في الذكرى العاشرة لإندلاع الثورة التونسية.. كارم يحيى يرصد: رواية «البوعزيزي» و«الحيدوري».. 17 ديسمبر2010 ـ 14 يناير 2011
تنويه 1 : رواية «البوعزيزي» و«الحيدوري».. 17 ديسمبر2010 ـ 14 يناير 2011 .. هي فصل من كتاب (سيدي بوزيد.. حكاية ثورة يرويها أهلها) للزميل كارم يحيى تم نشر الطبعة الأولى عام 2012 وتم إعداد طبعة مزيدة منه تنتظر النشر منذ عام 2014.
تنويه 2 : الصور المرفقة.. بعدسة الزميل كارم يحيى على مدى زيارات متعددة لاحقة
تحت سماء غائمة ممطرة حكى الراويان «الأمين البوعزيزي » و «عبد السلام الحيدورى» ما جرى في جهتهما « سيدي بوزيد» بشأن هذه الثورة التي وصفت بأنها مهد ثورات الربيع العربي . استقبلاني عند مدخل المدينة عاصمة الولاية ومررنا بشارعها الرئيسي الذي تصطف على جانبيه مقار الإدارة ومرافق الولاية . أشار «الحيدوري » إلى مقهى يوزع مقاعده على جانبي الشارع يحمل لافتة « سمرقند » وقال :« هذا كان مركز عمليات الثورة حيث كنا نجتمع
لكتابة البيانات والتداول فيما سنفعل بعد ». لكننا تجاوزناه و قصدنا مقهى آخر في نهاية المدينة .. أي على الطرف الآخر البعيد عن مدخلها .
وعندما جاءت أكواب الشاي الساخنة وبدأ الحديث أدركت أن « سيدي بو زيد » لم تكن هي الأخرى نائمة في العسل أو البصل قبل سنوات وأشهر من شرارة الثورة في 17 ديسمبر 2011 . فقد أبلغني الراويان بجملة وقائع تفيد بأن المدينة كانت تعيش زمن الاختمار الثوري . ولقد كان بإمكانهما تذكر سلسلة اعتصامات للفلاحين والعمال والموظفين رعاها ما أسمياه بالجناح الثوري في اتحاد الشغل و كوادره القاعدية على مدي عام 2010. إلا أن هذه المدينة الوادعة المظهر الواقعة على بعد نحو 270 كيلو مترا من العاصمة عرفت قبلها بسنوات تظاهرات تضامن مع فلسطين والعراق . وكحال مصر فإن ما بدا بعيدا سرعان ما أصبح قريبا . وبصيغة أن تحرير القدس وبغداد يبدأ من تحرير القاهرة . ينطبق الأمر ذاته على ما جرى على مدي العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين في تونس . وهنا يتذكر الراويان تظاهرة تضامن مع قافلة سفن الحرية إلى غزة في بداية صيف عام 2010 تردد فيها هتاف :« يسقط نظام السابع .. يسقط عميل تابع ». والمقصود بنظام السابع هو نظام الرئيس «بن على» الذي تولى الحكم بانقلاب طبي على « بورقيبة» في 7 نوفمبر 1987 . والمعروف أن « بن على » كان أحد رموز التطبيع في المنطقة إلى حد أنه دعا السفاح رئيس الوزراء الإسرائيلي « إرييل شارون » لزيارة تونس في نوفمبر 2005 بمناسبة انعقاد قمة المعلوماتية . كما يشير الراويان إلى تنظيم اعتصام للفلاحين يوم 15 يوليو 2010 في نفس الموقع الذي أحرق فيه « البوعزيزي» نفسه .. أي أمام مقر الولاية . ويشيران كذلك إلى قيام النقابيين القاعديين (الجناح الثوري في اتحاد الشغل ) بطرد ممثلي قيادة الإتحاد في 21 نوفمبر 2010 احتجاجا على محاولة تمرير تعديل في قانون الصناديق الاجتماعية بتمديد سن التقاعد ، أسماه الثائرون بـ«تعديل سرقة أعمارنا بعد سرقة جهدنا ». وحينها كانت الشعارات المرفوعة في الاجتماع العمالي العاصف بالولاية وفي قلب المدينة : «التقاعد استحقاق يا عصابة السراق».
ولما سألت «الأمين البوعزيزي» عن موقف السلطات المحلية من هذه الأحداث وكيف واجهتها ، قال :« كان التصدي للأحداث يجرى على قاعدة أخف الضرر .. أي تجنب استخدام العنف المفرط نظرا لتنامي الاحتقان الاجتماعي » . وأضاف :« كأنت الولاية كانت في انتظار شرارة الثورة .. فمراكمة الغضب أحدثت تغييرا على جغرافيا الخوف .. ونقلته من نفوس المحكومين إلى الحكام ».
وفق الراويين فإن الأحداث بدأت في نحو الساعة العاشرة والنصف صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 أمام مقر الولاية حين إحراق « محمد البوعزيزي » نفسه وبجواره عربته المحملة بالخضراوات والفواكه. بدأ الناس في التوافد والتجمع في الموقع نفسه. وقتها كان الوالي داخل مقره ( يدعى مراد ..وبالأصل هو أستاذ جامعي من بنزرت ) . وعند الساعة الرابعة عصرا بلغت الأعداد المتجمهرة الآلاف ..ربما خمسة آلاف.و تتشكل نواتهم الثورية من نقابيين قاعديين ونشطاء سياسيين، لم يكن بينهم بأي حال إسلاميين أو كوادر حزب «النهضة » لراشد الغنوشي، فضلا عن أسرة « البوعزيزي» وأبناء الأحياء الشعبية على أطراف المدينة مثل «حي النور الغربي » الذي يقطنه بالأصل الشاب المنتحر.
ووجد المتجمهرون في سور مبنى الولاية هدفا لهم .يقذفونه بالبرتقال من فوق عربة «البوعزيزي» . وبالأصل كان السور مستفزا على مدار عام كامل بعد إتمام بنائه بتكلفة تقدر بنحو 400 ألف دينار تونسي ( نحو 275 ألف دولار حينها) كما شاع بين سكان المنطقة من الفلاحين،و الذين اعتبروا بناءه على هذا النحو رمزا للإهدار والسرقة والفساد . و خلال عمليات القذف بلغت بعض حبات البرتقال مبنى الولاية ذاتها واصطدمت به . وفي تلك اللحظات خرجت خالة «البوعزيزي» من بين الجموع تندبه بصوت اقشعرت له الأبدان وبعبارة واحدة موجزة متكررة بإصرار :« وينكم ياهمامة». و عندما حل المساء ، أبدل الحشد حول مقر الولاية كلمة «التشغيل» بـكلمة « التقاعد » في الهتاف الذي عرفته « سيدي بوزيد» قبل شهور خلال الصيف، فأصبح الشعار المتصاعد من حناجرهم :« التشغيل استحقاق يا عصابة السراق ». كما استعادوا شعار مناسبة قافلة الحرية :« يسقط نظام السابع .. يسقط عميل تابع ». وأضافوا إلى هذا وذاك شعارات أخرى أكثر جرأة ومباشرة من قبيل: « ولد العامل والفلاح أقوى منك يا سفاح » (المقصود بن على) ، و« يسقط حزب الدستور .. يسقط جلاد الشعب ». وأسقط في يد الوالي . وحينها كان عليه استدعاء تعزيزات أمنية إلى المدينة . وبحلول الغروب شوهدت قوافل من السيارات السوداء لفض الشغب آتية من ناحية ولايتي « القصرين » و « قفصة » المجاورتين لولاية « سيدي بوزيد» . ومع ذلك ظل الحشد المتجمع أمام مقر الولاية مرابضا هناك حتى منتصف الليل في عز البرد . قبلها خرج الوالي « مراد » محاولا التفاوض . لكنه كان قد تأخر أكثر من اللازم. فقد كان عليه في نظر الجمهور الغاضب أن يخرج بالأحرى في الصباح لسماع صيحات « البوعزيزي » المستنجدة قبل أن يقدم على إحراق نفسه ويجرى نقله إلى مستشفى المدينة الذي يطلق عليه أهلها تندرا على بؤس حاله « المدفن » ( لاحقا جرى نقله إلى مستشفي بصفاقس قبل أن يتوفي في 5 يناير في الرواية الرسمية و2 يناير في الرواية الشعبية الأكثر شيوعا ، والتي تتحدث عن استبقاء السلطات جثمانه لثلاثة أيام للترتيب لدفنه على نحو لا يثير المزيد من السخط بين أبناء جهته) .
وبحلول اليوم التالي (السبت 18 ديسمبر 2010 يوم السوق الأسبوعية في الولاية) توافد الفلاحون كعادتهم من المعتمديات (المراكز) الإحدى عشر الأخرى التي تضمها الولاية .ووقع الصدام العنيف مع القوات المستجلبة إلى عاصمة الولاية في نحو الساعة الحادية عشر صباحا . استخدمت القوات الغاز المسيل للدموع والهراوات . و لجأ المتظاهرون للرد بالحجارة وبإعادة قنابل الغاز . وعندما انتقلت المواجهات إلى الشوارع الجانبية المتفرعة من الشارع الرئيسي بالمدينة وبعدما فقد المتظاهرون السيطرة على الساحة الأكبر أمام مبنى الولاية اكتشف المتظاهرون في عربات الخضار والفاكهة المشابهة لعربة « محمد البوعزيزي» سلاحا إضافيا . ببساطة وسرعة أخذوا يحركون هذه العربات لتسد الطرق وتعوق حركة سيارات الأمن . وفي نحو الساعة الخامسة بحلول المغرب وجد المتظاهرون هدفا لسخطهم في مقر حزب التجمع الدستوري الحاكم الذي يقع في ذات الشارع الذي يطل عليه مبنى الولاية . فاجتاحوا المقر وحطموه وأحرقوا السيارات التابعة له . ولعل من مفارقات «سيدي بوزيد» العديدة أنها اشتهرت بأعلى نسبة انتساب لعضوية الحزب بين ولايات تونس . وعلما بأن عضوية الحزب في عموم تونس قدرت قبيل رحيل « بن على » عن السلطة بنحو اثنين مليون عضو.. أي نحو خمس سكان البلاد بمن فيهم الأطفال.وكما قال «الأمين بوعزيزي» فإن المنتسبين للحزب الحاكم في ولاية « سيدي بوزيد» تقدر نسبتهم بنصف سكانها بمن فيهم الأطفال.ويعود ذلك الانخراط الكثيف إلى الأمل في الحصول على فرصة عمل أو أية مزايا معيشية كانت في ولاية تعد من الولايات الأكثر فقرا و معاناة من البطالة .
وبحلول ليل يوم السوق اتسع الغضب لينتقل إلى الأحياء الشعبية المحيطة بعاصمة الولاية . وأسفرت هجمات قوات الأمن على هذه الأحياء حينها عن سقوط جرحى و معتقلين من غير المعلوم عددهم .ومع صبيحة اليوم التالي ومع عودة قاصدي سوق « سيدي بو زيد » العاصمة إلى مدنهم و بلداتهم اتسعت الاحتجاجات في مختلف أنحاء الولاية . لكن الحدث الأبرز في هذا اليوم ( 19 ديسمبر 2010) كان هو اجتماع النشطاء السياسيين والنقابيين بالمدينة في مقهى « سمرقند » و أمام أعين الشرطة وتشكيلهم هيئة تنظيمية أطلقوا عليها « لجنة المواطنة والدفاع عن ضحايا التهميش بسيدي بوزيد» .وقد اختاروا ناطقا إعلاميا ومنسقا عاما للجنة هو الدكتور « عمر زعفوري».وبحلول يوم 20 ديسمبر، تصاعدت أحداث الاحتجاج في مركز معتمدية «المكناسي» التابعة للولاية والواقعة على بعد 75 كيلوا مترا من عاصمتها . فقد أغلق الشباب ـ و معظمهم من العاطلين ـ الشارع الرئيسي بالمدينة ، و أوقفوا الحركة على خط السكك الحديدية بين ولاية قفصة الغنية بالفوسفات و بين تونس العاصمة مستخدمين ذات الأسلوب الذي جرى في انتفاضة «الحوض المنجمي ». ببساطة جلسوا فوق قضبان خط السكك الحديدية . و اعتصموا على هذا النحو . كما استهدف المحتجون في « المكناسي » تمثالا لحصان عربي في وسط المدينة رأوا في تشييده رمزا لإهدار المال العام ونهبه ، فحطموه.
وفي اليوم نفسه ، خرجت مسيرات حاشدة في معتمدية (مركز) ولاية « منزل بوزيان » على بعد 30 كليوا مترا من عاصمة الولاية ، وذلك بمبادرة من النقابيين والنشطاء السياسيين بها . وتوالت الاحتجاجات للأيام التالية هناك تماما مثل عاصمة الولاية . لكن الحدث الأبرز كان سقوط أول شهداء الثورة بالرصاص الحي في «منزل بوزيان » يوم 24 ديسمبر 2020 . وهما الشهيدان :« محمد العماري » و « شوقي حيدري» . وكلاهما جامعيان عاطلان عن العمل . وكان ذلك في يوم جمعة استهدف فيه أهل هذه المعتمدية حرق مركز للأمن وتمكنوا في النهاية مما أرادوا . و يؤرخ « الأمين بوعزيزي» و«عبد السلام الحديوري» بهذا الحدث لانتقال العنف الثوري إلى استهداف مراكز الدولة السيادية بعد استهداف مقار الحزب الحاكم .
وبعدها بساعات وعلى بعد 40 كيلوا مترا من مدينة « سيدي بوزيد» وفي اليوم ذاته ـ لكن بحلول الليل ـ تحولت المظاهرات في مركز معتمدية « الرقاب » من طابعها المسالم إلى عنف ثوري أحرق مركز الشرطة ومقر المحكمة . وعلى مدى سبعة أيام تالية سقط في «الرقاب » وحدها ستة شهداء. وعلى صعيد شعارات المظاهرات في مختلف أنحاء الولاية حدث تطور لافت في هذا اليوم ( 24 ديسمبر) حيث أضيفت شعارات سياسية بامتياز تهاجم «زين العابدين » في مقتل إلى جانب تلك الاقتصادية الاجتماعية التي غلبت على مدى الأيام التسع السابقة من اندلاع الثورة . شعارات تمس عائلة زوجة الرئيس «ليلي الطرابلسي » ، وذلك من قبيل :« لا للطرابلسية اللي سرقوا الميزانية » .. و« يا طرابلسي يا حقير خللي الخبز للفقير ».
نحو تسعة أيام حملت خلالها ولاية « سيدي بوزيد» الثورة بمفردها إلى حد كبير . بعدها انتشرت الأحداث في الولايات المجاورة .انتقلت في البداية إلى ولاية «القصرين» الذين اتضح مع تطور الأحداث لاحقا أنها قدمت أكبر عدد من شهداء الثورة ( 73 شهيدا ) . وهنا لعب الإعلام البديل دوره لكسر التعتيم والحصار الذي يفرضهما الإعلام الرسمي على الأحداث داخل تونس . وببساطة تحول شباب من النقابيين القاعديين ومن طلاب الجامعات والمدارس الثانوية إلى صحفيين و مذيعين ومصورين ميدانيين في خدمة الثورة. يبثون أنباءها ووقائعها حية صادقة بالصورة والصوت والكلمة من تلك الولايات القصية إلى مختلف أنحاء تونس وإلى عاصمتها . وتناقلت قنوات فضائية مقاطع « اليو تيوب » المصورة من داخل هذه الولايات وبثتها «الجزيرة » و«فرنسا 24 »باللغة العربية في نشراتها الإخبارية نقلا عن صفحات « الفيس بوك ».
وفي اليوم التالي 25 ديسمبر وتحت وقع الضغوط القاعدية على قيادة اتحاد الشغل في ولاية « سيدي بوزيد» تمكن النقابيون الثوريون من إصدار بيان يدعو للإضراب العام في الولاية . وبالفعل جرى تنفيذه بدرجات متفاوتة من النجاح في معتمدياتها الإثنتى عشر مع أن البيروقراطية النقابية في القمة رفضت المصادقة على هذا البيان واختارت طريق التفاوض مع الوالي . لكن الأحداث خارج الولاية اكتسبت زخما أقوى وبريقا ألمع والى حد أن العديد من نشطاء الاحتجاج في الولاية كانوا يتنقلون إلى المدن الأكبر والأكثر تأثيرا على السياسة العامة كصفاقس وتونس العاصمة للمشاركة في أنشطتها الثورية ،وصولا إلى الحدثين الأكبر الإضراب العام والمظاهرات والمواجهات في المدينة الصناعية والتجارية الأهم «صفاقس » يوم 13 يناير و الاحتشاد في شارع «الحبيب بورقيبة» انطلاقا من ساحة المقر العام لاتحاد الشغل بشارع « محمد على الحامي » المتفرع منه إلى أمام مقر وزارة القمع « الداخلية » في شارع « بورقيبة » ذاته يوم 14 يناير 2011.وهو اليوم الذي انتهى بإعلان فرار « بن على» .
