في ندوة حول انعكاسات الأزمة السورية وآفاقها.. خبراء يحذرون من التطورات في سوريا: الأوضاع لا تبشر بالخير
كتب – أحمد سلامة
نظّم اتحاد كتاب مصر، الأربعاء، ندوة بعنوان “انعكاسات الأزمة السورية وآفاقها”، تحت رعاية الدكتور علاء عبد الهادي، رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وذلك في إطار جهوده لتعزيز الحوار الفكري حول القضايا العربية.
وانعقدت الندوة بتنظيم لجنة التنمية الثقافية المستدامة، برئاسة الدكتور جمال زهران الذي أكد أن هذه الندوة تأتي في إطار الدور الذي يلعبه اتحاد كتاب مصر في تسليط الضوء على القضايا العربية الكبرى، وتعزيز الوعي بأبعادها المختلفة، مشيرًا إلى أن الاتحاد سيواصل تنظيم فعاليات فكرية وثقافية تهدف إلى استشراف مستقبل المنطقة العربية في ظل المتغيرات الراهنة.
وأشار جمال زهران إلى أنه ما بين طوفان الأقصى والاعتداء على لبنان سقطت سوريا في يد تنظيمات وتم تمكينهم، وعلينا أن نقرأ الأزمة الحالية للمنطقة في ضوء ما حدث وستكون له تداعيات مستقبلية، فسوريا لمصر هي صمام أمان وهناك ارتباط تاريخي بين مصر والشام ونحن حذرين في قراءة الوضع الحالي.
واستضافت الندوة عددًا من الشخصيات البارزة في مجالات السياسة والدراسات الاستراتيجية، حيث شارك فيها د. أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي قدم رؤية تحليلية حول أبعاد الأزمة السورية وتأثيراتها على المشهد الإقليمي.
كما شارك في الندوة اللواء أ.د. أحمد عبدالله، المحافظ السابق والخبير في الشؤون العربية، الذي استعرض التداعيات الجيوسياسية للأزمة على الأمن القومي العربي، واللواء أحمد فهمي، المتخصص في القضايا الأمنية والاستراتيجية، الذي تناول الجوانب العسكرية للنزاع وتأثيرها على توازنات القوى في المنطقة.
كذلك شارك في الندوة محمد رمضان، الكاتب والمحلل السياسي، الذي ناقش الأبعاد الإعلامية والدبلوماسية للأزمة، و مها عبد العزيز، الباحثة في العلاقات الدولية، التي سلطت الضوء على المسارات المحتملة للحل السياسي وانعكاساتها المستقبلية.
وتناولت المناقشات خلال الندوة التداعيات الإقليمية والدولية للأزمة السورية، وتأثيراتها الاقتصادية والإنسانية، إلى جانب السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة.
وأكد المشاركون على ضرورة تعزيز الجهود الدبلوماسية والسياسية لإيجاد حلول مستدامة، مع التأكيد على أهمية دعم استقرار سوريا لما له من انعكاسات مباشرة على الأمن الإقليمي.
من جانبه، قال د. أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن ما حدث في سوريا اعتبارا من 8 ديسمبر الماضي هو في رأيي من أخطر ما يمكن.. ما حدث في سوريا شديد الوضوح لأن السؤال لا يتعلق بسقوط النظام فقط ولكنه يتعلق بـ”مَن أسقط النظام”.
وأضاف: الشيء المؤكد الذي لا أعتقد أن اثنين يختلفان عليه أن هذا النظام أسقط على أيدي جماعات مصنفة أنها جماعات إرهابية بامتياز، وتاريخ الرجل الأول في سوريا حاليا تاريخ ملئ بالتنقل بين عدة تنظيمات متطرفة أبرزها “داعش”.
