قرارات قيس سعيِّد في عيون التونسيين| الائتلاف الحاكم والمرزوقي يتهمانه بـ”الانقلاب”.. والمعارضة تتحفظ.. واتحاد الشغل يطالب بـ”ضمانات دستورية”
وكالات
أثارت خطوة الرئيس التونسي قيس سعيّد بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان لثلاثين يوما ردود فعل متباينة في الشارع وفي الأوساط السياسية. وبدأت مواقف مختلف الأحزاب في الخروج للعلن بين مرحب ومندد فيما تأخر عدد منها في إصدار موقف واضح من قرارات الرئيس الذي استند فيها على المادة 80 من دستور البلاد. أما الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كثيرا ما لعب دورا محوريا في كل المحطات المفصلية في البلاد، فقد التزم الصمت إلى حد الآن.
فبعد يوم حافل بالاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكومة هشام المشيشي وحركة النهضة، استيقظت تونس على وقع مشهد سياسي جديد يتزعم فيه سعيِّد صلاحيات السلطة التنفيذية مع تجميد عمل البرلمان ثلاثين يوما. لكن يبدو أن معظم الأحزاب السياسية وخصوصا المعارضة منها، فضلت التريث وترقّب ما ستؤول إليه الأمور بعد ليلة من الأحداث المتسارعة.
وبعد إعلان الرئيس، انتشرت قوات الجيش أمام المؤسسات الحيوية في البلاد فيما خرج كثير من التونسيين للاحتفال بما يرونه “إنهاء” لحالة انسداد مستمرة منذ 6 أشهر زاد من وطأتها الانتشار المتسارع لفيروس كورونا الذي تسبب في شلل الحركة الاقتصادية.
النهضة تندد بـ”انقلاب”
أول من بادر بالتعليق على قرارت سعيد، كانت حركة النهضة، الطرف الرئيسي في الحكم منذ عشر سنوات، التي نددت مساء الأحد بـ”انقلاب على الثورة”.
وقال حزب النهضة، أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان التونسي، في بيان عبر صفحته على فيس بوك إن “ما قام به قيس سعيد هو انقلاب على الثورة والدستور، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.
أما رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يترأس البرلمان فقد أكد أنه “لم تقع استشارته البتة من قبل قيس سعيّد رئيس الجمهورية حول تفعيل الفصل 80 من الدستور” وسارع بالتوجه إلى مجلس النواب فجر الاثنين لكنه وجد الأبواب موصدة أمامه في ظل سيطرة الجيش على مقره.
وتنص المادة 80 من الدستور التونسي على أنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
ودعا الغنوشي، الذي اعتصم صباح الاثنين أمام البرلمان، أنصار حركته إلى التظاهر أمام مقر المجلس النيابي بهدف “استعادة الديمقراطية”.
ولم يتأخر أنصار حركة النهضة في القدوم وبدؤوا منذ فجر الاثنين اعتصاما أمام البرلمان فيما وقف قبالتهم مناصرون لقرارات سعيد ما أحدث حالة من الاحتقان أمام مقر السلطة التشريعية.
وتوجه الغنوشي وهو زعيم حركة النهضة الإسلامية أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان، ونوابٌ إلى المجلس منذ الساعة الثالثة فجرا، إلا أنهم مُنعوا من الدخول من جانب الجيش المتواجد في الداخل خلف أبواب موصدة، وينفّذ الغنوشي اعتصامه داخل سيارة سوداء اللون مع نواب من حزب النهضة.
وأعلن سعيّد عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيّين، أنه سيتولّى بنفسه السلطة التنفيذية “بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويُعيّنه رئيس الجمهوريّة”، وأدى تجاذب مستمرّ منذ ستة أشهر بين الغنوشي وسعيّد، إلى شلل في عمل الحكومة وفوضى في السلطات العامة.
موقف حزب “قلب تونس” والرئيس السابق
أما حزب قلب تونس الذي يترأسه رجل الأعمال نبيل القروي، فقد عبرت كتلته النيابية، الثانية من حيث الوزن البرلماني، أيضا عن أن القرارات المتخذة من قبل سعيّد “هي خرق جسيم للدستور ولأحكام الفصل الثمانين وأسس الدولة المدنية، وتجميعا لكل السلط في يد رئيس الجمهورية والرجوع بالجمهورية التونسية للحكم الفردي”.
