لا لتركيع الإعلام| مطالبات للرئيس التونسي بسحب المرسوم 54 المثير للجدل: يقنن حبس الصحفيين ويعيد انتهاكات “الدولة البوليسية”
كتب- محمود هاشم:
أثار مرسوم الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي حمل رقم 54، والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، انتقادات واسعة بين الأوساط الصحفية والحقوقية، خاصة مع ما أشاروا إليه من استغلال المرسوم في التضييق على الصحفيين خلال تغطية الانتخابات النيابية الأخيرة في البلاد.
وأكد صحفيون ومختصون أن المرسوم يضع كل من يعبر عن رأيه في تونس تحت طائلة الملاحقة القضائية، ويعود بالبلاد إلى مربع الدكتاتورية وتركيع الإعلام، واصفين إياه بأنه “انحراف خطير يعيد إلى الأذهان الدولة البوليسية”، ويمثل انتهاكا جديدا لحرية الصحافة والإعلام.
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، دعت قيس سعيد إلى سرعة سحب المرسوم الذي تضمّن – بالإضافة إلى فصول مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال – العديد من العقوبات الزجرية التي تفتقد إلى التناسب بين الفعل والعقوبة باعتبار أن جرائم النشر لا يمكن أن تكون عقوبتها السجن لـ5 أو 10 سنوات، كما تضمن توجها متشددا في التعامل مع قضايا مختلفة منها التعبير والنشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضافت أن المرسوم يتعارض مع الفصل 55 من الدستور، الذي ينص على عدم ممارسة الرقابة المسبقة، من خلال تقنين إجراءات التنصت العشوائي على المواطنات والمواطنين، بينما تفتقد العقوبات الواردة بالنص إلى مبدأ التناسب والتراتبية، حيث نص الدستور على أن أي تقييد للحريات يجب أن يكون ضرورة تفرضها الدولة المدنية الديمقراطية ودون أن يمس من جوهر الحريات، وهو ما تم تجاوزه تماما في هذا المرسوم.
كما حذرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من أن المرسوم يهدد ضمانات حرية الصحافة والتعبير والنشر، باعتبار تدخله في اختصاصات المرسوم 115، ويعطي السلطة ذريعة للتهرب من المراسيم المنظمة للقطاع، ويتعمد تتبع الصحفيين على معنى قوانين جديدة تعسفية لا علاقة لها بالمهنة، خاصة مع الخلط المتعمد في هذا المرسوم بين جرائم أنظمة المعلومات وقضايا نشر الأخبار الزائفة في حين أنها مجالات مختلفة من المفترض أن تُنظم بقوانين خاصة ومحددة بدقة حتى لا ينال من الحريات.
وأكدت أن إصدار المرسوم يؤكد توجه السلطة في تونس نحو تكريس منظومة تشريعية وسياسية تضرب الحقوق والحريات وتحرم المواطنات والمواطنين من حقهم في التعبير والنشر ويجعلهم مهددين بالسجن في أي لحظة، خاصة أن المرسوم الجديد لم يضمن أي حقوق ولم يضع في اعتباره ضرورات الدولة الديمقراطية المدنية حسب الدستور.
وتابعت: “السلطة في تونس دأبت على نشر الاخبار الزائفة والاشاعات والتعتيم على الحقائق، بل وتورطت في تعمد نشر أخبار زائفة أو موجهة هدفها توجيه الرأي العام وإلهاءه، وهي المعنية اكثر بمحاسبة نفسها ومسؤوليها على كل ما يُرتكب يوميا في حق المواطن من تعتيم وأخبار زائفة تهم حياة المواطنات والمواطنين”.
نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، انتقد في مداخلته عبر موجات الإذاعة الوطنية التونسية تواصل منهج الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمحاولة الانفراد بتنظيم عمل وسائل الإعلام، والتهديد باستعمال المرسوم 54 لتخويف الصحفيين ووسائل الإعلام من التعاطي النقدي مع المسار الانتخابي وأداء هيئة الانتخابات.
وأوضحت نقابة الصحفيين التونسيين في بيان، الأربعاء 14 ديسمبر 2022، أنه تواصلا لمنهج الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمحاولة الانفراد بتنظيم عمل وسائل الإعلام وحصرها ضمن صلاحياتها، تواترت محاولات التضييق على الأصوات الناقدة للمسار الانتخابي وللهيئة ومدى نجاعة عملها، حيث وجهت الهيئة مراسلتين للفت نظر وسائل الإعلام لما اعتبرته “نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام” على إثر انتقاد استقلاليتها ونجاعة عملها وحدود ولايتها على المسار الانتخابي.
