في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. قصة الحجب في مصر من يناير 2011 حتى حجب 125 موقعا صحفيا آخرها «درب»
من مفارقات الحجب.. السلطات المصرية تسببت في حجب أكثر من 34 ألف في محاولة لحجب موقع واحد
اللجنة الدولية لحماية الصحفيين خاطبت المجلس الأعلى للإعلام في مصر حول حجب درب ولم تتلق رد
كتبت- كريستين صفوان
يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، الذي يحل هذا العام وفي مصر أكثر من 120 موقعا صحفيا تعرضوا للحجب في إطار توسع السلطات المصرية في التضييق على حرية الصحافة ومصادر الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات؛ ومن بين هذه المواقع وآخرها «درب».
يبلغ عدد المواقع المحجوبة في مصر، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير 547 موقعا، من بينهم 125 موقعا صحفيا، وذلك منذ بداية استخدام السلطات المصرية لممارسة الحجب في مايو من العام 2017.
بدأت فكرة الحجب في مصر مع اندلاع ثورة يناير، حيث حجب نظام الرئيس المخلوع مبارك موقع «البديل الجديد» والدستور الأصلي، وبعض المواقع الأخرى يوم 25 يناير من عام 2011، في محاولة للتعتيم على أخبار الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد للمطالبة بالديمقراطية وإسقاط النظام. لكن الحجب لم يستمر إلا من ساعات ليومين.
عقب ثورة يناير عادت فكرة الحجب لتطل من جديد عام 2015، بعد عام من تولي الرئيس السيسي بحجب موقع العربي الجديد.
وفي 24 مايو 2017 تحولت سياسية حجب المواقع لسياسة عامة ضمن الهجمة على حرية الصحافة، وبدأت الموجة الأولى للحجب والتي امتدت لأسبوعين بـ21 موقعا، من بينها موقع «مدى مصر والمصريون ومصر العربية والبداية» دون توضيح رسمي من السلطات عن الأسباب وبيان جهة التي اتخذت قرار الحجب. وأبلغ حينها مصدران أمنيان وكالة رويترز بأن المواقع حجبت لانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة أو لتمويل قطر لها. ونقلت الوكالة عن مسؤول بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات تصريحا، لم يؤكد أو ينفي الخبر، لكنه قال «معنديش معلومة، بس فيها إيه لو (الخبر) حقيقي؟ إيه المشكلة».
وعلى مدار السنوات الثلاثة الماضية وحتى كتابة هذه السطور، توسعت السلطات في حجب مواقع الوِيب لتشمل عددًا ضخمًا من المواقع التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة حتى وصل عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 547 موقعًا على الأقل، بحسب عملية الرصد التي تقوم بها مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وبلغ عدد المواقع الصحفية وتلك التابعة لقنوات تلفزيونية، التي تعرضت للحجب من جانب السلطات في مصر إلى 125 موقعا إلكترونيا بينها موقع تعرض للحجب بعد 9 ساعات فقط من إطلاقه، وهو موقع «كاتب»، الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكان يترأس تحريره الكاتب الصحفي خالد البلشي.
وكان موقع «كاتب»، من بين 30 موقعا على الأقل توقفوا عن العمل بسبب تداعيات قرار الحجب. وكذلك جريدة «التحرير» التي قالت إدارتها في بيان صحفي يونيو 2019،إنها ستتوقف عن العمل بعد شهرين لعدم تمكنها من الوفاء باحتياجات العاملين بها، وذلك بعدما تعرض لحين الموقع الإلكتروني لـ«الحجب».
وكان من بين أبرز المواقع التي تعرضت للحجب، موقع هيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، وذلك على خلفية تغطيته لتظاهرات سبتمبر 2019 التي كانت تطالب برحيل نظام الرئيس السيسي، وفقما رجح مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في تصريحات لموقع «بي بي سي»، الذي رُفع عنه الحجب لاحقا. فيما لا يزال موقع قناة «الحرة» الأمريكية قيد الحجب، وكان الموقع قد تعرض للحجب في نفس الوقت مع «BBC».
ومن مفارقات الحجب، أن محاولة السلطات المصرية لحجب موقع حملة «باطل» التي كانت تدعو لمقاطعة التعديلات الدستورية التي أجريت في أبريل 2019 تسببت في حجب أكثر من 34 ألف موقع آخرين على مستوى العالم، بحسب تحليل شبكة «نيتبلوكس» NetBlocks المتخصصة في رصد حالات مراقبة الإنترنت.
ويشار إلى أن التعديلات الدستورية، التي كان يدعو موقع «باطل» لمقاطعتها، أصبحت نافذة، ومن خلالها تم تمديد فترة حكم السيسي الحالية من أربع إلى ست سنوات، كما تسمح له بالترشح للرئاسة مرة أخرى، وهو ما يعني أنه قد يظل في منصبه حتى عام 2030، كما تمنحه التعديلات سلطة واسعة في التعيينات القضائية.
آخر المواقع المحجوبة في مصر، كان موقع «درب» الصادر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي تعرض للحجب في 9 أبريل من العام الجاري، بعد شهر واحد من إطلاقه، وقبل أقل من شهر عن اليوم العالمي لحرية الصحافة وهو الموقع الثالث الذي يتم حجبه لـ خالد البلشي.
وفي 21 أبريل الماضي، قدم ممثلين عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وموقع «درب» وبحضور محامية حرية الفكر والتعبير فاطمة سراج، بتظلمين على حجب موقع “درب” التابع للحزب. التظلم الأول كان أمام نقابة الصحفيين، والثاني تم تقديمه للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وطالب الحزب في التظلمين، بإزالة حجب الموقع على الفور أو الاطلاع على الأسباب التي أدت إلى هذا القرار نظرا للأثار السلبية الناجمة عنه.
وقال الحزب في تظلمه، إن حجب موقع «درب»، يتعارض مع حزمة حقوق دستورية أصيلة، على رأسها الحق في الاتصال والحق في حرية معرفة وتداول المعلومات، فيما أشار التظلم إلى عدة مواد دستورية تؤكد ذلك.
من جانبها، قالت المحامية الحقوقية فاطمة سراج، محامية مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن حجب الموقع «اعتداء على حرية المواطنين في الحصول على المعلومات»، وشددت على أن الأزمة هنا «عدم تطبيق القانون، خاصة وأن هناك لوائح تقول أنه لابد من إظهار أسباب الحجب، ولكن يبدو أننا نعود إلى الجهات غير المعلومة التي تقوم بالحجب».
وكان النائب البرلماني أحمد طنطاوي، قد قال عقب حجب «درب» إنه تواصل مع عدد من المسؤولين بخصوص واقعة حجب الموقع للوقوف على الملابسات والتفاصيل والجهة التي أصدرت القرار، مضيفا “لكن ومع الأسف لم يأتني أي رد”.
وتابع طنطاوي، أن الصحافة بكل أشكالها وألوانها وأطيافها يجب أن تكون مكفولة، لا سيما الصحافة الحزبية التي من خلالها ينطلق موقع «درب» الصادر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي.
وقالت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين إنها خاطبت بالبريد الإلكتروني المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، حول حجب موقع درب، لكنها لم تتلق أي رد. وأوضحت اللجنة إنها لم تستطع تحديد الهيئة الجهة التي تقف وراء حجب المواقع منذ عام 2017، مشيرة إلى أن السلطات المصرية حجبت ما لا يقل عن 103 مواقع إخبارية ومئات من المواقع الأخرى، دون أن تعلن أي جهة حكومية مسؤوليتها عن الحجب.