وتابع: الجولاني بمجرد وصوله إلى السلطة بدأ في تدشين خطاب سياسي ذكي لكنه مراوغ يريد به أن يقلل من التحديات التي سيواجهها، وهو أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي السرعة التي هرول بها البعض لتصديق مثل هذا الخطاب بصرف النظر عن قراءة تاريخ من أدلى به وصلت إلى حد اتهام من يتمهلون في الحكم على الجولاني بـ”الجمود”.
واستكمل “هناك مشابهات بين سقوط الموصل على أيدي داعش وسقوط صنعاء في أيدي الحوثيين في عام 2014، وعند التأمل في هذين الحدثين لا يمكن فصلهما عما حدث سوريا، خاصة مع الاختفاء التام للجيش من الأحداث، وهذا يعني أن كل شئ تم الترتيب له.. كذلك كان هناك ادعاء بأن المرجعية الإسلامية هي السند الأساسي لهذا الأنظمة التي قامت لكن الحقيقة أن التشابه بين هذه الحالات الثلاث في ادعاء الاستناد إلى المرجعية الإسلامية نتج عنها على الفور مواجهة واسعة ورفض كبير في العراق واليمن فقط”.
واستدرك “لكن في حالة سوريا كان هناك حالة هرولة عامة للتعاون مع النظام السوري الجديد على عكس ما حدث سابقا في الموصل وصنعاء، وهذه الهرولة لم تحدث من نظم عربية فقط ولكن من نظم أجنبية وأوروبية، وكأن هناك استقبال إيجابي لما حدث في سوريا.. وإذا جمعنا الخيوط لا يمكن أن نحذف الشك في هذا الموقف”.
وتساءل أحمد يوسف “ماذا عن الحاضر في سوريا؟”.. موضحا أن “هناك خطاب سياسي جديد تحدث به الجولاني لم يتنكر فيه لماضيه لكنه خطاب ذكي وإيجابي يؤكد أن سوريا للجميع ولكن تمت ملاحظات هامة على هذا الخطاب وهو كونه خطابًا فوقيًا لا يعكس مواقف القواعد ويفرض عليهم أوضاعا قد لا تناسبهم خاصة في ظل تنامي عمليات الاعتداءات والعنف في بعض المناطق، فأصبح الواقع مختلفا عن الخطاب الإيجابي الذي نسمعه”.
وأضاف “لا أظن أن من استولوا على السلطة الآن في سوريا سيسمحون بقدر كبير من التداول، خاصة في ظل ما قاله الجولاني من أن المرحلة الانتقالية قد تطول وهو ما يسمح بمرحلة من التمكين، لذلك فإن سوريا مقبلة على مرحلة شديدة الصعوبة خاصة في ظل وجود عشرات التنظيمات”.
وتابع “هناك تحدي يتعلق بقدرة الفصائل على الحفاظ على إئتلافها، وقدرة سلطة الحكم الواقع في سوريا على إيجاد صيغة توافق بين جميع الفئات على اختلاف مشاربها.. بالإضافة إلى الصعيد الخارجي، حيث أن ما جرى واضح أنه تم برعاية تركية في ظل تبجح إسرائيلي بدورها في إسقاط نظام الأسد التي أسفرت عن إلغاء اتفاقية فض الاشتباك واستولت إسرائيل على عدة نقاط هامة في الداخل السوري بحجة خشية تل أبيب من نظام الحكم الجديد وهو ما أخرج سوريا من معادلات القوة لأجل غير معلوم وبالتالي فإن الخطر الخارجي على سوريا كبير للغاية”.
وأردف “للأسف هناك حالة من الهرولة العام تمت نحو سلطة الأمر الواقع في سوريا، لكن لا أحد يبدو معنيًا بسلامة سوريا ومستقبلها الحقيقي، خاصة في ظل حالة التحفظ الشديد من جانب القاهرة”.
