قميص يحيى حسين الذي يفوح نضالاً وشرفًا.. صفحات من سيرة فارس مقاومة الخصخصة المدافع عن المال العام (بروفايل)
كتب- عبد الرحمن بدر
“إذا مت في السجن ادفنوني بملابسي لأحاجج بها من ظلمني”، كانت تلك وصية المهندس يحيى حسين عبد الهادي فارس مقاومة الخصخصة المدافع عن المال العام، خلال جلسة محاكمته بتهمة نشر أفكار كاذبة.
يعرف يحيى حسين عبد الهادي مثلما يوقن غالبية المصريين أن قميصه وملابس سجنه تفوح نضالا وشرفًا، لذلك أطلق وصيته وكأنها صرخة إدانة من مناضل دافع عن المال العام، لكن تبقى أمنيات محبية أن يخرج في أسرع وقت من محبسه ليواصل مسيرته في الدفاع عن قضايا الوطن وهمومه، ووقتها سيكون من الأنسب أن يحتفظ بملابس سجنه لأولاده وأحفاده لتشهد على مسيرة رجل شريف ومناضل دفع ثمن مواقفه من حريته وصحته.
المحامي الحقوقي محمد فتحي، قال إن المهندس يحيى حسين عبد الهادي، أوصى خلال كلمته اليوم أثناء محاكمته أمام محكمة جنح مدينة نصر، بأن يتم دفنه بملابس السجن حال وفاته.
ونقل فتحي عن عبد الهادي، مساء اليوم الاثنين، قوله أمام القاضي، إنه يوصي بأن يتم دفنه بملابس السجن إذا مات داخل محبسه بسبب سوء حالته الصحية، وذلك “حتى يحاجج بها من ظلمه”.
وكانت محكمة جنح مدينة نصر ثان، قررت حجز قضية يحيى حسين عبد الهادي للحكم في الجلسة المقبلة بتاريخ 29 نوفمبر، بعد الاستماع إلى مرافعة الدفاع متمثلة في المحامي نجاد البرعي والمحامي محمد فتحي والمحامي خالد علي.
وقال المحامي الحقوقي نجاد البرعي، إنه دفع في مرافعته عن عبد الهادي خلال جلسة محاكمته، بعدم دستورية مواد الاتهام لمخالفتها المادة 71 من الدستور التي تمنع الحبس في قضايا النشر.
وأضاف البرعي، أنه دفع أيضا بعدم اختصاص المحكمة وعدم دستورية مواد في قانون الطوارئ، وأيضا بأن المادة 71 نسخت مواد الاتهام، إلى جانب أن قانون الإعلام يمنع الحبس في قضايا النشر.
وتابع البرعي: “ترافعنا في إشكالية هل ما نشره المهندس يحيى حسين عبد الهادي رأي أم خبر، فالقانون يجرم نشر الأخبار الكاذبة، أما ما نشره عبد الهادي فهو مجرد آراء خاصة به، والدستور المصري يكفل حرية الرأي والتعبير”.
وأشار البرعي إلى حديث عبد الهادي مدافعا عن نفسه خلال الجلسة أمام المحكمة التي استمعت له، وحاجته إلى رعاية ومتابعة صحية مستمرة، خاصة مع إجرائه عملية بشبكية العين خلال الفترة السابقة.
“نحن في وقت تريد فيه الحكومة فرض الصمت علينا …رغم أن رئيس الجمهورية نفسه قال إنه مع أن يعلن الناس أراؤهم بشرط أن يكونوا فاهمين، وأنا اشهد أن الرئيس لن يجد شخصا أكثر فهما فيما يكتبون عنه من يحى حسين عبد الهادي، أيها الصديق الكريم ….اثبت …وابشر …فإن مكانتك عند الناس في أعلى عليين”، هكذا كتب المحامي الحقوقي نجاد البرعي، متحدثًا عن يحيى حسين.
ويضيف: ” في بلد آخر كان يتعين إهداء المهندس يحي حسين وسام باعتباره أول وأهم شخص دافع عن المال العام وهاجم الفساد في هذا البلد فيما عرف وقتها بصفقه عمر أفندي؛ وكان يمكن حتى التجاوز عن بعض قوارص الكلم فيما لو كانت منشوراته على فيس بوك قد احتوت على بعضها؛ ولكننا لسنا في هذا الزمن”.
أكثر من 30 شهرا قضاها يحيى حسين عبد الهادي، في محبسه على ذمة اتهامات من نيابة أمن الدولة العليا، مطالب متكررة بالإفراج عنه، يقابلها قرارات باستمرار الحبس القرار تلو الأخر.
عبد الهادي الذي ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله فجر يوم 29 يناير 2019، كان من الناحية القانونية يستحق إطلاق السراح في يناير 2021 أي بعد مرور عامين على حبسه، لكن ذلك ما لم يحدث حتى الآن، ويتم التجديد له 45 يوما كل جلسة في المواعيد المحددة لها.
وكان آخر فصل من فصول ما يتعرض له “فارس مقاومة الخصخصة”، في يونيو 2021، بعد أن فوجئ محاميه الحقوقي خالد علي، باستدعاء موكله من محبسه لاستكمال التحقيقات معه، ليكشف خالد علي بعد ذلك تفاصيل هذا التحقيق الذي جاء في قضية قديمة تعود إلى عام 2018 وكان وقتها قد حصل على قرار بإخلاء سبيل بكفالة 10 آلاف جنيه.
فضلاً على أنه تم التحقيق معه على ذمة القضية ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩، وهى التي تضم علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر وآخرين، والمهندس يحيي صدر قرار بحبسه احتياطيا عليها لمدة ١٥ يوم يبدأ تنفيذهم بعد انهاء الحبس في القضية ٢٧٧ لسنة 2019.
أراء يحيى حسين عبد الهادي كانت واضحة في كتاباته ومقالاته المنشورة بعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، التي أغلقت بعد ذلك الباب في وجهه، ما دفعه للكتابة على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
اختار يحيى حسين عبد الهادي الانحياز للوطن وقضاياه وهمومه من البداية، وفي وقت سابق شغل منصب المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، حيث اختارته الحركة في الذكرى الثانية لتأسيسها وأعلنت ذلك في بيان لها. وكان مديرا لمركز إعداد القادة، وهو أيضا من مؤسسي المركز، وأصبح مديرًا للمركز ووكيلًا لوزارة الاستثمار عام 2004.
كما أصبح عضوًا باللجنة الرئيسية لتقويم شركة “عمر أفندي” التي ضمت 15 عضوًا من قيادات قطاع الأعمال والخبراء، وكان موقفه واضحا من صفقة بيع سلسلة محلات “عمر أفندي”، فهو من أشد الرافضين لها لذلك تقدم ببلاغ ضد الحكومة ووزير الاستثمار على خلفية بيعها.
في ٢٩ يناير ٢٠١٩، ألقت قوات الأمن القبض على عبد الهادي، فجرا من منزله، عقب مطالبة الحركة بإطلاق سراح 5 من أعضاء “تيار الكرامة”، بسبب مشاركتهم في احتفالية ذكرى ثورة 25 يناير.
ظل مختفيا لساعات طويلة من القبض عليه- بحسب محاميه نجاد البرعي- الذي كتب وقتها منشورا على صفحته الخاصة على “فيس بوك” قائلا: “بحثنا عن المهندس يحي حسين عبد الهادي في كل مكان قسم أول مدينه نصر وقسم ثان مدينه نصر وذهبنا إلى نيابة أمن الدولة لا وجود له”.
نحو 24 ساعة مضت على اختفاءه، حتى ظهر بنيابة أمن الدولة على ذمة القضية 277 لسنة 2019، بتهمة نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة غير قانونية في تحقيق أغراضها.
