كارم يحيى يكتب: عن زميلنا “عماد الفقي” وتاريخ القسوة في “الأهرام” (4).. شهادة شخصية
بدون ضمانات استقلالية الشئون القانونية بالمؤسسات سيظل التعسف والتنكيل والتخويف والإرهاب سيفا على جموع الصحفيين
أرغب من خلال هذه السلسلة أن أحفز الزملاء بـ”الأهرام” والصحف المصرية على البوح والكتابة عما لمسوه وعانوه من “قسوة”
تعرضت للكثير من القسوة في المؤسسة.. من بينها تحريض زملائي على كتابة مذكرات ضدي بأنني ممتنع عن العمل!
اللائحة المنظمة لعلاقات العمل وللجزاءات في “الأهرام” أو غيرها من الصحف من قبيل المحرمات الممنوع الاطلاع عليها من العاملين
“القسوة” كانت في أنني لم اتلق أي اتصالات من زملائي للدعم والمساندة في كل ما تعرضت له من أزمات
تعرضت لتهديدات من قيادة بالأهرام بعدما قال إنه استطاع تحريك قضايا شيكات بدون رصيد ضد صحفي أخر بسبب خلافات
رحم الله
الأستاذ عماد الفقي
زميلي في “الأهرام”
وغفر له ..
موجع رحيله على هذا النحو المؤلم الصادم.
الانتحار في حد ذاته موجع .
فما بالنا بالانتحار من مبنى الأهرام فجرا وعلى هذا النحو بالغ البشاعة .. والقسوة أيضا .
*
خبرات صحفييي “الأهرام” وبالقطع غيرهم في مختلف المؤسسات والصحف سوداء مريرة جراء تبعية إدارات التحقيقات والشئون القانونية لرئيس مجلس الإدارة ورؤساء التحرير . وبدون ضمانات استقلالية الشئون القانونية سيظل التعسف والتنكيل والتخويف والإرهاب سيفا مسلطا على جموع الصحفيين المصريين، يجعل حياتهم جحيما . كما يبرز في هذا السياق ضعف أو غياب التضامن بين الزملاء داخل الصحيفة والمؤسسة، إن لم يسهموا بدورهم في معاناة القسوة بمعاونة ” الريس” في التنكيل بزميلة أو زميل. ناهيك عن ضعف وغياب دور نقابة الصحفيين.
ومن خلال هذا المقالات استهدف أيضا أن أحفز زميلاتي وزملائي من “الأهرام” وفي غيره من الصحف المصرية على البوح والكتابة والنشر عما لمسوه وعانوه من “قسوة” في علاقات العمل والزمالة من واقع خبراتهم.
وشخصيا لدى ما اقوله عن إدارات شئون قانونية فاقدة الاستقلالية والالتزام بالقانون واللوائح من واقع تجربتي مع ” الأهرام” مرتين أو أكثر . في الأولى كنت قد تعرضت لتنكيل استمر لنحو عامين في جريدة ” الأهرام المسائي ” من رئيس تحريرها حينئذ الزميل الأستاذ “مرسي عطا الله”. وكانت الأزمة مع رئيس التحرير / المؤسسة والتي امتدت لنحو العامين اعتبارا من عام 1996 تعود إلى اعتراضي على إلزامه الجريدة موقفا مناهضا لحرية الصحافة ولقرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين ( 10 يونيو) ضد القانون 93 لسنة 1995 الشهير بـ “اغتيال الصحافة”. وماحدث أنني كتبت مذكرة للنقابة مفادها تبرؤ الموقعين عليها من صحفيي ” الأهرام المسائي” مما ينشر على صفحات الجريدة بهذا الشأن. وقمت بجمع توقيعات من الزملاء داخل ” المسائي” عليها وسلمتها للنقابة.
كما تعمقت هذه الأزمة عندما ذهبت إلى الشئون القانونية لأشهد بحقائق لصالح الزميل الأستاذ “محمد الشربيني ” ضد إرادة الأستاذ “مرسي” ورغبته حينها التنكيل به وفصله من العمل.
صفحة أولى من عدد الأهرام المسائي 1 سبتمبر 1997 تشيد بتغطية مصرع الأميرة ديانا
ولقد عانيت من وقائع اضطهاد تصاعدت بعدها بشكل مزعج. ولجأت إلى الشكوى مرارا لنقابة الصحفيين بدون جدوى. وكان أخف أشكال الاضطهاد وأعجبها أن أقوم كمحرر الشئون الخارجية السهران بتغطية متميزة لحادث مصرع الأميرة البريطانية “ديانا” في 30 أغسطس 1997 ترجمت نفسها في مانشتات وصفحات كاملة في أكثر من طبعة توالت خلال سهرة طويلة مرهقة من العاشرة ليلا إلى ما بعد ظهر اليوم التالي. وهي تغطية أشادت بها وكالات أنباء إقليمية وعالمية حينها عبر مكاتبها ومراسليها في القاهرة. بل ونشرت ” المسائي” في صفحتها الأولى عدد 1 سبتمبر 1997 تفتخر بهذه التغطية والإشادة الدولية (مرفق صورة ضوئية مع هذا المقال). وكان أن صرف رئيس التحرير مكافأة لجميع محرري السهرة بمن فيهم من ليس له أي علاقة بتغيير تغطيات الحدث العالمي. وقد استثني ـ سامحه الله ـ العبد لله تماما من هذه المكافأة.
نتيجة تحقيق تهدد بالفصل من العمل مارس 1999
ثم جاء الأسوأ بعد شهادتي بالحق إلى جانب زميلي الأستاذ ” الشربيني”. فقد جمدني رئيس التحرير ومنعني من العمل والنشر تماما، فيما كان يكلف زملاء / أصدقاء بذات القسم ( الأخبار الخارجية والترجمة) بكتابة مذكرات تتهمني وبالكذب بأنني ممتنع عن العمل . وهو ما اكتشفت وبخط الأصدقاء/ الزملاء وبتوقيعهم عندما أطلعتني عليها الشئون القانونية لمؤسسة ” الأهرام” لاحقا. وصحب هذا قيام رئيس التحرير بتوقيع جزاءات غياب بالخصم من راتبي توالت في فترة زمنية وجيزة. وهذا على الرغم من حرصي على الحضور والبقاء في القسم خلال ساعات العمل.
استدعاء للشهادة في التحقيق مع الزميل الاستاذ محمد الشربيني
واتذكر ومعي أصدقاء وزملاء أعزاء في المهنة أنني لجأت في مواجهة تصاعد الاضطهاد والتنكيل إلى تعليق لافتات استغاثة ورقية متواضعة بخط اليد داخل جدران نقابة الصحفيين وبمساعدة الصديق والزميل الأستاذ “هشام فؤاد” ( من أسبوعية العربي) وآخرين، فما كان من رئيس تحرير ” المسائي” إلا أن أرسل نفرا من زملائي في الجريدة لتقطيعها وإزالتها. وفضلا عن هذا دفع عددا معتبرا من زملائي بالجريدة أيضا للتوقيع على مذكرة مرفوعة إلى رئيس مجلس الإدارة تتهمني بأنني بتحركي في النقابة ولجأوى للشكوى إلي مجلسها أسئ إلى مؤسسة “الأهرام” .
ولما كانت الأزمة قد طالت وزاد الاضطهاد إلى حد توقيع جزاءات غياب بدون إذن وبالباطل والكذب ضدي عن تسعة أيام في مدة زمنية وجيزة تضعني على حافة الفصل من العمل ولما ارتفعت أيضا شكاوى زملاء آخرين من اضطهاد رئيس تحرير ” الأهرام المسائي ” لهم، فقد جرى نقلي وآخرين من الجريدة بقرارات توالت من رئيس مجلس الإدارة المرحوم الأستاذ ” إبراهيم نافع”. و أخيرا وبعد رحلة عذاب طويلة، انتقلت إلى قسم الشئون العربية بـ”الأهرام” اليومي ( الصباحي) مع ربيع عام 1998.
مذكرة للنقابة في فبراير 2004 بمنعي من العمل ودخول الأهرام
لكن المدهش والمؤلم أنني وجدتني مطلوبا للمثول بعد أقل من عام أمام الشئون القانونية بدعوى التحقيق في الشكاوى التي تقدمت بها خلال أزمة “المسائي”. وكان من بينها ما يتعلق بتوقيع جزاءات الغياب بدون إذن عن أيام 18 و 19 و20 فبراير 1998. وهي بالأصل إجازة مرضية معتمدة جراء كشف وتوقيع طبيب العيادة داخل “الأهرام”. وهذا بعدما دفعني استهداف رئيس التحرير وملاحقته لي بالغياب بدون إذن وبالباطل إلى الذهاب للعيادة ودرجة حرارتي نحو الأربعين وتكليف زميلي بـ”الأهرام” اليومي الصباحي الأستاذ ” أبو العباس محمد” بإرسال برقيات في نفس اليوم بالنيابة عني تبلغ رئيس التحرير الأستاذ “مرسى عطا الله” وكذا الأستاذ ” عبد اللطيف الحنفي” مدير تحرير ” المسائي ” بمراجعتي العيادة في غير مواعيد عملي وعمل الجريدة وبإعطائي إجازة على هذا النحو .
وأمام المحقق الأستاذ ” محمد عبد المجيد” وجدتني في أكثر من موقف في دهشة وحرج. ومن بداية التحقيق، طلب مني أن أسجل شكرى وإمتناني للأستاذ “إبراهيم نافع” لأنه قام بنقلي من “المسائي”، فامتنعت بأدب ودبلوماسية. وسألته عن علاقة طلبه هذا بموضوع التحقيق. وفي الجلسة الثانية والأخيرة، وجدتني مطالبا بالدفاع عن نفسي بشأن تورط طبيب العيادة في القيام بشطب الإجازة التي أقرها لي بعد الكشف الطبي وتبريره لهذا الإلغاء بأن ” رئيس تحريري طلب منه ففعل”.
دخل معي السيد المحقق في جدل سقيم يخطئني بأنه كان على كصحفي في حالة مرض على هذا النحو أن انتظر رئيس التحرير حتى يأتي للجريدة، ويمنحني إذنا كتابيا بمراجعة العيادة الطبية. وبكل أدب ودبلوماسية طلبت منه أن يطلعني على أي نص من لائحة المؤسسة يلزمني بهذا الإجراء. فلم يفعل .
مذكرة للنقابة في فبراير 2004 بمنعي من العمل ودخول الأهرام
وللعلم فإن اللائحة المنظمة لعلاقات العمل وللجزاءات سواء في ” الأهرام” أو غيرها لأغلب صحفنا المصرية وكانت ويبدو أنها تظل إلى اليوم من قبيل المحرمات الممنوع الإطلاع عليها من العاملين، بما في ذلك الصحفيون الموكل إليهم إشاعة الشفافية و الدفاع عن حقوق الآخرين في المجتمع. وبالطبع فإن نقابة الصحفيين مسئولة عن هذه المأساة بصمت وتواطؤ نقبائها ومجالسها التي يهيمن عليها رؤساء مجالس الإدارة والتحرير.
ولقد انتهى هذا الفصل العبثي من التحقيق في الشئون القانونية بـ” الأهرام” بأن تلقيت “نتيجة تحقيق ” ( مرفق صورة ضوئية مع هذا المقال) يحتسب أيام المرض الثلاثة إجازة ( مع رد مبالغها المخصومة من المرتب وإن لم يفتح تحقيقا مع من تلاعب بكارتونة العلاج ومن عاقبني على هذا النحو بدون مبرر أو رحمة). ولقد تجاهل التحقيق غير هذا من جزاءات ومخالفات وتنكيل. والأكثر إثارة للدهشة ومدعاة للشعور بالقسوة أن نتيجة التحقيق انتهت إلى تهديدي بالفصل من العمل. وهكذا بدعوى ” الإخلال بالاحترام الواجب لجهة التحقيق ممثلة في شخص المحقق” . وهو ما لم يحدث. اللهم إلا اذا كان السؤال عن اللائحة و الامتناع عن تسجيل شكري وامتناني لرئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير “الأهرام” اليومي رئيس مجلس إدارة المؤسسة نقيب الصحفيين رئيس اتحاد الصحفيين العرب “اخلالا بالاحترام الواجب”.
نحو عام 2000، استدعاني مدير التحرير الأقرب إلى الأستاذ إبراهيم نافع ( يرحمهما الله ) إلى مكتبه . وأبلغني نصا :” أنا مكلف من الأستاذ إبراهيم أبلغك يا أستاذ.. ( ثم قام بتغيير نبرة كلامه ).. الأستاذ إبراهيم بيقولك أتلم لنخلي يومك أسود من قرن الخروب”. طبعا اندهشت ، فبسط أمامي على مكتبه نسخة من جريدة ” القاهرة” تتضمن أقوالا لي لم أنكرها في تحقيق صحفي أجراه الزميل الأستاذ ” على الفاتح ” تنتقد مبنى النقابة الجديد، وتقارن بينه وبين ألفة المبنى القديم واتاحته الإتصال والتواصل الأفضل بين الصحفيين أنفسهم وبينهم وبين الفضاء المحيط والمجتمع. ناهيك عما تضمنه هذا التحقيق من تعبير لم يكن جديدا بالنسبة لي عن اعتراضي على الجمع بين منصب رئيس مجلس إدارة أو رئيس تحرير صاحب سلطة الثواب والعقاب وموقع النقيب ممثل الصحفيين والمدافع عنهم في مواجهة الإدارات وكل سلطة في المجتمع. وماكان من العبد لله إلا أن أوضح لمدير التحرير أن هذا هو رأيي في شأن نقابي وهو أمر لا يتصل بأدائي لعملي في “الأهرام” ولا يجب أن يجرى أي خلط بين الأمرين. كما أبلغته بكل أدب اندهاشي من التهديد وصيغته وقلت له نصا :” أنا لا أصدق أن الأستاذ إبراهيم يطلع منه الكلام ده “. وقلت بأنني سأخرج من غرفته مباشرة إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة والتحرير ( الأستاذ إبراهيم) لأطلب التحقق منه شخصيا مما أبلغني هو به. و فعلت فورا ، وإن لم يقابلني الأستاذ “إبراهيم”، مع أنني أبلغت مكتبه بهدف المقابلة.
بين فبراير 2004 و سبتمبر 2005 وجدت نفسي خارج ” الأهرام” ممنوعا من العمل والدخول، وأكاد أكون محاصرا في فرص العمل الصحفي خارجه وبمنع النشر عما يجرى لي. وللأسف لم يكن بين صحفيي “الأهرام” بعددهم الذي يناهز الألف حينها من يسأل عني ويلتقيني سوى الزميل الأستاذ “علاء العطار”، والذي كان بدوره حينها محل اضطهاد مع نقله من قسم التحقيقات الصحفية إلى الأرشيف بعد انتخابات نقابة الصحفيين يوليو 2003 وتصويت كتلة مهمة تقارب ثلث الأصوات الصحيحة في مؤسسة ” الأهرام” إلى جانب الزميل الأستاذ “جلال عارف” نقبيا للصحفيين في مواجهة المرشح الذي اختاره الأستاذ “إبراهيم نافع” والحزب الوطني الحاكم والأجهزة إياها. وكان مرشحهم المفضل الزميل الأستاذ “صلاح منتصر” وبنية أن يلعب دور “المحلل” ـ كما قيل وراج ـ ليعود “نافع” بعدها إلى موقع النقيب، والذي ظل يتناوبه مع الراحل الزميل الأستاذ ” مكرم محمد أحمد” رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير أسبوعية ” المصور” لنحو ربع قرن من تاريخ نقابة الصحفيين المصريين.
نتيجة تحقيق تهدد بالفصل من العمل مارس 1999
ولا أنسى هنا فضل الزميل الراحل الأستاذ “خالد السرجاني” الذي سارع بمقابلتي خارج المؤسسة بعدما تمكن بعلاقاته مع أحد موظفي المؤسسة من الحصول على صورة ضوئية من قرار منحي “إجازة مفتوحة” لم أطلبها، وقام بتسليمها لي . وهو قرار لم يرسل لصاحب الشأن أبدا. وكان يعني عمليا المنع من العمل والدخول لكافة مباني المؤسسة، و استلام ماهو أساسيات المرتب ليس إلا بشيك مصرفي على الفرع الرئيسي للبنك الأهلى بعد الأول من كل شهر ( مرتبات الأهرام يجرى صرفها يوم 26 في الشهر على أقصى حد). وكأن توقيت الشيك قد اختير بعناية لأقف في صفوف انتظار أصحاب المعاشات، فيما كان من أصدر هذا القرار العجيب قد تجاوز قانونا كل سنوات الإحالة للمعاش وكقيادة في مؤسسة صحفية قومية بنحو عشر سنوات ويزيد .