من جهته قال اللواء أ.د. أحمد عبدالله، المحافظ السابق والخبير في الشؤون العربية إن الشأن السوري ليس حديث الساعة في مصر ولكنه حديث العالم، وهذا يعني أن هذه الدولة لها أهمية جيوسياسية والحدث فيها يكون مؤثرا على المحيط الإقليمي والعالمي.
وأضاف أن الموقع الجغرافي لسوريا شديد الأهمية، لأنه بالرجوع إلى خرائط الشرق الأوسط نجد سوريا في القلب من هذه الخرائط ونقطة محورية في طريق أوروبا وآسيا وإفريقيا.
وتابع “بعض الدول استغلت ما حدث في سوريا لفرض (الإتاوات) على المهاجرين السوريين وهو ما جعل من هذه الدول ذات تأثير باستقبالها للمهاجرين وتقليل أعداد المتوجهين منهم إلى بعض الدول في أوروبا الغربية”.
واستكمل “سوريا من أكثر الدول التي شهدت انقلابات في الشرق الأوسط، فبعد ثلاث سنوات من استقلالها عام 1946 شهدت كثير من الانقلابات منهم 3 انقلابات في عام واحد هو عام 1949، وهو ما يؤشر إلى محاولات القوى الخارجية لاستقطاب بعض الضباط من الأقليات في محاولة للتحكم في مسار هذا البلد الهام، وهي إحدى الأزمات الكبرى التي ورثها الاحتلال في سوريا”.
وحول الفئات الموجودة في سوريا قال اللواء أحمد عبدالله إن المسلمين السنة يشكلون حوالي 75%، ثم يأتي العلويين ونسبتهم تتجاوز الـ 10%، بينما يشكل المسيحيين من 8 إلى 10% وغالبية تمركزهم في حلب وبعض المناطق الأخرى وهم في الأغلب يتمسكون بموقف الحياد، يلي ذلك الدروز وهم يتمركزون في الجنوب ونسبتهم حوالي 5%، وأخيرًا الشيعة وهم نسبة قليلة جدا تتمركز في الشرق بالقرب من الحدود مع العراق.
وأضاف “مع بدء الصراع في سوريا تدخلت عدة دول في هذا الصراع من بينها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران في محاولة للسيطرة على دولة هامة استراتيجية للغاية، وهو ما دفع بعض الدول العربية إلى الهرولة باتجاه النظام السوري الجديد في محاولة لإزاحة التواجد الإيراني الذي ازداد قوة منذ عام 2012 بعد أن زودت مجموعات من حزب الله بالسلاح لكي تحارب جنبًا إلى جنب مع النظام”.
وشدد على أن “السيناريو كان مُعدًا بشكل كامل قبل تولي أحمد الشرع أو (الجولاني) للسلطة، وهذا يتضح من الرغبة القوية في القضاء على القوات المسلحة السورية في تكرار لما حدث مع القوات المسلحة العراقية بعد التدخل الأمريكي”.
وأوضح “الأراضي السورية الآن تنقسم بين سيطرة إسرائيلية التي وصلت حتى ريف دمشق وسيطرت على (جبل الشيخ) وهو نقطة تمركزية هامة دون بيان إدانة واحد، وبين التواجد الروسي الذي مازال مستمرًا في قواعده، وتركيا التي سيطرت على الشريط الشمالي بادعاء الدفاع عن أمنها القومي ضد الأكراد، إضافة إلى الولايات المتحدة التي تدعم قوات (قسد) بادعاء منع داعش، وإيران وهي الدولة الخامسة التي مازالت تحتفظ ببعض المجموعات التي تنتمي لها انتماء كاملا رغم وجودهم على الأراضي السورية.. وبالتالي فإن المشهد مُعقد للغاية”.
واختتم “نحن نتألم لما يحدث في سوريا لأن مصر وسوريا لهما تاريخ نضالي واحد، وخضنا معنا العديد من الملاحم أبرزها حرب أكتوبر 1973، لكن الأوضاع الآن في سوريا لا تبشر بأي خير”.