ماذا يحدث في كوريا الجنوبية؟ إعلان الأحكام العرفية يشعل مواجهة بين الرئيس والمعارضة 

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية، متهمًا المعارضة التي تسيطر على البرلمان بالتعاطف مع كوريا الشمالية وبمحاولة تقويض النظام السياسي. أثار القرار، الذي يعيد إلى الأذهان أجواء الحكم العسكري الذي شهدته كوريا الجنوبية قبل التحول الديمقراطي في الثمانينيات، غضبًا واسعًا بين الأحزاب السياسية والشعب، مع مخاوف من تراجع الديمقراطية وتعليق الحريات. 

قال الرئيس يون في بيان طارئ نقلته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية “يونهاب” إن الأحكام العرفية تهدف إلى القضاء على القوى المناهضة للدولة التي “تعمل على تدمير البلاد”. وأضاف: “من خلال إعلان الأحكام العرفية، سأعيد بناء وحماية جمهورية كوريا الحرة التي تواجه تحديات خطيرة. سأقضي على القوى المعادية وأعيد الأمور إلى طبيعتها”. وأكد يون أن هذا الإجراء “لا مفر منه” لضمان استقرار البلاد وسلامة الشعب. 

وأشار يون إلى أن هذه الخطوة قد تسبب “بعض الإزعاج” للمواطنين، لكنه دعاهم إلى التحلي بالصبر، مؤكدًا أن الحكومة تعمل على تقليل هذه المضايقات. 

اتخذت السلطات إجراءات تصعيدية مباشرة بعد إعلان الأحكام العرفية، حيث أغلقت قوات الشرطة مقر الجمعية الوطنية في سول، ومنعت دخول المشرعين. بررت السلطات هذا القرار بأنه يهدف إلى منع “الارتباك الاجتماعي”، لكن المعارضة اعتبرت ذلك انتهاكًا صارخًا للديمقراطية. 

في مواجهة هذه الخطوة، عقدت الجمعية الوطنية جلسة عامة يوم الأربعاء، ومررت مشروع قانون يطالب برفع الأحكام العرفية. شارك في الجلسة 190 نائبًا، صوت جميعهم لصالح الاقتراح، مما جعل إعلان الأحكام العرفية باطلًا ولاغيًا قانونيًا. 

وأكد رئيس الجمعية الوطنية، وو وون سيك، أن البرلمان “يعمل مع الشعب لحماية الديمقراطية”، مشيرًا إلى أن النواب سيبقون في القاعة الرئيسية لحين رفع الأحكام العرفية رسميًا. 

تزامن إعلان الأحكام العرفية مع إضراب نفذه آلاف الأطباء منذ أشهر احتجاجًا على خطط حكومية لزيادة عدد طلاب كليات الطب دون تحسين البنية التحتية. وأعلنت السلطات أن الإضراب يجب أن ينتهي في غضون 48 ساعة، مما أثار توترًا إضافيًا في المشهد السياسي والاجتماعي. 

يواجه الرئيس يون صعوبات كبيرة في تنفيذ أجندته السياسية بسبب سيطرة المعارضة على البرلمان. ويتهم الحزب الديمقراطي، الذي يقوده لي جاي ميونغ، الرئيس باستخدام السلطة التنفيذية لتصفية خصومه السياسيين، بينما يواجه يون ضغوطًا متزايدة بشأن فضائح تطال مسؤولين في حكومته وزوجته. 

في المقابل، تتهم الحكومة المعارضة بعرقلة الميزانية ومحاولة الإطاحة بكبار المسؤولين القضائيين، وهو ما يصفه المعسكر المحافظ بأنه “انتقام سياسي”. 

هذه هي المرة الأولى التي تُفرض فيها الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية منذ عام 1979. يعكس هذا القرار انقسامًا عميقًا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في البلاد. 

وفي ظل استمرار المواجهة بين الرئيس والبرلمان، يبقى مستقبل كوريا الجنوبية معلقًا. هل سيتمكن الشعب والقوى السياسية من تجاوز الأزمة واستعادة التوازن الديمقراطي، أم أن البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من الاضطراب السياسي؟، هذا السؤال لا يزال بلا إجابة واضحة، لكن التطورات القادمة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستسلكه كوريا الجنوبية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *