كارم يحيى يكتب عن مانشيت “الأهرام ” 12 فبراير2011 “الشعب أسقط النظام”: نموذج يدرس في أكاديميات الصحافة على الخداع وتضليل القراء
تعلمت وزملائي في كلية إعلام القاهرة نهاية السبعينيات، على أيدي أساتذتنا في التحرير الصحفي ـومعظمهم رحمه الله ـ أن من ابجديات صياغة عنوان الخبر مهنيا استخدام الفعل المضارع، ولو حتى كان الحدث في الماضي ..
لكن هنا المسئولين عن “الأهرام” حينها استخدموا الفعل الماضي (أسقط) بدلا من المضارع (يسقط) في سابقة نادرة بالصحف المصرية، وذلك لممارسة خداع وتضليل الجمهور والمساهمة في دفعه للانصراف عن الميادين واستكمال اهداف الثورة ..
حين طالعت “الأهرام” يومها أدركت فورًا الخدعة الدعائية الخسيسة.. وكان للقارئ الفطن أيضا أن يلاحظ ـ كما لاحظت ـ بقاء أسمي رئيسي مجلس الادارة ( الدكتور عبد المنعم سعيد) والتحرير (الأستاذ أسامة سرايا) نفسيهما في صدر الصحيفة وبترويستها، وطالما كانا من أعمدة نظام مبارك الاعلامية الصحفية السياسية والمعتدين على اخلاقيات المهنة وحقوق القراء والزملاء (وليس فقط فضيحة التلاعب فوتو شوب بصورة الرئيس الأمريكي أوباما واستقبالة لعدد من الملوك والرؤساء العرب بينهم مبارك.. وقد حاولوا لفلفة الفضيحة حينها باطلاق تعبير مهزلة هو ” الصورة تعبيرية )..
وقبلها بيومين أو ثلاثة كان المسئولون إياهم وأنفسهم عن ” الأهرام ” قد شرعوا في إصدار ملحق لشباب التحرير وأظنه بهذا العنوان.. شارك فيه عدد من الأصدقاء والزملاء المحسوبين على ثورة يناير، وممن كانوا بين الكفاءات المهنية المهمشة قبل الثورة.. ومع أن اللعبة كانت مفضوحة أيضا في ظل استمرار نفس القيادات والمنهج غير المهني والمنافق للسلطة والمتنكر للقارئ.. وأظن أن المشاركة في هذا الملحق كانت من إرهاصات الخلاف ـ لم أقدر خطورتها كاملة في الحين ـ الذي دب بيني وبين أصدقاء وزملاء أعزاء بالمؤسسة قرروا ” التطبيع” مع “قلب الدولة الصلب” في المؤسسة والعمل تحت قيادات نظام مبارك ذاتها ومعها.. وبالطبع وصولا إلى الانجرار إلى نفس منهجها غير المهني.
…..
شخصيا كنت وظللت بعيدا وتجنبت المشاركة على هذا النحو. لكن بحلول صباح 13 فبراير 2011 وجدت مقالي الذي أوزعه في ميدان التحرير (المقال رقم 5 من مقالات الثورة وميدان التحرير المنشور في بوست على صفحتي الشخصية )
لقراءة المقال الخامس: اضغط هنا
والصادر قبلها بيوم واحد منشورا في صفحة رأي إضافية في “تحية الثورة والابتهاج بخلع مبارك).. وكان هذا بالنسبة لي أول مقال رأي في شأن محلي سياسي ينشره الأهرام للعبد الله منذ بداية علاقتي بالكتابة إليه والنشر به فبراير 1986 ( كانت البداية تحليلات في الشئون العربية وبخاصة الفلسطينية في صفحة الحوار القومي.. ثم انتقلت الى هوامش اخرى ابعد كالقسم الخارجي والترجمة بالاهرام المسائي فقسم الشئون العربية بالاهرام اليومي الصباحي..وهكذا )..
لكن المقال الذي أراد مسئولو مبارك انفسهم في الاهرام ـ على ما يبدو ـ توظيفه في عمليات غسيل سمعة جارية لم يسلم من انياب رقابتهم، فعبثوا به، وبخاصة مقدمته التي ذكرت فيها بنفاق رئيس تحرير نهاية عهد مبارك ” الاستاذ اسامة سرايا ” وعنوان مقاله الشهير في الصفحة الأولى مع عيد ميلاد “الريس” الأخير .. “يوم ولدت مصر من جديد” ..
ولم أجد إلا أن احتج بتوزيع تصحيح وإيضاح داخل مؤسسة الأهرام وإرساله إلى رئيس التحرير وأكثر من مدير تحرير، وأظنني طالبت في هذه المذكرة العلنية باعتذار لي وللقارئ.. وهو للاسف تقليد مهني محترم غير معمول به في الاهرام، وأظن وبالطبع حتى اليوم .. لكنهم تجاهلوا احتجاجي وكأنهم لم يفعلوا إثما ..
…..
واتذكر في بدايات ابريل 2011 وبعد تغيير “سعيد” و “سرايا” نقاشا ثنائيا جرى. قال لي صديق وزميل طالما قدرته واحترمته بانه ” آن لنا أن نشاركهم ويكون لنا حد ـ واصبح هو نفسه ـ داخل اجتماعات الصفحة الأولى وقيادة الجريدة .كانت الفكرة عنده او عندهم ان نكون جزءا من سلطة القرار التحريري في الجريدة و المؤسسة ( لكنها سلطتهم وبمنهجهم واخلاقياتهم.. بل كان مؤلما أن اعرف ان صديقي وزميلي هذا قبل بأن يجلس الى جوار الاستاذ احمد موسى وأمثاله على منضدة القرار التحريري ) .. واظن انه لم ينجح كغيره في “حكاية “التغيير من خلال المشاركة وتحت مظلتهم .
ومن جانبي تمسكت بعدم المشاركة ، لكني سعيت إلى الكتابة والنشر بكل ما استطيع من طاقة وبقدر هوامش تفاوتت،وسرعان ما انحسرت، والى حد المنع من النشر تماما بحلول نوفمبر 2011 ومع مذبحة محمد محمود ( بحجة غير منطقية أن جريدة الشروق نشرت مقال رأي لي عن تونس نشرته بالاصل الاهرام ويكلي بالانجليزية ورفض رئيس التحرير نشره .. طبعا الموضوع لم يكن هكذا.. بل كان نتيجة اصراري على فتح ملف الفساد المالي والمهني والاداري ورفض التواطؤ والصمت على تولي صديق عزيز سابق هو الاستاذ عبد الفتاح الجبالي عضو لجنة السياسات لحزب مبارك ومساعد يوسف بطرس غالي وزير ماليته رئاسة مجلس ادارة الأهرام بعد اشهر معدودة من الثورة ).. والحكاية تطول وربما كتبتها كاملة يوما ما وبالاسماء وبالتهديدات والمساومات التي وصلتني قبل المنع من النشر والعمل.
رفضت بين فبراير وأبريل 2011 عروضا بتولي مسئوليات في الجريدة .
أتذكر مثلا ان لعبة الاغراءات ومحاولة الاحتواء والترويض بدأت بعرض طريف هو أن أكتب افتتاحية الأهرام (!) وتصوروا في عهد ” سرايا”.. وفور تولي أول رئيس تحرير بعد الثورة ( الاستاذ عبد العظيم حماد) فوجئت بزيارة هي الأولى لزميل دفعة كلية مدير تحرير طالما كان متنفذا إلى مكتبي المتواضع في مجاهل معمار التمييز والتراتبية السلطوية في المؤسسة ( كانوا قد القوا بي في غرفة خشبية فوق السطح تتساقط منها مياه الامطار وتمرح على مكاتبها المهجورة الصراصير والنمل ..كنت معزولا تقريبا في هذه الغرفة ومحيطها والتي لم يكن يحضر اليها إلا نادرا الزميل العزيز الاستاذ جمال نافع (وهو انسان هادئ خلوق) حيث كان له مكتب آخر في صالة التحرير بالدور الرابع. وهذا بعدما سمحوا بعودتي للعمل والدخول بعد 21 شهرا من المنع بلا قرار عبثي كافكاوي في 9 فبراير 2004 .
أواصل أنه جاءني زميلي بالكلية ومدير التحرير (مضطر أصرح بالاسم وهو الاستاذ محمد صابرين) يبلغني انه يحمل رسالة من رئيس التحرير الجديد ليقول لي :” انت لم تأخذ حقك طوال عملك بالجريدة وأنه آن لك أن تكون موجودا معنا” . ولدهشتي المفرطة فوجئت يقولها هكذا :”شوف انت عايز إيه؟”.
حقيقي في هذه اللحظة شعرت بالفزع والألم، واجبته بما معناه أنني لا أريد اي شئ، سوي أن ينشر الاهرام ما اكتب باحترام للمهنية دون تشويه وعدوان ودون منع وحجب.
وفي اليوم التالي عرض رئيس التحرير الجديد على تولي مسئولية قسم الرأي مع الصديق والزميل الاستاذ عاصم عبد الخالق مراسل الاهرام السابق في واشنطن، وكان صديقا لرئيس التحرير الجديد ويثق به لخبرة عمل سابق بينهما .. وفي اليوم نفسه أو التالي اصطحبني الأستاذ عاصم إلى كافتيريا الدور 12 للغداء ليبلغني انه اتفق مع رئيس التحرير على أن يبقي معي لنحو اسبوعين او شهر على الاكثر، على ان اتولي منفردا رئاسة القسم بعدها (!) .
ورفضت خلال لقائي بالاثنين رئيس التحرير الجديد والاستاذ عاصم، وقلت لرئيس التحرير على الفور :” الأولوية هي وضع سياسة تحرير مكتوبة للأهرام وتشكيل مجلس تحرير مسئول على اسس الكفاءة والتخصص والمهنية .. سياسة تحرير تكون بمثابة دستور بينه كرئيس تحرير وبين الصحفيين .. وبيننا كلنا في الاهرام والقارئ تسمح ببناء الثقة، وبعمل يكون فيه الولاء للقارئ والمهنة.. ومن غير المعقول ان الاهرام بكل تاريخه إلى اليوم بلا سياسة تحرير مكتوبة، وظل العمل متروكا لسطوة رئيس التحرير والشلة المحيطة به “. وأضفت انه فقط في حالة الاتفاق على سياسة تحرير مكتوبة في هذا الاتجاه أنا مستعد اشارك معكم من موقع المسئول ، ووفق قاعدة اختيار الاقدر على تنفيذهذه السياسة التحريرية في كل تخصص (وحتى قلتها له كده :ممكن في الحالة دي يتضح اني اصلح او لا اصلح لقسم الرأي أو غيره أو لا اصلح لأي قسم وهذا مش هيزعلني ابدا).
واقترحت عمل اجتماع لصحفيي الإصدار الصباحي اليومي الرئيسي بعد تعليق دعوة بلوحة الإعلانات لمناقشة مقترحات سياسة تحرير مكتوبة وجديدة مع اتاحة فرصة أيام معدودة ليعد من يرغب من الزملاء مقترحاته ويقدمها مكتوبه. وبالفعل تم تعليق الدعوة التي كتبتها بنفسي وبهذه الصيغة ..
لكن ما حدث في هذا الاجتماع كان شيئا آخر تماما. فعلا شئ بشع لا يمت للثورة أو التغيير أو المهنية أوالزمالة وحقوق القراء . وقد دونته ووثقته ونشرته في حينها ( خلال ابريل 2011) .
وبلا شك اضعف فشل هذا الاجتماع في تحقيق ما دعوت اليه (على الرغم من تحقيق مكاسب محدودة منها مثلا تعهد والتزام رئيسي مجلس الإدارة والتحرير بالامتناع عن نشر مقالات رأيهم في الصفحة الأولى احتراما لحق القارئ في مساحتها كاملة للأخبار ولأننا جريدة يومية..وهو ماسرعان ما تم الانقضاض عليه وعودة ريما لعادتها القديمة بعد اقل من سنة مع رئيس تحرير جديد كان الزميل الاستاذ محمد عبد الهادي وإلى اليوم ).
معذرة فتحت هامش شخصي طويل .وربما لأنني لم أكتبه من قبل أو لم أروه إلا لعدد محدود من الزملاء والاصدقاء . والمهم أن الكتلة الحرجة الحاملة للتغيير في الأهرام التي ظهرت للمرة الأولي في تاريخ الجريدة على هذا النحو بفضل زخم وتأثيرات الثورة وميدان التحرير سرعان ما تآكلت وانهار تماسك مكوناتها وأفرادها ..
وحقيقي فشلت بمنهجي الرافض “للدخول معهم”.. وايضا فشل منهج الزملاء “في مشاركتهم”.. وانتهى الأمر بعدها إلى عودة “ريما لعادتها القديمة” تماما، وربما للأسوأ .
وحكاية محاولة التغيير داخل الأهرام وعلى صفحاته كما كنت شاهدا عليها سأعود لاستكمال روايتها ولماذا فشل ؟ ضمن اعادة نشر سلسلة ” تمرد في الثكنة ” لاحقا . كنت قد نشرتها بين ابريل ومايو 2011 في موقع البديل الالكتروني وعدت ونشرتها ضمن كتاب مطبوع بعنوان :” تمرد في الثكنة : الصحافة المصرية وثورة 25 يناير ” صدر من القاهرة عام 2012..
…
وأحب أن أقول ايضا انه لولا سقوط مبارك يوم 12 يناير 2011، كان زماني انا والعديد من الصديقات والأصدقاء والزميلات والزملاء في الأهرام “ورا الشمس” مفصولين ومحبوسين ومحالين لمحاكمات بتهم منها ” محاولة قلب نظام الحكم” لأن هذا ما كان يدبر ” للصحفيين الثائرين بالاهرام ” وفق ما ابلغتني به موظفة في الإدارة قابلتني خارج المؤسسة ظهر يوم 30 يناير 2011.
وكنا في هذا اليوم بدأنا جمع التوقيعات على بيان جماعي لعدد من الصحفيين بالاهرام ينحاز بوضوح للثورة ويطالب برحيل مبارك ونظامه وبالتغيير في الأهرام نفسه .. وأيضا يجب أن أشير إلى فضل هذا اليوم في انه رغم المراحل المتلاحقة من اتساع وانخفاض بل والقضاء على هوامش النشر أمامي في الاهرام، إلا انني نشرت وفي قضايا محلية وبمقالات الرأي فيها بما لم يحدث في تاريخ علاقتي بالجريدة قبلها .. نشرت كما لم أنشر من قبل بالاهرام مع الصراع و”المعافرة” وعودة التهميش والإقصاء في مواجهتى وغيري من الزملاء الأكفاء بها.. وإن كان إلى حين قبل ان يحل الظلام تماما.
Oh my goodness! Awesome article dude! Thanks, However I am encountering difficulties with your RSS.
I don’t know the reason why I am unable to join it. Is there
anybody else having the same RSS problems? Anyone that knows the solution can you
kindly respond? Thanks!!