ماذا تجني روسيا من قاعدتها البحرية المرتقبة بالسودان؟ نفوذ لوجستي ومناجم ذهب وسيطرة تجارية وحربية
تعتزم روسيا إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر في السودان، ومنذ سنوات توطد موسكو الاتصالات مع الدولة الأفريقية ووجودها في المنطقة المهمة استراتيجيا، وكشف موقع “دويتش فيله” الألماني عن الأسباب تدفع موسكو إلى إنشاء قاعدة بحرية في السودان؟
وبحسب “دويتش فيله”، إذا كانت الأمور ستسير وفقا لرغبة فلاديمير بوتين، فإن روسيا سيمكنها بناء قاعدة بحرية جديدة في الخارج لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ففي منتصف نوفمبر، كلف الرئيس الروسي وزارة الدفاع بتوقيع اتفاق بهذا الخصوص مع السودان.
وبعد طرطوس في سوريا، لن تكون هذه القاعدة هي القاعدة البحرية الروسية الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فحسب، والتي تزداد أهمية بالنسبة لموسكو، وإنما في العالم كله، باستثناء شبه جزيرة القرم التي ضمتها إليها.
وتنص مسودة الاتفاق أساسا، التي نشرتها روسيا، على إنشاء قاعدة لوجستية ولعمليات الإصلاح على البحر الأحمر. وسيسمح للبحرية الروسية بوضع ما يصل إلى 300 عنصر عسكري هناك، وسيكون بمقدور القاعدة أن تزود ما يصل إلى 4 سفن حربية في وقت واحد، بما في ذلك تلك التي لديها محركات نووية، والأرجح أن المقصود بهذا الغواصات النووية، لأن الأسطول الروسي لديه طراد واحد فقط يعمل بالطاقة النووية هو الطراد “بطرس الأكبر” ويتم حاليا تحديث طراد ثان.
لكن لماذا تحتاج روسيا لقاعدة على البحر الأحمر ولماذا في السودان تحديدا؟ كان للاتحاد السوفيتي ذات مرة قواعد في إثيوبيا والصومال، وبالتالي كان ذلك رد فعل على أمور أخرى منها قاعدة بحرية أمريكية في المحيط الهندي. واليوم، يبدو البحر الأحمر مهما بالنسبة لروسيا، كمنطقة ومنفذ إلى القارة الأفريقية.
ويبرر ضباط البحرية المتقاعدون مثل رئيس أركان البحرية الروسية السابق فيكتور كرافتشينكو في وسائل الإعلام الروسية الحاجة إلى قاعدة في السودان من أجل مواجهة القراصنة في القرن الأفريقي.
وقال كرافتشينكو في مقابلة مع وكالة أنباء انترفاكس “إنها منطقة متوترة”، مضيفا أن “وجود البحرية الروسية هناك ضروري وفي وقت لاحق يمكن أن تتطور منه قاعدة كاملة”.
وقال خبراء لـ DW إن الحفاظ على صورة روسيا كقوة عالمية يلعب أيضا دورا ما. في هذا السياق يقول السفير الألماني السابق في السودان رولف فيلبرتس الذي سبق له أن ترأس مركز معلومات الناتو في موسكو: “تُعرِّف روسيا نفسها على أنها ممثل حاضر في هذه المنطقة المهمة من العالم”. الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وغيرها لها قواعد بحرية في جيبوتي على البحر الأحمر، ووفقا لوسائل الإعلام، أبدت روسيا أيضا اهتماما بإنشاء قواعد لكنها لم تنجح.
ولا يشير الصحفي العسكري الروسي ألكسندر غولز إلى هيبة روسيا فقط، ولكن أيضًا استخراج المواد الخام في السودان والقدرة على “قطع طرق التجارة في حالة حدوث صراع مع الغرب” كأسباب أخرى محتملة لخطط موسكو.
ويتوخى رولف فيلبرتس الحذر بشأن النقطة الأخيرة. وبحسب الدبلوماسي السابق، لا يمكن لروسيا أن تقطع طرق التجارة في البحر الأحمر “فقط” بسبب الوجود الغربي هناك. من وجهة النظر الروسية، بصرف النظر عن صراع محتمل مع الغرب، هناك أيضًا سيناريوهات أزمة إقليمية يمكن أن تجعل الوجود مقبولاً.
تقول أنيته فيبر من مؤسسة برلين للعلوم والسياسة (SWP): “لقد تطور البحر الأحمر إلى بؤرة جيوسياسية ساخنة”، مشيرة إلى الحرب في اليمن، التي تشارك فيها عدة دول في المنطقة، ومنها السودان.
وقالت فيبر “إنها صفقة رائعة بالنسبة لروسيا لأنها تكتسب المزيد من النفوذ”، وتصف الخبيرة السودان بأنه “بالغ الأهمية” من ناحية لطرق التجارة ولكن أيضا بسبب طرق التهريب والهروب التي تمر عبر البلاد.
وحتى سنوات قليلة ماضية، لم تكن روسيا والسودان تعملان معا بشكل وثيق. ولم يبدأ التقارب الواضح إلا في عام 2017، عندما استقبل بوتين الرئيس المستبد آنذاك عمر البشير في سوتشي.
تقول خلود خير من مركز التفكير والعمل في الخرطوم “ISP” Insight Strategy Partners: “كانت تلك إشارة قوية من البشير والحكومة الروسية بأنهما يريدان العمل مع السودان في حين أن دولاً أخرى لن تفعل ذلك”.
وخلفية ذلك هو حقيقة أن السودان مدرج في القائمة الأمريكية لمؤيدي إرهاب الدولة، وأن البشير متهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور من المحكمة الجنائية الدولية. وحالياً يسعى السودان لشطب اسمه من القائمة وإنهاء سنوات العزلة.
في الاجتماع مع بوتين في عام 2017، انتقد البشير الولايات المتحدة، واصفاً السودان بأنه “مفتاح روسيا إلى أفريقيا” وتحدث عن قاعدة بحرية، على ما يبدو حماية ضد واشنطن. ثم وردت تقارير عن قيام شركات روسية بالتنقيب عن الذهب في السودان وعن وجود مرتزقة من جيش خاص مشكوك فيه يُدعى “مجموعة فاجنر”. وعندما اندلعت الانتفاضة ضد البشير في نهاية 2018، قيل إن هؤلاء المرتزقة قدموا مشورات لقواته الأمنية، حسب ما أوردته صحيفة “تايمز” البريطانية. وأكدت موسكو وجود جيشها في السودان لكنها نفت التكهنات بشأن مشاركتها في قمع الاحتجاجات.
منذ سقوط البشير في أبريل 2019، يحكم السودان “مجلس سيادي” مكون من مدنيين وعسكريين. وتقول خلود خير: “الجيش أقوى. وروسيا واصلت اتصالاتها مع الخرطوم بفضل الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي”، نائب رئيس “مجلس السيادة” عبدالفتاح البرهان، وبحسب خير فإن حميدتي هو “الرجل الأكثر نفوذاً في البلاد”.
وتقول خلود خير: “لقد استخدمت روسيا كل طاقاتها، في السابق مساندة للبشير، وهي الآن مع حميدتي لأسباب من بينها أنها تشارك في المادة الخام الأكثر ربحية في السودان ألا وهي “الذهب”.
وأضافت الخبيرة بمركز التفكير والعمل “ISP” في الخرطوم “هناك مصادر موثوقة للغاية تفيد بأن جنودا روس وشركات أمنية خاصة روسية يحرسون مناجم الذهب في الشمال التي يقال إنها مرتبطة بحميدتي”، الذهب هو أحد مصادر الدخل الرئيسية للاقتصاد السوداني الذي يعاني من العقوبات والفساد والتضخم.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا تعتبر السودان نقطة انطلاق في المنطقة أم لا. والحقيقة هي أن المستشارين العسكريين والمرتزقة الروس شوهدوا في دولتين متجاورتين على الأقل للسودان هما ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. ويبدو أن هذا جزء من استراتيجية موسكو لإحياء العلاقات التي كانت قائمة منذ الحقبة السوفيتية وإقامة روابط جديدة، كما في حالة السودان. وكانت إحدى الخطوات في هذا الاتجاه هي القمة الروسية الأفريقية الأولى في سوتشي في خريف 2019، والتي حضرتها أيضًا القيادة السودانية الجديدة.