مجلة التحالف| المسرح العمالي.. أداة نضالية فقدها العمال عمدا (عن مَسرحة الواقع بكل تناقضاته ومشكلاته وأحلامه وطموحاته)
بقلم / حسن البربري عضو حزب العيش والحرية
المسرح العمالي أو مسرح العمال يهتم في المقام الأول بتنمية الوعي ونشره داخل الطبقة العاملة في كل القطاعات الإنتاجية. كما يقع على هذا النشاط المسرحي أيضا دور هام في دفع عجلة الإنتاج. بالإضافة إلى الوظائف الأخرى كالترفيه بشكل فني جمالي، فهذا النوع من النشاط المسرحي العمالي له خصوصيته وله جمهوره وله طبيعته الخاصة.
– نشأة و تطور المسرح العمالي أو مسرح العمال
ربما كان أول مسرح عمالي أو كانت أول مسرحية عمالية حقيقية ذات تأثير اجتماعي واقعي في بيئتها وفي زمنها هي مسرحية النساجون عام1881 للكاتب الالماني جيرهارت هاوتمان 1862 – 1946 الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1912. والتي اعتبرت أول وقفة بل صرخة مسرحية يقوم بها المسرح في مواجهة الرأسمالية والبرجوازية الألمانية آنذاك.
وقد اكتسبت أهميتها باعتبارها قامت على بطولة جماعية ومبنية على صراع يجسد الانتفاضة والوقفة البطولية لعمال مصنع النسيج الألماني في مواجهة الاستغلال والظلم والإجحاف بحقوقهم الإنسانية العادلة والمشروعة وهو ما جعلها عملا مسرحيا رائدا في معالجة قضية الصراع الاجتماعي في عالم رأسمالي مستبد مثلما دفع السلطات الألمانية وقتها إلى منع عرضها على الجماهير آنذاك.
وبعد الحرب العالمية الأولى انتقل المسرح العمالي في العشرينات والثلاثنيات من القرن الماضي إلى مرحلة جديدة، تميزت ببزوغ نظرية جمالية واعية ورؤية مستقبلية تطرح الاشتراكية كحلم إيجابي يحقق القوة للعمال، وفي أمريكا تصدى المسرح العمالي بشجاعة ووعي لمأساة التفرقة العنصرية وطرح علي خشبته المظالم الفاحشة التي عاناها الزنوج و المهاجرين الاوروبيين في جو المحافظة الفكرية والقمع السياسي الذي نتج عن التخوف من غزو الفكر الاشتراكي بعد انتصار الثورة الروسية. خاصة بعد تفاقم مشكلة البطالة والازمة الاقتصادية في أمريكا. كما عرض ذلك في أحداث مسرحية (آلة البرق) في عام 1930 .
– بزوغ المسرح العمالي في مصر وتطوره
بدأ ظهور المسرح العمالي في مصر في مطلع الخمسينات القرن العشرين حيث أنشئ نادي للعمال عام 1953 . و ازدهر في الستنيات مع تكوين مكتب للعمل والعمال بالاتحاد القومي عام 1960 وإنشاء المؤسسة الثقافية الاجتماعية العمالية عام 1961 والتي تحملت مسؤولية إنشاء مسرح للعمال كما اشارت الكاتبة و الناقدة المسرحية نهاد مصلحة في كتابها ” ومضات مسرحية” فكان لا يخلو مصنع أو شركة من وجود مسرح أو على الأقل فرقة مسرحية كما يمكن القول إنه كان لهذه الفرق المسرحية جمهورها العريض في قصور الثقافة بعواصم المحافظات وبيوت الثقافة في مدنها. ذلك علاوة على تميز الشركات الصناعية المصرية الكبرى بقاعات مسرحية كبيرة مجهزة تجهيزا تقنياً كما كان الحال في شركة المحلة الكبرى للغزل والنسيج. وكل ذلك كان في ستينيات القرن الماضي الحافلة بالمشاريع الصناعية الوطنية الكبرى، إلا أنه بدأ في السبعينيات و الثمانيات يخفت تدريجيًا حتى الألفية الجديدة، وبرغم المحاولات لإحياء المسرح العمالي للظهور مرة أخرى الآن إلا أنها لا تعدو سوى مجرد إضاءات متفرقة لا يربطها نظام ولا تنظمها خطة.
وهذا ما يؤكده المخرج عبد الغني زكي ضمن ندوة بعنوان دور المسرح العمالي في الثقافة المصرية، والتي نظمتها مكتبة القاهرة الكبرى في مايو 2017، إذ قال إن “المسرح العمالي الذي ازدهر في فترات عديدة من تاريخنا المسرحي، أخذ في الآونة الأخيرة في الانحسار والهبوط في معدل إنتاجه، بل وخرج عن الأهداف المرسومة له من الأساس، فبالإضافة إلى قلة الأعمال المسرحية العمالية أصبح الآن السائد لكل الجهات التي تنتج هذا النوع من النشاط المسرحي، أن يتم إنتاجه كي يتم تقديمه داخل إطارالتسابق في مسابقات الشركات وينتهي الأمرعند هذا الحد. ويصبح أكثر ما يشغل بال القائمين على إنتاج العروض هي نتائج التسابق وعدد الجوائز والميداليات والكؤوس التي يعود بها الفريق إلى مؤسسته العمالية دون أي اعتبارات أخرى. وهو ما يخرج عن نطاق وظيفة هذا النوع من النشاط الفني العمالي”.
