لعنة التدوير تطارد الجميع: بعد الإفراج وقبل الافراج ومن قضية لقضية.. أرقام قياسية تحت شعار “لن يخرج أحد” (تفاصيل وقضايا)
القضية 855 لسنة 2020 شاهدة على نمط جديد للتدوير: قضية جديدة والمعتقل قيد الحبس الاحتياطي في القضية القديمة
كتب- كريستين صفوان وحسين حسنين
انتهاك لسنوات تمارسه قوات الأمن ضد معتقلين سياسيين، أطلق عليه البعض مصطلح “تدوير” أي اتهام المعتقل في قضية جديدة بنفس الاتهامات فور إطلاق سراحه في القضية القديمة التي كان على ذمها.
الجديد هنا هو استخدام أنماط مختلفة للتدوير، فبعد أن كان المتهمين الصادر في حقهم قرارات إخلاء السبيل أو من تم إخلاء سبيلهم بالفعل، يتم تدويرهم في قضايا جديدة، أصبح الأمر الآن يحدث مع معتقلين لم يصدر لهم قرارات إخلاء السبيل من الأساس.
ولعل القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، أكبر مثال على هذا النمط الجديد من التدوير والانتهاك، خاصة وهي القضية التي تضم حتى الآن 3 متهمين، بينهم اثنين مازالا قيد الحبس الاحتياطي، والثالث أخلي سبيله.
عمرو إمام
وفي 26 أغسطس الجاري، كشفت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، عن تدوير المحامي عمرو إمام من داخل محبسه في قضية جديدة بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية.
ويشار إلى أن إمام محبوس احتياطيا منذ عشرة أشهر على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٤٨٨ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة عليا بدعوى بمشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
ومثُل إمام في 25 أغسطس الجاري أمام الدائرة الأولى جنايات إرهاب القاهرة للنظر في أمر مد حبسه من عدمه على ذمة القضية رقم ٤٨٨ لسنة ٢٠١٩، حيث قررت المحكمة تجديد حبسه لمدة ٤٥ يومًا، لكن تفاجأ محاموه وزملائه في اليوم التالي بتواجده بنيابة أمن الدولة للتحقيق معه وتدويره في قضية جديدة، بحسب ما ذكرت «الشبكة العربية».
تدوير محمد صلاح
وقبل تدوير إمام في القضية الجديدة بيومين، كشف محامون وأصدقاء للناشط السياسي محمد صلاح، في 24 أغسطس، عن تدوير «صلاح» في قضية جديدة أمام نيابة أمن الدولة العليا، وإصدارها قرارا بحبسه 15 يوما على ذمة القضية الجديدة.
وأعلنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في اليوم التالي، تفاصيل القضية التي تم تدوير «صلاح» على ذمتها بعد قرار محكمة الجنايات إخلاء سبيله على ذمة قضيته الأولى.
وقالت المؤسسة، في بيان مقتضب على موقعها الرسمي، إن نيابة أمن الدولة، قررت حبس محمد صلاح 15 يوما احتياطيا، بعد التحقيق معه في القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، بدعوى الانضمام إلى جماعة إرهابية، وتمويل تلك الجماعة، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة باستخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.
يأتي ذلك بعد شهر من قرار محكمة الجنايات بالقاهرة، بإخلاء سبيله بتدابير احترازية على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وعدم استئناف النيابة على القرار.
وظل صلاح طوال الشهر رهن الاحتجاز دون معرفة أسباب عدم تنفيذ قرار إخلاء سبيله في القضية، حتى فوجئ المحامون بظهوره في نيابة أمن الدولة العليا ليتم التحقيق معه مجددا.
وألقت قوات الأمن القبض على صلاح في نوفمبر 2019 بصحبة المصورة المحبوسة سولافة مجدي وزوجها المصور حسام الصياد. وظهر في اليوم التالي في نيابة أمن الدولة متهما على ذمة القضية 488.
ويواجه صلاح اتهامات ببث وإذاعة ونشر أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
رضوى محمد
وفي نفس اليوم، 26 أغسطس قال المحامي نبيه الجنادي إنه تم التحقيق مع رضوى محمد المحبوسة منذ نوفمبر الماضي في قضية جديدة رقم 855 لسنة 2020 دون إبلاغ محاميها أو أسرتها.
وأضاف الجنادي أنه تم اتهام رضوى بالانضمام إلى جماعة إرهابية وعقد اجتماعات داخل السجن لاستقطاب عناصر جديدة واستخدام الزيارات وجلسات النظر لنقل المعلومات للخارج.
وقال الجنادي: للأسف، علمت اليوم بإحضار رضوى محمد من محبسها إلى مقر نيابة أمن الدولة “دون إبلاغي أو إبلاغ أسرتها” للتحقيق معها علي ذمة قضية جديدة وهي 855 لسنة 2020.
ووجهت لها نيابة أمن الدولة اتهامات “الانضمام الي جماعة إرهابية، وعقد اجتماعات داخل السجن لاستقطاب عناصر جديدة واستخدام الزيارات وجلسات النظر في أمر تجديد الحبس لنقل المعلومات للخارج”.
يذكر أن رضوى محبوسة احتياطيًا علي ذمة التحقيقات في القضية رقم 488 لسنة 2019 منذ نوفمبر 2019، والمعروفة إعلاميا بقضية “فخ اصطياد المعارضين”.
3 قضايا و30 شهرا في الحبس
وفي 9 أغسطس، كشفت إيمان البديني، زوجة محمد القصاص، نائب رئيس حزب «مصر القوية»، عن تدويره على قضية ثالثة بعد إخلاء سبيله منذ يومين ثاني قضايا حبسه.
وقررت محكمة الجنايات في جلستها المنعقدة، الأربعاء الماضي، إخلاء سبيل القصاص على ذمة القضية رقم 1781 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، ولم تستأنف النيابة على القرار.
وقال إيمان البديني «فوجئنا بنزول محمد القصاص لنيابة أمن الدولة وعرضه على ذمة القضية رقم ٧٨٦ لسنة ٢٠٢٠ على نفس ذات التهم التي كان متهم بها في قضية رقم ١٧٨١ لسنة ٢٠١٩ واللي تم اخلاء سبيله منها بقرار من محكمة الجنايات يوم الأربعاء ٥ أغسطس».
وتعد هذه ثالث قضايا اتهام محمد القصاص بنفس الاتهامات السابقة، وثاني قرار بتدويره على قضية جديدة بعد إخلاء سبيله، لأكثر من 30 شهرا في الحبس الاحتياطي.
بداية رحلة الحبس الاحتياطي والانتهاكات وظروف الحبس السيئة للقصاص كانت في 12 فبراير 2018، ليلة القبض عليه القصاص من منزله واقتياده وقتها لجهة غير معلومة، تزامنا مع حملة اعتقالات شنتها قوات الأمن في نفس الوقت على أعضاء وقيادات حزب “مصر القوية”.
ظهر القصاص سريعا في نيابة أمن الدولة العليا، وتم إدراجه متهما على ذمة القضية رقم 977 لسنة 2018 حصر أمن دولة، والتي كانت تعرف وقتها إعلاميا باسم «قضية مكملين 2».
وفي 9 فبراير 2020، أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارها بإخلاء سبيل القصاص بضمان محل إقامته، وذلك بالتزامن مع إكماله عامين من الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون.
وأثناء انتظار خروج القصاص، فوجئ محاميه بتعرضه للاحتجاز بدون وجه حق، وبعدها جرى ترحيله إلى نيابة أمن الدولة العليا مجددا، الذي قامت بتدويره على قضية جديدة. وبنفس الاتهامات التي حبس بسببها القصاص عامين، قررت النيابة في مساء يوم 12 فبراير الماضي حبسه 15 يوما، على ذمة القضية رقم 1781 لسنة 2019 حصر أمن دولة، أي أن جميع التهم الموجهة إليه وقعت أثناء فترة احتجازه.
«استخسروا الفرحة»
قصة أخرى بطلها المدون شادي أبو زيد، شادي أبو زيد، مراسل برنامج “أبلة فاهيتا”، والذي قررت محكمة جنايات القاهرة بتاريخ 4 فبراير، إخلاء سبيله ضمن مجموعة أخرى من المتهمين في قضايا سياسية.
أخلت المحكمة سبيل شادي بعد حوالي عام و8 أشهر من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، والذي واجه فيها اتهامات بنشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها وغيرها من الاتهامات الثابتة.
وفوجئ المحامون خلال إنهاء إجراءات إخلاء سبيله، بنزوله متهما على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 1956 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بالاتهامات ذاتها، استنادا لتحريات الأمن الوطني التي تقول إنه «خلال فترة الاحتجاز أجرى لقاءات واجتماعات مع عناصر أخرى بهدف الإضرار بالأمن القومي».
«استخسروا يدخلوا الفرحة بيتنا برجوع شادي».. هكذا علقت رولا، شقيقة شادي على نبأ تدويره في القضية الجديدة، والتي أكملت “ماكنتش قادرة أتكلم من الصدمة، استخسروا فيه جزء من الحرية”.
أضافت رولا: «الخصومة مع شادي شكلها شخصية ومعرفش مين ممكن يبقى جواه الكره ده من ناحية واحد لاحول ليه ولا قوة وشايف أنه لسة ميخرجش دلوقتي بعد ما سجنه ٢١ شهر شفنا فيهم كل حاجة وحشة ممكن تحصل ووفاة بابا ومرضه قبليها من غير ما يشوف شادي».
مطالب بتنفيذ الإفراج الفعلي
في 19 مايو الماضي، طالب كل من راجية عمران وكمال عباس وجورج إسحق، أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، بمراجعة شاملة لملف المحبوسين احتياطيا والإفراج عن كل من تجاوز المدد القصوى للحبس الاحتياطي التي لا يجوز في جميع الأحوال أن تتجاوز سنتين.
وشدد عضوا المجلس القومي لحقوق الإنسان في بيان صحفي على ضرورة أن يتم تنفيذ الإفراج الفعلي عمن تجاوزوا مدة الحبس الاحتياطي، ودون إعادة حبسهم على ذمة قضايا جديدة، (في إشارة للتدوير وإعادة حبس المفرج عنهم على ذمة قضايا جديدة).
وفي 7 مايو الجاري، كشف محامون عن قرار نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل الصحفيين مصطفى الأعصر ومعتز ودنان على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا.
ألقي القبض على الصحفيين في فبراير 2018، ومنذ ذلك الحين ولأكثر من 26 شهرا، رهن الحبس الاحتياطي بمخالفة القانون الذي ينظم فترة الحبس على ذمة قضية لم يصدر فيها حكم.
ولكن بعد يومين فقط، علم المحامون بأن الأعصر ومعتز في نيابة أمن الدولة للتحقيق في قضية جديدة، لتبدأ معها سلسلة جديدة من جلسات التجديد.
أنواع التدوير
وبحسب المحامي الحقوقي البارز والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، فإن هناك نوعين من التدوير، الأول هو إخلاء سبيل المتهم وقبل إطلاق سراحه يختفي مدة من الزمن ثم يظهر متهما في قضية جديد، والنوع الثاني هو اعتقال المتهم نفسه ولكن بعد الإفراج عنه بمدة.
ومن بين المحبوسين الذين تم اتهامهم بقضية جديدة خلال فترة المراقبة، المدون والناشط علاء عبد الفتاح، والذي ومن أشهر حالات التدوير من النوع الثاني سالف الإشارة، حيث بدأ عبد الفتاح بتنفيذ عقوبة المراقبة كشرط من شروط الحكم، في مارس من العام الماضي، بعدما غادر محبسه بطرة، وعلى الرغم من احتجازه وقت تظاهرات 20 سبتمبر، تم اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة.
وفي 29 سبتمبر من العام الماضي، أثناء انتظار والدته الدكتورة ليلى سويف خروج نجلها من قسم شرطة الدقي لانتهاء موعد المراقبة، فوجئت بالقبض عليه، حيث اصطحبته مأمورية من قوات الشرطة من القسم إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق، حيث ظهر علاء في اليوم التالي على ذمة القضية رقم ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة.
وخلال التحقيقات مع علاء وأثناء حضور محاميه، قررت النيابة التحفظ على المحامي محمد الباقر وضمه لنفس القضية أثناء حضوره التحقيقات معه. وقررت النيابة حبسهما ١٥ يوما على ذمة القضية رقم ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة، بتهمة مشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
يشار إلى أن القبض على علاء عبد الفتاح في المرة الأولى، كان في 28 نوفمبر 2013، بتهمة التظاهر بدون ترخيص في القضية المعروفة إعلاميا بـ«أحداث مجلس الشورى».
وفي أول تجديد حبس لعلاء عبد القبض عليه، قال لأسرته وللمحامين أنه تعرض للتعذيب بمجرد وصوله لسجن طره شديد الحراسة «العقرب» بقيام عدد من قوات الأمن بالاعتداء عليه في «تشريفة» فور وصوله.