ضحايا لم يصبهم الفيروس| «فصل تعسفى وحقوق ضائعة».. ما فعلته شركات قطاع خاص بالموظفين في زمن «كورونا»
ياسمين شبانة
فى صباح يوم 22 مارس الماضي، خرج أحمد (29 عامًا) فى الساعة السادسة صباحًا من منزله، ليذهب إلى مقر الشركة التى يعمل بها فى إحدى المناطق بمحافظة الجيرة، ومع أول دقيقة من ورديته التى تبدأ فى الساعة السابعة صباحًا، فُوجئ أحمد بتعطل جهاز الكمبيوتر الخاص بعمله، مسرعًا، قام بمهاتفه مديره المباشر، ليبلغه الأخير بقيام الشركة بفصله هو و349 زميل آخر.
قام أحمد ومجموعة من زملائه بإبلاغ الشرطة وتحرير محضر جماعى بالواقعة، كما قاموا بتقدم شكوى جماعية لمكتب العمل، «بعد أسبوع من فصلنا بشكل تعسفى، الشركة بعتت إيميل، بيعتذروا إنهم ضحوا بينا وخفضوا أعداد الموظفين عشان الأثر السلبى اللى تركه كورونا على قطاع السفر والسياحة، طيب كانوا يدوا الناس حقوقها قبل ما يتكلموا عن التضحيات، وقبل ما يرفدونا بالشكل ده» يقول أحمد منفعلًا.
يعمل أحمد فى إحدى الشركات السياحية الخاصة بحجوزات الفنادق، والطيران، «عقدى كان هينتهى فى نهاية شهر نوفمبر اللي جاي، كان لسه باقي ليا 8 شهور بالظبط، بس الشركة ملتزمتش بالعقد وفصلتنى من غير أى إنذار أو إخطار قبلها».
فى 19مارس الماضي أعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، تعليق حركة الطيران فى كافة المطارات حتى نهاية الشهر، وفي 24 من نفس الشهر، أعلن مدبولى، عن تطبيق حظر التجوال في الطرق العامة من الساعة السابعة مساءٍ حتى السادسة صباحًا، ولمدة أسبوعين، مع استمرار تعليق حركة الطيران حتى نهاية 15 أبريل الجارى، كإجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا المُسّتجد «كوفيد 19».
فى أوائل 2019، حصل أحمد على سيارة عن طريق إحدى شركات تقسيط السيارات، مقابل 3 آلاف جنيه شهريًا بضمان راتبه، «سددت سنة من القسط وباقلى 4 سنين، أنا حاليًا مُعرّض للحبس بسبب انى ماعنديش دّخل تانى اقدر أسدد منه القسط».
رغم المصير المجهول الذى يواجهه أحمد، فإن إسلام (33 عامًا) والذى تضرر أيضًا من قرار الفصل التعسفى بنفس الشركة، يزداد وضعه صعوبة كونه متزوجًا وأب لطفلة.
لن يتمكن إسلام من سداد القسط الخاص بالشقة التى يسكن بها مع زوجته وابنته، والتى يحل موعد استحقاقها خلال أيام.
يرى إسلام الذى يعمل فى الشركة منذ أكثر من 4 سنوات، أنه على الاقل، كان يمكنه تدبرأمره خلال الفترة المقبلة، إذا حصل على حقوقه كاملة والتى ينص عليها قانون العمل.
تنص المادة 118 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، والخاص بتنظيم أوضاع العمال بمؤسسات وهيئات القطاع الخاص، على، “إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل دون إخطار أو قبل انقضاء مهلة الإخطار التزم بأن يؤدى للعامل مبلغا يعادل أجره عن مدة المهلة أو الجزء الباقي منها. وفى هذه الحالة تحسب مدة المهلة أو الجزء الباقي منها ضمن مدة خدمة العامل, ويستمر صاحب العمل في تحمل الأعباء والالتزامات المترتبة على ذلك”، كما تنص المادة 122 من نفس القانون على، “إذا أنهى أحد الطرفين العقد دون مبرر مشروع وكاف، التزم بأن يعوض الطرف الأخر عن الضرر الذي يصيبه من جراء هذا الإنهاء، فإذا كان الإنهاء بدون مبرر صادر من جانب صاحب العمل، فلا يجوز أن يقل التعويض المستحق للعامل عن أجر شهرين من الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة”، وهو ما لم يحدث مع أحمد وإسلام.
«الشركة مش بس فصلتنا وخربت بيتنا فى وقت كل حاجة واقفة، ومافيش شغل، دى كمان كلت حقوقنا بمنتهى البساطة، يقول إسلام.
يواجه إسلام أيضًا تعثر فى سداد قيمة أقساط أثاث منزلى كان قد حصُل عليه عن طريق شركة خاصة، تتعاقد مع الشركة التى كان يعمل بها، والآن، وبعد قرار الفصل التعسفى، لم يستطع إسلام تدبير هذا المبلغ لسداد قيمة القسط شهريًا.
فى يوم الثلاثاء الموافق 7 أبريل الجارى، وخلال تفقده استعدادات القوات المسلحة لمواجهة فيروس كورونا، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى، القطاع الخاص إلى عدم المساس بمرتبات العمال، قائلا: «يجب على القطاع الخاص الانتباه لهذا الأمر دون المساس بمرتبات الناس».
كورونا والاقتصاد
خلال اتصال هاتفى فى برنامج «على مسئوليتي»، الذى يقدمه الإعلامى «أحمد موسى»، أشارت الدكتور هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أن مع احتمالية استمرار تداعيات أزمة كورونا عدة أشهر، سيؤثر ذلك على معدلات نمو النصف الثاني من العام المالي الحالي، (2020/2019)، وخصوصًا الرُبع الرابع من العام، موضحة أنه كان من المستهدف تحقيق معدل نمو بنهاية العام المالي الحالي يصل إلى 5.6%، إلا أنه من المتوقع أن يصل إلى 4.2%.
بحسب دكتورة هدى الملاح، مدير المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، تعتبر أن أزمة كورونا وما سوف يتبعها من تأثير على الاقتصاد ستكون أعنف من التدهور الاقتصادى الذى تلى ثورة 25 يناير2011، وترى أن التأثير السلبى للاقتصاد، والذى من المتوقع أن تشهده كل دول العالم، لا يعود على العامل فقط، بل يعود على الدولة أيضًا، فمن المعروف، أن زيادة معدلات البطالة وقلة الوظائف، تؤدى دائمًا إلىارتفاع فى معدل التضخم، وهذا ما سيعودبالأثر السلبى على الجميع.
من ناحية أخرى، ترى الملاح، أن صاحب العمل دائمًا ما ينظر للعامل فى أوقات الأزمات كبند للخسارة، فى حين أن هذا العامل هو صاحب العقل، صاحب الإنتاج، وصاحب المجهود الذهنى، التى تعتمد عليه الشركة، وبالتالى يجب مراعاة حقوقه وعدم المساس بها.
فى 4 أبريل الجاري، أعلنت وزارة السياحة والآثار، عن تفعيل خط ساخن لتلقى شكاوى العاملين المتضررين بالقطاع، وبحسب تصريحات عبد الفتاح العاصي، مساعد وزير السياحة والآثار للرقابة على المنشآت الفندقية والسياحية، أنه سوف يتم اتخاذ جميع البيانات الخاصة بالمتصل، ومعرفة تفاصيل شكواه أو استفساراته لعرضها على القطاع المختص بالوزارة والتحقيق فيها والوصول إلى الحل المناسب.
باعتباره واحدًا من العاملين فى المجال السياحى، قام أحمد بتقديم شكوى للوزارة بنفس الطريقة السابق ذكرها، لكنه لم يتلق ردَا على شكواه حتى كتابة هذا التقرير، بحسب أحمد.
مينا ثابت، مدير وحدة السياسات بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، يرى أن أزمة كورونا تعتبر حالة استثنائية ومختلفة فى طبيعتها، وسيكون لها مردود مختلف على اقتصادات كثير من الدول وليس مصر فقط، ولكنه يؤكد أنه لا يجوز لأى جهة أو شخص تحت أى حال من الأحوال التذرع بوجود حالة استثانئية أو مواجهة وباء ووضع غير مستقر، وما إلى ذلك، للتعدى حقوق الانسان.
وأشار مينا، إلى ضرورة التزام الشركات الخاصة بقانون العمل، وعدم انتهاك حقوق العمال، بالفصل بدون سابق انذار، أو بدون مبرر.
وعلى الجانب الآخر أكد على مسئولية الدولة فى دعم وتوفير بدائل للأشخاص اللذين تضرروا فى عملهم، حتى يستطيعون مواصة حياتهم لحين انتهاء الأزمة.
تختلف الالتزامات والأعباء المعيشية لكل من أحمد وإسلام وزملائهم، لكن ما يتفقون فيه بلا شك، هو مصيرهم الذى بات غير معلوم بعد قرار الفصل التعسفى، وما ترتب عليه من تراجع فى مستوى معيشتهم بشكل كبير.