كما طالبت كتلة الحزب الذي يشكل أحد الأضلاع الرئيسية في الائتلاف الحاكم، رئيس الحكومة بـ”تولي مهامه الشرعية وتفادي إحداث فراغ في مؤسسة رئاسة الحكومة”.
الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي وصف خطوة سعيد بـ”الانقلاب التام” داعيا إلى فض الخلافات بالقانون والدستور لكنه حمّل حركة النهضة مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
موقف المعارضة
لدى المعارضة، التزمت معظم الأحزاب السياسية الصمت حتى الآن ولم تصدر موقفا من التطورات السياسية الكبيرة التي تشهدها البلاد، لكن التيار الديمقراطي كان أول الأحزاب المعارضة الذي يصدر موقفا من قراءة للمادة 80 من الدستور التونسي، داعيا الرئيس والقوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد السياسي.
وقال المكتب السياسي للحزب وكتلته النيابية في بيان الاثنين إنه يختلف مع تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور ويرفض ما ترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور”.
لكن بيان الحزب شدد على تحميل مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي داعيا التونسيين إلى “عدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج”.
وكان الرئيس السابق لهذا الحزب محمد عبو قد دعا في ديسمبر الماضي في تدوينة مطولة على فيس بوك الرئيس التونسي إلى حل البرلمان من خلال تطبيق المادة 80 من الدستور كحل للأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد.
أما حزب العمال اليساري فاعتبر في بيان أن خطوة رئيس الدولة “تدشن مسار انقلاب باتجاه إعادة إرساء نظام الحكم الفردي المطلق من جديد”، وحذر الحزب مما أسماه “سقوط البلاد في دوامة العنف والاقتتال والإرهاب”، في الوقت الذي لم يعلن حزب الدستوري الحر – أبرز معارضي الائتلاف الحاكم – أي موقف رسمي من قرارات الرئيس التونسي حتى الآن.
من جانبه، اعتبر رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري أن القرارات التي اتخذها قيس سعيّد “تتجاوز أحكام الدستور وتمثل انقلابا لا غبار عليه”، لكنه طالب بتفعيل الفصل 80 من الدستور وبـ”محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة وإصلاح المسار”، وأكد المرايحي أنه “يتفهم استبشار الشعب ولكن ما يحدث يفتح أبواب الدكتاتورية والاستبداد”.
اتحاد الشغل.. تمسك بالشرعية واستقلال القضاء
وأعلن الاتحاد التونسي العام للشغل، “الحرص على ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في المرحلة الحالية لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار للبلاد”.
وقال الاتحاد في بيان لمكتبه التنفيذي الوطني، اليوم الاثنين، إن تعليقه يأتي “على إثر التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية وفق الفصل 80 من الدستور توقيا من الخطر الداهم وسعيا إلى إرجاع السير العادي لدواليب الدولة”.
كما أكد “وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية وفي مقدّمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسع والاجتهاد والمركزية المفرطة وتحديد مدّة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتّى لا تتحوّل إلى إجراء دائم”.
وشدد الاتحاد أيضا على “ضرورة ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون تجزئة مع الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية والتشاركية في أي تغيير سياسي في إطار خارطة طريق تشاركية واضحة تسطّر الأهداف والوسائل والرزنامة وتطمئن الشعب وتبدّد المخاوف”.
وعبر الاتحاد عن “رفضه لجوء أيّ طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف ويعبّر فينفس الوقت عن رفضه القطعي لسياسة التشفّي أو تصفية الحسابات وضمان خروج سلمي من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة”.
كما حيا المؤسّسة العسكرية ودعا كلّ الأطراف إلى وجوب النأي بها عن التجاذبات السياسية، إيمانًا منه بعراقة هذه المؤسّسة وتمسّكها غير المشروط بحماية أمن البلاد والعباد، حفاظا على مدنية الدولة.
وشدّد على مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته، وحيا أيضا ما وصفه بـ “التحرّكات الاجتماعية والشعبية السلمية التي انطلقت في العديد من الجهات وشكّلت حلقة في سلسلة مراكمة النضال الشعبي والاجتماعي في تونس معبرا عن ادانته الأسلوب القمعي الذي انتهجته الحكومات تجاهها وأفضت إلى انتهاك الحرّيات واعتقال العديد من النشطاء وكادت تعود بالبلاد إلى مربّع الاستبداد”.
وذكّر اتحاد الشغل في بيانه بأنّ الأزمة التي تردّت فيها البلاد قد سبق أن نبّه إليها الاتحاد عديد المرّات وثبّت تقييمه لها في ديباجة المبادرة الوطنية، وسجّل أنها قد بلغت اليوم أقصاها ووصلت إلى حدّ تعطّل الدولة وتفكّك اواصرها وأجهزتها وتردّي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي وتعمّق معاناة الشعب وتزايد الفوارق بين الفئات والجهات وتفشي الفساد ونهب المال العام واستشراء مظاهر المروق على القانون وخرقه بالغلبة طورا وبتطويع التشريعات والأجهزة.
قيس سعيد.. الضرب في جميع الاتجاهات
وأصدر الرئيس التونسي، اليوم الاثنين، أمرا رئاسيا بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان.
كما تقرر بمقتضى الأمر أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
وأعلن الرئيس التونسي، أمس الأحد، تجميد كلّ أعمال مجلس النوّاب وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه بعد يوم شهد تظاهرات ضدّ قادة البلاد.
ويأتي هذا الإعلان بعد احتجاجات في كثير من المدن في أنحاء البلاد، على الرغم من انتشار الشرطة بشكل كثيف للحدّ من التنقّلات. وطالب المتظاهرون خصوصاً بـ”حلّ البرلمان”.
وأعلن سعيّد عن هذه القرارات بموجب الفصل 80 من الدستور عقب اجتماع طارئ في قصر قرطاج فيما تُواجه البلاد أزمة صحّية غير مسبوقة بسبب تفشّي فيروس كورونا وصراعات على السلطة.
وقال سعيّد “الدستور لا يسمح بحلّ المجلس النيابيّ لكن لا يقِف مانعًا أمام تجميد كلّ أعماله”، مستندًا في ذلك إلى الفصل 80 من الدستور الذي يسمح بهذا النوع من التدابير في حالة “الخطر الوشيك”، وأضاف سعيّد أنّه سيتولّى “السلطة التنفيذيّة بمساعدة حكومة” يرأسها رئيس جديد للوزراء يُعيّنه رئيس الجمهوريّة.
كما أعلن الرئيس التونسي رفع الحصانة عن جميع أعضاء المجلس النيابي، وتظاهر آلاف التونسيّين الأحد ضدّ قادتهم، خصوصاً ضدّ حركة النهضة الإسلاميّة.
وفي تونس العاصمة، ورغم حواجز الشرطة المنتشرة على مداخل العاصمة ووسط المدينة، تجمّع مئات الأشخاص بينهم كثير من الشبّان، أمام البرلمان، وردّدوا شعارات معادية للتشكيلة الحكومية التي يعتبرون أنّ وراءها حزب النهضة الإسلامي، وهتفوا “الشعب يريد حل البرلمان”، كذلك، حملوا لافتات كتب عليها “تغيير النظام”.
في توزر، وهي منطقة جنوبية تضررت بشكل كبير جراء كوفيد ومن المفترض أن يبقى سكانها محجورين حتى 8 أغسطس، خرّب متظاهرون شباب مكتبا لحركة النهضة بحسب مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام محلية، كما استهدف رمز للحزب في القيروان (وسط).
ورغم الانتشار الكثيف للشرطة، سار المتظاهرون في قفصة (وسط) والمنستير وسوسة (شرق) بحسب مراسلي وكالة فرانس برس، ووصف حزب النهضة، أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان التونسي، قرار الرئيس بـ”الانقلاب على الثورة”.
كما استنكر المتظاهرون عدم إدارة الحكومة الأزمة الصحية بشكل جيد، خصوصا أن تونس تعاني نقصا في إمدادات الأكسجين. ومع نحو 18 ألف وفاة لعدد سكان يبلغ 12 مليون نسمة، فإن البلاد لديها احد أسوأ معدلات الوفيات في العالم.
وكانت مجموعات مجهولة وجهت عبر موقع فيسبوك دعوات إلى التظاهر في 25 يوليو، عيد الجمهورية، وطالب المتظاهرون أيضا بتغيير الدستور وبمرحلة انتقالية يكون فيها دور كبير للجيش مع إبقاء الرئيس سعيد على رأس الدولة.