«متزوجة على الورق شرعا مطلقة».. حكايات أسماء وسعاد ونادية مع الطلاق الشفهي: «تركونا كالمعلقة»
في مصر حالة طلاق كل دقيقتين و20 ثانية وأكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر
زوج سعاد طلقها شفهيا وأنكر ذلك أمام القاضي.. ونادية ظلت «معلقة» 7 سنوات قبل أن تنال وثيقة طلاقها
رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون تطالب بنص ملزم بتوثيق الطلاق في قانون الأحوال الشخصية الجديد
رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة: أنا مع حظر الطلاق الشفهي.. يجب أن يقر قانون الأحوال الشخصية الجديد وجوب توثيق الطلاق
أستاذ بـ«جامعة الأزهر»: لا انكر وجود مشكلات تواجه بعض البيوت بسبب الطلاق الشفهي لكن هذا مرده إلى المؤسسات لأن كلام غير جهات الاختصاص يثير البلبلة
كتب- إسلام الكلحي
«زوجي طلقني شفوي ومش عارفه اثبت ده».. كلمات تقولها أسماء، تلخص بها حالها وحال كثيرات مثلها تعرضن لمعضلة الطلاق الشفهي ويخضن معركة إثبات ذلك حتى يتثنى لهن مواصلة حياتهن والزواج مرة أخرى أو على الأقل الحصول على حقوقهم المشروعة.
يرفض زوج أسماء توثيق الطلاق، فيما تسعى هي في الوقت الحالي بالطرق الودية – من خلال أسرتها – لإقناعه بمنحها ورقة طلاقها، ومن ثم اللجوء للقضاء في حال فشل هذه المساعي.
«فى مصر يحدث كل ساعة 106 حالة زواج، وفى الشهر 30900 حالة، أما حالات الطلاق فتحدث حالة طلاق واحدة كل 2 دقيقة و20 ثانية، وفى الساعة 27 حالة، أما اليوم 651 حالة، وأكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر»، بحسب ما أوضح اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، في تصريحات تلفزيونية.
مؤشرات الزواج في مصر خلال العام 2019 كانت 927 ألف حالة، مقابل 870 ألف حالة زواج فى 2018، وهذا يكشف زيادة بمعدل 40 ألف حالة زواج، أما بالنسبة لحالات الطلاق، فإن آخر إحصائية هي 225 ألف حالة فى 2019 مقابل 201 ألف حالة فى 2018، ووفق بركات فإ ن هناك 24 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج يوميا تقع فى مصر.
وأشار رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن الطلاق بسبب الخلع فى مصر نسبته كبيرة أيضا، حيث تم رصد أكبر نسبة أحكام طلاق نهائية بسبب الخلع بعدد 10500 حالة.
وخلال العام 2020، بلغت نسبة الطلاق في مصر 218 ألف حالة طلاق وهذا مقابل 225 ألف حالة في عام 2019، وفقا لتصريحات تلفزيونية، أدلى بها جمال عبد المولي، مدير عام الإدارة العامة للإحصاءات الحيوية بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
رمى اليمين واختفى
نشب شجار بين سعاد فهمي (اسم مستعار) وزوجها، الذي قال لها «أنت طالق» ثلاث مرات، ثم ترك المنزل واختفى
تقول سعاد فهمي، التي تبلغ من العمر الآن 56 عاما، إنها عانت لنحو عام لتثبت وقوع الطلاق شفويا حتى يتثنى لها الحصول على حقوقها من والد أبنائها الأربعة، ومعاش والدها المتوفي.
تتذكر سعاد وقائع طلاقها، قائلة: كنت في أول الأربعينات، وعندي 4 أطفال أكبرهم في 2 جامعة وأصغرهم في الشهادة الإعدادية، وكان ليه 23 سنة متجوزة، وبعد خلاف مع زوجي طلقني بالثلاثة شفهيا واختفى من البيت وفضلت لشهور معرفش عنه حاجه».
