كلهم في الهم واللعن عرب| صراع إعلامي مصري سعودي.. حديث عن “العسكر” و”سيطرة الجيش” وردود بـ”الأخونة”.. وتحليلات: انعكاس لازمة سياسية
الجانبان يتبادلان الاتهامات بـ”الفشل” وعدم القدرة على احتواء الأزمات و”الأخونة” و”النفاق” والاستجابة لتنظيمات من خارج الحدود
الحرب الكلامية بين عمرو أديب ومحمد الباز تلقي بظلالها على الصراع الإعلامي.. وتصريحات وزير المالية السعودي توحي بوجود خلاف
خالد الدخيل: ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة سببه أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ ١٩٥٢.. ولم تسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف
تركي الحمد: أبرز عوامل الأزمة هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة.. ونشأت الديهي يرد: أنا لا أرد عليك بالمنطق لأنك لا تمتلك أي منطق
حمدي رزق: المصالح العليا ليست رهنًا بفيديوهات عبثية.. وتورط شخصيات خليجية معلوم هويتها الإخوانية هدفه التأثير على تدفق المساعدات
كتب – أحمد سلامة
يحتدم، في الآونة الأخيرة، الصراع بين كتاب وأكاديميين السعوديين من جانب، وبين عدد من نظرائهم من الكتاب والإعلاميين المصريين على الجانب الآخر، إذ وجه السعوديين انتقادات حادة إلى الإدارة المصرية في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة على مدى أشهر، بينما رد الجانب المصري على الرد بهجوم حاد.. لكن الملاحظ أن كثيرًا من المتابعين اعتبروا أن الجانبين يجسدان “لسان حال السلطة” في كلا البلدين، إذ أن من كتب هنا أو هناك من المقربين من النظامين الحاكمين سواء في الرياض أو القاهرة، وهو ما أسقطوه على توترات سياسية تحوم في الأفق.
تلك الإسقاطات يقبع في خلفيتها الحرب الكلامية التي دارت بين الإعلامي عمرو أديب وبعض الإعلاميين المصريين منهم محمد الباز والتي اتهم فيها الأخير أديب بأنه “أجندة سعودية”، وما تلا ذلك من تصريحات وزير المالية السعودي التي قال فيها إن “عصر المساعدات المالية غير المشروطة لأصدقاء المملكة قد انتهى”، كل ذلك أوحى إلى المتابعين بوجود خلافات جذرية.
مِن هناك: عباءة العسكر سبب الأزمات
في السعودية، انتقد الكاتب والأكاديمي، خالد الدخيل، الأوضاع المصرية الحالية خاصة على المستوى الاقتصادي، مُبررًا ذلك بأن السبب فيه يرجع إلى أن القاهرة لم تسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف.
وقال الدخيل في تدوينة، عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ ١٩٥٢. انكسرت في يونيو ٦٧ وتبخر وهج ٢٣ يوليو كما عرفه المصريون والعرب. لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
وتأتي تدوينة الدخيل، في ظل حملة انتقادات سعودية وجهتها شخصيات عامة آخرهم ما ذكره الكاتب السعودي تركي الحمد، الذي يعتبره بعض المراقبين مقربًا من الأسرة الحاكمة بالمملكة، حيث انتقد الأوضاع المصرية الحالية خاصة على المستوى الاقتصادي والذي يتجلى في عدة أزمات من بينها البطالة والمعضلات المجتمعية الجذرية والمتقلبة، حسب الكاتب.
وفي سلسلة تغريدات، قال الحمد إن “الحديث عن مصر ليس حديثا عن أية دولة عربية أخرى، وليس تدخلا في شؤونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب، وتاريخها الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في طموحاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتم، لذلك فإن الحديث عنها هو حديث عن مصير عربي مشترك، فماذا يجري في مصر اليوم؟”.
وأضاف الكاتب “مصر في الذهن العربي ليست مصرا واحدة،بل هي (مِصرَان): فهناك مصر (النموذج)، سواء كان هذا النموذج هو مصر التنوير والحداثة والنهضة منذ بدايات مصر الحديثة في عهد محمد علي الكبير، أو كان النموذج الناصري منذ عام 1952، نموذج الثورة والتنمية والمكانة الدولية المميزة. بمعنى أن لدينا نموذجان لمصر: مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ، وينقسم المراقبون إلى مؤيد ومعارض لهذا النموذج أو ذاك. في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أو جمهوريا”.
