كثيرون يواجهون السجن.. «هيومن رايتس» تطالب تونس بإصلاحات ضرورية لإنهاء «النظام المسيء» الذي يسمح بحبس المدين 

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير نشرته الإثنين، إن عدة مئات من الأشخاص في تونس على الأقل مسجونون لمجرد تحرير شيكات لم يتمكنوا من سدادها لاحقا، معتبرة هذه الممارسة ترقى إلى حبسن المدين، وهو ما ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويُدمّر الأسر والشركات.

وأشارت المنظمة الحقوقية الدولية إلى أنها توثق في التقرير الصادر في 35 صفحة بعنوان “’لا مفر‘: حبس المدين في تونس”، عواقب التشريع التونسي القديم المتعلق بالشيكات بدون رصيد. 

كما وثقت “هيومن رايتس” بالإضافة إلى ذلك، إرسال الأشخاص المعسرين إلى السجن، أو العيش في الخفاء أو المنفى، يُغذّي القانون دائرة من المديونية ويجعل حياة أسر بأكملها شاقة. 

وشددت “هيومن رايتس” في سياق الأزمة الاقتصادية الحالية في تونس، على أنه ينبغي للسلطات التعجيل باستبدال الأحكام القانونية التي تسمح بحبس المدين بتشريع يُميّز بين الرفض المتعمد وعدم القدرة الحقيقية على السداد.

وقالت سلسبيل شلالي، مديرة تونس في هيومن رايتس ووتش، إن “السجن بسبب الديون غير المسددة أمر تجاوزه الزمن وقاس ويأتي بنتائج عكسية لضمان استرداد الدائنين لمستحقاتهم. عندما يظل المدينون طلقاء، تكون لديهم إمكانية كسب الدخل لسداد ديونهم تدريجيا، مع الاستمرار بإعالة أسرهم”.

ووفق التقرير، وثّقت “هيومن رايتس” 12 حالة ملاحقة قضائية لأشخاص بسبب شيكات بدون رصيد، بينهم أشخاص مسجونون وآخرون يعيشون في الخفاء أو في المنفى. وقالت إنه “رغم أن الشيكات كانت في الأصل وسيلة للدفع، إلا أنها تُستخدم في تونس على نطاق واسع كوسيلة للحصول على الائتمان، خاصة في القطاع التجاري حيث تُمكّن أصحاب الأعمال من تأمين السلع أو الخدمات التجارية مقابل شيكات يقدمونها بهدف صرفها لاحقا، في موعد متفق عليه”.

نظرا للصعوبات التي تواجهها الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الوصول إلى التمويل المصرفي بسبب افتقارها إلى الضمانات أو شروط التمويل التي تفرضها البنوك، يعتمد كثيرون في القطاع التجاري على هذه الممارسة، المعروفة باسم “شيك ضمان”.

عندما يعجز الأشخاص الذين أصدروا شيكات “ضمان” عن سدادها لاحقا، فإنهم مهددون بالسجن، حيث يُعتبر الشيك دون رصيد جريمة جنائية عقوبتها السجن حتى خمس سنوات بموجب المجلة التجارية التونسية. 

وفقا للحكومة التونسية، حتى مايو 2024، كان 496 شخصا مسجونين بسبب شيكات دون رصيد، إلا أن “الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة”، وهي جمعية تجارية تُركّز على هذه القضية، قدّرت أن العدد أقرب إلى 7,200 شخص، وأن السلطات تلاحق آلاف الآخرين بسبب شيكات بدون رصيد. أحكام السجن هذه تراكمية.

وغالبا ما يتعرض المسجونون للوصمة، ويؤثر انعدام الدخل أثناء وجودهم في السجن أو أثناء محاولتهم الهروب من الملاحقة القضائية على تمتعهم بحقوقهم الإنسانية، منها الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية أو السكن أو التعليم. قد تتفاقم المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الديون بسبب أوجه القصور في الخدمات العامة ونظام الضمان الاجتماعي في تونس.

في إحدى الحالات الموثّقة، حُكم على مجيد هذلي، مقاول بناء، في 2016 بالسجن لمدة 122 عاما وتسعة أشهر بسبب حوالي 50 شيكا. كان هذلي يعمل على إعادة تأهيل مبنى حكومي في 2010، لكن المشروع تعرّض لتأخير وأضرار مادية بعد أحداث خلال ثورة 2011. تقول عائلته أيضا إن المؤسسة الحكومية التي تعاقدت معه لم تدفع له كامل مستحقاته. وقالت زوجته جليلة هادي: “لو لم يكن مجيد في السجن، لتمكن من العمل وسداد جميع شيكاته. ضاعت حياته، وما تزال الشيكات غير مدفوعة”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن التشريع الحالي لا يُميّز بشكل عادل بين المدين غير القادر على السداد لأسباب اقتصادية قاهرة والشخص الذي استخدم الشيك بنيّة الاحتيال.

ويؤيّد الرئيس التونسي قيس سعيّد تنقيح القانون، وفي 2023، كلّف وزيرة العدل ليلى جفال بتقديم مشروع قانون لإلغاء تجريم هذه الشيكات. في يوليو 2023، أوصت أطراف اقتصادية فاعلة، مثل “الاتحاد التونسي للصناعة، التجارة والصناعات التقليدية”، وهي أكبر منظمة لأصحاب العمل في تونس، ببدائل عن السجن.

في فبراير الماضي، قدّم المشرعون مقترح قانون لمنح العفو للأشخاص الذين حوكموا بسبب شيكات دون رصيد، لكنه لم يُناقش بعد.

وقالت “هيومن رايتس” إنه ينبغي لتونس أن تستبدل بسرعة الأحكام القانونية التي تؤدي للسجن بسبب الديون بتشريع يأخذ في الاعتبار واقع استخدام الشيكات كأداة ائتمانية، ويوفّر بدائل عن السجن ويقدم وسائل مستدامة للدائنين لاسترداد ما أقرضوه. 

كما شددت “هيومن رايتس” على ضرورة إطلاق سراح الأشخاص المسجونين ظلما بموجب هذا القانون والسماح لهم بوضع خطة لسداد الديون، وينطبق ذلك على الأشخاص المختبئين أو في المنفى.

وشددت أيضا على ضرورة أن تتبنى تونس تشريعات بشأن الإعسار الشخصي، حيث لا يوجد قانون للإفلاس الشخصي من شأنه أن يوفر الإغاثة للمدينين الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، منهم أصحاب الأعمال في القطاع غير الرسمي.

وقالت شلالي: “ينبغي للبرلمان تنقيح القانون من أجل إخراج الأشخاص المدينين الذين ليس لديهم أي نية للتخلف عن السداد من السجن ومن دوامة التدهور الاقتصادي. وهي أيضا فرصة لوضع تدابير حماية أفضل ضد الإعسار، وتبنّي تدابير تعود بالنفع على الاقتصاد على المدى الطويل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *