كارم يحيى يكتب: عن زميلنا “عماد الفقي” وتاريخ القسوة في “الأهرام” (5).. جروح الروح.. عن النبذ والمقاطعة
لماذا ظللت مشدودا إلى جرح في علاقتي بمؤسسة “الأهرام” وعلى هذا النحو الذي أرويه هنا ؟
لدى العديد من الزميلات والزملاء سواء من في الخدمة أومن غادر للتقاعد ذكريات قد تفوق ما رويت سواء من الإدارة أو حتى من جانب الزملاء
عن القسوة تجاه قارئ “الأهرام” والمواطنين المصابين في حرياتهم فيما ينشر مفتقدا إلى المهنية والصدق واحترام حقوق القراء فحدث ولا حرج
رحم الله
الأستاذ عماد الفقي
زميلي في “الأهرام”
وغفر له ..
موجع رحيله على هذا النحو المؤلم الصادم.
الانتحار في حد ذاته موجع .
فما بالنا بالانتحار من مبنى “الأهرام” فجرا وعلى هذا النحو بالغ البشاعة.. والقسوة أيضا .
*
بالقطع لا يختلف الجهاز العصبي للصحفي ولا سماته الجسمانية التشريحية ولا حتى قدراته العقلية ودفاعاته النفسية عن غيره من البشر. لكن لمهنتنا ضغوطها المؤثرة على صحة أصحابها. نحن نلاحق الأنباء ليل نهار، ومعظمها للأسف سئ مؤلم ودموي أيضا، وحتى لمن قضى معظم فترات عمله في أقسام الشئون الخارجية والعربية الدولية. ناهيك عن وطأه تزييف الأنباء واحتراف الكذب على القارئ والجمهور الذي تمارسه صحفنا ويتورط معها العديد من الصحفيين، وبخاصة في المجتمعات المتخلفة والمحكومة بالاستبداد وعبادة الحاكم أو القائد الفرد.
وهذه المقدمة أظنها مناسبة تماما لسؤال أطرحه على نفسي اليوم بعد نحو 11 عاما مما جرى معي ومني بعد ثورة يناير 2011: فعلا لماذا ظللت مشدودا إلى جرح في علاقتي بمؤسسة “الأهرام” وعلى هذا النحو الذي أرويه هنا ؟، وكأن شفائي لم ولن يكتمل. وأكرر لعل في هذا المقال والمقال السابق ما يحفز زميلاتي وزملائي في “الأهرام” وخارجه على البوح والكتابة والنشر عن تجاربهم أيضا.
كي تكتمل ذكريات القسوة في سياق منعي من العمل ودخول مؤسسة “الأهرام” بين 4 و2005 مدعمة بالمستندات، أنشر للمرة الأولى من أرشيفي الخاص رسالة “شخصية” من العزيز الراحل الأستاذ “لبيب السباعي” بتاريخ 24 يوليو 2011 تتضمن اعتذارا ووعدا بعدم تكرار ما جرى في هذين العامين. وهذه الرسالة “الشخصية”ـ وفق ما أرادها كاتبها ـ جاءت بعد ثورة يناير ونشر “الأهرام” التحقيق الاستقصائي “حسين سالم: رجل من زمن رأسمالية المحاسيب”، على خمس صفحات/ حلقات رفعت توزيع الصحيفة وزادت إقبال متصفحي الإنترنت على موقعها بشكل لافت. ولقد تفضل “لبيب” حينها وطلبني إلى مكتبه، وأبلغني بتخصيص مكافأة مالية تقديرا لجهدي في هذا التحقيق، خصوصا وأنه علم بأنني استخدمت سيارتي الخاصة وتكفلت من جيبي بنفقات إقامة في مدينة شرم الشيخ لأربعة أيام لإنجاز حلقة من هذا التحقيق، دون أن أطلب بدل سفر (كانت المكافأة خمسة آلاف من الجنيهات تسلمتها أربعة آلاف بعد خصم الضرائب). ولقد طلبت من الأستاذ “السباعي” حينها الإعلان عن هذه المكافأة مع مبررها في لوحة البيانات والتنويهات بالمؤسسة، وإرساء هذا التقليد الجديد على المؤسسة. لكنه امتنع.
ولما سألني الأستاذ “لبيب” في المناسبة ذاتها عما أطلب منه كرئيس مجلس إدارة يعوضني عن ترقيات أو مناصب مستحقة لم أنلها، كان لي طلب واحد هو تعليق اعتذار في لوحة الإعلانات داخل المؤسسة عن منعي من الدخول والعمل على هذا النحو الغامض المبهم المسئ بين عامي 4 و2005، مع وعد بامتناع إدارة “الأهرام” مستقبلا عن مثل هذه الإجراءات غير القانونية إزاء أي من الزملاء الصحفيين أو العاملين، وبوصفها تمثل عدوانا على حقوق وأمان الصحفي والعامل. لكنه اعتذر مشيرا إلى أن الاستجابة ستؤدي حتما لإثارة رجال الأستاذ “إبراهيم نافع”. ثم تسلمت من مكتبه هذه الرسالة الشخصية والتي حرص على أن تكون غاية في الشخصية إلى حد قطع أعلى الورقتين حتى لا يظهر فيهما شعار “الأهرام” وصفة رئيس مجلس إدارته (مرفق مع هذا المقال صور ضوئية منها وظرف البريد الذي احتواها).
ومن يقرأ هذه الرسالة يدرك الصراع الذي تعكسه كلماتها، وإن كان قد أساء فهمي على ما يبدو بشأن القضية التي رفعتها أمام المحاكم عن طريق مكتب المرحوم الأستاذ “نبيل الهلالي”. قد ناله للأسف هو الآخر الأذى من رجال الشئون القانونية بـ”الأهرام” الذين تقدموا بمذكره للمحكمة حين نظر الدعوى يسبونه ويسبونني بوصفنا من “الشيوعيين” الذين لا أخلاق لهم، مع الاستشهاد على “هذه الشيوعية” بعناوين كتب لقديس اليسار المصري. والحقيقة أن القضية برمتها كانت قد انتهت بالفعل دون أن أتوصل إلى أي شئ، ولم يكن هناك ما يسمح بالتنازل عنها مقابل اعتذار علني من إدارة “الأهرام”.
ومع هذا، أظن أن الزميل العزيز المرحوم الأستاذ “لبيب السباعي” ظل في داخله يحمل لي تقديرا ما. ولقد فوجئت برسالته بتاريخ 22 نوفمبر 2011 (مرفق صورة منها مع المقال)، وهي تتفاعل مع مقال كتبته ووزعته داخل “الأهرام” وخارجه يدا بيد تمنيت فيه الموت مع شباب ميدان التحرير مع بدء مجزرة شارع محمد محمود. وقد اخترت للمقال قالب يشبه نشر النعي في صفحة الوفيات بالجريدة. ولقد بدأ الأستاذ ” لبيب” رسالته الثانية تلك بـ”الصديق والزميل النبيل كارم يحيى” وهذا بعد أيام من مغادرته منصبه وقرار عجيب غريب بمنعي من النشر، استمر لنحو عشرة شهور، ومع يوم بدء مجزرة شارع محمد محمود، وفي ظل رئيس مجلس إدارة جديد هو الصديق السابق والزميل الأستاذ “عبد الفتاح الجبالي” عضو لجنة سياسات “جمال مبارك”. وهو من عارضت صراحة توليه رئاسة “الأهرام” وفور توليه هذا المنصب بوصفه إهانة واستهزاء بالمصريين وثورتهم والجريدة التي هي في أمس الحاجة لترميم سمعتها ومصداقيتها.
كما تمسكت في جلسة بمكتبه استمرت لأكثر من ساعة بهذا الاعتراض. وعبرت عنه لاحقا عندما رفضت الاستجابة لرغبته إدارة حفل تسليم وتسلم رئاسة مجلس “الأهرام” إليه. ناهيك عما قلته أمام هذا الاحتفال ما أزعج قيادات تأبى فتح ملفات الفساد.
*
ومن ذاكرة القسوة في “الأهرام” معي أنه قبل نهاية عام 2005 وبعد العودة “للأهرام” انتشرت شائعة باعتقالي بعدما كان قد احتجزني بالفعل أمن “مبارك” لساعات مع آخرين يوم إعلانه من المنوفية مسقط رأسه ترشحه في 31 يوليو من العام نفسه. وكنت قبلها من بين الموقعين على بيان “كفاية” التأسيسي ومنسق حركة “صحفيون من أجل التغيير”. وفي صباح اليوم التالي للشائعة، ذهبت لعملي بـ”الأهرام” بصفحة “الحوار القومي”. وما أن لمحني عم “رجب” ساعي الدور الطابق السادس حتى أسرع واخذني في حضنه وبكى، وهو يستفهم ماذا جرى لي؟ وهل أنا بخير؟. وعلى خلاف هذا، استقبلني زميلي في الصفحة الأصغر سنا بنحو عشر سنوات بفتور بالغ. ملامح مفاجأة أنني أمامه اليوم واضحة، لكن بلا كلمة تعبر عن قلق أو تعاطف. وهذا على الرغم من أن علاقتنا كزملاء كانت طيبة لا يشوبها أي خلاف أو شجار أو منافسة.
ولقد عاد هذا الزميل الطموح بين فبراير ومارس 2017 وبعدما تولى مسئولية صفحات الرأي في “الأهرام” اليومي ليتجاهل الرد على كل رسائلي إليه مستفسرا عن توقف نشر مقال الرأي المخصص يوم الثلاثاء كل أسبوعين في الجريدة، وأنا أكاتبه في الغربة على بعد آلاف الأميال مراسلا للجريدة بتونس. وهو نفس الموقف أيضا من رئيس تحرير “الأهرام” حينها. وكذا زميلي في “الأهرام” نقيب الصحفيين الجديد حينها، والذي التقيته عندما زار تونس فأبلغته بمنع نشر المقال وبدون إبداء أسباب. وقد أصبح هذا الزميل لاحقا رئيسا لمجلس الإدارة وإلى اليوم.
والطريف أن نفس الزميل كان قد اتصل بي هاتفيا قبل نحو ثلاث سنوات من منع نشر المقال ليخبرني خصيصا بإعجابه بما أكتب وبتميزه بين مقالات كتاب الرأي على صفحات “الأهرام”. وربما شعرت ببعض الحرج لاحقا عندما أبلغني زميلي مراسل وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” بتونس الأستاذ “محمد شحادة” وبعدما جاء رئيس مجلس الإدارة/ نقيب الصحفيين إلى تونس في مطلع مايو 2018 ولم يكلف نفسه الاتصال بي. وتصادف أن قابله الأستاذ “شحادة” وسأله عني. ونقل لي استغرابه من رد فعله غير المكترث، وكأننا لسنا زملاء أو نعمل في مؤسسة واحدة.
وكنت قد عدت وتجرعت قسوة الزملاء بالمقاطعة والنبذ عندما تم منعي من النشر تماما في “الأهرام ” من 19 نوفمبر 2011 وإلى تولى المرحوم الدكتور “محمد مرسي” الرئاسة يونيو 2012. هذه المرة كان مسموحا دخول المؤسسة. لكن قاطعني حتى زميلي في الغرفة، مع إنني واصلت الاحتفاء بأطفاله عندما كنت ادخل واجدهم يلعبون فوق مكتبي، فألاطفهم، واسارع بالخروج حتى لا أزعجهم أو أحرجهم. ولعل الأكثر قسوة أن يطلعك حينها زميل آخر على صفحة لصحفي “الأهرام” بالفيس بوك لم يقبلوا عضويتك بها لتفاجئك بكم الاتهامات والافتراءات الكاذبة والقذف بالباطل ضدك تبريرا لمنعك من العمل والنشر. وهذا بعدما بدوت لأهل “الأهرام” وكأنك تدفع نحو التغيير داخل المؤسسة مع رياح ثورة يناير وتجاهر بالمطالبة بفتح ملفات الفساد وإيقاف نزيفه من مقدرات المؤسسة وأموالها. والأكثر قسوة أن تجد في هذه الصفحة ” الأهرامجية” تدوينات لزميلة أو زميل في منزلة الأصدقاء المقربين ومن دعاة التغيير نحو الحرية والمهنية يشاركون في حملة تشويهك، ودون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال بك أو لقائك للاستفهام عن حقيقة اتهامك بنشر مقال رأي في جريدة “الشروق” عن تحولات تونس بعد عودتك من مهمة “للأهرام”(!). وبالأصل فالمقال (فعلا مقال رأي) منشور قبلها بالإنجليزية في “الأهرام ويكلي” بعدما رفض رئيس تحرير “الأهرام” اليومي حينها نشره.
والأكثر قسوة من هذا وذاك وفي ظل هذا المنع من العمل والنشر ما جرى من زملاء وزميلات في “الأهرام” مع تعرض أسرتك لمحنة سخيفة باحتجاز الزوجة في قسم شرطة الحي مع شبهات بأن الاحتجاز لساعات وحتى الليل مع فزع ابنك الصغير في المنزل بمفرده جاء انتقاما منك أنت كصحفي ومما تكتب وتنشر.. وهنا امتنع عن الاستطراد.
والحقيقة أننا كصحفيين معرضين لصدمات في علاقات الزمالة ومن الزملاء الأعزاء، وليس بشأن علاقات العمل فقط. وهنا يحضرني أنني وبين عامي 2007 و2016 أي لنحو عشر سنوات كنت أغطي أنشطة الجمعية التاريخية المصرية بناء على اقتراحي وخلال فترة عملي بصفحة “دنيا الثقافة”. ولاهتمامي أصلا بالتاريخ تطورت علاقتي بالجمعية والعديد من المؤرخين. ومع أزمة تيران وصنافير تصادف أن ذهبت لتغطية مؤتمر الجمعية السنوي 2016 ـ ولم تكن الأزمة على جدول أعماله ـ وفاجأني حضور زميل عزيز من الأجيال الأصغر وتعمده تجاهلي، ولو حتى بالسلام. وهذا مع العلاقة الطيبة الخاصة التي ربطت بيننا قبلها بسنوات إذ كان يطلعني على كتب وكتابات خارج الجريدة تنطوي على حس نقدي ونضوج مثقف. ولقد استغرب الأصدقاء في الجمعية التاريخية أن الزميل أبلغهم بأنه أصبح مكلفا من “الأهرام” بتغطية أنشطة الجمعية. وما حدث أن تغطيتي للمؤتمر السنوي لم تنشر. وطبعا ما جرى لا ينتمي لأي تقاليد مهنية أو مؤسسية محترمة. إذ كان بالإمكان إبلاغي قبلها بإعفائي من مسئولية هذا المصدر دون أن أوضع و” الأهرام” في حرج.
وآخرا وليس أخيرا.. واجهني عندما خضت انتخابات نقيب الصحفيين المصريين 2021 فصلا جديدا من الإنكار والقسوة. فقد أنكر على الزملاء المسئولون عن “الأهرام” اليومي والبوابة كوني كنت صحفيا زميلا لهم في المؤسسة والجريدة. أمضيت فيها عقودا وشقيت فيها أياما وليال. ولقد تغلبت على خجلي واعتباري الموضوع هامشيا، فتحدثت مع الزملاء المسئولين عن النشر منبها وليس معاتبا خلال جولة انتخابية، ولكن بلا جدوى. ويبدو أن “التعليمات” كانت هي أن ينفرد مرشح وحيد ـ هو مرشح السلطة ـ بالانتساب “للأهرام” مع أنه لم يمارس ويحترف العمل الصحفي. بل صفته كانت وظلت أنه باحث في مركز الدراسات، وقد جاوز هو أيضا الستين.
وأظن أن لدى العديد من الزميلات والزملاء في “الأهرام” من في الخدمة ومن غادر للتقاعد من المؤسسة ذكريات قد تفوق ما رويت عن القسوة سواء من الإدارة / القيادة / السلطة، أو حتى من جانب الزملاء. وهي بحق تستحق أن تخرج في كتابة وبوح. وحتى عندما تغادر بعد الستين لن يخلو الأمر للأسف من قسوة، وقد اختبرتها وعايشتها ومازلت بدوري. يمكننا هنا أن نتحدث عن تجارب زميلات وزملاء ـ الحمد لله لم أكن من بينهم ـ أملوا أو تشبثوا بالاحتفاظ بمكاتبهم، ففوجئوا بمتعلقاتهم الخاصة داخل هذه المكاتب ملقاة في طرقات المؤسسة، مع تغيير المفاتيح دون إخطار مسبق. ويمكننا الحديث هنا عن غياب أي تكريم أو حتى تفضل رئيسي مجلس الإدارة والتحرير بمقابلتك ومصافحتك وأنت تغادر. فكل هذا وما يشبهه بمثابة النوادر كالعنقاء والخل الوفي، والتي لا يحظى بها إلا نفر محدود جدا من “أهل الرضا”.
وحتى في المكتب التابع “للأهرام” بالإسكندرية، محدود عدد العاملين والزملاء، ثمة تاريخ من القسوة كذلك. وفي ذاكرة الزميلات والزملاء هناك أحداث مؤسفة وعبارات سيئة مسيئة مثلما قيل لزميلة من رئيس المكتب الجديد حينها:
“يا فلانة.. الأهرام بيقولك ما تجيشي بكرة.. خلاص انت معاش”.
أما الحصول على حقوقك المالية كاملة مع بلوغ الستين وبخاصة في صندوق العاملين فدونه الجهاد والإنفاق على القضايا في المحاكم. وهذا لو كان عندك طاقة ونفس وفائض مال بعد الستين. وكذلك لو كان عندك ثقة في أحوال القضاء، ولديك قدرة على رد كيد وألاعيب وشر الشئون القانونية ورئيس مجلس الإدارة في اللعب بورقة سقوط حقوقك بالتقادم الحولي (مرور سنة). وهذا مع أن الصندوق والمؤسسة لم يعودا يصرفان هذه الحقوق إلا بعد مرور ما يزيد على السنة.
وأما عن القسوة تجاه قارئ “الأهرام” فيما ينشر مفتقدا إلى المهنية والصدق واحترام حقوق القراء فحدث ولا حرج. وهو ما قد يحتاج مقالا آخر.. أو بالأحرى دراسات علمية تمزج بين مناهج وأدوات الإعلام في تحليل مضمون وعلمي النفس والاجتماع. وشخصيا أنا والعديد من الزملاء شهود على رفض الإدارة/ السلطة في “الأهرام” ومعها العديد من الزميلات والزملاء الصحفيين نشر اعتذار للقارئ وقع عليه ما يزيد على 300 صحفي بعد خلع ” مبارك” مع تسلم قيادة جديدة رئاسة مجلس الإدارة والتحرير في بدايات أبريل 2011.
وعن القسوة أيضا إزاء المواطنين المصابين في حرياتهم وأهاليهم وفي أرزاقهم فهذا مبحث آخر يطول الكلام عنه. ويكفي أن يرد على خاطري الآن ما تعرضت وتتعرض له أسرة معتقل وسجين الرأي الأستاذ “علاء عبد الفتاح” إلى زمن قريب من تشويه وافتراءات وسب وقذف في إصدارات “الأهرام” ومواقعه الإلكترونية. وليست أسرة “علاء” في محنتها إلا بمثابة مثل واحد من فيض مؤسف وبخاصة في السنوات الأخيرة. أوليس في هذا قسوة ترتد على الصامتين عليها من صحفيي “الأهرام” العريقة.
*
أخشى أن يتلاشى الاهتمام بحدث انتحار زميلنا الأستاذ “عماد الفقي”، وينتهي بعد أيام أو أسابيع إلى لا شيء.. إلى النسيان. حقا.. جرأ الحدث العديد من الزميلات والزملاء على البوح عن بؤس أحوالهم الاقتصادية وعلاقات العمل وبيئته غير الصحية غير السوية، وكذا البوح بشأن بؤس النشر، بل وانعدامه مع تغييب المهنية ليس في الأهرام وحدها. بل في عموم الصحافة المصرية التي يبدو أنها تعيش السنوات الأسوأ بعد انكسار ثورة يناير بحلول صيف 2013 وما تلاه. لكني أخشى من عودة “لـ اللا شيء” وللنسيان، حتى نفاجأ مستقبلا وقريبا أننا أمام مأساة أكثر من “عماد” هنا وهناك.