سعاد كانت تسكن في «بيت عيلة»، فتواصلت مع أسرة زوجها حتى يتولى مسؤولية الإنفاق على أبنائه الأربعة لكنه رفض، فطلبت توثيق الطلاق حتى تحصل على محرر رسمي يُمكنها من صرف معاش والدها المتوفي لتتمكن من الإنفاق على أبنائها.
«على الورق الحكومي أنا كنت متزوجة بس شرعا أنا مطلقة.. واحد رمى اليمين واختفى وسايبني وفيه أطفال في مدارس وفيه مصاريف مش عارفه أوفرها».. تقول سعاد، التي قررت بعد شهور من الفشل في الحصول بشكل ودي على وثيقة رسمية بالطلاق اللجوء إلى القضاء.
وتضيف سعاد في حديثها لدرب: «اضطريت ارفع قضية طلاق عشان اطلق بشكل رسمي واخد وثيقة اقدر اقدم بيها على معاش والدي واتحرك بيها في الولاية التعليمية وغيرها».
لم تكن سعاد تمتلك المال الذي يُمكنها من توكيل محامي وإقامة دعوى قضائية للطلاق من زوجها، فتوجهت إلى المجلس القومي للمرأة.. «مكنش معايا فلوس.. دهبي كنت بعته وصرفت على ولادي في الشهور السابقة لده، فالمجلس وكل لي محامي».
أثبت محامي سعاد عدم وجود الزوج في مسكن الزوجية من خلال محضر يعرف باسم «محضر هجر»، يفيد بأن الزوج هاجر الزوجة.. أي لا يتردد على مسكن الزوجية إطلاقا، حسبما توضح سعاد.
عقب تحرير محضر الهجر، تقول سعاد: «رفعنا قضية طلاق للضرر لأن الطلاق» حتى يتثنى لها الحصول على جميع مستحقاتها، لافتة إلى أن «الطلاق للضرر ليه شروط عشان تنجح ومتبقاش قضية خلع عشان مستحقاتي المالية ما تضيعش بحسب كلام المحامي اللي قال لي إنتي في عرض كل جنيه».
بعد نحو عام من الطلاق الشفهي، وقف زوج سعاد أمام القاضي وأنكر تماما وقوع الطلاق. كما أن الشهود الذين حضروا واقعة الشجار وقيام الزوج بتطليق زوجته شفيها أنكروا ذلك هم أيضا خوفا من الزوج أو بداعي محاباة قريبهم، حسبما تذكر سعاد.
صدر الحكم بالطلاق، لكن ذلك لم يكن بسبب تيقن القاضي من وقوع الطلاق الشفهي. تقول سعاد: «اللي ساعد في الطلاق محضر الهجر لأن في بيت علية صعب أنك تلاقي حد يقف معاك ضد ابنهم.. الشهود قالوا إنه مطلقنيش وهو كمان قال إنه مطلقنيش، بس القاضي حكم بالطلاق عشان محضر الهجر اللي اثبت وجود ضرر واقع عليه».
ويشار إلى أن المرأة في دعاوي إثبات الطلاق هي المكلفة بإقامة الدليل على صحة دعواها بما مكنتها المحكمة من وسائل الإثبات، وفي حل إنكار المدعي عليه (الزوج) إيقاعه الطلاق وفشل المدعية في إثبات ذلك يقضي المحكمة برفض الدعوى.
دعوات لحظر الطلاق الشفهي
جدد مسلسل «لعبة نيوتن» الذي عُرض في رمضان الماضي وتناول في سياقه الدرامي قضية الطلاق الشفهي الجدل حول الطلاق بهذا الأسلوب، وتعالت الأصوات والدعوات المطالبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإصدار قانون يحظر الطلاق بهذه الكيفية.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعا في كلمة ألقاها في 24 يناير من العام 2017، بمناسبة الاحتفال السنوي بعيد الشرطة، إلى إصدار قانون يقضي «بألا يتم الطلاق إلا أمام مأذون» أي حظر الطلاق شفويا.
وأشار السيسي حينها إلى أنه طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن 40 في المئة من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج معتبرا أن هذه «نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال» المقبلة.
