في ندوة ذكرى الثورة| خبراء وقيادات حزبية وشخصيات عامة يبحثون مآلات الثورة ومستقبلها: يناير ليست مجرد دعوة عبر الفضاء الألكتروني

د. مصطفى كامل السيد: الحريات الإعلامية وهوامش التعبير فتحت مساحات لثورة يناير.. وهذه هي أبرز الفوارق بين الجيش في 1952 و 2011

د. محمد رؤوف حامد: يجب عمل تحليل جماعي لأخطاء الفترة السابقة منذ ثورة يناير وحتى الآن.. ولا عمل سياسي بدون المجتمع المدني

الزاهد: عنصر المعرفة حاسم في المسارات الثورية.. والسلطة على مدى عقود حاولت تحطيم الجسور بين النخبة العلمية والقواعد الجماهيرية

خفاجي: الدولة تشغل الجميع بتعميق الخلاف حول قانون الأحوال الشخصية.. ولدينا قانون يمنع أشكال العنف ضد النساء لكنه لا يمر في البرلمان

كتب – أحمد سلامة

شارك عدد من الخبراء والقيادات الحزبية والشخصيات العامة في ندوة حول مآلات ثورات القرن العشرين وفي القلب منها الثورة المصرية ومستقبليات ثورة يناير وفقًا للنظريات والمقاربات في الدراسات.
وقد تحدث، خلال الندوة، عدد من الخبراء من بينهم الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية و الدكتور محمد رؤوف حامد، و مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي والدكتورة فاطمة خفاجي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، والمهندس ممدوح حبشي عضو المكتب السياسي بحزب التحالف، بالإضافة إلى عدد من المداخلات من جانب من الحضور.
وتحدث الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حول ثورة يناير والحريات الإعلامية وهوامش التعبير عن الرأي التي فتحت مساحات لثورة يناير، مشيرًا إلى أن هناك عوامل عامة مشتركة بين كل الثورات التي هبت في المنطقة العربية، بالإضافة إلى عوامل خاصة لكل حالة بشكل مستقل.
وأوضح مصطفى كامل السيد أن كل الثورات في المنطقة العربية شارك فيها الشباب ولم يكن أولئك الشباب بالضرورة من الطبقة العاملة أو من الفلاحين والعمال ولكنهم كانوا من الطبقات الوسطى الذين يمكنهم استخدام أدوات التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن سمة أساسية من سمات ثورات المنطقة العربية كان حضور الشباب واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر وخلافه.
واستكمل ورغم أن القيادة كانت للشباب في هذه الانتفاضات/الثورات فإن المواطنين بمختلف فئاتهم شاركوا فيها بقطاعات واسعة من المواطنين، لذا يمكن وصف هذه الانتفاضات أو الثورات بأنها كانت عابرة للطبقات، والذي يميزها أيضا أنها لم تكن تتميز بأيدلوجيا معينة، مستكملا أن “هذه الثورات خرجت ضد الليبرالية الجديدة التي ربما نجحت في تحقيق بعض المكاسب وعلى الرغم من هذه المكاسب إلا أن قطاعات كبيرة من المواطنين شعرت بأنها لا تستفيد من هذه المكاسب.
واسترسل مصطفى كامل السيد، خلال الندوة، أنه من الظروف الخاصة التي كانت سببًا في الثورات، مسألة التوريث، التي كانت مطروحة في عدة دول منها مصر واليمن وتونس وقبلهم سوريا والذين شهدوا حالة من الإعداد لتجهيز خليفة.
وشدد مصطفى كامل السيد على أنه من المهم الإشارة إلى أنه كان أحد العوامل الرئيسية في هذه الثورات أنه سبقها -على الأقل في مصر- قدر من حرية التعبير والتنظيم، وهو ما جسده ظهور عدة حركات مثل حركة كفاية وحركة 6 أبريل إضافة إلى القنوات التلفزيونية والصحف المستقلة التي كانت تسمح بمساحة من الحركة ومساحة من الانتقاد، كل هذا سمح لقوى المعارضة أن تتواصل مع المواطنين، وبالتأكيد لم تكن ثورة يناير لتحدث لولا هذا القدر من الحريات.
وأردف “السمة المهمة أيضا والعجيبة، أن الثوار لا يطمحون إلى الوصول إلى السلطة وإنما يتركون أمر السلطة إلى آخرين وبالتالي لا يوجد تنظيم ولا توجد قيادة ولذلك بعد الثورة كانت هناك قوتان هما اللتان لديهما القدرة على الوصول إلى السلطة، لذلك فإن إحدى المقالات التي تناولت الثورة في مصر قالت إن الذي فاز في مصر هو الثورة المضادة، بالمعنى العلمي والأكاديمي للكلمة والذي يعني أن الذين انتصروا هم الذين يعتقدون أن خروج الناس وتحركهم هو أساس الفوضى.
