لماذا يضغط أردوغان وحلفاؤه لحظر حزب الشعوب الديمقراطي؟ تكتيك انتخابي ومحاولات لتفكيك المعارضة
ضغوط ومحاولات مستمرة يبذلها نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لحظر حزب الشعوب الديمقراطي، الداعم للأكراد، الذي يعد واحدا من أكبر الكتل المعارضة له، الأمر الذي من المتوقع أن ينتج تغيرا كبيرا في المشهد السياسي بالبلاد قبل سنتين من الانتخابات التشريعية والرئاسية.
الأربعاء الماضي، قدم مدع عام تركي، التماسا إلى المحكمة العليا للمطالبة بحظر الحزب الشعوب الديمقراطي، وإغلاق مقرّاته ومنعه من المشاركة في الحياة السياسية، لاتهامه بممارسة ما وصفها بأنها “أنشطة إرهابية”، قائلا إن الحزب “يتصرف كامتداد لحزب العمال الكردستاني”، الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”، وهو الأمر الذي ينفيه حزب الشعوب.
المدعي التركي اتهم أعضاء الحزب بـ”نسف الوحدة بين الدولة والأمة”، مطالبا بحظر 600 منهم من ممارسة العمل الحكومي، الأمر الذي من شأنه أن يمنعهم من تشكيل حزب جديد في حال تم حظر الحزب، ومن المقرر أن تقبل المحكمة الدستورية القرار الاتهامي لتحديد موعد لبدء المحاكمة.
وصباح الجمعة الماضية، اعتقلت السلطات التركية 32 مسؤولاً محلياً من حزب “الشعوب الديمقراطي” في أنقرة واسطنبول وأضنة.
وفي مطلع مارس، توعد نائب رئيس تكتل نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان التركي، جاهد أوزكان، بحل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، متهما إياه بـ”خداع ناخبيه”.
وقال، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “زمان” التركية: “التحالفات السرية والمعلنة، التي شكلتها الأحزاب الخمسة المعارضة رغم عدم تشابه وجهات نظرها ليست لديها رؤية واضحة بشأن كيفية التعامل مع قضية رفع الحصانة عن النواب الأكراد”.
وأضاف: “رفع الحصانة عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي هدفه فتح المجال أمام رفع قضية لحل الحزب.. سنغلق الحزب الكردي سياسيا وقضائيا، وسنقضي عليه في ضمير الشعب التركي”.
وتابع: “6 ملايين مواطن صوتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي راغبين في السلام مستندين إلى خطابات الديمقراطية والحرية التي يدلي بها أعضاؤه من حين لآخر، لم يصوتوا له كي يتبع التنظيم الإرهابي، ولا لينتفع التنظيم الإرهابي منه”.
في تعليقه، دعا “الشعوب الديمقراطي” القوى الديمقراطية وقوى المعارضة الاجتماعية والسياسية والشعب التركي للاصطفاف معا، ضد الإجراءات بأنه “انقلاب سياسي”، متهما أردوغان بـ”استخدام القضاء كأداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي”.
وواصل: “عدوانية أردوغان وحكومته دليل على ذعرهم، لكننا لن نرضخ أو نستسلم مهما فعلوا وسنواصل المقاومة الديمقراطية بكل تصميم”.
وغالبا، ما يُتهم حزب الشعوب الديمقراطي بصلاته مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي المحظور، حيث وصف وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، حزب الشعوب الديمقراطي وأعضائه بأنهم “عملاء رسميون للإرهابيين”، نافيا حق الحزب في الوجود، وقال صويلو “الحزب الذي لا يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ولا ينأى بنفسه عنه لا يمكن أن يكون حزبا سياسيا في هذا البلد”.
ووفقا لـ”دويتش فيله”، قبل ذلك بفترة وجيزة، أصدر أمرا باعتقال أكثر من 700 من رؤساء المقاطعات والمناطق التابعة للحزب الكردي. وسبق ذلك الحادثة التي تم العثور خلالها على 13 رهينة تركية ميتين في كهف جبلي في كردستان العراق. وعلى الرغم من ارتكاب الحكومة التركية لأخطاء خلال عملية تحرير الرهائن، إلا أنها تلقي باللوم على الحزب الكردي في مأساة الرهائن.
ولإثبات أن حزب الشعوب الديمقراطي “حزب إرهابي”، نشر وزير الداخلية التركي صورًا تجمع الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي برفين بولدان وقائد حزب العمال الكردستاني مراد كاراييلان.
ويرى العديد من الخبراء والمراقبين في هذه الخطوة محاولة خداع باعتبار أن التقاط هذه الصور كان بين عامي 2013 و2015، وهي فترة كان يفاوض خلالها حزب الشعوب الديمقراطي رسميًا ميليشيات حزب العمال الكردستاني الإرهابية، حينما كانت الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني يعملان معاً على بدء عملية سلام في ذلك الوقت، لكنها باءت بالفشل.
الإجراء الحكومي جاء بعد محاولات كثيرة من زعيم حزب “الحركة القومية” اليميني وحليف حزب “العدالة والتنمية” الحاكم دولت بهجلي، لحظر “الشعوب الديمقراطي”.
ومنذ الانتخابات المحلية في مارس من العام الماضي، رفعت الحكومة التركية ضغطها بشكل مطرد على الحزب الكردي ذو التوجه اليساري، بعد إقالة معظم رؤساء البلديات والمجالس في المقاطعات الـ65 التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي بالانتخابات واستبدالهم بمسؤولين إداريين قادمين من أنقرة.
ولم يتبق للحزب الكردي سوى 6 مقاطعات صغيرة يحكمها، فيما يقبع العديد من مسؤوليه في السجن، بمن فيهم الزعيمان السابقان للحزب صلاح الدين ديميرطاش وفيجين يوكسيكداج.
وتأتي دعوات حظر الحزب في نطاق التكتيكات الانتخابية، بعد النتائج الجيدة التي حققها “الشعوب الديمقراطي” في الانتخابات البرلمانية في 2015، التي لم تمكن حزب أردوغان المحافظ من الفوز بأغلبية مطلقة، ما دعا النظام إلى دفع الحزب المعارض إلى ما دون حاجز الـ 10%، حسب قول الخبير السياسي التركي بيرك إيسن من جامعة سابانجي.
كما أن المطالبة بالحظر هي إشارة إلى أن حزب الحركة القومية نفسه في أزمة، كما يقول إيسن، حيث تظهر أحدث التوقعات أن الحزب القومي لن يتجاوز حاليًا عتبة 10%.
ويحاول القوميون وضع “العدالة والتنمية” في مسار موقفهم وقطع الطريق أمام تحالفات بديلة من خلال اتخاذ مسار أكثر راديكالية”.
وتسود في الوقت الحالي تكهنات في صفوف الرأي العام التركي فيما إذا كان حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان سيغير شريكه في الائتلاف الحكومي حزب الحركة القومية بحليف قومي آخر هو حزب “الخير” (IYI) القومي.
يعتقد كثير من الخبراء السياسين الأتراك، ومن بينهم بيرك أيسين، أن الحكومة التركية تحاول تشتيت صفوف المعارضة باستخدام القضية الكردية الحساسة للغاية، حيث تقوم حسابات السلطة، حسب مراقبين، على التالي: كتلة المعارضة تضم الجمهوريين ممثلين بحزب الشعب الجمهوري وحزب “الخير” (IYI) القومي، وأي تقارب بين هذين الحزبين وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد الذي تتهمه الحكومة بـ”الإرهاب” قد يردع قاعدة الناخبين الأساسيين لديهما.