– المسرح العمالي أداة تعبيرعن معاناة العمال
لقد أثار المسرح العمالي من على خشبته و من خلال مؤلفيه و مخرجيه و فرق تمثيله العديد من قضايا و مشاكل الطبقة العاملة فبرغم أن المسرحيات العمالية التي تتناول حياة الطبقة العمالية مشاكلها المهنية عددها قليل إلى حد ما ولعل مرجع ذلك هو صعوبة الكتابة في هذا المجال. وتعد مسرحية “ساعة اخلاص” للسيد فرج ابرز المحطات كعمل مسرحي عماليا خالصا وهي نتاج مسابقة أعلنت عنها المؤسسة الثقافية العمالية عام1964 في تأليف مسرحيات تعالج موضوعات عمالية بروح ثورية اشتراكية، و اختار المؤلف حي السبتية قلب القاهرة الصناعي(وهو حي العمال في تلك الفترة ) مكاناً لها . وقدمت فرقة غزل كفر الدوار المسرحية مسرحية ( أمل مصر ) وهي من تأليف السيد سالم وإخراج عبد الله سعيد وهما عاملان في شركة الغزل والنسيج وذلك عام 1983 كما ورد بكتاب ” العمال والمسرح” وقد تناول المؤلف أسباب تدهور الصناعة ونقص الايدي العاملة المدربة والتي من أهمها سوء الادارة فالمؤلف قام بمسرحة الواقع العمالي بكل تناقضاته ومشكلاته واحلامه وطموحاته. أما حديثا فقد كتب مجموعة من الكتاب مسرحيات عمالية، أمثال نعمان عاشور مسرحية (وابور الطحين) ومسرحية (بلاد برة ) التي اسند بطولتها لعامل، وكتب الكاتب المسرحي محسن مصيلحي مسرحيته آدي البيضة عام1994 ، وذلك على خلفية عمالية حقيقية وارتباط أصيل بالطبقة العمالية بمنطقة شبرا الخيمة، وهي المسرحية التي تناول من خلالها قضية خصخصة وبيع شركات القطاع العام ، وابوالعلا عمارة مسرحية (التفتيش النهائي ) كتبها في عام1995 وفي المسرحية يقدم الكاتب صورة واقعية ساخرة لحياة العمال بالشركات والمصانع و مسرحية (وبعدين) والتي كتبها فؤاد حجاج عام 1996 حيث يعالج النص مشكلة الغربة لعمال التراحيل ( العمالة غير المنتظمة ) بعيدا عن قريتهم .
المسرح العمالي ضحية الانفتاح الاقتصادي و سياسات الخصخة
لقد استخدم المسرح بالاساس كأداة للتعبئة الاجتماعية والسياسية من خلال حركة العمال التي ظهرت خلال حقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي للتصدي لسياسات الرأسمالية و توحشها ويطرح بديلا فنيا وفكريًا معارًضا ومناهضا للمسرح البرجوازي وكما ترى نهاد صليحة “أن المسرح العمالي هو المسرح المعارض للمسرح البرجوازي، فالاول يعبرعن الفئات المهمشة فكريا وفنيا واجتماعيا واقتصاديا، ويخرج إبداعها المعارض إلى الجمهور” لكن في مصر السبعينيات ومع إقرار سياسة الانفتاح الاقتصادي متزامناً مع نذر تهديد الصناعة الوطنية كان لابد من نزع اهم أداة تعبيرية ونضالية للعمال الا وهو المسرح بالإهمال تارة او تحوله لقضايا اجتماعية بشكل عام تارة اخري ومع اقرارسياسات الخصخصة في مصر التسعينيات بإتمام صفقات بيع مصانع القطاع العام وشركاته. بدأ المسرح العمالي في الخفوت تماما بالتبعية وهذا ماعبرعنه الخبيرالعمالي والنقابي صلاح الانصاري من أن ” المسرح العمالي كان من أهم ادوات النضال والتعبيرعن هموم ومشاكل العمال ” و تابع الانصاري قائلا ” كان هناك فرقة مسرحية في نادي الحديد والصلب وكانت هناك فرقة مسرحية تسمي فرقة الشارع وقدمت مسرحية بعنوان ” الكاتب و الشحات ” و كانت تعرض امام المقاهي وكان بطل هذه المسرحية الفنان أحمد كمال الذي قام بدور سليمان في فيلم الكيت كات ” وارجع الانصاري تهميش المسرح و انحساره بقوله انه ” مثل حاجات كتير ذابت مع توجه الدولة في كل مرحلة. يعني المؤسسة الثقافية العمالية ليس لها اي دورمهم في التثقيف والمؤسسة الاجتماعية العمالية اصبحت يستدل عليها الا كمحطة أتوبيس ليس الا”
مما سبق كان لابد من القضاء على هذا النشاط الفني أو تحويله عن أهدافه حتى تستطيع الحكومات المتعاقبة تنفيذ السياسات الاقتصادية للتحول لنظام السوق الحرة بانتزاع تلك الأداة النضالية من يد العمال.