في تحد للرئيس التونسي.. الآلاف يتظاهرون ضد الاستفتاء على الدستور الجديد و«انفراد» سعيّد بالسلطة: أدخل البلاد متاهة
وكالات
خرج آلاف التونسيون لشوارع العاصمة، الأحد، لليوم الثاني على التوالي في تظاهرات ضد الرئيس، قيس سعيّد، احتجاجا على طرح مسودة دستور جديد للبلاد، الاثنين، قبل التصويت عليه الشهر المقبل.
وبعد انتهاء الحوار الوطني الذي يصفه محللون بـ”الصوري”، يتهم المتظاهرون رئيس البلاد “بخطف الدولة” والسعي لترسيخ حكم الفرد.
وعندما اتخذ الرئيس التونسي تدابيره الاستثنائية المثيرة للجدل في 25 يوليو 2021، كان من بين مؤيديه الاتحاد العام التونسي للشغل.
وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذها سعيد بتجميد البرلمان المنتخب وإقالة الحكومة، كانت محل معارضة من قبل بعض الأحزاب السياسية، ولا سيما حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، لكن اتحاد الشغل القوي – أكبر منظمة نقابية في البلاد – وقف مساندا لتلك القرارات.
إلا أن المنظمة النقابية القوية باتت مؤخرا تضغط على سعيد من خلال رفضها المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس التونسي، بالإضافة إلى تنفيذها إضرابا عن العمل في القطاع العام الأسبوع الماضي.
والخميس، نفذ الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا “ناجحا” عن العمل في القطاع العام ردا على رفض الحكومة مطالبه بزيادة رواتب العمال والموظفين في خطوة تشدد الضغط على قيس سعيّد وإدارته للبلد الذي يعاني أساسا من أزمة سياسية ومالية خانقة.
وتظاهر آلاف التونسيين السبت رفضا للاستفتاء على الدستور الجديد الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيّد فيما وجهت رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي اتهامات له “بخطف الدولة والسعي لترسيخ حكم فردي”. وفي تحد لخصومه، يسعى سعيّد إلى صياغة دستور جديد يتمتع فيه رئيس البلاد بسلطة أكبر بينما يعاني الاقتصاد المنهك أزمة طاحنة وتوشك المالية العامة على الإفلاس.
ويرى مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، رياض الصيداوي، أن سبب الصراع الحالي بين الرئيس قيس سعيّد واتحاد الشغل “اقتصادي واجتماعي” ولا يتعلق بالسياسة.
ونقل موقع قناة “الحرة عن الصيداوي قوله إن سعيد انتصر بسهولة على الأحزاب السياسية التي لا تحظى بشعبية لدى المجتمع التونسي، لكن الرئيس أمامه “ملف معقد قد يجعل من شعبية الرئيس تتآكل وتضعف”.
وعلى الرغم من أن قيادات الاتحاد تؤكد أن قرار الإضراب “غير سياسي” إلا أن هذه الخطوة تتزامن مع انتقادات شديدة توجه للرئيس التونسي قيس سعيّد الذي احتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو الفائت وأقصى معارضين من حوار وطني يفترض أن يفضي إلى تعديل دستور 2014 وإقرار هذا التعديل في استفتاء شعبي خلال شهر.
المحلل السياسي التونسي، الصغير الزكرواي، يرى أن الخلاف له “بعد سياسي” على الرغم من أن المطالب الاجتماعية هي السبب الرئيسي. وقال إن “هناك قطيعة ربما تكون مؤقتة بين الرئيس والحكومة من جهة واتحاد الشغل من جهة أخرى حول مسار ما بعد 25 يوليو”، وفقا لما نقل موقع “الحرة”.
وعيّن سعيّد أستاذ القانون، الصادق بلعيد، لصياغة “دستور جديد لجمهورية جديدة” بمشاركة بعض الخبراء وأحزاب صغيرة، مقصيا أحزابا رئيسية من بينها الحزب الدستوري الحر وحركة النهضة وهما خصمان لدودان.
يعلق الزكراوي قائلا: “قيس سعيّد أدخل البلاد في متاهة بإصراره على المرور بقوة دون أن يتشاور … حتى الحوار الذي تم تنظيمه شكلي وصوري ومخرجاته معروفة مسبقا”.
وقاطع الاتحاد العام التونسي للشغل ذو التأثير القوي المحادثات بشأن الدستور الجديد الذي ينوي سعيّد طرحه للاستفتاء في 25 يوليو، معللا قراره بأن هدف هذا الحوار هو “فرض سياسة الأمر الواقع” وإقرار نتائج تم “إعدادها من طرف الرئيس”.
وقال الصيداوي إن “اتحاد الشغل المنظمة الأقوى في البلاد يعتقد أنه شريك أساسي وليس طرف صغير ليتم استدعائه لملئ فراغ”، مما جعله يرفض المشاركة في الحوار الوطني.
وفي خطاب جماهيري، قال أمين عام اتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، إن الإضراب العام ناجحا بنسبة 96 بالمئة، مطالبا الحكومة بزيادة الاجوار بنسبة 10 بالمئة في سبيل تعديل القوة الشرائية لموظفي الدولة.
كما رفض الطبوبي استمرار خصم 1 بالمئة من رواتب الموظفين وهي السياسية التي أقُرت عام 2018 قبل عام من انتخاب سعيّد رئيسا للبلاد وذلك لتعويض عجز الصناديق الاجتماعية والتقاعد والتي وصف إدارتها بـ “الفاشلة”.
وفي هذا السياق، قال الصيداوي إن الرئيس قيس سعيّد “ورث تركة ثقيلة جدا من الناحية الاقتصادية بعد حكومة النهضة وحلفائها التي وضعت تونس تحت طائلة ديون طائلة ذهبت للاستهلاك وليس للإنتاج مما زاد من حجم الدين العام حتى وجدت الدولة نفسها في أزمة مالية كبيرة”.
وأشار إلى أن الرئيس لم يتبقَ له سوى خيار واحد لإنقاذ البلاد وهو صندوق النقد الدولي بعد أن “طرق أبواب دول خليجية شقيقة لم تساعد تونس”، بحسب قوله.
وتابع: “صندوق النقد الدولي له شروط صارمة للمساعدة في الحصول على قرض جديد وهي تتمثل في التحكم بكتلة الأجور وإيقاف التوظيف في القطاع العام لمدة 5 سنوات، إضافة إلى خصخصة قطاعات عامة غير منتجة ستؤدي في نهاية المطاف إلى طرد الكثير من العمال”.
ومضى في قوله: “من شروط صندوق النقد الدولي أيضا هو اقتصاد السوق بمعنى أن الدولة لا تتدخل في دعم أسعار المواد الأساسية وتتركها لمسألة العرض والطلب مما قد يؤدي إلى اضطرابات كما حدث في انتفاضة الخبز عام 1984”.
في ديسمبر من 1983 ويناير من العام الذي يليه، شهدت تونس حركة احتجاجية شعبية عرفت بـ “انتفاضة الخبز” بعد أن خفض الرئيس آنذاك، الحبيب بورقيبة، الدعم الحكومي عن منتجات الحبوب قبل أن يتراجع عن قراره تحت الضغط الشعبي.
وتشترط القيادات النقابية التي يترأّسها الأمين العام، نور الدين الطبوبي، سحب مرسوم حكومي صدر في ديسمبر 2021 ويحظر على أعضاء الحكومة الدخول في مفاوضات مع الاتحاد في مختلف القطاعات قبل الحصول على ترخيص مسبق من رئيسة الحكومة نجلاء بودن.
في المقابل، تتهم الحكومة الاتحاد بعدم الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي والمالي الذي تمر به البلاد. ويظهر الاتحاد في موقف قوة لأن السلطة تحتاج إليه لدعم برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تقدمت به لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد.
كانت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني اعتبرت في نهاية مايو الفائت أن الخلافات بين الاتحاد والحكومة تعرقل مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي، مؤكّدة أنّه “من الصعب جدا” إقرار اصلاحات سياسية واقتصادية دون دعم المركزية النقابية.
وقال الزكراوي إن الرئيس سعيَد “أدخل البلاد في مغامرة شخصية … غير محسوبة العواقب. نعيش اليوم مأزقا سياسيا وأزمة اقتصادية واجتماعية”.
وتابع: “لو التزم (قيس سعيّد) بحوار وطني يشارك فيه الجميع، كان بإمكان البلاد الخروج من الأزمة بتنظيم انتخابات مع تغيير القانون الانتخابي وحتى بكتابة دستور جديد”.
وفي حين أن هناك نقطة التقاء سياسية بين الرئيس واتحاد الشغل، لكن من مصلحة سعيّد ألا يفتح جبهات كثيرة ضده، وأن يجد حلولا تتوافق مع الاتحاد، كما يرى الصيداوي.
وقال إن “الإضراب ناجح بأكثر من 90 بالمئة وهذا يمثل رسالة من الاتحاد للرئيس بأن يفهم أنه ليس وحده في البلاد وأنه سلطة توازن مع سلطة الدولة”.
وتابع قائلا: “يجب على الرئيس سعيّد أن يجري حوارا عميقا مع اتحاد الشغل وأن يتفهم مخاوف الاتحاد وأن يشركه في حوار حقيقي مع صندوق النقد الدولي”.
وأضاف أن عدم الاتفاق بين الطرفين من شأنه أن يحدث ثورة جديدة على اعتبار أن الثورات والحركات الاحتجاجية في تونس تأتي دائما لأسباب اجتماعية، وفقا للصيداوي الذي يقول إن “الأحزاب السياسية هشة وغير قادرة على تعبئة الشارع”.
وأشار إلى أن “اتحاد الشغل هو الوحيد الذي يمكن أن يحدث فارقا في الشارع”.
واستحوذ سعيّد على معظم السلطات، بعد أن عين أعضاء جددا في هيئة جديدة للانتخابات. وعين مجلسا مؤقتا للقضاء وأقال عشرات القضاة في خطوة تقول المعارضة إنها ترسخ حكم الرجل الواحد.
لكن الرئيس سعيّد يرفض اتهامات المعارضة ويقول إنه لن يكون ديكتاتورا وإنه يسعى فقط لإصلاح البلاد بعد “عقد من الخراب”.
ويشيد أنصار سعيّد به باعتباره رجلا مستقلا ونزيها يقف في وجه قوى النخبة التي أدى فسادها إلى إصابة تونس بشلل سياسي وركود اقتصادي على مدى عقد.