مجلة التحالف| السباق المستمر بين الأجور والمعاشات والأسعار.. بين مسكنات الحكومة والعلاج الجَذري
معدل الفقر في مصر بلغ 32.4% في عام 2018 ووصل في بعض المحافظات إلى 66.7% في أسيوط و 59.6% في سوهاج 47.7% بالبحيرة
من أسباب الغلاء: تحرير الزراعة المصرية بالكامل وإطلاق يد القطاع الخاص فأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح وخامس مستورد للذرة الصفراء في العالم
هناك حلول وبدائل تحتاج لإرادة سياسية وتوجهات اقتصادية مختلفة وانحيازات اجتماعية تسعى للحل وليس للتسكين وترحيل المشكلة
من الحلول المقترحة: عودة الدورة الزراعية وتشغيل المصانع والاهتمام بالتعليم الفني والمهني وتفعيل الرقابة الشعبية على آليات السوق
بقلم / إلهامي الميرغني – الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي بحزب التحالف
رغم انخفاض أسعار خام برنت من 115.6 دولار للبرميل في أول مايو 2022 ثم انخفاضه إلى 94.8 دولار للبرميل في أكتوبر 2022 ثم مواصلة الانخفاض إلى 84.5 دولار للبرميل في أول مارس 2023.
ورغم أن الملكة المغربية حاولت مواجهة ارتفاع التضخم لديها من 6.6 % في عام 2022 إلى 8.9% في شهر يناير. لذلك قامت الحكومة المغربية بالاستفادة من الانخفاض في أسعار النفط العالمية لتخفيض سعر النفط رغبة في السيطرة على التضخم والغلاء في أسعار السلع الغذائية قبل حلول شهر رمضان المبارك.
أما في مصر ورغم أرتفاع معدلات التضخم ليصل إلى 40% في فبراير 2023 بعد توقيع اتفاق القرض الجديد مع صندوق النقد الدولي وعمل تخفيض جديد في قيمة الجنيه أمام الدولار. ورغم انخفاض أسعار النفط العالمية كما أوضحنا فقد قامت الحكومة مطلع مارس الماضي برفع أسعار البنزين والمازوت (لغير محطات الكهرباء والمخابز) وأسعار الغاز الطبيعي للسيارات. ثم عادت بعد ذلك لرفع سعر لتر السولار جنيه لتتفجر موجة جديدة من الغلاء تكوي المصريين.
في تقرير ل BBC كتبت ” لقد تدهورت مستويات المعيشة في العالم العربي بشكل كبير خلال السنة التي مضت. وفقدت العملات اللبنانية والمصرية والتونسية نسبة مهمة من قيمتها تجاه الدولار الأمريكي بسبب الفساد المالي وسوء التدبير الإداري وانعدام خطط تنموية قوية واللجوء إلى الاستيراد بدل البحث عن سبل الاكتفاء الذاتي، وسوء استخدام الموارد المتاحة، يضاف الى ذلك ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية نتيجة حرب روسيا على أوكرانيا”.
إذًا تأثيرات حرب روسيا وأوكرانيا تختلف بين دولة وأخرى تبعاً لقوة الاقتصاد ومدى الاعتماد على الخارج كواردات وديون خارجية، وليس كل الغلاء في العالم بسبب حرب أوكرانيا كما تردد الحكومة ولكنه “بسبب الفساد المالي وسوء التدبير الإداري وانعدام خطط تنموية قوية واللجوء إلى الاستيراد بدل البحث عن سبل الاكتفاء الذاتي، وسوء استخدام الموارد المتاحة” كما أوضح تقرير ال BBC الذي سبق الإشارة إليه.
الفقر والجوع في مصر
أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن معدل الفقر في مصر بلغ 32.4% في عام 2018 ووصل في بعض المحافظات إلي 66.7% في أسيوط ، 59.6% في سوهاج ، 47.7% في محافظة البحيرة. وفي يوم 3 أغسطس 2021 وخلال إفتتاح الرئيس السيسي لمجمع الصناعات الغذائية أعلن عن وجود 8 مليون طفل يعانون من الانيميا وفقر الدم ، و 4 مليون طفل يعانون من السمنة المفرطة (أحد أمراض سوء التغذية)،1.3 مليون طفل يعانون من التقزم (أي 13.3 مليون طفل).
قطار الغلاء يدهس ملايين المصريين
بين عامي 2014 و 2023 أرتفعت أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية علي النحو التالي:
– السمك المكريل المجمد أرتفع سعر الكيلو من 13 جنيه إلي 70 جنيه والدجاج المجمد من 25 جنيه الي 70 جنيه واللحوم المجمدة من 50 جنيه إلي 140 جنيه، والسمك المرجان المجمد من 20 جنيه إلي 40 جنيه للكيلو.
– اللحوم الحمراء البلدي الكيلو من 80 جنيه الي 230 جنيه ولحوم الضأن من 65 جنيه الي 230 جنيه واللحوم الجملي من 60 جنيه الي 190 جنيه والسمك البلطي من 19 جنيه الي 60 جنيه.
– كرتونة البيض الأبيض من 22 جنيه إلي 95 جنيه.
ولم يتوقف الأمر عند البروتين الحيواني بل أمتد الي الحبوب والبقوليات بأنواعها ومنها:
– العدس الأصفر الكيلو ارتفع من 6 جنيه إلي 48 جنيه والعدس بجبة من 6.8 جنيه إلي 35 جنيه والفول من 5 جنيه الي 22 جنيه والفاصوليا الجافة من 14 جنيه إلي 40 جنيه.
– كما أرتفعت أسعار الدقيق من 3.8 جنيه للكيلو الي 23 جنيه للكيلو والأرز من 4.5 جنيه إلي 30 جنيه، والمكرونة الكيلو من 10 جنيه الي 22 جنيه والسكر من 5 جنيه الي 22 جنيه ، والزيوت الخليط من 9.5 إلي 60 جنية للكيلو.
كما ارتفعت أسعار السلع المربوطة على البطاقات التموينية. إضافة إلى تفاوت الأسعار بين الأحياء المختلفة وبين الريف والحضر. لكن الأمر لم يتوقف علي الغلاء المتتالي وفي ظل غيبة الرقابة الحكومية وغياب القطاع العام والتعاونيات الاستهلاكية وإطلاق يد القطاع الخاص. جري استخدام طريقة جديدة وهي أن لتر الزيت أصبح 800 مجم ثم 700 مجم وكيلو المكرونة كان 800 جرام ثم أصبح 700 جرام ليصبح المستهلك ضحية استغلال مضاعف يشمل ارتفاع السعر وتخفيض الكمية.
هل توقف الأمر عند الطعام والشراب ؟!!
رغم عدم وجود أي دعم للغاز الطبيعي منذ عام 2014 ارتفعت أسعار الاستهلاك المنزلي للغاز الطبيعي بين 2014 و2023 للاستهلاك الشهري أقل من 25 متر مكعب من 40 قرش إلى 2.5 جنيه، من 25-50م3 من جنيه إلى 3.25 جنيه، وأكثر من 50م3 شهريًا من 1.5 جنيه إلى 3.75 جنيه، كذلك أرتفع سعر أنبوبة البوتاجاز المنزلية 12.5 م3 من 8 جنيه إلى 75 جنيه خلال نفس الفترة. ونفس الأمر ينطبق على الكهرباء رغم توقف الدعم منذ موازنة 2019/2020.
أما المنتجات البترولية والتي تم خفض الدعم المقدم لها من 84.7 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 28 مليار جنيه فقط في موازنة 2022/2023 . فقد شهدت قفزات في الأسعار بين عامي 2014- 2023 واخرها الزيادة الأخيرة .وذلك علي النحو التالي:
– بنزين 80 من 1.6 جنيه للتر الي 8.75 للتر ، بنزين 92 من 2.6 جنيه للتر إلي 10.25 للتر ، بنزين 95 من 6.25 إلي 11.50 جنيه.
– السولار من 1.8 جنيه للتر إلي 8.25 جنيه للتر ، والمازوت للطن من 1950 جنيه الي 6000 جنيه.
– الغاز الطبيعي للسيارات من 1.1 جنيه إلي 4.5 جنيه.
أدى ذلك لرفع أسعار النقل بالقطارات والنقل بين المحافظات والنقل داخل المدن.
أما عن أسباب الغلاء فتعود إلى تحرير الزراعة المصرية بالكامل وتحرير العلاقة الايجارية في الأرض الزراعية وإطلاق يد القطاع الخاص فأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح وخامس مستورد للذرة الصفراء في العالم. ولعل أزمة الأعلاف الأخيرة أفضل تعبير عن نتائج هذه السياسات. إضافة إلى عجز الميزان التجاري الذي يتجاوز 43.4 مليار دولار وارتفع قيمة الواردات بالدولار لتصل إلى 87.3 مليار دولار مع ارتفاع سعر الدولار من 7 جنيهات في عام 2014 إلى 30.8 جنيه في 2023 ولازال صندوق النقد يضغط للمزيد من التخفيض لقيمة الجنيه أمام الدولار.
لذلك فإن الغلاء المتوالي ليس قدر محتم لا فكاك منه بل هو نتيجة لسياسات اقتصادية وانحيازات اجتماعية واضحة. وكل ما تفعله الحكومة بالزيادات المتتالية للأجور هو تخفيف مؤقت لحدة الأزمة على موظفي الحكومة. منذ عام 2014 كان الحد الأدني للأجور في الحكومة 1200 جنيه وأصبح الآن 3500 جنيه ولكن ذلك لا يشمل القطاع الخاص المنظم وغير المنظم والذين يشكل 70% من العاملين بأجر بخلاف 10 مليون صاحب معاش ومستفيد لا تزال معاشاتهم لا يتجاوز حدها الأدني 1270 جنيه بعد زيادات 2023 وعلاوة ال 15% الأخيرة.
الأزمة تحتاج إلى علاج جذري وليس لمسكنات وقتية، كل الزيادات في الأجور لا تشمل كل العاملين بأجر وأصحاب المعاشات، إضافة إلى أن الزيادات تؤدي للمزيد من ارتفاع الأسعار التي تلتهم الزيادات وتضعف من قدرتها الشرائية في ظل غياب الرقابة علي الأسعار لتستمر المشكلة.
هل توجد حلول جذرية لمواجهة الغلاء؟
نعم هناك حلول وبدائل تحتاج لإرادة سياسية وتوجهات اقتصادية مختلفة وانحيازات اجتماعية تسعى للحل وليس للتسكين وترحيل المشكلة ومن بين هذه المقترحات:
– عودة الدورة الزراعية وزيادة العمل بالزراعة التعاقدية وصولاً لتحقيق السيادة الغذائية وبما يخفض الواردات مع المزيد من رقابة الدولة علي الأسواق ومنع الاحتكار.
– الاستفادة من البحوث الزراعية في مراكز البحوث وكليات الزراعة لرفع انتاجية الفدان وزيادة جودة المحاصيل الزراعية والانتاج الحيواني والداجني والحفاظ علي التربة الزراعية وتنميتها وتقليل استخدام الأسمدة الكيماوية.
– تشغيل الطاقات العاطلة في المصانع المصرية ووضع خطة لتشغيل وتعويم المصانع المتوقفة ( اكثر من 8500 مصنع ) عن العمل خلال ثلاث سنوات مع ضرورة تكامل الصناعة رأسياً وأفقياً ودعم سلاسل الإمداد وتحقيق توجه نحو التصنيع وتقليل الاعتماد علي المدخلات والمكونات الخارجية.
– إلزام كل المصانع المنتجة بتخصيص جزء من مواردها للبحوث والتطوير مع ربط خطة التنمية الصناعية بعمل مراكز البحوث وكليات العلوم والهندسة والصيدلة بهدف زيادة نسبة المكون المحلي في الصناعة.
– تكامل الأدوار بين وزارتي الخارجية والتجارة وجمعيات المستثمرين ورجال الإعمال وكليات التجارة والاقتصادة لوضع خطط قطاعية لزيادة فرص التصدير تتناسب مع كل قطاع واحتياجات الأسواق الدولية.