كان الخطاب الثالث والأخير لـ « بن على » أثناء أحداث الثورة هو ذلك الذي ألقاه مساء يوم 13 يناير 2011 وقد غير من لهجته تماما . تحدث للمرة الأولى باللهجة التونسية العامية بدلا من العربية الفصحي كما أعتاد في خطاباته السابقة منذ توليه الحكم عام 1987. وبدلا من تكراره الوعيد في خطابيه السابقين ( 28 ديسمبر و 10 يناير ) بتنفيذ القانون بحزم وحسم ، قال : « يزي من كرطوش».. أي « كفاية من الخرطوش » بالعامية المصرية . وبدلا من كيل الاتهامات لـ « أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم » ولـ« التجنى الإعلامي العدائي لتونس » ، قال :« غلطوني .. وفهمتكم » .. أي «أمدوني بمعلومات خاطئة و أدركت الآن الخطأ وفهمتكم » باللغة العربية الفصحي . وكان الخطاب الثالث على هذا النحو إشارة كي يقوم الحزب الحاكم بإنزال من تبقي من إتباعه للتظاهر تأييدا لـ « بن على » . حدث هذا في ليلة يوم 13 يناير 2011 بشارع «الحبيب بورقيبة» بالعاصمة تماما مثلما حدث بالشارع الرئيسي لمدينة «سيدي بوزيد » في التوقيت ذاته . وكما يقول الراويان « البوعزيزي » و« الحيدوري »: «جرى تعبئة بضع مئات من الأحياء الفقيرة في محيط المدينة في مهمة مدفوعة الأجر . وتظاهروا في الشارع الرئيسي يهتفون باسم ( بن على ) لنحو الساعة ثم انصرفوا . وفور أن انفضوا عاد الثوار ونزلوا إلى الشارع نفسه بالآلاف . وهذا ما حدث في مختلف مدن الولاية . لم تتصد قوات الشرطة لهم . لأنها بدت منهكة ». ويضيفان :« في صبيحة اليوم التالي امتلأ الشارع الرئيسي بعاصمة الولاية بجموع من المتظاهرين غير مسبوقة لا تعبأ بتواجد أجهزة الأمن وهي تهتف ضد ( بن على ) بهتافين لافتين انتشرا في عموم تونس ، وهما :” خبز وماء / بن على لا» .. و«ارحل » .
وفي ظل هذا الحشد غير المسبوق بمدينة « سيدي بوزيد» بوصف « الأمين البوعزيزي » و « عبد السلام الحيدوري » صبيحة 14 يناير 2011 أخذ المئات على مدي اليوم في الانتقال إلى تونس العاصمة للمشاركة في الحدث الأهم والألمع بشارع « الحبيب بورقيبة » . وعندما أعلنت شاشات التليفزيونات خبر فرار « بن على» وتولي رئيس وزرائه « محمد الغنوشي » مهام منصبه تدافعت إلى شوارع عاصمة الولاية ومختلف مدنها المزيد من الجماهير . وشابت الاحتفال احتجاجات على تولي « الغنوشي » بوصفه انقلابا دستوريا ومناورة من « بن على » . و بحلول الأول من فبراير 2011 كان شباب « سيدي بوزيد » من بين من تقدموا الصفوف للمشاركة في اعتصام القصبة أمام مقر الحكومة في العاصمة تونس .وقد أطاح بحكومة « الغنوشي »، الذي كان قد انتقل إلى موقع رئيس الوزراء مجددا بعد يوم واحد من رحيل «بن على » تاركا منصب الرئيس المؤقت إلى « فؤاد المبزع » رئيس مجلس النواب بالأصل .
لكن ما حدث بعد مساء 14 يناير 2011 قصة صراع وكفاح أخرى لا مجال لها في هذا الكتاب . وهي بكل المقاييس تخرج عن رواية ما جرى في « سيدي أبو زيد » خلال أيام الثورة على « بن على».