وتعارض هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إصدار قانون يحظر الطلاق الشفهي، معتبرة بأن الطلاق بهذا الأسلوب «مستقر عليه منذ عهد النبي». وأصدرت بيانا في فبراير من العام 2017، بوقوع الطلاق الشفهي المستوفي جميع أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية و بالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق.
ورغم إصرارها على شرعية الطلاق شفويا فان الهيئة أكدت أن «من حق ولي الأمر (أي رئيس الدولة) شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق (للطلاق الشفوي) أو ماطل فيه لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية».
وقال الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، في تصريحات لـ«درب» أن الطلاق الشفهي يقع، وفق ما تؤكد هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية.
وشدد نبوي على أن مسألة الطلاق الشفهي «حساسة» وشأن عام لا يصح أن يتحدث فيها آحاد الناس بل جهات الاختصاص، لافتا إلى أن ذلك «مش مسألة ليها حكم معين هنقولها» وإنما أمر شرعي سيترتب عليه تغيير قانون حال رأت هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء ضرورة ذلك.
وأضاف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أنه فيه حال رصد مشاكل معينة على أرض الواقع فيجب أن نقدمها لجهات الاخصاص بهذا الأمر.
وتابع نبوي الذي ألمح إلى أنه مع بيان هيئة كبار العلماء الذي يقر وقوع الطلاق الشفهي المستوفي جميع أركانه وشروطه: «لا انكر أن هناك بعض المشكلات تواجه بعض البيوت» بسبب الطلاق الشفهي، لكن هذا مرده إلى المؤسسات لأن كلام غير جهات الاختصاص في هذا الأمر يثير البلبلة وعدم الاستقرار والأمان المجتمعي.
ويشار إلى أن «درب» تواصل مع الشيخ الدكتور خالد عمران أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، لمعرفة موقف الدار وهل يمكن أن تحظر الطلاق الشفوي، خاصة في حال تيقنت من كثرة مشكلات الطلاق الشفهي في العصر الحالي، إلا أنه لم يصل – حتى الآن – رد على أسئلتنا من «الإفتاء».
«نفسيتي مدمرة»
مثل سعاد، واجهت نادية عبدالوهاب (اسم مستعار) معضلة الطلاق الشفهي، إلا أنها ظلت «مُعلقة» نحو 7 سنوات حتى تحصل على وثيقة رسمية تثبت أنها امرأة مطلقة مقابل خسارة حقوقها الشرعية.
نادية، التي تبلغ من العمر الآن 45 عاما، هي أم لأربع أبناء (3 فتيات وولد). بعد خلاف مع الزوج، ألقى عليها يمين الطلاق شفهيا ورفض إعطاءها وثيقة تثبت وقوع الطلاق.
تقول نادية في تصريحات لدرب: «كنت من غير شغل ومش قادرة اصرف على الولاد عشان يكملوا تعليمهم وفي نفس الوقت مش قادرة اثبت الطلاق عشان أخد معاش والدي المتوفي، فطلعت العيال من المدارس عشان نقدر نشتغل ونواجه الحياة».
مع رفض الزوج إعطاءها حريتها وتوثيق طلاقها، قررت نادية، التي تعيش في قرية بإحدى محافظات الصعيد، تزويج بناتها أولا ثم السعى بعد ذلك للحصول على ورقة رسمية بالطلاق.. «ركزت في موضوع الشغل، وخدت طريق اجوز البنات الأول واخلص منهم».
تقول نادية: «اشتغلت تمرجية مع دكتورة واشتغلت في بيع الملابس الداخلية الحريمي.. بقيت اشتغل ونخش جمعيات ونجيب حاجات بالقسط وجوزت أول بنت، بعدين التانية».
بعد أن تمكنت من تزويج اثنتين من بناتها الثلاث، قررت نادية أن تطلق نفسها من زوجها – الذي طلقها قبل 7 سنوات – لأنها لا تملك يا ما يُثبت ذلك نظرا لكون الطلاق «شفهي» ولا يوجد شهود يثبون وقوعه، فرفعت قضية خلع، صدر حكمها بعد سنة من إقامة الدعوى.
نجحت نادية في الحصول على حكم بالطلاق لكنها خسرت حقوقها الشرعية كـ«نفقة العدة» و«نفقة المتعة».
«بعد 7 سنين وبعد ما قدرت اجوز 2 من البنات رفعت قضية خلع وقعدت سنة في المحكمة واتحكم لي بالطلاق وخدت معاش والدي 220 جنيه وفضل يزيد يزيد لحد ما وصل لـ320 جنيه»، تروى نادية التي تقول عن معاناة الـ7 سنوات: «كانت نفسيتي مدمرة ومحدش بيحمينا ولا بيصرف علينا.. كنت بقعد ابكي والم عيالي حولي».
وتقول في ختام حديثها لدرب إنها تشعر الآن بـ«نفس التعب اللي حسيته في الـ7 سنين قبل اثبات الطلاق»، لافتة إلى أن «كل ست متجوزة رامية سندها وحملها على جوزها.. بتقوم على حسه وتنام على حسه، وأنا بقيت اللي شايله الحمل والريح يجيبك من ناحية ويحدف فيك يمين وشمال».
قانون الأحوال الشخصية الجديد
ويناقش مجلس النواب الفترة المقبلة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية كانت الحكومة قد قدمته في العام 2020 إلى البرلمان السابق، لكن عدد من منظمات المجتمع المدني وجهت انتقادات لبعض مواده، فأرجيء مناقشته إلى البرلمان الجديد (الحالي). وكان من بين الانتقادات الموجهة لهذا المشروع عدم تقييده للطلاق الشفهي.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي، في تصريحات سابقة، إن الدولة حريصة على خروج قانون الأحوال الشخصية بأفضل صورة ممكنة.
وتقول انتصار السعيد، رئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، في تصريحات لـ«درب» إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد لا بد أن يلزم بتوثيق الطلاق مثلما هو الحال بالنسبة للزواج، وأن يتم توقيع عقوبة على الشخص الذي لا يقوم بتوثيق الطلاق.
وشددت رئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، على ضرورة أن يكون قانون الأحوال الشخصية مدني وموحد «غير مستمد من أي شريعة»، لأن مصر بها أصحاب ديانات أخرى، معتبرة أن «المشكلة الرئيسية» أن القانون مستمد من الشريعة الإسلامية ما يسمح للأزهر أن يتدخل في حين أن الأحوال الشخصية لا بد أن ينظمها قانون مدني.
وأشارت السعيد إلى أن المملكة العربية السعودية حظرت الطلاق الشفوي واشترطت توثيقه بحضور الزوجة أمام المحكمة، مؤكدة أن مصر هي أيضا يجب أن تحظر الطلاق بهذا الأسلوب.
بدورها، أكدت الدكتورة هدى الصده، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة، أنها مع حظر الطلاق الشفهي، مشددة على أنه ترى من الضروري أن يتدخل القانون الجديد لإقرار وجوب توثيق الطلاق، وقالت في تصريحات لموقع «درب»، إنه من غير المنطقي إن تظل «الناس متعقلة» لسنوات.
يذكر أن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، قد قضت في سبتمبر من العام 2020 بعدم الاختصاص الولائي في دعوى إلزام وزير العدل بإصدار قرار بتعديل قانون الأحوال الشخصية المصري، ينص على أن الطلاق لا يعد شرعيا للمتزوجين إلا بتوثيقه رسميا.
وكان وزير العدل السعودي وليد الصمعاني، قد أعلن في مطلع فبراير من العام الجاري، عدم تمكن الراغبين في الانفصال (الطلاق) بتنفيذ رغباتهم إلا بحضور زوجاتهم أمام المحاكم.
وتقول وزارة العدل السعودية إن حظر الطلاق الشفوي هو انتصار للمرأة وكرامتها، لأنه يتم استخدام هذا الحق على نحو غير مشروع للإضرار بالغير، فاحتشدت البيوت بالمطلقات، لأسباب ومسوغات لا ترتقي إلى هدم البنيان على رؤوس ساكنيه، وفقا لصحيفة عكاظ السعودية.