– زيادة الاهتمام بالتعليم الفني والمهني والدراسة في كليات الهندسة وربطها بخطط التنمية الصناعية.
– تفعيل الرقابة الحكومية والشعبية علي آليات السوق بما يقضي علي الاحتكار ويساهم في توفير احتياجات المواطنين بأفضل جودة وأقل سعر.
– تطوير دور التعاونيات الاستهلاكية بهدف ضبط أسعار السلع الاستهلاكية ومحاربة مافيا التجار والمستوردين، وإصدار قانون موحد للتعاونيات يكسبها الشخصية الاعتبارية بالإخطار.
– رفع الحد الأدني للمعاشات ليتناسب والحد الأدني للأجور لمواجهة الغلاء الذي يطال الجميع.
– تشكيل مجلس أعلى للأجور يُمثل فيه منظمات العمال وخبراء محايدون، مع إلزام أصحاب العمل بتنفيذ ما ورد في القانون من حقوق للعمال ، وتفعيل دوره في تحديد النسبة الواجبة لزيادة الأجور سنوياً طبقاً لأسعار سلة السلع والخدمات الأساسية، وأن يمثل فيه كافة قطاعات العمال، وليس فقط اتحاد نقابات العمال الحكومي الذي لا يضم سوى عضوية إجبارية نسبتها لا تزيد على 20٪ من القوى العاملة.
– وضع حد أقصى للأجور لا يتجاوز 15 مثل الحد الأدنى للأجور دون أي إستثناءات، والمراجعة السنوية لمستويات الأجور وزيادتها وفقاً لمعدلات الإنتاجية والتضخم.
– عودة التعينات في القطاع الحكومي لتغطية العجز في وظائف التعليم والصحة والعديد من القطاعات الأخري من بين الخريجيين المتعطلين.
– تطوير التشريعات المحلية لتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ومنع تضارب المصالح وفقا للمعاير الخاصة بالاتفاقيات الدولية و التجارب العالمية في هذا الشأن.
– توفير الحماية القانونية والاجتماعية للعمالة غير المنتظمة وعمال وعاملات المنازل، حيث أن قانون العمل الحالي ومشروع القانون المقدم من الحكومة لم يقدم لها شيئاً سوى بعض الإعانات التي يتم صرفها لعدد محدود جداً من العاملين، بينما تعجز الحكومات المتعاقبة عن تقديم حل للمشكلة الأهم في هذا الصدد.
– تعديل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، لإلغاء النصوص التي تمثل إضراراً بالعاملين، بشأن حساب مدة الاشتراك التأميني، خاصة للعمالة غير المنتظمة، وغيرها من النصوص مثل المعاش المبكر وشراء المدد، وإلغاء ما في القانون من تمييز صارخ بين فئات ذات مناصب عليا كالوزراء والمحافظين ونوابهم ووكلائهم وأعضاء مجلس النواب، وبين بقي المؤمن عليهم من ملايين العاملين عند حساب مدة وقيمة المعاش.
– إقرار زيادة دورية لأصحاب المعاشات بما يتلاءم مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وعدم تحديدها بنسبة ثابته في القانون.
هذه حزمة متكاملة من الإجراءات المطلوبة في الزراعة والصناعة والتعليم والبحث العلمي والأجور والمعاشات والرقابة علي الأسواق ودعم تأسيس التعاونيات. أما تمويل زيادة الأجور والمعاشات فيكون من موارد حقيقية في الزراعة والصناعة والتصدير إضافة الي عدالة ضريبية ونظام ضريبي فعال يقلل من الاعتماد علي الديون.
الحلول معروفة ومئات الدراسات شرحتها وفصلتها . ويبقي من الذي ينفذ؟!
لا نريد مسكنات يبتلعها الغلاء ونريد حلول تحقق تنمية في الزراعة والصناعة وتزيد الصادرات فترفع سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخري وتقلل معدلات التضخم بما يشعر به عمال مصر وكادحيها .
“تنويه: ينشر موقع درب الإخباري ملفات ومقالات العدد الثالث من مجلة التحالف والصادر بمناسبة عيدالعمال”