فتاوى رمضان في زمن كورونا.. اتفاق على منع تجمعات الصلاة وموائد الرحمن واختلاف على رخصة الافطار خشية الإصابة
الأزهر والافتاء: لا إفطار إلا للمصابين.. وعلماء: الخوف من المرض يسقط الفرض.. والاتفاق: الأولوية للنفس البشرية
كتب – محمود هاشم
يحل شهر رمضان المبارك خلال أيام، مختلفا عن كل عام في طقوسه وعباداته، فلا صلاة في المساجد، ولا تجمعات في المنازل والشوارع، وسط أجواء احتفالية خافتة، في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد الذي أوقع مئات الآلاف من الإصابات والوفيات على مستوى العالم.
ليست أجواء رمضان فقط المختلفة هذا العام، بل الفتاوى المتعلقة به أيضا، التي شهدت تباينا في آراء العلماء بشأن أحكامه في ظل الوباء، بين دعوات من علماء للإفطار حماية للنفس من خطر الإصابة بكورونا، وتشديد رسمي بتقييد حالات جواز الإفطار، مع توجيهات بعدم إقامة الصلوات في المساجد وإلغاء التجمعات المعتادة في هذا الشهر، ونصائح من منظمة الصحة العالمية بشأن الإرشادات الواجب اتباعها خلال هذه الفترة.
المؤسسات الدينية.. لا إفطار إلا للمصابين وموائد الرحمن والصلاة بالمساجد “ممنوع”
وقال وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، إن فرضية الصيام قائمة على غير المصابين بكورونا وأصحاب الأعذار، بناءً على الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع وزيرة الصحة هالة زايد، التي أكدت خلاله أنه لا تأثير لفيروس كورونا على الصيام لغير المصابين وأصحاب الأعذار المرضية، وأن الصيام لا أثر له على الإطلاق في انتشار فيروس كورونا ، وأنه لا مشكلة في صيام الأصحاء، إنما يكون الإفطار للمصابين بالفيروس وأصحاب الأعذار المرضية الذين يوصيهم الأطباء بالإفطار .
وأضاف الوزير في بيان سابق، أن أهم شيء في مواجهة انتشار فيروس كورونا هو عملية التباعد الاجتماعي، واتخاذ الإجراءات الوقائية من التطهير والتعقيم وسائر تعليمات وزارة الصحة في ذلك، والالتزام الكامل بإجراءات الجهات المختصة فيمن ينطبق عليهم العزل الذاتي أو الحجر الصحي.
المدير التنفيذي لمركز الأزهر للفتوى أسامة الحديدي، أوضح أن الأزهر أرجع حكم الصيام وسط جائحة كورونا لكلام الأطباء أولا، موضحا أن الصيام فرض على جميع المسلمين، ولا يجوز إسقاطه إلا لعلة من الأعذار المتعارف عليها، أو الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لكن ليس لمجرد الوقاية.
وشدد على أنه لا يجوز تجاوز الحكم الشرعي بشأن صيام رمضان، إلا حال رأى الأطباء والمتخصصون ضرورة ذلك، حيث يحرص الإسلام في المقام الأول على الحفاظ على الحياة والصحة.
ودعا المركز، عبر صفحته على “فيسبوك”، إلى صلاة الصلوات الخمس في أوقاتها داخل البيوت، وكذلك صلاة التراويح والوتر، مضيفا: “لَا تَحْزنْ أخِي المُسلم؛ فطاعَاتُكَ وعِبادَتُك الرَّمضَانيَّة في بُيُوتِ الله سُبحانه لمْ تنقطع بغلقِ المَسَاجِد؛ بل لَك أجرُهَا كَامِلًا إنْ شاءَ الله؛ وسيِّدُنا رسُولُ الله ﷺ هو الذي يُبشِّرك بقولِه: إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا”.
أما مفتي الجمهورية شوقي علام، أكد أن الصوم يقوي المناعة، بناء على اجتماع له مع لجنة طبية عالية المستوى في دار الإفتاء المصرية في كافة التخصصات التي تتعلق بفيروس كورونا.
وأضاف أن الصوم مطلوب شرعا، ولا يسقط إلا بعذر مرضي من مرض أو سفر أو حيض أو غير ذلك، على أن يؤخذ رأي الأطباء في جواز الأفطار للمصابين بكورونا، من باب الحفاظ على النفس البشرية.
وأوضحت دار الإفتاء أن مجرد الخوف من الإصابة بفيروس كورونا ليس مسوِّغًا للإفطار، وشرحت الحالات التي يجب فيها الصيام والتي يجوز فيها الإفطار والقضاء والفدية، خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة.
وتابعت: “لا تنزعجوا وصلوا التراويح في بيوتكم فرادى أو مع أسركم، لأن الالتزام بالقرارات الاحترازية هو عبادة شرعية يثاب الإنسان عليها، والمعذور له أجر صلاة التراويح في المسجد تمامًا.
علماء ومفكرون: الخوف من المرض يسقط الفرض
على الجانب الآخر، رأى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، أن مجرد الخوف من المرض يسقط الفرض ويجيز الإفطار، مشيرا لوجود هذه الفتوى في جميع المذاهب عدا المالكية، وأضاف: “صحتي قبل ديني، ديني نفسه هو ما يأمرني بذلك”.
ونفى الهلالي وجود علاقة بين صيام رمضان والمناعة، وإنما بقدرة الشخص نفسه على أداء الفرض، حيث يقول الله تعالى إنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، و”ما جعل الله عليكم في الدين من حرج”،
وأضاف الهلالي، في مداخلة هاتفية مع برنامج «الحكاية» الذي يذاع على قناة «mbc مصر» لتوضيح الآراء الفقهية المختلفة عن صيام رمضان وسط وباء «كورونا»: «الله يقول (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) و(ما جعل الله عليكم في الدين من حرج)، لافتا إلى أن من جمال الدين ربطه التكليف بالشخص، فالاستطاعة شرط لوجوب التكليف.
أما المفكر والروائي يوسف زيدان، أكد أن أطباء الأمتين العربية والإسلامية أفتوا بتجنب الصوم والجماع في زمن الوباء، قائلا إن الأزهر ودار الإفتاء ليست لهما علاقة بالحديث عن زيادة المناعة من الصيام، حيث لا توجد ما تسمى المؤسسة الدينية في القرآن.
https://www.youtube.com/watch?v=MAyNZAsNzmQ&feature=emb_title
ودعا زيدان فقهاء الدين إلى الجلوس في منازلهم وعدم الحديث عن الصوم في رمضان إلى حين انتهاء أزمة كورونا، وواصل: في زمن الوباء لن اسأل الفقيه، بل اسأل الطبيب هل أصوم أم لا، على الشيوخ الجلوس في منازلهم حتى لا نضيع”.
سنة وشيعة.. الأولوية للنفس البشرية
وبعيدا عن مصر، شددت مرجعيات سنية وشيعية في العالم الإسلامي على أولوية المحافظة على النفس الإنسانية ومصالحها الضرورية.
وأوصت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية عموم المسلمين بالاستعداد لشهر رمضان المبارك، وأنه مع هذا الاستبشار العظيم بقدوم هذا الشهر المبارك، ومع ما يشهده العالم من جائحة كورونا، فينبغي للمسلمين أن يكونوا مثالاً يقتدى في القيام بعباداتهم مع التقيد التام بالإجراءات الوقائية والاحترازية التي توجبها وتوجه بها الجهات المختصة في بلدانهم والبلدان التي يقيمون فيها.
وأكدت أن الشريعة الإسلامية جاءت بالعبادات المتنوعة دون أن يلحق بمؤديها الضرر أو يتسبب بذلك لغيره، فالإسلام جاء بالمحافظة على النفس الإنسانية ومصالحها الضرورية والحاجية، كما أن مبدأ اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية متقرر في الشريعة.
كما أفتى المرجع الشيعي الأعلى بالعراق، علي السيستاني، بسقوط وجوب الصيام في شهر رمضان حال شعور المسلم بالخوف من الإصابة بفيروس كورونا حال صيامه، ولو اتخذ الإجراءات الاحتياطية.
وتلقى السيستاني سؤالا حول مشروعية الإفطار، مع صدور توصيات من الأطباء بشرب الماء في فترات متقاربة لتقليل احتمال الإصابة بهذا الفيروس الخطر، لأن قلة الماء في الجسم تقلل من مناعته، وجفاف الحلق لو وصل اليه الفيروس يفسح له المجال للانتقال الى الجهاز التنفسي، في حين أن شرب الماء يساعد في نزوله إلى المعدة والقضاء عليه فيها.
ورد المرجع الشيعي قائلا: “إنّ وجوب صيام شهر رمضان تكليف فردي، فكل شخص توفرت فيه شروط الوجوب لزمه الصيام بغض النظر عن وجوبه على الآخرين أو عدم وجوبه عليهم، فاذا حلّ شهر رمضان القادم على مسلم وخاف من أن يصاب بالكورونا إن صام ولو اتخذ الإجراءات الاحتياطية سقط عنه وجوبه بالنسبة إلى كل يوم يخشى إن صامه أن يصاب بالمرض ويلزمه قضاؤه. وإذا أمكنه تضعيف درجة احتمال الاصابة حتى يصبح مما لا يعتد به عند العقلاء، ولو من خلال البقاء في البيت وعدم الاختلاط بالآخرين عن قرب واستخدام الكمامة والكفوف الطبية ورعاية التعقيم المستمر ونحو ذلك، ولم يكن عليه في ذلك حرج بالغ لا يتحمل عادة لم يسقط عنه وجوب الصيام”.
منظمة الصحة العالمية: لا ضرر على الأصحاء ورخصة شرعية للمصابين
وأصدرت منظمة الصحة العالمية عددًا من الإرشادات المتعلقة بصيام شهر رمضان والمناسك المتعلقة به، في سياق انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19).
وقالت المنظمة إنه لم تجر دراسات بشأن الصيام ومخاطر الإصابة بعدوى كوفید-19، ومن المفترض أن یكون الأشخاص الأصحاء قادرين على الصيام كما في السنوات السابقة، في حین يجدر بالمرضى المصابين التفكير في الحصول على رخصة شرعية لإفطار شهر رمضان بالتشاور مع أطبائهم، كما هو الحال مع أي مرض آخر.
وطالبت المنظمة بإلغاء المحافل الاجتماعية والدينية، وأوصت بأن يستند أي قرار بتقييد أو تعديل أو تأجيل أو المضي قدما في عقد تجمهر جماعي إلى تقييم نموذجي للمخاطر، بحيث تصب هذه القرارات ضمن نهج شامل تتبعه السلطات الوطنية في استجابتها لتفشي المرض.
ورأت أنه إذا تقرر إلغاء التجمعات الدينية والاجتماعية حيثما أمكن، فيمكن تعويضها بالبدائل الافتراضية على منصات مثل التلفزيون والإذاعة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أما إذا سُمح بإقامة التجمعات الرمضانية، فينبغي تطبيق تدابير تخفف من مخاطر انتقال عدوى الفيروس.
ودعت المنظمة لإشراك القيادات الدينية في مرحلة مبكرة من صنع القرار، لتمكينهم من المشاركة بصورة نشطة في تبليغ أي قرار يؤثر على الأنشطة والفعاليات المرتبطة برمضان.
ونصحت المنظمة بالتدريب على التباعد الجسدي عن طريق الالتزام الصارم بترك مسافة لا تقل عن متر واحد بين الأشخاص في جميع الأوقات، واستخدام التحية المقبولة ثقافيا ودينيا التي تستبعد الملامسة مثل التلويح أو الإيماء أو وضع اليد على القلب، ومنع تجمع أعداد كبیرة من الأشخاص في الأماكن المرتبطة بالأنشطة الرمضانية، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحلات التجارية.
كما حثت كبار السن وأي أشخاص يعانون من حالات طبية سابقة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، والسرطان على عدم حضور التجمعات، لأنهم يعتبرون أشد عرضة للإصابة بمرض وخيم والوفاة جراء الإصابة بكورونا.
وشددت على ضرورة تطبيق عدد من التدابير على أي تجمع للناس خلال شهر رمضان، كالصلاة وزيارة الأماكن المقدسة والإفطارات الجماعية أو الولائم، منها إقامة الفعالية في مكان مفتوح إن أمكن؛ وضمان التهوية الكافية للمكان وتدفق الهواء فیه، وتقصير مدتها قدر الإمكان للحد من ّ احتمالات التعرض للعدوى، وإعطاء الأفضلية لإقامة الشعائر والفعاليات في مجموعات صغيرة متعددة بدلا من إقامتها في جماعات كبیرة.