ونبه مصطفى كامل السيد إلى أن “عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، أكد في تصريحات سابقة أنه رفع تقريرًا إلى الرئيس السابق محمد حسني مبارك حول كيفية التعامل في حال خروج الناس ضد التوريث، وهذا يؤكد أنه كان هناك خوف من جانب القوات المسلحة”.. مضيفا “لم يكن هناك اعتراض على شخص جمال مبارك وإنما كان هناك اعتراض على الفئة التي تقف إلى جانبه وهي رجال الأعمال الذين اكتسبوا درجة عالية من التنظيم والتأثير”.
وشدد أستاذ العلوم السياسية بالقول “وبالتالي أقول إن القوات المسلحة في 2011 ليست هي على الإطلاق القوات المسلحة التي خرجت في 1952، وبالتالي فالذي يقول إن جمال عبدالناصر جاء بالعسكريين أرد عليه بأن الفريق الذي جاء به عبدالناصر -على اختلافنا أو اتفاقنا معه- مختلف تماما عن الجيش المصري في 2011، الجيش في 2011 تحول إلى مؤسسة حقيقية، مؤسسة تتولى كل ما يحتاجه الفرد المنتمي إليها، بالإضافة إلى أن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا على تواصل مع المدنيين، على عكس ما حدث بعد ذلك”.
واستكمل “وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه إن كانت القوى التي خرج الثوار ضدها عادت مرة أخرى بنفس السياسات فما الذي يمنع قيام ثورة أخرى، الحقيقة أن قيام ثورة يناير كما قدمنا كان نتاج مساحة من حرية التعبير وبالتالي فإن هذا ما تم الانتباه إليه من الأنظمة التي عادت للحكم رغم الثورات ولم ينتبه إليه الثوار، فعمدت إلى وضع قاعدة عامة من التضييق على حرية التعبير وحرية التنظيم، لذلك فمن الصعب أن يتم تكرار التغيير بنفس ما حدث سابقًا”.
وأردف “التاريخ يُعيد نفسه، في المرة الأولى بصورة دارمية وفي المرة الثانية في صورة هزلية، لذلك نرى أن الدعوات التي تلت ثورة يناير في مصر كانت كلها دعوات هزلية وآخرهم دعوة 11/11”.
من جانبه، قال الدكتور محمد رؤوف حامد إن “المعرفة هي منصة الثورات الناهضة، لذلك فإن هناك ضرورة للتركيز على المقاربات التي يمكن من خلالها استشفاف مستقبل ثورة يناير.
وأضاف الدكتور محمد رؤوف حامد أن هناك مجموعة من المقاربات منها المقاربة الأولى والتي أجراها مجموعة من الباحثين الذين عملوا في التسعينات وبداية الألفينات على فكرة “العنف” وبالأخص “دور العنف في الدولة”، ووجدوا أن معظم الدول النامية إن لم يكن جميعها يلعب فيها العنف دورًا محوريًا وأن العنف هو مصدر للريع من خلال زيادة الضرائب وخلافه لأن السلطة تستغل هذا “الريع” في إسكات أتباعه.
وتابع “هذه المجموعة من الباحثين، صنفوا الأنظمة في الدول إلى أنظمة مقيدة أو أنظمة منفتحة، وهذه الأنظمة المقيدة والمنفتحة تتباين في مستوياتها، وعلى ذلك فإن الأنظمة المقيدة وجد الباحثين أنها تتأثر بما يعرف بقوى العنف الشرعي والتي تتجسد في الشرطة والجيش، ومعظم الدول النامية المقيدة تقبع قوى العنف الشرعي فوق النظام السياسي، أما في الأنظمة المنفتحة فقوى العنف الشرعي تُضبط وتوجه ويُهيمن عليها من الأنظمة السياسية التي تتولى بانتخابات واستفتاءات حقيقية”.. واستكمل “في الأنظمة المنفتحة، تجري الأمور وفقًا لمعايير تسري على الجميع أفرادًا وكيانات بلا استثناء”.
وأردف الدكتور محمد رؤوف حامد، أن من بين المقاربات أيضًا “الثقافة المجتمعية” والتي وجد الباحثون أن هناك معايير للثقافة المجتمعية من خلال هذه المعايير يمكن أن نرصد حركة المجتمع ونتوقع ما الذي يمكن أن يقوم به وما الذي لا يمكن أن يقوم به، هذه المعايير بتطبيقها يمكننا أن نعرف أين الخلل.
واسترسل “هذه كلها رؤى ومفاهيم حينما نحاول أن نستشف المستقبل فإن علينا أن ندرسها بعناية، ونحن بعيدون عن كل هذه المعايير”.
وأوضح رؤوف حامد أنه منذ 15 عاما تقريبًا “بدا أنه من الواضح أن الدول النامية بحاجة إلى التركيز في العمل السياسي، ولا عمل سياسي بدون المجتمع المدني، وأن تركيز الحكام في العمل السياسي لا يستقيم ولا يتم بدون تعاون مُركز مع منظمات المجتمع المدني”.
وشدد الدكتور رؤوف حامد على ضرورة عمل تحليل جماعي لأخطاء الفترة السابقة منذ ثورة يناير وحتى الآن، “لن يكون هناك مستقبل بدون الوقوف على أخطاء الماضي بشكل جماعي”.
ونبه إلى أنه إذا كان هناك تحذيرات من مصير دول مشابهة في المنطقة مثل ليبيا وسوريا فإن هذا يعني بالضرورة ألا يتم انتهاج نفس الأساليب والأسباب التي أوصلت تلك البلدان إلى تلك الحالة”.
من جهته، قال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن ثورة يناير لم تنفجر بشكل مفاجئ، ثورة يناير كان لها تراكمات ومقدمات، وكان هناك العديد من التفاعلات والاشتباكات، وتوجه من الحركة السياسية للتنظيم، وهذا تلاقى مع فوران وغضب شعبي جوهره الاستبداد والتهميش والتوريث، وهذا أمر هام جدًا في قراءة الثورة.
وأضاف الزاهد “ثورة يناير ليست مجرد دعوة عبر الفضاء الألكتروني، هذه كلها عوامل مساعدة، وعليه فإذا لم تستند إلى حركة على الأرض فإن الفضاء الافتراضي لا يمكن أن يُغني عن فكرة التنظيم المباشر الحي، وهذا شئ جوهري، ومن هنا تأتي فكرة أن النجاح في مصادرة يناير واحتواء يناير كانت في تخلي الشعب عن الميدان بعد أن ظن أنه انتصار بإسقاط رأس النظام”.
واسترسل “كان هناك أطراف من مصلحتها أن تنتهي الأوضاع الثورية وأن تؤول السلطة إلى طرفي المعادلة الذين كانوا أكثر جاهزية في تلك الفترة”.
واستكمل الزاهد، “من بعد 25 يناير و 11 فبراير هناك قراءة لم نتوقف أمامها كثيرًا حول حصاد الوضع الجديد، وبناء تكتيكات بأوضاع تغيرت، حيث كان ينبغي البحث عن تكتيكات جديدة وأوضاع تنظيمية بسبل مختلفة”.
وأردف “نحن بحاجة إلى بناء أشكال تنظيمية مختلفة مهما كانت صغيرة سواء مجلة حائط في إحدى الجامعات أو جمعية أهلية صغيرة في حي شعبي”، مشددًا على أن “عنصر المعرفة حاسم للغاية في المسارات الثورية، لذلك حاولت السلطة على مدى عقود طويلة تحطيم الجسور ما بين النخبة العلمية المصرية والقواعد الجماهيرية في ظل ضربات استباقية وهيمنة مطلقة على المجال”.
الدكتورة فاطمة خفاجي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، من جهتها قالت، إنه من الصعب الحديث عن ثورة يناير دون الحديث عن النساء في الثورة والتداعيات التي مرت بها.
وأضافت خفاجي “العديد من المقالات والمتابعات أكدت أن نحو 40% إلى 50% من المشاركات في ثورة يناير كانت من السيدات، بالإضافة إلى العديد من القيادات النسائية التي كان لها دور في التمهيد للثورة، النساء من كافة الطبقات كن متواجدات في التحرير”.
وأضافت خفاجي “الفتيات القادمات من الريف إلى ميدان التحرير خلال الثورة كن ينتقدن النظام الأبوي الذكوري، لكن مع الأسف صوت الفتيات الريفيات لم يكن مسموعًا كصوت فتيات من طبقات أعلى”.
وشددت خفاجي، في ندوة بمناسبة ذكرى ثورة يناير و 11 فبراير، على أنه لم يكن هناك فروق بين ما يقوم به الرجال وما تقوم به السيدات في ميدان التحرير، مضيفة “لأول مرة تنكسر الأدوار النمطية وهذا ما أخاف بشدة مؤسسات مثل الشرطة والجيش لذا استخدم العنف الشديد ضد النساء في الميادين”.
واستكملت “حتى الآن مازال العنف ضد النساء مستمر بأشكال أخرى، الجمعيات النسائية تنادي منذ سنوات بأن يكون لدينا قانون يمنع أشكال العنف ضد النساء، القانون جاهز لكنه لا يمر في البرلمان، فيما تشغل الدولة الجميع بتعميق الخلاف بين النساء والرجال حول قانون الأحوال الشخصية.. النظام يخشى النساء ويعمل على إشغالهم بقضايا أخرى غير ذات أهمية”.
من جانبه، قال المهندس ممدوح حبشي، عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن البعض يتهم ثوار يناير بـ”درجة عالية من السذاجة”، مضيفًا “أنا أدعي أنها لم تكن سذاجة وإنما كانت عدم قدرة على الفعل، وهناك فارق بين الاثنين، وأستطيع أن أدعي أن معظم المسارات التي شهدتها الفترة الثورية كانت نتاج خطط من النظام”.
وأضاف حبشي “نحن الآن نفتقد النظرة من عين الطائر، وأغرقنا في التفاصيل، لدرجة أننا أصبحنا تنطبق علينا مقولة الأوروبيين (لم نر الغابة من كثرة الأشجار)، نحن نفتقد في التحليل لرؤية الصراع الطبقي القائم بين الدول وداخل الدولة الواحدة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *