ماذا يأكل الفقراء في مصر؟| حكاية بوست يروي معاناة المصريين: كيف تحول العدس إلى رفاهية والبيض إلى طعام الأثرياء!
كتب – أحمد سلامة
جرت في النهر مياهٌ كثيرة، ولم يعد الواقع الافتراضي افتراضيًا كما كان، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى حقيقة تمثل الرأي العام وتعبر بشكل أو بآخر عن أفكاره وآلامه، يستوي في ذلك أن نتفق مع تلك الأفكار أو نختلف معها.
عبر “السوشيال ميديا” تتجلى حالة المجتمع، وأوضاعه، وأوجاعه، وأحلامه ورهاناته.. فيمكن بسهولة رصد الفقر المتصاعد والغضب الشعبي جراء ذلك، والسؤال دائم التكرار على الألسنة وفي الألباب “ما الحل وما العمل؟!”.
في تدوينة انتشرت عبر الأيام القليلة الماضية، نشرت صاحبة أحد الحسابات في موقع “فيس بوك” صورة لوجبة غذاء ضمت “بيض وأرز وطماطم”، وجبة بسيطة للغاية، لكنها كانت مثارًا للغط خلال ساعات وكشفت جزءًا كبيرًا من الأزمة التي يعانيها المواطنون في الفترة الآنية.
صاحبة الصورة، علّقت عليها بالقول “لسة راجعة من برة.. لاقيت أمي عملالي العظمة دي..سيبك إنت ربنا بيحلي للفقير لقمتة”.
لكن صاحبة الصورة والتدوين، لم تسلم من مختلف الآراء التي نظرت إلى تلك الوجبة البسطية باعتبارها وجبة “مُكلفة” في ظل أزمة اقتصادية يعاني منها كثير من المواطنين، فالأسئلة التي دارت في التعليقات كانت حول سعر كيلو الأرز أو ثمن البيضة الواحدة، ما يعني تكلفة مرتفعة في نظرهم.
قبل أيام، تم الإعلان عن “قفزة كبرى” في معدل التضخم السنوي في مصر، خلال أغسطس الماضي، بأعلى من المتوقع، إلى مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 بالمائة، مقابل 36.5 بالمائة في يوليو، وهو ما جاء مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمائة على أساس سنوي، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وسبق أن سجل التضخم مستويات غير مسبوقة أيضا خلال الشهرين السابقين إذ وصل إلى 36.5 بالمائة في يوليو و35.7 بالمائة في يونيو.. إضافة لما مثله خفض قيمة العملة ثلاث مرات منذ مارس 2022 من تراجع في القوة الشرائية.
على جانب آخر، شكلت “الحصيلة الضريبية” أزمة أخرى في طريقة “ما كانت تُسمى بالطبقة الوسطى”، إذ يؤكد الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني أنه توجد اختلالات كبرى في العدالة الضريبية وقصور في أجهزة التحصيل. وإذا كانت الموازنة تتحدث عن حصيلة ضريبية في حدود 1530 مليار جنيه فإنها تقع في مجملها على عاتق الفقراء ومتوسطي الدخل.
معاناة المصريين جسدتها تعليقات كثير منهم على التدوينة المشار إليها، والتي جاءت في أغلبها إن لم يكن جميعها، مؤسفة وتؤشر إلى عمق الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.. فكتبت بسمة حمدي “الأكلة ده حضرتك مبقتش للفقراء دي بقت مكلفه جدا”، بينما شرحت “أم حمزة” أسبات اقتناعها بأن الوجبة لم تعد للفقراء فعلا بالقول “فين الفقير ده؟ دا انتوا عاملين طبق بيض لوحده فيه ٨ بيضات ٨×٥ ب ٤٠ ج ناهيك بقى عن الرز والعدس والطماطم ال ب٢٠ ج”.
الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أكد أن التضخم موجع ومستمر لحين تصحيح المسار الاقتصادي، وأنه ليس هناك ما يشغل الناس أكثر من الغلاء.
وقال في مقال بـ(المصري اليوم)، بعنوان (الغلاء.. هل هناك ما يمكن عمله؟): الغلاء سيد الموقف، والناس تلهث وراء الأسعار المرتفعة بشكل متواصل، فى متابعة حثيثة لآخر مستجدات مختلف أنواع الغذاء والخدمات والفواتير المنزلية، متنقلة كل بضعة أيام بين هذه السلعة وتلك، وبين المقارنات للمعروض فى الأحياء السكنية والمناطق المختلفة، كأنها مباراة ساخنة ومحمومة لا يكاد المواطن يقدر على متابعتها.
وتابع: التضخم الرسمى مرتفع للغاية، وقد بلغ فى شهر يونيو الماضى – وفقًا لبيانات البنك المركزى – أحد أعلى المعدلات التى بلغتها مصر فى العقود الماضية، ولكن تجارب المواطنين ومعاناتهم اليومية تتجاوز ذلك بكثير، والخوف مما سيأتى به العام الدراسى المقبل من زيادات فى أسعار المدارس والدروس ومستلزماتها يقلق كل بيت.
وأضاف: الحل الحقيقى والحاسم هو الإصلاح الهيكلى للاقتصاد وإعادته لمسار الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير، ولكنه حل طويل المدى، حتى لو بدأنا تنفيذه اليوم. فهل هناك ما يمكن عمله لمواجهة انفلات الأسعار فى المدى القصير؟.
وقال بها الدين: التضخم حقيقى وموجع، والأرجح مستمر، إلى أن تتخذ الدولة السياسات والإجراءات اللازمة لتصحيح المسار الاقتصادى، ثم تأتى هذه الإصلاحات بمفعولها بما يعالج الخلل من جذوره، ولكن إلى أن يحدث كل هذا، فإن بيدنا اتخاذ ما يلزم للحد من انفلات الأسعار المبالغ فيه، ومن جشع التجار والمحتكرين، ليس بالوسائل القديمة التى لم تعد تناسب واقعنا.
نبتعد قليلا عن كلام الخبراء، لنرصد “حديث المواجع” الوارد في التعليقات على التدوينة.. يقول حساب باسم “أوشا المصري”، وهو حساب لسيدة، “هوا انتوا يعني عارفين أكلة زي دي تتكلف كام دلوقتي معدش فيه أكل رخيص و غالي، الأكل كله بقى مكلف جدااااا، دا العدس لوحده الكيلو بـ 55 جنيه دا لو ماكنش زاد كمان، عندك كمان الرز والبيض و البطاطس و السلطة و الزيت كل ده مش فلوس برده ولا إييييييه”، بينما يقول حساب باسم jone tall “لسه وكلاها حالا، بس من غير بيض وسلطة، والحمد لله والله وولادي اتبسطو جدا وشبعنا وغيرنا مش لاقي عيش حاف
فـ الحمد لله على كل حال، الحمد لله”.
ويضيف، أحمد ضياء “فقير اي يااستاذه ال 8 بيضات دول ب 40 جنيه”، بينما يقول حساب باسم Mamet Hamody “اللي ياكل الأكل ده ميبقاش فقير يا حبيبتي لأن في ناس مش بتلاقي تاكل رغيف بطعميايه سخنة حتى، احمدو ربنا يا جماعة.. لا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم”،
في تقرير سابق، رصدت “درب” حالة المواطنين، وبحثهم الدائم عن بدائل للوجبات، إذ انتشرت فيديوهات عن “كيفية صنع اللحمة منزليا”، و ”بدائل السمك”، “أفكار للتدبير” وغيرها من المقاطع عبر “السوشيال ميديا: و”اليوتيوب” ولاقت إقبالا كبيرًا من المواطنين الذين سحقهم الارتفاع الجنوني في الأسعار.
ويرى خبراء أن تلك الفيديوهات والبحث عنها عبر “السوشيال ميديا” تُعد انعاكسًا لمحاولات المصريين التأقلم مع واقعهم، بينما تثير نفس الأرقام العديد من التساؤلات حول وضع الطبقة الوسطى التي في طريقها للإندثار.
في التقرير، تقول مي حسين، إحدى ربات البيوت التي كانت تتابع فيديو لبلوجر شهيرة عبر (فيس بوك): أقضي وقتًا طويلا للغاية في تصفح الإنترنت كي أخرج بأفكار عن التدبير، أشاهد برامج الطبخ التي تستبدل اللحوم بمنتجات أقل سعرًا وأقل فائدة غذائية، كي أستطيع أن أطعم أولادي الثلاثة، وأشارك زوجي الذي أصبحنا لا نراه لأنه يخرج من عمل إلى آخر ولا يأتي إلا بعد نصف الليل وهو في حالة جسدية ونفسية متردية للغاية.
وتشير مي إلى استغنائها عن كل ما يمكن الاستغناء عنه وعلى الرغم من ذلك تقضي الأسرة نصف الشهر في ديون وجوع لا أحد يعلم مداه، حسب قولها.
ليست مواقع التواصل “انفصالا عن الواقع”، إنما باتت -للحقيقة- مكون رئيسي من مكونات الرأي العام.. لذلك فإن تناول الأوضاع البائسة لكثير من المصريين والتي يعبرون عنها بشكل مبسط لا يضرب في الأعماق، لم تعد مجرد استعراض لحالة بائسة أو شكاوى طبقة بعينها من أزمة طارئة.. وإنما بقدر اتساعها وعمومها أصبحت “مخيفة” وتجعل من المستقبل همًا وعبئًا يخشاه المواطنون مثلما تخشى الفريسة أنياب الوحش الكاسر.