وأردف “فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، وهي التي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟ حقيقة لا يمكن تفسير الحالة المصرية بعامل واحد، وخاصة بعد سقوط الملكية،وبدايات (الصعود إلى الهاوية)”.
وأوضح “بل هي عدة عوامل لعل من أبرزها، هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، سواء كنا نتحدث عن القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، والذي كان في أقوى حالاته في العهد الملكي”.
مِن هنا: من أنت كي تتكلم عن تاريخ مصر؟
الانتقادات السعودية المتتالية من شخصيات عامة، والفيديوهات التي نشرها عدد من مواطني الخليج، دفعت بعض الإعلاميين المصريين إلى الاشتباك والرد على ما ورد منهم.. إذ قال الكاتب الصحفي، حمدي رزق، إن “مقاطع الفيديو” لشخصيات خليجية والمنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحمل انتقادات حادة لـ مصر وأوضاعها الاقتصادية خلال الآونة الأخيرة، هو حكي بغيض تُحركه “تنظيمات وتوجهات من خارج الحدود”، مشددًا على تورط بعض الشخصيات الخليجية التي تظهر كالأشباح في الأزمات ومعلوم هويتها الإخوانية.
وأضاف رزق، في مقال نشرته صحيفة “المصري اليوم”، تحت عنوان “فيديوهات خليجية” قائلا “تصلنى كل حين، وتكاثرت فى الفضاء الإلكترونى أخيرًا، فيديوهات محزنة منسوبة لشخصيات خليجية، مقاطع فيديو تستهدف مصر القامة العظيمة بكلام بغيض”.
وتابع “يتحدثون فى هذه المقاطع، كما المانحين الأجانب يشرطون ويشترطون، ويعيرون مصر فى أزمتها الاقتصادية، ما يعجب إخوان الشيطان، ويطالبون الحكومات والبرلمانات الخليجية بعدم الموافقة على منح الحكومة المصرية مساعدات أو ودائع جديدة، بهدف تشكيل رأى عام ضاغط على حكوماتهم الصامتة”.
واستكمل “الفيديوهات التي تتكاثر في الفضاء الألكتروني كالفيروسات المعدية، تقريبًا لا يمر يوم إلا بفيديو سخيف، عادة ما يتكفل بها وبأصحابها المغردون المصريون تقزيمًا ومعايرة بالأيام الخوالي، كرد فعل على محاولات عقيمة للمس بما يستبطنه المصريون من عفة وتعفف وعفاف، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”.
وأردف “الفضاء الألكترونى يشغي بجهل مطبق بعمق العلاقات المصرية الخليجية، للأسف، صار الفضاء الألكترونى العربي محلًّا للتلاسن، وللتنابز بالهِبَات والمساعدات، وكلٌّ يسكب من وقود نفسه المحتقنة لإشعال النيران بين مصر وشقيقاتها الخليجيات، ما يُخلِّف حزازات وثارات لا محل لها من الإعراب بين الأشقاء”.
واسترسل “معلوم مَن وراء هذا الحكي البغيض، تُحركه تنظيمات وتوجهات من خارج الحدود، وتتفاعل الفيديوهات في الفضاء الألكترونى لإحداث شقاق، ولترسم صورة قاتمة لا تمت للعلاقات المصرية الخليجية المتنامية اقتصاديًّا، والراسخة سياسيًّا، والعضوية في سياق الأمن القومي العربي، وفي القلب منه الأمن القومي المصري، في تماهيه مع الأمن القومى الخليجي”.
ويضيف حمدي رزق في مقاله “المصالح العليا ليست رهنًا بفيديوهات عبثية، وتورط بعض الشخصيات الخليجية (بعينها، تظهر كالأشباح فى الأزمات، ومعلوم هويتها الإخوانية)، وظهوراتها مرسومة بدقة فى سياق هذه الفيديوهات المحزنة، كاشف لأهداف هذه الحملة المسعورة للتأثير على تدفق المساعدات والاستثمارات الخليجية إلى مصر.. لافت جدًّا، نفس الشخصيات لم نسمع منهم حرفًا إذا ما كانت هذه المساعدات والاستثمارات لعواصم (غير عربية)، بل يباركونها ويُثمِّنونها، وهذا يؤشر على الاستهداف الممنهج للعلاقات المصرية الخليجية فى هذا الظرف الاقتصادى الصعب الذى يعم العالم، وتمر به مصر الكبيرة”.
وتابع “ودون إلمام كافٍ، بالأهداف والمستهدفات التى ليست خافية على لبيب، واللبيب من الإشارة يفهم، ومعروض طرف منها على منصات الإخوان العقورة، للأسف يتورط بعض المتحمسين العاديين الطيبين على الجانبين (المصرى والخليجى) فى الفخ المنصوب لإحداث وقيعة مصرية خليجية، ليس وقتها على الإطلاق”.
وعلّق الإعلامي نشأت الديهي عبر برنامجه “بالورقة والقلم” على حديث تركي الحمد قائلا “بقول لتركي الحمد، أنت مالك ومال مصر، هناك مجموعة من المغرضين من دول الخليج ليس لهم علاقة بدولهم الرسمية، موجودين في الكويت والسعودية والامارات”.
وتابع الديهي “بقول لتركي الحمد وأمثاله، عيب، أنا لا أرد عليك بالمنطق، لأنك لا تمتلك أي منطق”.. مضيفا”من أنت كي تتكلم عن تاريخ مصر.. مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى.. حديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير”.
واستكمل “ما يحدث من تركي الحمد عيب، والأكثر عيبًا بأن خونة الإخوان ينتقدون الدولة المصرية، ويتحدثون على أن الدولة المصرية تسقط.. هذه الدولة لن تقع”.. مختتما “هذه البلد خلقت لكي تعيش، مصر لم ولن تسقط.. مصر جاءت ثم جاء التاريخ”.”.
رد الديهي دفع تركي الحمد إلى التعقيب عبر حسابه على تويتر، حيث كتب ساخرًا، “حين يتعلق الأمر بالسعودية ودول الخليج العربية، ف إن النقد والشجب والشتم واللعن أمر مشاع، فكلنا في النهاية عرب، ومصيرنا واحد، وثرواتنا واحدة،ولسان الضاد يجمعنا”، مضيفا “ولكن حين يتعلق الأمر ببلادهم (مصر)، فذاك خط أحمر ليس لك أن تتجاوزه، فلست من أهلنا أو “بلدياتنا”..أما آن للنفاق العربي أن ينتهي؟”.
من هنا وهناك: أنا لا أجندة ولا إخوان
وإذا كان الكتاب السعوديين يتحدثون ويكتبون من هناك، وإذا كان الإعلاميون المصريون يتحدثون ويكتبون من هنا، فإن هناك حالة أخرى فريدة تتحدث “من هنا وهناك”.
الإعلامي عمرو أديب، الذي يذاع برنامجه “الحكاية” عبر قناة “إم بي سي” التابعة للمملكة العربية السعودية لكنها تُبث من أرض مصرية وبالتحديد في مدينة الإنتاج الإعلامي، لذلك يراه البعض -أو بالأحرى يتهمه البعض- متحدثًا باسم المملكة، وهذا ما وضح من الهجوم الحاد الذي شنه عليه عدد من زملائه الإعلاميين المصريين أبرزهم محمد الباز.
بدأت حرب التصريحات والانتقادات بعدما طالب، عمرو أديب، الحكومة المصرية بالخروج وكشف حقيقة وتفاصيل قرارات البنك المركزي برفع الفائدة وتعويم الجنيه المصري وتراجع سعره أمام الدولار والعملات الأجنبية.
أديب، في برنامجه “الحكاية”، قال “بقالنا شهر بنتكلم في 3 حاجات هتحصل هتحصل، أول حاجة رفع سعر الفايدة، تاني حاجة تغيير سعر الصرف أمام العملات الأجنبية، وتالت حاجة بيع الأصول، وهذه ليست شروط، دي الإصلاحات اللي البنك المركزي شايفه”.
وعن الأسعار وارتفاعها عقب تحرير سعر الجنيه، قال أديب: “السؤال هنا، الدولة هتعمل أية بعد ما كانت بتشتري السلع الأساسية بـ24 دلوقتي هتشتري بـ27، ويمكن أكتر لما البنوك تفتح؟”.
وأضاف: “لازم رئيس الوزرا يطلع يفهمنا ويقول اللي عمله البنك المركزي ده معناه أية، وأنا كلمت عدد من التجار والمصنعين قالولي انهم هيغلوا أسعارهم مع التعويم الجديد، والفترة اللي فاتت التجار أقوى من الحكومة”.
وتابع أديب: “أنا بتكلم بصدق.. لا عندي أجندة ولا تبع الاخوان ولا أنا مضايق من حد ولا حد مضايقني وفي اللي بيحبني واللي بيكرهني.. لكن أنا عاوزة البلد تبقى أحسن”.
وعن المشاريع الجديدة التي يتم الإعلان عنها وتحديدا تطوير حديقة الحيوان، قال أديب موجها حديثه للحكومة: “اديني يا حكومة إحساس إن انت متقشف وانا مستعد اتألم، أنما انت مش عارف رايح تعمل أية”.
تصريحات أديب حول كونه “ليس إخوانيًا ولا أجندة” وتلميحاته إلى الاتهامات التي تنال من بعض المعارضين، كانت سببًا في حملة مضادة.. فقد شن الكاتب والإعلامي محمد الباز، هجومًا حادًا على أديب متهمًا إياه بأنه “صاحب أجندة سعودية” ويعمل لحسابها ويحقق أغراضها في المنطقة، وأن تصريحاته ليس غرضها صالح المواطن المصري بقدر ما غرضها تنفيذ “المطلوب منه”.
ونشر الباز مقطع فيديو، قال فيه “الحقيقة يا جماعة أنا مش عايز الناس تخدعكم، مش واحد مذيع في قناة ليست مصرية، وهو الأستاذ عمرو أديب تحديدًا، فيطلع بتنطع شديد مثلا يقول أنا خايف وخايف على ولادي وكدا”.
وقال الباز “ليه بقى لا تصدقوا هذا الهزل اللي بيقوله الأستاذ عمرو أديب، لأنه حتى لو فيه مشكلة ضخمة فـ عمرو أديب مش هيتأثر بحاجة، لا هو ولا ولاده ولا عيلته وآخرها هيروح يقعد في السعودية لأنه عنده كفيل سعودي”.
وتابع “طيب يعني لا أنت عايش عيشة الناس في مصر ولا لك علاقة بالناس في مصر”.. مضيفا “عمرو أديب بيقول أنا مش إخوان ولا أجندة، لأ عمرو أديب أجندة وأنا بتكلم بقى كلام ورزقي على الله، عمرو راجل أجندة، أجندة سعودية من الآخر، وعلشان يكون الكلام من ضبط فالسعودية من حقها تعمل كل حاجة في صالحها وأثناء ما بتعمل دا لابد إن هي تجند ناس، تجند ناس في الإعلام، تجند ناس في الأدب، تجند ناس في الفن، والتجنيد بمعنى العمل لصالحها وليس العمالة.. فباختصار أنا شايف إن عمرو أديب عميل سعودي بيخدم المشروع السعودي”.
بحسب اتهام محمد الباز، فإن عمرو أديب “صاحب أجندة سعودية”، وبالتبعية وبمد الخط على استقامته فإن تركي الحمد وخالد الدخيل هم أيضًا أصحاب “أجندة سعودية” بالضرورة، على الأقل في نظر الباز ومن ينحو نحوه، في المقابل فإن كثيرين ينظرون إلى الباز نفسه ومن على شاكلته باعتبارهم ممثلين أو مندوبين عن لسان النظام المصري، وهو ما عبر عنه أكثر من إعلامي منهم نشأت الديهي الذي أكد أكثر من مرة أنه وغيره “يُعبرون” عن منهج “الدولة”.. لذلك فليس غريبًا أن يرى البعض أن “تحت الرماد نار” وأن تلك التوترات تُعبر عن أزمات مصرية سعودية على مستويات أعلى.