لكن القسوة أيضا كانت في أنني لم اتلق إتصالات تذكر، كما لم يهتم أحد من الزملاء في ” الأهرام ” أو حتى القسم الذي كنت به في صالة التحرير ( الشئون العربية )، وكان عدد زميلات وزملاء هذا القسم يفوق العشرين. وهذا مع ما كان يربطني بجميعهم تقريبا من محبة وزمالة محترمة ، وعلاقات بعيدة عن أي تنافس على مناصب أو مزايا. وأيضا على الرغم مما كنت قد أسديت للعديد منهم مرارا من عون وتضامن، بما في ذلك تحمل سهرات ليلية مرهقة بالنيابة عن هذا أو ذاك تفهما لظروف خارج العمل. ولعل من تفاصيل القسوة التي مازالت عالقة بالذهن هو أنني ذهبت خلال هذه الفترة إلى عزاء الراحل الزميل الأستاذ “عبد الوهاب مطاوع” ، فوجدت الزملاء في “الأهرام” لا مجرد يتحاشون الجلوس إلى جانبي أو السلام ولو عن بعد. بل ويتجنبون النظر تجاهي . والعجيب أنني قبلها بشهور كنت قد حصلت على أكثر من 300 صوت من داخل “الأهرام” في انتخابات عضوية مجلس النقابة، وفي تحد للأستاذ “إبراهيم نافع” والسلطة داخل المؤسسة وخارجها.
والأكثر مدعاة للأسف هو ماجرى في هذا الليلة من عام 2005 بقاعة نقابة الصحفيين الرئيسية مع تنظيم ندوة أظنها فريدة ومازالت عن علاقات العمل بالصحف القومية. وهي التي أدارها أو بالأدق فشل في إدارتها المرحوم الزميل الأستاذ “صلاح عيسى” رحمه الله. فقد تحولت الندوة ومن بدايتها إلى فوضى وبلطجة بعدما دفع الأستاذان ” إبراهيم نافع” و” سمير رجب” رئيس مجلس إدارة دار التحرير بزملاء صحفيين لإفسادها. ولقد انتهت الندوة سريعا وعلى يدي جروح ودماء تنزف بعدما تناولت الميكروفون بطلب من الأستاذ “صلاح” دون أن اتمكن من ألقاء جملة واحدة. ولقد كنت اعتزم ـ مدركا لتوتر الأجواء بالقاعة ـ الحديث في قضايا وملامح عامة عن أوضاع الصحافة القومية دون التطرق إلى مشكلة منعي من العمل والدخول لـ” الأهرام”. وماحدث أنه ما أن تناولت الميكروفون حتى انقض على جسدى وعلى يدي الممسكة به زملاء أعزاء في “الأهرام”. وانتزعوه مني بعد أن ألحقوا بي جروحا، مع أنني لم أقاوم إلا للحظات وفقط بمحاولة التشبث بالميكروفون. وربما ظن زملائي الأعزاء في ” الأهرام” أنني سأتحدث عما أعانيه من إدارة “الأهرام ” ورئيسها. والطريف أن عددا من هؤلاء الزملاء ، التي تنطبع في ذاكرتي إلى اليوم ملامح وجوههم بقسوتها وهي تنتزع مني حق الكلام، ظل يلتقيني بعدها وبعدما عدت إلى دخول المؤسسة بالسلامات والبشاشة والأحضان.
ولا أعرف إلي أي مدى تتداخل ضغوط العمل التي قد يواجهها الصحفي داخل مؤسسة كبيرة كـ “الأهرام ” مع حياته العائلية والشخصية . وشخصيا سأمتنع عن رواية ما اعتقد أنه أصابني في سياق أزمة 4 / 2005 تلك معي. وسأترك لنفسي وحدي مراجعة وتقدير التداخل بين ضغوط العمل وبين ماهو شخصي وعائلي. لكنني سأذكر أمرين واضحين:
الأول يعكس وعي السلطة / الإدارة / المؤسسة في سياق مجتمعات متخلفة وبسطوة نظم استبدادية بأنها يمكن أن تنال من حياة الصحفي الشخصية والعائلية. فالشيك المصرفي الأول الذي تلقيته من إدارة “الأهرام” في ظل وضع غامض صحب المنع من الدخول والعمل جاء مع الزميل الأستاذ ” أحمد موسى” بوصفه قيادة قريبة من رئيس مجلس الإدارة والتحرير وأيضا عضوا بمجلس نقابة الصحفيين حينها. تفضل الزميل وقابلني في مبنى النقابة. لكنه كان محملا إلى جانب قصاصة الشيك بما رأيته تهديدا يمس استقرار حياتي خارج العمل.
أبلغني بما فعلته “الأهرام ” بحياة زميل آخر قام الأستاذ “إبراهيم نافع” رحمه الله بفصله من العمل بعدما كان مقربا إليه ومن بين كتاب مقالاته وأوفده للعمل بمكتب مهم خارج مصر، و قبل أن يتحدث هذا الزميل عن وقائع فساد اكتشفها بهذا المكتب منسوبة لزميل صحفي آخر أكثر قربا للأستاذذ “نافع”. وكان مطلوبا التغطية والصمت على هكذا شبهات أو وقائع فساد مدعمة بمستندات. وماحدث أن الزميل الأستاذ “موسى” أبلغني بدور “الأهرام” وبحكم علاقاته مع سلطات الدولة في تحريك قضايا شيكات بدون رصيد تتعلق بمعاملات خارج العمل للزميل الذي أصبح مغضوبا عليه. وأبلغني حينها أن هذه الضغوط وضعت الزميل المفصول في وضع لايطاق يهدد بتدمير حياته وبيته، وبفضل توالى استدعاءات النيابة مع الحبس وأحكام متوقعه بالسجن. ولكنني تكفلت بالرد على هذه التهديد وعلى الفور على نحو دفع إدارة “الأهرام” للجوء بعدها مباشرة للزميل الأستاذ “يحيى قلاش” سكرتير عام النقابة حينها لتسليمي الشيكات الشهرية.
أما الأمر الثاني فيبدو بالغ الطرافة، وربما يستدعى اليوم الضحك. فخلال فترة المنع من دخول المؤسسة والعمل اقترحت الصديقة الأديبة الأستاذة “سلوى بكر” علي طبيبة أسنان لأتزوجها. وكنا بالفعل نتجه إلى الزواج مع تقبلها لرعايتي والدتي المريضة رحمها الله، لولا ما أبلغتني به ” سلوى” بأن خال الطبيبة سأل عني صحفيا من قيادات “الأهرام” ـ مشهور بصلاته مع الأجهزة الأمنية وبكتاباته المنافقة لكل سلطة وبخاصة من زمن الرئيس الساداتـ فأبلغ الخال ونصا بأنني : ” شيوعي ومشاغب وسيفصلوني قريبا “. وبالطبع كنت بدوري قد أخبرت الطبيبة بمشكلاتي مع إدارة ” الأهرام ” وبما أصبحت عليه علاقتي بالمؤسسة. والطريف أنني كلما التقيت هذا الصحفي الكبير داخل مبنى “الأهرام” بعد عودتي كنت اجاهد لأمنع نفسي من الضحك في وجهه.
*
أخشى أن يتلاشى الاهتمام بحدث انتحار زميلنا الأستاذ ” عماد الفقي”، وينتهى بعد أيام أو أسابيع إلى لا شئ .. إلى النسيان. حقا.. جرأ الحدث العديد من الزميلات والزملاء على البوح عن بؤس أحوالهم الاقتصادية وعلاقات العمل وبيئتة غير الصحية غير السوية، وكذا البوح بشأن بؤس النشر ، بل وانعدامه مع تغييب المهنية ليس في الأهرام وحدها . بل في عموم الصحافة المصرية التي يبدو أنها تعيش السنوات الأسوأ بعد انكسار ثورة يناير بحلول صيف 2013 وماتلاه. لكني أخشى من عودة ” للاشئ” وللنسيان، حتى نفاجأ مستقبلا وقريبا أننا أمام مأساة أكثر من “عماد” هنا وهناك .