فترة “البطة العرجاء”.. الكيان الصهيوني يمتنع عن تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة رغم التهديدات الأمريكية

كتب – أحمد سلامة

شهدت الأيام الأخيرة تصاعد الانتقادات الموجهة إلى الكيان الصهيوني من قبل منظمات الإغاثة الدولية بسبب عدم الامتثال الكافي لمطالب الولايات المتحدة التي دعت إلى زيادة وتيرة المساعدات الإنسانية لغزة. يأتي هذا في ضوء انتهاء مهلة الـ30 يومًا التي حددتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي كانت تهدف إلى تحسين وصول المساعدات لسكان القطاع المحاصر.

🛑 خلفية الأزمة وتداعياتها الإنسانية

يمثل قطاع غزة أحد أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان، ويعاني منذ سنوات طويلة من تدهور مستمر في الأوضاع الإنسانية. وتعود الأزمة إلى سلسلة من الصراعات الممتدة والحصار المفروض منذ أكثر من عقد على القطاع من قبل إسرائيل. إضافةً إلى الصراع المستمر، تواجه غزة نقصًا حادًا في المياه والكهرباء، وأزمات صحية وغذائية تتفاقم باستمرار بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول السلع والبضائع، حتى الإنسانية منها، ما يخلق بيئة معيشية صعبة للمواطنين الذين يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الدولية.

في أكتوبر الماضي، طلبت إدارة بايدن من إسرائيل توسيع نطاق المساعدات الإنسانية لغزة، وتسهيل وصولها، ومنحتها مهلة لمدة 30 يومًا لتنفيذ الإجراءات اللازمة. وهددت واشنطن بفرض تدابير قد تشمل تقليل الدعم العسكري لإسرائيل في حال عدم الامتثال. هذه الخطوة الأمريكية تُعد استجابة للتقارير المتكررة من منظمات الإغاثة التي تحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع وتأخر وصول المساعدات بشكل كافٍ.

🛑 تقييم استجابة إسرائيل للضغوط الدولية

صدر تقرير يوم الثلاثاء عن ثماني منظمات إغاثة دولية كبرى، وأشار التقرير إلى أن إسرائيل لم تلتزم إلا بأربعة إجراءات من أصل 19 طلبتها واشنطن، وذلك بصورة جزئية فقط. تشمل هذه الإجراءات خطوات محددة مثل فتح المعابر وتسهيل وصول الغذاء والمساعدات الأساسية الأخرى إلى غزة. وذكر التقرير أن “المستويات الحالية للمساعدات التي تصل إلى غزة لا تزال أقل بكثير من المعايير التي وضعتها الولايات المتحدة”، ما يؤكد استمرار التحديات أمام تدفق المساعدات الإنسانية اللازمة.

بناءً على التقارير، لم يتم تنفيذ عدد من الإجراءات التي وعدت إسرائيل بها، حيث لم يتم فتح معبر خامس إلى القطاع كما كان مقررًا، كما لا تزال القيود المفروضة على وصول عمال الإغاثة إلى المناطق الشمالية من غزة قائمة. إضافةً إلى ذلك، تستمر إسرائيل في فرض قيود قانونية على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي إحدى أهم الهيئات العاملة في تقديم الدعم والمساعدة للفلسطينيين.

🛑  الموقف الأمريكي وردود الفعل الإسرائيلية

رغم هذه التحديات، تبدي الولايات المتحدة ترددًا في اتخاذ خطوات حاسمة تجاه إسرائيل. وفيما حذرت واشنطن من تقليص الدعم العسكري، لم تقدم حتى الآن إشارات واضحة حول نيتها تنفيذ هذا التهديد. يبدو أن هذا التردد يعود جزئيًا إلى الحسابات السياسية المعقدة في المنطقة؛ حيث تستعد إسرائيل لاستقبال وزير خارجيتها الجديد جدعون ساعر، الذي صرح للصحفيين بأنه واثق من “حل المسألة”. وتظهر التقييمات السياسية أن إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كان داعمًا قويًا لإسرائيل خلال فترة ولايته الأولى، قد تؤثر على مدى فعالية الضغوط الأمريكية الحالية.

من جانبها، أعلنت إسرائيل عن خطوات محدودة لتحسين الوضع، إلا أنها ظلت غير كافية لتحقيق التحسن المطلوب في الأوضاع الإنسانية. ووفقًا لبعض المتابعين، قد تعكس هذه الخطوات رغبة إسرائيل في تهدئة الضغوط الدولية دون التنازل عن سياساتها الأمنية التي تعتبرها جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها لحماية مصالحها.

🛑 فترة البطة العرجاء

فترة “البطة العرجاء” التي تمر بها إدارة بايدن عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أثرت على نفوذها أمام إسرائيل، وأضعفت قدرتها على فرض ضغوط فعلية لتلبية مطالب متعلقة بتسهيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة. “البطة العرجاء” تشير إلى المرحلة الانتقالية التي يظل فيها الرئيس الحالي في السلطة بعد خسارته في الانتخابات أو قرب نهاية فترته، مما يؤدي عادةً إلى تراجع قدرته على التأثير في القرارات السياسية الكبرى، خاصة في ظل اهتمام الأطراف الأخرى بانتظار توجهات الإدارة الجديدة.

وتعتبر إسرائيل هذه المرحلة فرصة لتخفيف الضغوط الأمريكية عليها، حيث يمكنها المراهنة على أن التأثير الأميركي سيكون محدودًا مؤقتًا. علاوة على ذلك، فإن إعادة انتخاب دونالد ترمب، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، قد تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى اعتبار أن الدعم سيعود بقوة في المستقبل القريب، مما يجعلها أقل التزامًا بالمطالب الحالية.

كل ذلك تجلى في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، جدعون ساعر، الذي قلل من أهمية المهلة النهائية، حيث قال للصحفيين أمس الإثنين إنه واثق من أن “المسألة ستحل”.

🛑 استمرار الأزمة.. وخيارات المجتمع الدولي

وسط هذا الجمود السياسي والدبلوماسي، تظل غزة تعاني من تحديات إنسانية ضخمة، حيث يعيش سكانها في ظروف اقتصادية صعبة، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وندرة الموارد الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء. علاوةً على ذلك، يشهد القطاع اكتظاظًا سكانيًا في المخيمات، ويواجه السكان صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن القيود المفروضة على المعابر، بالإضافة إلى استمرار الأزمات السياسية، يزيد من صعوبة حياة السكان، ويجعلهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل كبير.

من المتوقع أن يواجه المجتمع الدولي تحديات في التعامل مع هذه الأزمة، خصوصًا أن زيادة التدفق المساعدات الإنسانية قد يترتب عليها توازن حساس بين الضغوط الدبلوماسية واحترام التزامات إسرائيل الأمنية. ويدعو العديد من المراقبين إلى تطوير آليات دولية فعّالة لضمان تحقيق استجابة أفضل لحاجات السكان المحاصرين. ويبرز هنا دور الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني في توثيق الأوضاع وممارسة ضغوط إضافية على الأطراف المعنية.

من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل تعول على علاقاتها القوية مع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتهدئة الانتقادات الدولية، وتحقيق توازن بين التزاماتها الأمنية واستجابتها للضغوط الإنسانية.

🛑 خلاصة الوضع المأساوي

يتضح أن المسار الذي اختارته إسرائيل للتعامل مع مطالب واشنطن لم يحقق التحسن المطلوب في الأوضاع الإنسانية في غزة. ويظهر أن الخيار الأمثل هو تفعيل دور المنظمات الدولية لتوثيق وتوضيح حجم الأزمات الإنسانية، وخلق ضغوط دبلوماسية قوية تتضمن ضمانات لدخول المساعدات بانتظام.

ختامًا، تُبرز هذه التطورات ضرورة تكاتف الجهود الدولية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية، وضمان وصول المساعدات اللازمة، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *