فرنسا تقرر فتح الأرشيف الخاص بحرب الجزائر قبل 15 عاما من المهلة القانونية
فرانس 24
أعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو، الجمعة، عن قرب رفع السرية عن أرشيف “التحقيقات القضائية” لحرب الجزائر (1954-1962) بعد حوالي 60 عاما وفيما تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة منذ أشهر.
وصرحت باشلو لمحطة “بي أف أم تي في” “أفتح قبل 15 عاما أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة حول حرب الجزائر”، وجاءت هذه التصريحات بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية.
وجاءت تصريحات وزيرة الثقافة الفرنسية بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية.
زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجزائر الأربعاء بعد بوادر انفراج في الأزمة بين البلدين والتي لم تتعدى حدود التصريحات “الإيجابية”. ويرى مراقبون أن هذه الزيارة قد تمثل انطلاقة مسار لـ”طي صفحة الأزمة” وعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.
واندلعت الأزمة بين البلدين بعد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثارت غضب الجزائر في تشرين الأول/أكتوبر عندما اتهم على ما جاء في كلام أوردته صحيفة “لوموند” الفرنسية، النظام “السياسي-العسكري” الجزائري بتكريس سياسة “ريع الذاكرة” بشأن حرب الاستقلال وفرنسا، سلطة الاستعمار السابقة في البلاد.
كما أوردت الصحيفة أن ماكرون شكك أيضا في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي لها، ما أثار ردود فعل منددة في صفوف المجتمع الجزائري.
واستدعت الجزائر يومها سفيرها في باريس ومنعت الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل من التحليق في مجالها الجوي.
وكانت باريس اتخذت بالفعل خطوة أولى في الشهر الماضي لرأب الصدع عندما قالت الرئاسة الفرنسية في بيان أنها “تأسف للجدل وسوء الفهم الذي تسببت فيه” تصريحات ماكرون.
فيما دعا لودريان في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر إلى علاقة “واثقة” و”شراكة طموحة” مع الجزائر تتجاوز “جروح” الذاكرة التي يمكن أن “تظهر أحيانا من جديد”.
من جانبه، صرح تبون في حوار مع الصحافة المحلية في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني قائلا إن العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة “يجب أن تعود إلى طبيعتها” لكن شرط التعامل على أساس “الند للند” بين البلدين.
“نهج العلاقات الهادئة”
بعد استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون، قال لودريان: “أتمنى أن يعود بلدانا إلى نهج العلاقات الهادئة وأن يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”. وأضاف “نأمل أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه اليوم إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومتينا في عام 2022 بعيدا عن جراح الماضي التي يجب أن نواجهها خاصة بالنظر إلى سوء التفاهم الذي علينا تجاوزه”.
وتأتي زيارة لودريان إلى الجزائر تفعيلا لبوادر الانفراج التي تلت مشاركة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مؤتمر باريس لدعم الاستقرار في ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويرى حسني عبيدي، رئيس مركز الدراسات العربية والمتوسطية في جنيف، أن هذه الزيارة تمثل مؤشرا إيجابيا للخروج من الأزمة، مضيفا أن “الرئيس الفرنسي كلف لودريان بهذه المهمة، لأنه يحظى باحترام واسع في الجزائر باعتباره كان وزيرا للدفاع إبان فترة الرئيس السابق فرانسوا هولاند بالإضافة إلى أن الرجل يعرف الجزائر جيدا”.
“طي الصفحة”
وكشف مصدر دبلوماسي فرنسي لفرانس24 أن زيارة لودريان إلى الجزائر هي “بداية مسار”، وأنها أتت في سياق “استئناف الاتصالات” بين البلدين ووصف الزيارة بأنها “زيارة عمل وتقييم، لا تغلق فترة العلاقات بين البلدين، ولكن تطوي صفحة وتحدد مسارا للخروج”.
وذكر نفس المصدر أن لودريان أجرى محادثات مطولة مع نظيره الجزائري لعمامرة كما التقى الرئيس عبد المجيد تبون لأكثر من ساعة ونصف وأوضح أن المحادثات سمحت بإعطاء “دفع سياسي” لاستئناف المشاورات والعمل بين البلدين حول مسألة الهجرة، ولاسيما بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا، موضحا أن محادثات ستتواصل بهذا الشأن.
من جانبه، صرح لودريان أن “فرنسا والجزائر تواجهان معا تحديات كبيرة في بيئة إقليمية ودولية غامضة. يجب أن نكون قادرين على تقديم إجابات عملية للتحديات التي يفرضها الإرهاب في منطقة الساحل، ولكن أيضا الهجرة غير الشرعية بالإضافة إلى قضايا التنمية الاقتصادية. من أجل كل هذه القضايا ولأن مصالحنا مشتركة، فإن مشاوراتنا ضرورية وكان هذا هو المغزى من وجودي اليوم في الجزائر”.
هنا، يرى عبيدي أن هذه الزيارة لا تعني تحسنا تاما في العلاقات، لكنها تستجيب لمطلب جزائري لباريس، بأخذ المبادرة لحل الأزمة بعد خطوات سابقة لعل أبرزها دعوة تبون للمشاركة في مؤتمر باريس لدعم العملية السياسية في ليبيا، مضيفا “تحسن العلاقات يتطلب عودة السفير الجزائري إلى باريس وإنهاء إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية”
ملفات إقليمية على الطاولة
ولم تقتصر مباحثات لودريان في الجزائر على ملف العلاقات الثنائية وتجاوز تعثرها بل تطرق الطرفان إلى ملفات إقليمية ليست بالضرورة محل توافق بين البلدين.
وكشف المصدر الدبلوماسي أن محادثات وزير الخارجية الفرنسي في الجزائر تطرقت إلى الشأن الليبي منوها بتقارب “التحليل” بين البلدين بأنه لا مخرج للأزمة دون انتخابات وإيجاد سلطة شرعية.
فيما أكد لودريان أن الجزائر “شريك أساسي لفرنسا على المستويين الثنائي والإقليمي. ونعتزم مواصلة تنسيق مبادراتنا الدبلوماسية لتعزيز عملية الانتقال السياسي في ليبيا بعد مؤتمر باريس الذي مثل فيه الوزير (لعمامرة) الرئيس تبون”.
كما بحث لودريان إغلاق الجزائر أجواءها أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المشاركة في العمليات العسكرية في الساحل الأفريقي، وتم إطلاق مشاورات بهذا الشأن لكن لا اتفاق بين البلدين حتى الآن على إعادة فتح الأجواء. ونوه المصدر بقرار الجزائر السماح لطائرات فرنسية التحليق بالأجواء لأسباب إنسانية.
وبخصوص أزمة مالي، الجار الجنوبي للجزائر وحيث بدأت فرنسا سحب جزء من قواتها العسكرية، أكد لودريان أن الجزائر “تلعب دورا مهما والتزامها بتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة عنصر أساسي في عملية السلام. أود أن أحيي هذا الالتزام هنا وأنا آمل أن يستمر حوارنا حول هذا الموضوع”.
ويقدر عبيدي أن خطورة الوضع الإقليمي خصوصا في منطقة الساحل وملف الأزمة السياسية في تونس وليبيا، سرعت بإرسال باريس أرفع مسؤول دبلوماسي لديها إلى الجزائر مضيفا “بدون تواصل مع الجزائر، من الصعب على فرنسا مواجهة ملفات تعتبرها صلب أولويات الأمن الإقليمي، فرنسا بحاجة إلى تعاون وتنسيق مع الجزائر في المجالات الأمنية والعسكرية”
ويخلص عبيدي إلى أن الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك، جعلت السعي إلى طي الخلاف يأخذ “طابعا براغماتيا”، ويردف “ملفات الذاكرة وحقبة الاستعمار لن تحل وتتطلب وقتا وجهدا كبيرا، وهو ما جعل الطرفان يلتفتان إلى ملفات إقليمية ذات اهتمام مشترك لتسهيل عودة العلاقات إلى طبيعتها”.