أسندت النيابة للمتهمين في قضية “اللهم ثورة” ومن بينهم المهندس يحيى حسين عبد الهادي، اتهامات بالانضمام لجماعة أنشأت خلافا لأحكام القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من أداء عملها، والإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف خلال شهري يناير وفبراير، واستغلال ذكرى ثورة 25 يناير للقيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد.
حبس عبد الهادي ليس المرة الأولى، ففي نوفمبر ٢٠١٨، تم إخلاء سبيله بكفالة عشرة آلاف جنيه بعد ساعات من التحقيق معه في بلاغ تقدم به مواطن يتهمه بإهانة رئيس الدولة ونشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام.
وعن حالته الصحية، قال محامي الشبكة العربية، الذي كان حاضرا التحقيقات معه ومازال يحضر جلسات تجديد حبسه، إنه من اللحظة الأولى للقبض عليه “قدم المحامون ما يفيد حالته الصحية الحرجة وحاجته المستمرة للعلاج”.
وفي رحلته لمواجهة إهدار المال العام في صفقة بيع عمر أفندي، تقدم عبد الهادي ببلاغ للنائب العام ضد كل من وزير الاستثمار ورئيس الشركة القابضة بتهمة الضغط على لجنة التقييم التي كان عضوا منتدبا فيها لتسهيل الاستيلاء على المال العام لصالح شركة أنوال السعودية بمبلغ 450 مليون جنيه في حين أن التقييم الحقيقي 1.3 مليار جنيه أي هناك إهدار لـ600 مليون جنيه مصري.
وتقول الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، عن قرار عبد الهادي اللجوء للمحكمة: “كانت قضية عمر أفندي الحالة الوحيدة التي خرجت للنور بعد بلاغ عبد الهادي وقراره محاربة عملية البيع هذه مهما بلغت الضغوط التي سيتعرض لها هو وباقي أعضاء لجنة التقييم”.
وتعتبر حركة “لا لبيع مصر” التي شارك في تأسيسها عبد الهادي عام 2007، إحدى الحركات القوية التي وقفت في وجه الخصخصة وبيع أملاك المواطنين مع شبهات الفساد المالي والإداري.
ويقول عبد الهادي في حوار سابق عن تأسيسه هذه الحركة، التي ساهمت في تعطيل العديد من إجراءات بيع وخصخصة شركات ومصانع مملوكة للدولة “الهدف من قيام تلك الحركة هو حظر البيع لأي أصل عام قبل أن يقول الشعب كلمته في كيفية التصرف في ممتلكاته الباقية من خلال استفتاء حقيقي وبإشراف قضائي كامل”.
فيما طالبت الحركة المدنية الديمقراطية، بضرورة الإفراج الفوري عن يحيى حسين عبد الهادي وإسقاط كافة الاتهامات عنه، والتي قالت الحركة إنها “اتهامات مرسلة وواهية يتم توجيهها لكل معارضي النظام الحالي دون سند أو دليل”.
وأضافت الحركة في بيان سابق: “الأجهزة الأمنية التي وجهت للمهندس يحيى حسين التهمة المطاطة المسماة بالمساعدة في تحقيق أهداف جماعة إرهابية دون تحديد ماهية هذه الجماعة الوهمية، بجانب قائمة الاتهامات المعتادة الأخرى كبث إشاعات كاذبة واساءة استخدام وسائل التواصل، الخ، تناست أن هذا الرجل الوطني قد تم فصله من عمله على يد وزير الاستثمار السابق في سنة حكم جماعة الإخوان بسبب استضافة معهد اعداد القادة لرموز المعارضة ضد الرئيس المعزول محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين”.
واختتمت الحركة بيانها، بـ”لا مبرر لاستمرار الحبس التعسفي للمهندس يحيى وعشرات آخرين من المناضلين الشرفاء المعروفين بدعمهم لدولة أساسها حكم القانون واحترام الدستور وتداول السلطة والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية للملايين من فقراء المصريين”.