“كارثة تشريعية”.. تعليق قانوني لـ”المفوضية المصرية” على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. ومطالب حقوقية بسحبه وإجراء “مناقشة شفافة”
كتب- درب
أطلقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي مؤسسة حقوقية مصرية تتخذ من القاهرة مقرا لها، تعليقها على مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي اعتبرته المفوضية “كارثة تشريعية تبقي على عيوب القانون الحالي وتزيدها من خلال تقنين الممارسات غير القانونية”.
وأعربت المفوضية عن رفضها لمشروع قانون الإجراءات الجنائية “لما يحتويه من نصوص كارثية” أبقت على عيوب قانون الإجراءات الجنائية الحالي من تكديس لسلطات التحقيق والاتهام والإحالة في يد النيابة العامة وحماية مأموري الضبط القضائي من المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان مثل التعذيب والاختفاء القسري، بحسب بيان المؤسسة.
وقالت المفوضية، إن مشروع القانون “يكرس لممارسات غير قانونية تخل بالحق في محاكمة عادلة وحقوق الدفاع مثل حظر قيام المحامي بالكلام، في غير إبداء الدفوع والطلبات، إلا بإذن من عضو النيابة، وحق عضو النيابة في منع اطلاع محامي المتهم على التحقيق”. وأصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ورقة موقف بتحليل أهم مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي يجري مناقشته حاليًا في اللجنة التشريعية في البرلمان المصري.
وتابعت: “إن هذا المشروع، الذي يزعم أنه يهدف إلى تحسين كفاءة النظام القضائي وتسريع وتيرة العدالة، ولكنه يخفي في طياته مخاطر جسيمة تهدد بتقويض حقوق الإنسان وتدمير ما تبقى من ثقة في القضاء”. وتشير الورقة إلى أن التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي سلطات غير مسبوقة على حساب حقوق المتهم أو المحتجز وحقوق الدفاع ومنها مثلا منح النيابة العامة سلطة واسعة في إصدار الأمر بإجراء تسجيلات للأحاديث التي تجري في مكان خاص، ومنح مأمور الضبط القضائي سلطة جوازية بالتحقيق مع المتهم، مما يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية ويضعف من دور القضاء كضامن لحقوق الأفراد.
واعتبرت المفوضية هذه التعديلات، “تقلص من دور القاضي وتزيد من صلاحيات النيابة، قد تؤدي إلى انتهاكات خطيرة للحقوق الدستورية، وتجعل من الصعب على المتهمين الحصول على محاكمة عادلة”. كما أن التعديلات المتعلقة بالحبس الاحتياطي، على الرغم من تقليص مدته، لا تزال تسمح للنيابة العامة بتمديد احتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة ولا تضمن توقف ممارسات تدوير المتهمين التي تسمح بالتحايل على مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليهاً قانونا، بحسب التعليق القانوني للمفوضية، وهذه الإجراءات تمثل تهديدًا خطيرًا لحرية الأفراد وتزيد من احتمالية إساءة استخدام السلطة”.
وتابعت المفوضية: “عملية استخدام الحبس الاحتياطي بشكل تعسفي في مصر لاعتقال أي شخص بسبب آرائه تعرضت لانتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان على مر السنين، حيث إن قانون الإجراءات الجنائية الحالي ليس هو السبب الوحيد للاعتقال ومن ثم الاحتجاز التعسفي، بل أيضا هناك قوانين قمعية تجرم ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وعلى رأسهم قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الجريمة الإلكترونية وقانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية، حيث يتم استخدامها كأداة لمعاقبة المعارضين السياسيين والنشطاء، بل وأي مواطن يعبر بطريقة سلمية عما بداخله”.
وقالت الورقة: “على الرغم من النص على تقليص مدة الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، فإن الاستثناءات الواسعة التي يتضمنها القانون الجديد قد تؤدي إلى استمرار هذه الممارسات التعسفية دون رادع حقيقي، وإن هذه التعديلات تضع الدولة في موقف يتعارض مع التزاماتها الدولية، وتزيد من القلق حول استخدام الحبس الاحتياطي كوسيلة للضغط على الأفراد أو إسكات أصوات المعارضة”.
كذلك تتناول التعديلات المطروحة تنظيم أوامر المنع من السفر، وهو أمر يثير قلقًا كبيرًا نظرًا لتأثيره المباشر على حرية المواطنين في التنقل، وهو حق أساسي يكفله الدستور المصري. بينما يحاول المشروع معالجة الفراغ التشريعي الذي سمح سابقًا لقرار وزاري بتنظيم هذه الأوامر، إلا أنه في الواقع يوسع من نطاق الجهات التي يمكنها طلب إصدار أوامر المنع من السفر لتشمل جهات أمنية متعددة، ويزيد من عدد الجرائم التي يمكن أن يُفرض عليها هذا الإجراء ليشمل حتى الجنح المعاقب عليها بالحبس.
ودعت المفوضية المصرية للحقوق والحريات كل من يعنيه أمر العدالة الجنائية والحق في محاكمة عادلة إلى “الوقوف بحزم ضد مشروع القانون الذي يقوم بتقويض أسس العدالة في مصر”. مثمنة موقف نقابة المحامين الرافض لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وكذلك نقابة الصحفيين، ومطالبة بإجراء مراجعة شاملة وشفافة لمشروع القانون، مع إشراك كافة الأطراف المعنية لضمان أن تكون التعديلات المقترحة متوافقة مع الدستور المصري والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما توصي المفوضية المصرية للحقوق والحريات بضرورة سحب مشروع القانون المقترح وإجراء عملية تشاورية شاملة تضم جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والخبراء القانونيين.