال النوبة ومنطقة كردفان ودارفور. لكن اتساع الحرب واستمرارها سيكبد الاقتصاد السوداني وخزينة الدولة خسائر كبيرة وتزيد من متوسط معدلات التضخم، التي بلغت نسبتها 700 بالمئة وسيفقد السودان 2,5 مليار دولار من عائدات الذهب.
وترى الدراسة أن “الخسائر في قطاع النفط كبيرة جدا، فالسودان فقد حوالي (210) آلاف برميل من الخام، نتيجة تخريب مستودع الخام بمصفاة الجيلي في الخرطوم، وقدّر وزير النفط السوداني، محيي الدين نعيم محمد سعيد، في حديث لوكالة السودان للأنباء “سونا”، حجم الدمار الذي لحق بقطاع الطاقة والنفط بـ5 مليارات دولار. ويُنتج السودان نحو 60 ألف برميل نفط يومياً، تمثل 40% من احتياجاته”.
وأدى النزاع فى السودان لشلل القطاع الزراعى، حيث انخفضت المساحة المزروعة فى البلاد بنسبة 60% عن السنوات السابقة تقليص المساحات وعجز المزارعين عن ممارسة النشاط.. لعدم قدرة البنك الزراعي على تمويل المزارعين، وارتفاع أسعار الوقود، كما أن الموسم الشتوي يحتاج إلى 250 ألف طن من الأسمدة «اليوريا» أما المتوفر حالياً في الأسواق فهو 10 آلاف طن، ما يخلق فجوة كبيرة قد تتسبب في إحجام الكثير من المزارعين عن الزراعة هذا الموسم.
وتضيف “محصول الذرة الذي كانت إنتاجيته (3) ملايين طن في المواسم السابقة لكنه تراجع هذا العام بنسبة (43%) مقارنة بالعام 2022. فيما بلغ إنتاج الدخن خلال العام 2023 حوالي (683) ألف طن وهو رقم أقل بنسبة (64%) عن إنتاج العام 2022 وفيما يتعلق بإنتاج القمح الذي يحصد دائما في مارس فكان (377) ألف طن وهو أقل بنسبة (20%) تقريبًا عن العام السابق”.
وتشير الدراسة إلى أن “القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة”.
بينما تؤكد أن “القطاع الصناعي تضرر بشكل قوي، بما يشمل بعض المصانع الحربية، بتدمير 75-80% من وحداته الإنتاجية، يليه قطاع الخدمات بنسبة 70-73%، فالقطاع الزراعي من 65-70%، خاصة أن هذه القطاعات جميعا تعتمد، في مدخلات إنتاجها، على الواردات التي أفيد بأنها تأثرت سلبيا بنسبة 70% وفق بعض المصادر السودانية ذات الصلة”.
وأقرت وزارة الصناعة، بتأثر القطاع بالحرب الدائرة في البلاد بصورة كبيرة جداً، مما أدى لتدمير حوالي 90% من المصانع القائمة بولاية الخرطوم وبعض الولايات الأخرى. ووفقا للغرفة الصناعية تم تدمير أكثر من (400) مصنع بشكل شبه كامل.
وتنبه الدراسة إلى انهيار القطاع المصرفى فى السودان، حيث تعرض 100 فرع من أفرع البنوك السودانية إلى النهب والسرقة والتدمير نتيجة الحرب فى السودان، وبلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% فى مصارف الخرطوم وحدها. ولم يسلم البنك المركزى السودانى من هذه العمليات التخريبية، وهو ما جعله يُعانى من نقص شديد فى السيولة، فكثير من البنوك بدأت تُعانى من مشكلة إدارة ديونها، بعدما تعرضت الشركات الكبرى التى اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة فى تحصيل هذه الديون، الأمر الذى يتسبب فى وقوف القطاع المصرفى السودانى على حافة الانهيار.
الحكومة حاليا عاجزة عن دفع الرواتب بنسبة تصل إلى 50% بسبب تراجع الإيرادات.
وتلفت النظر إلى أن الصادرات السودانية تراجعت بنحو 60% مع إغلاق مطار الخرطوم. و توقف العمل بمعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، مع اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب، مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة.
وقدرت تكلفة الحرب في السودان بحوالي 900 مليون دولار يوميًا، وهو ما يعني أن تكلفتها في الـ 246 يومًا الأولي تُقدر بحوالي 221.4 مليار دولار( 328.5 مليار دولار بعد مرور عام علي الحرب)، ويرجع هذا التقدير الكبير في التكلفة إلى الخسائر العسكرية التي تكبدها السودان من أسلحة ومدرعات تُساوي مليارات الدولارات، بالإضافة إلى التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.
وترصد الدراسة مقارنة الأوضاع الاقتصادية وتأثيرات الحرب عليها، حيث بلغت نسبة تراجع الاقتصاد السوداني 42%، ووصل حجم خسائر الحرب إلى 110 مليار دولار، وبلغ معدل البطالة 47.2%، وارتفع معدل التضخم 256%، فيما تراجعت حركة الصادرات 60%.
واختتمت الدراسة “هكذا يدفع الشعب السوداني وأجياله القادمة تكلفة الحرب الدائرة منذ عام ، كما أن كل خسائر الجيش السوداني وخسائر الدعم السريع هي جزء من ثروة الشعب السوداني الذي يعاني من النزوح الإجبار والجوع”.