كمال مغيث يكتب عن كتاب إيهاب الملاح عن طه حسين: تجديد ذكرى عميد الأدب العربي
سيظل طه حسين “شمس الفكر العربي” شاغلا للدنيا وللناس منذ إعداده للدكتوراة حول تجديد ذكرى أبى العلاء في الجامعة الأهلية سنة 1914 وهوبعد لم يتجاوز الخمس والعشرين عاما من عمره الزاخر.
تلقيت الكتاب فى آخر العام المنصرم 2023، ورحت أقرأه على مهل، ولم أحب أن انته منه سريعا لفرط ثراءه ودقته وجاذبيته وجماله، وروح الكاتب التى تكمن بين السطور: روح محبة وواعية وموضوعية، وزاد من رغبتى فى التمهل أننى قضيت نحو خمس سنوات من حياتى لا أقرأ ولا أكتب إلا لطه حسين وعنه من محبيه وخصومه على السواء، إبان إعدادى للماجستير عن الرجل، منذ مايزيد على أربعين عاما، كان كاتبنا “إيهاب” لم يدخل المدرسة الابتدائية بعد.
المهم قرأت الكتاب على مهل ليتأكد ظنى أن طه حسين وحياته وإنتاجه مازال خصبا وملهما ولكن لأولى العزم من الكتاب.
عنوًن كاتبنا كتابه بـ “تجديد ذكرى طه حسين” لكى يؤكد أن التاريخ حلقات متصلة لأعلى، فكما رأى طه فى رسالته أهمية تجديد ذكرى أبى العلاء والدور الذى لعبه فى حياتنا العقلية، رأى كاتبنا أهمية تجديد ذكرى العميد باعتباره قد لعب فى حياتنا العقلية نفس الدور الذى لعبه أبو العلاء منذ نحو عشرة قرون.
وفى مقدمته يؤكد أن طه حسين عميد الأدب والثقافة والفكر العربى بلا منازع، تتجاوز آثاره زمنه الذى عاشه، ومعاركه التى خاضها فهو كما يقول: تتجدد قيمته ويبحث عنه ضمير وطنه وابناء هذا الوطن خاصة فى لحظات التحول والبحث عن الذات بكل النباسات اللحظة وراهنيتها المشحونة بالارتباك والفوضى والعشوائية، لقد صار تراث الرجل جزءا أصيلا من ثقافة مصر وضميرها الحى النزيه
وقد جاء الكتاب فى أربعة أبواب، جاء أولها بعنوان على باب العميد، تساءل فيه الملاح لماذا نجدد ذكرى العميد؟ والذى يبدأ بتقييم نجيب محفوظ للدور العقلى الذى لعبه طه حسين فيقول: “اعتبرنا جمييعا فى شبابنا أن ثورة طه حسين ضد المناهج القديمة هى انتفاضة عقلية موازية للثورة الحقيقية التى فجرها سعد زغلول على أرض الواقع”، ويتناول معركة طه حسين الأشهر فى سبيل مجانية التعليم وحق الفقراء فى التعليم كالأثرياء سواء بسواء، مؤكدًا أن معركة التعليم ليس معركة الخيار بين الجهل والعلم، وإنما هى خيار حقيقي بين حكم الشعب وحكم أعداء الشعب، كما يتناول معركة طه حسين في سبيل استقلال الجامعة بعد أن فصله إسماعيل صدقي منها سنة 1932، وهى المعركة التى كانت معركة مواجهة الديكتاتورية وإلغاء دستور الشعب 1923 فى نفس الوقت والتى انتهت بسقوط صدقى وعودة الدستور وعودة طه حسين رمزا للحرية.
وانتهت تلك المعركة كلها بانحياز طه حسين لحزب الوفد حزب الأغلبية الشعبية بعد أن كان انحيازه للأحرار الدستوريين منذ عاد من بعثته من أكثر من عشر سنوات، ثم يتناول حياة طه حسين ومراحلها المختلفة، فترة التكوين الأولى والتى تشغل العقد الأول من القرن العشرين وهى المرحلة التى شغل معظمها وجود طه حسين طالبًا بالأزهر ينهل من علوم اللغة والدين والتى انتهت بنفوره من الجمود والتزمت الذى يحيط بالتعليم الأزهري.
ورغم هذا فقد شكلت الأساس الذى مكن طه حسي من علوم اللغة بشكل ربما لم يتح لغيره من مفكرى النهضة، أما المرحلة الثانية من حياته فكانت العقد الثانى من القرن العشرين وهى مرحلة التعليم فى الجامعة المصرية وجامعات فرنسا والحصول على الدكتوراة من مصر وفرنساومرحلة التخصص الدقيق، وتات بعدها مرحلته الثالثة – مرحلة النضوج – والتى يناقش فى آخرها موقف طه حسين من ثورة 19 وانحيازه للاحرار الدستوريين بزعامة يكن فى مواجهة الشعبيين بزعامة سعد، كما يناقش قضية كتاب الشعر الجاهلى والتى اتفهم فيها بالكفر والهرطقة وأوشكت أن تعصف بمستقبل طه حسين فى الجامعة لولا أن قوى الانحياز للديمقراطية والقانون والمجتمع الحر قد وقفت فى صف طه حسين حتى انتهت الأزمة، أما المرحلة الرابعة والأخيرة من حياة طه حسين كما يراها الملاح وهى مرحلة النضج والعطاء والتى تبدأ بمعركته مع اسماعيل صدقى وعودته منتصرا الى الجامعة وكتاباته لمستقبل الثقافة ودعاء الكروان والمعذبون فى الارض والفتنة الكبرى وتأسيسه لجامعتى القاهرة وعين شمس وتوليه وزارة المعارف، ثم رئاسته لمجع اللغة العربية ستة 1963 خلفا لاستاذه احمد لطفى السيد ما بقى له من عمر، ونكمل غدا الكتاب الفريد.