ووجهت الهيئة “تنبيها” لموقع « Business news » على خلفية نشره مقالا ينتقد فيه الولاية الكاملة لهيئة الانتخابات و”السطو على صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري”. واعتبرت الهيئة محتوى مقال الرأي المنشور على الموقع بعنوان “هيئة الانتخابات في تونس – ولاية كاملة دون سواها… ثم ماذا بعد؟؟”، اعتبرته “بثا للأخبار الزائفة” ملوحة بالملاحقة الجزائية على معنى الفصل 24من المرسوم 54 سيء الذكر المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والفصل 54 من المرسوم 115 في حال العود.
كما وجهت الهيئة “لفت نظر” إلى إذاعة « Son FM » التابعة لمنظمة أنا يقظ حول محتوى برنامج حواري بث في30 نوفمبر 2022 يعتبر أن الهيئة لها تأثير سلبي على المسار الديمقراطي . ولوحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالملاحقة الجزائية للإذاعة على معنى الفصل 24 من المرسوم 54 سيء الذكر في حال العود.
وأدانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ما وصفته بـ”الانحراف الخطير” لدور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في اتجاه تركيز جهاز رقابة على الآراء والأفكار بدعوى مراقبة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية ومحاولة لتحصين نفسها من كل نقد قد يطال اشرافها على الانتخابات التشريعية في توجه لتحميل أي فشل قد يطال مهامها لوسائل الإعلام.
وشددت على أن ممارسات الهيئة تدخل ضمن خانة “الضغط” بهدف توجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام والمجرمة بمقتضى الفصل 11 من المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة والطباعة والنشر وتذكرها أنه “لا يجوز مساءلة أي صحفي على رأي أو معلومة ينشرها طبق أعراف المهنة وأخلاقياتها” وأن مثل هذه الممارسات تمكن الصحفيين/ات من ملاحقة الهيئة جزائيا على خلفية التضييقات التي تمارسها عليهم.
كما نبهت إلى أن هذه الممارسات تهدف إلى التغطية على جملة التجاوزات والإخفاقات التي رافقت عمل هيئة الانتخابات خاصة من خلال التهديد بالمرسوم 54 في مساع من رئيس الهيئة إلى وضعها في مكانة فوق النقد، وحذرت هيئة الانتخابات من مواصلتها في نهج تهديد الصحفيين ووسائل الإعلام، باعتبار أن حرية الصحافة والتعبير مكسب حققته الثورة بدماء الشهداء والجرحى ونضالات أجيال من التونسيات والتونسيين لن يتم السماح لهيئة الانتخابات ولا لغيرها بتهديد هذا المكسب.
وقال الصحفي خالد درارني، ممثل “مراسلون بلا حدود” في شمال إفريقيا، إن تحويل القوانين القائمة إلى وسيلة لملاحقة الصحفيين يحمل في طياته انحرافاً خطيراً يعيد إلى الأذهان تخبط الدولة البوليسية في العهد السابق تحت حكم بن علي.
وأضاف أن هذه الانتهاكات الجديدة التي تطال حرية الإعلام تؤكد بشدة الحاجة الملحة إلى حماية أفضل لممارسة الصحافة في تونس، ما يستدعي التدخل العاجل عوض اللامبالاة الحالية التي تلف هذه القضية، داعيا مجلس النواب المستقبلي أن يضع حرية الصحافة ضمن أولوياته قبل أن يفوت الأوان وتضيع منجزات ثورة 2011 بالكامل
وأوضح درارني، في بيان الخميس 15 ديسمبر 2022، أن قضية حرية الصحافة لم تكن جزءاً من أي نقاش رئيسي خلال الانتخابات النيابية، رغم أن الأسابيع الأخيرة شهدت انتهاكات خطيرة لهذا المبدأ الأساسي، حيث حُكم على صحفي بالسجن لمدة عام بعد نشره مقالاً عن تفكيك خلية إرهابية فيما استُدعي آخر واستُجوب على خلفية مقال ينتقد عمل الحكومة.
وحُوكم الأول بموجب قانون مكافحة الإرهاب، فيما استُخدمت في محاكمة الثاني الأحكام المثيرة للجدل المنصوص عليها في القانون رقم54 الصادر مؤخراً والمتعلق بالجرائم ذات الصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات، عوض الاحتكام إلى الإطار التشريعي القائم المتعلق بالصحافة.
وأكدت “مراسلون بلا حدود” أن الحكم الصادر في 29 نوفمبر 2022 بالسجن لمدة عام على خليفة قاسمي سابقة خطيرة في تاريخ الصحافة التونسية، حيث مثل صحفي إذاعة موزاييك إف إم أمام محكمة مختصة بقضايا الإرهاب، وذلك على خلفية مقال نشره حول تفكيك خلية إرهابية بتهمة “إفشاء معلومات متعلقة بعمليات اعتراض والمعطيات المجمعة منها”.
وبينما اعتبرت السلطات القضائية أن الصحفي أضر بسير التحقيق من خلال نشره تلك المعلومات، أكد محاموه أن المقال لم يعرقل عملية التفكيك بأي شكل من الأشكال، بل إنه قدَّر “جهود أفراد الأمن” وأن لا شيء يبرر اعتقاله ومحاكمته على أساس قانون الإرهاب، إذ لم يكن هناك أي دليل على وجود دافع له صلة بالإرهاب، وقد أعلن الصحفي نيته استئناف الحكم.
ولم يُؤخذ بعين الاعتبار ما ينص عليه الفصل 11 من المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والذي يؤكد أن “مصادر الصحفي عند قيامه بمهامه ومصادر كل الأشخاص الذين يساهمون في إعداد المادة الإعلامية محمية”، إذ صُودر هاتفه عند اعتقاله وأدى فحص اتصالاته إلى التعرف على مصدره، وهو ضابط شرطة حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
وفي المقابل، تعرض صحفي آخر لضغوط على أساس أحكام مثيرة للجدل من المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي تم اعتماده في سبتمبر الماضي: فقد استدعت الأجهزة الأمنية رئيس تحرير موقع بيزنس نيوز الإخباري، نزار بهلول، واستجوبته في 14 نوفمبر، أي بعد أربعة أيام من نشره مقالاً بعنوان نجلاء بودن، المرأة اللطيفة”، حيث انتقد سجل رئيسة الحكومة مستنكراً غلاء المعيشة وتفاقم المشاكل الاجتماعية في تونس، ليصبح بذلك أول صحفي يُحاكَم على أساس هذا المرسوم الذي طلبت مراسلون بلا حدود إلغاءه بسبب طبيعته السالبة للحرية.
كانت “جبهة الخلاص الوطني المعارضة” في تونس، وصفت نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية بالزلزال، مطالبة رئيس البلاد قيس سعيد بالتنحي عن الحكم.
وبلغت نسبة المشاركة بعد إغلاق أغلب مكاتب الاقتراع مساء السبت، 8.8% وهي الأدنى التي تشهدها تونس منذ بدء الانتقال الديمقراطي في البلاد عام 2011.
وستعلن النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، اليوم الاثنين 19 ديسمبر 2022، على أن تجرى دورة ثانية لحسم مصير عدد من المقاعد بين وفبراير ومارس المقبلين.
وجاءت نسبة الإقبال الأولية أقل من معدل التضخم الذي يبلغ 9.8%، ما يسلط الضوء على الضغوط الاقتصادية التي تسببت في خيبة أمل العديد من التونسيين من السياسة وغضبهم من القيادات.
وهذه أدنى نسبة مشاركة للناخبين منذ ثورة 2011 بعد نسب قياسية بلغت 70% في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014، وهي أقل بثلاث مرات من النسبة المسجلة إبان الاستفتاء على الدستور الجديد هذا الصيف (30,5 %) الذي شهد أصلا امتناعا قويا عن التصويت.
وكان سعيّد قد أعلن التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021 وحل بعد ذلك البرلمان المنتخب في 2019 وهيئات دستورية أخرى وعلق العمل بالدستور بدعوى تصحيح مسار الثورة ومكافحة الفساد والفوضى بمؤسسات الدولة.
وقاطعت المعارضة الانتخابات والاستفتاء على الدستور الجديد الذي وضعه الرئيس سعيد في 25 يوليو الماضي واتهمت الرئيس بالتأسيس لحكم فردي.