على خطى يعقوب| إمام “مذهب التخلي” .. حين هاجم محمد حسان السلفية والإخوان والقاعدة وداعش وقال للقاضي أطلق جوادي
كتب – أحمد سلامة
بين شهادتين، كلاهما في الماضي وإن كان إحداهما أقرب إلى حاضرنا، وقع الداعية الأشهر محمد حسان في “التناقض بين الحاضر والماضي”، فعلى امتداد تاريخه أيد الرجل بقلبه وجوارحه جماعة الإخوان المسلمين والجماعة السلفية لكنه أدهش الجميع أمس بالتنكر والتخلي عن كل ما أيده سابقًا.. فسقط بين خيارين أحلاهما مُر، التناقض بين ماضيه وحاضره طارحا السؤال حول اي القولين هو الحقيقة ولماذا اختار الشيخ التخلي عن ماضيه.
فخلال شهادته في محاكمة 12 متهما في القضية المعروفة إعلاميا بـ”خلية داعش إمبابة”، أفصح الشيخ “السلفي” عن رأيه في جامعات الإخوان والقاعدة وداعش، وشن عليهم هجومًا حادًا وقاسيًا، وانتقد تحول السلفية من الدعوة إلى الله إلى مقاعد البرلمان والسياسة.
حينما أدلى الداعية محمد حسين يعقوب بشهادته في القضية نفسها، وهاجم الإخوان والسلفيين كذلك، انبرى بعض المنتمين إلى التيارات السلفية و”محبي” الإخوان إلى الدفاع عن الرجل، وشنوا هجومًا مضادًا على منتقديه، وقالوا إن ما ورد من شهادته مجتزأ من سياقه.. لم تكن تلك سوى الأوهام التي أرادوا تخيلها، فالصدمة كانت كبيرة، والآن يأتي من بعده محمد حسان ليسحق كل حجة حاولوا إقامتها لتبرير أقوال مشايخهم ومنهجهم.
– التخلي عن الإخوان
ردًا على سؤال المحكمة عن رأيه في تنظيم الإخوان، قال حسان إن الجماعة “كانت دعوية في بدايتها، ثم تحولت إلى جماعة سياسية، تستهدف كرسي الرئاسة، وتمكنوا من الفوز به وبجميع المناصب، من رئاسة مجلسي الشعب والشوري، ومعظم المحافظات والوزارات والهيئات، وأن الجماعة لم تتمكن من التوفيق بين فكر الجماعة الواحدة، وفكر الدولة المتعدد ما أدى إلى فشلهم، فرفعوا شعار الشرعية أو الدماء، وهو ما شاهدناه في مظاهراتهم”.
لكن حسان، وخلال فترة حكم الإخوان، كان شريكًا للجماعة، ليست تلك وجهة نظر البعض فحسب ولا آراء يُدلى بها المتابعون والمحللون، وإنما تشهد بذلك تصريحاته و”تهديداته” هو شخصيًا.
(الشرعية والشريعة)، بذلك اتُخذ الدين في نظر البعض مطية من أجل البقاء في الحكم، فربطوا عامدين متعمدين بين “الشرعية” و”الشريعة”.. وليس أدل على ذلك من مؤتمر حمل نفس الاسم (الشرعية والشريعة)، في ديسمبر عام 2012، كان غرضه الأساسي الدفاع عن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي.. وللعجب، فقد كان الداعية محمد حسان متحدثًا رئيسيًا خلاله.
“هذا المشهد الذي أمامي يدل على أن فجر الإسلام بدأت تباشيره”، هكذا قال حسان وهو يخطب في الحاضرين للمؤتمر، وكأن الإسلام لم يكن، وكأن مصر تعيش في عصور الجاهلية.
الأدهى والأمر أن حسان قال في خطبته “وها هم الإسلاميون يعتزون بدينهم ويعتزون بكتاب ربهم وسنة نبيهم وهم مستعدون ليبذلوا دمائهم دون شريعة ربهم”.. محمد حسان الذي انتقد خلال شهادته بالأمس شعار الإخوان “الشرعية أو الدماء” شاركهم فيه وأيدهم في رفعه.
أثناء حكم الإخوان، وصل به تأييده للجماعة إلى حد تهديد المعارضين، فعلى قناة “الرحمة” في إحدى حلقاته قال حسان “يجوز أن نُخرج إلى الميادين الملايين، من شبابنا وأبنائنا، وأولادنا ينتظرون كلمة واحدة من شيخ من شيوخهم وداعية من دعاتهم، ليخرجوا جميعا.. إذا كان البعض يتصور أن استعراض العضلات هو الحل الأمثل لإلزام الرئيس -يقصد محمد مرسي- بسياسة معينة فهذا أمر لن يقبل على الإطلاق، نستطيع أن نخرج ملايين الشباب ولا أبالغ إن قلت عشرات الملايين، إذا كنت تخالف قرارات الرئيس فهناك من يؤيده، وهناك كثيرون من أهل العلم أيدوا الرئيس في الإعلان الدستوري”.
أي الشهادتين حق..
شهادة حسان المدافعة عن الإخوان، أم شهادته التي تنتقدهم؟
– التخلي عن السلفية
لم يقتصر الأمر على ذلك، فمحمد حسان الذي انتقد تحول جماعة الإخوان إلى “جماعة سياسية” شاركهم ذلك التحول بالفعل، والعمل السياسي للجماعة لم يكن أمرًا مفاجئًا له، بل إنه على النقيض حاول استغلاله.
ففي لقاء له على “قناة الجزيرة” قال الداعية “إخواننا في الإخوان المسلمين بما لهم من خبر سياسية واحتكاك بالعمل السياسي من خلال البرلمان لسنوات طويلة هم من أجدر ومن أكفأ الناس للدخول في هذه المرحلة، على أن يكون هناك تواصل أيًا كانت صورة هذا التواصل مع المنتسبين إلى المنهج السلفي”!.
حاول محمد حسان -وهو يتحدث عن العمل السياسي للإخوان وضرورة ترشحهم للانتخابات الرئاسية في 2012- أن يخلق حالة من التلاحم والتلائم بينهم وبين الجماعة السلفية من أجل ضمان تواجد السلفيين بقوة على الساحة السياسية.
خلال الحوار، وضع حسان نفسه مع (المنظرين السياسيين) للجماعة السلفية التي يقع عليها عبء اختيار الكوادر التي تخوض العملية الانتخابية سواء البرلمانية أو المحلية.. وقال “من خلال حوارنا ونقاشنا اتفقنا على ألا يترشح أحد من المشايخ إلى أي منصب لا لمجلس الشعب ولا مجلس الشورى، وإنما يجب عليهم أن يختاروا من الكوادر العلمية والعملية التي تستطيع بدعم أهل العلم أن يتحركوا في المرحلة المقبلة بدعم من أهل العلم، ولا حرج على الإطلاق أن يستفيد إخواننا في أتباع المنهج السلفي من إخوانهم في جماعة الإخوان بما لهم من تجربة عملية على أرض الواقع”.
لكن مساعي محمد حسان من أجل الزج بالتيار السلفي في العملية الانتخابية خلال عام 2012، لم ترد على لسانه خلال شهادته التي أدلى بها في 2021، بل على العكس تمامًا من ذلك، انتقد الرجل ما أسماه (محاولات السلفيين للوصول إلى الكراسي).
فردًا عن سؤال حول رأيه بشأن الجماعة السلفية طلب الشيخ محمد حسان، من هيئة المحكمة، أن تسمح له بالفرصة في الحديث قائلا: أطلق لي جوادي أصول به وأجول كما فعلت مع الشيخ محمد حسين يعقوب، في الجلسة الماضية وذلك للتحدث بروية عن الجماعة السلفية، فسمحت المحكمة، فقال حسان إن جماعة السلفيين سميت بهذا الاسم نسبة إلى السلف الصالح من صحابة رسول الله ولكنهم اختلفوا في مذهبهم عن السلف الصالح، وتحولوا إلى جماعة هدفها المشاركة في الانتخابات والفوز بالكراسي والمناصب وحصد المقاعد، وخلق النزاعات مع الجماعات الأخرى، وتفريق الجمع بدلا من لم الشمل.
أي الشهادتين حق..
شهادة حسان بأنه حاول دفع التيار السلفي إلى العملية الانتخابية، أم شهادته بأن ما أضاع منهج السلف الصالح هو البحث عن “الكراسي”؟
– التخلي عن الجهاد في سوريا
“الجهاد في سوريا واجب عيني على الشعب السوري، وواجب كفائيٌ على المسلمين في أرجاء الأرض”، بتلك الكلمات وخلال مؤتمر دعم سوريا في عهد محمد مرسي، أكد محمد حسان أن الجهاد في سوريا واجب على (جميع المسلمين) وعلى كل من يقدر بالكلمة أو المال أو السلاح.
غير أن حسان، أنكر تلك الدعوة أمام الهيئة القضائية خلال شهادته أمس حينما واجهته المحكمة بمقطع فيديو يدعو فيه إلى الجهاد، حسان قال إنه كان يقصد بالدعوة للجهاد في سوريا ملوك وحكام ورؤساء الدول وليس الشباب الصغير الذي يحتاج لدراسات لفهم المقصود من الجهاد حتى لا يستخدمه بشكل خاطئ.
“لا أقلل أبدًا من قدر تحريض علماء الأمة لأبناء وشعوب هذه الأمة، نعم إن الشعوب المسلمة تحترق الآن وتريد أن تقول كلمتها”، بتلك الكلمات استهل حسان تلاوة بيان “علماء أمة الأمة الإسلامية في نصرة الشعب السوري” والذي بدأه بالآية الكريمة “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير”.
خلال البيان دعا حسان إلى الجهاد نصرة لسوريا بكل الوسائل والتي أقلها شأنا المقاطعة الاقتصادية لكافة الدول التي تساند النظام السوري مثل سوريا والصين وإيران، مؤكدًا “وجوب الجهاد” وحتميته.
وشدد البيان في بنده الأول على (وجوب الجهاد في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع النصرة)، مستشهدًا بالآية الكريمة “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها”.. وعد البيان أن تأييد النظام السوري هو بمثابة حرب على الإسلام والمسلمين.
لم يُكن حسان يخاطب الملوك والأمراء والرؤساء حين ناشد “الجميع” الجهاد، فخطابه كان عامًا موجهًا إلى “عموم المسلمين”، وهو ما لم يذكره في شهادته أمام القضاء.
وأسقط حسان خلال شهادته قدرا كبيرا من “فقه الجهاد” -وفق المنظور السلفي- الذي دافع عنه منذ سنوات داعيًا للجهاد في سوريا، متهمًا الجماعات الجهادية بأنها جماعات متطرفة اتخذت من عباءة الإسلام ومن كتاب الله وسنة رسوله، وتستحل الدماء، فهم جماعات منحرفة وليس لهم صلة بالإسلام.
وخلال البيان أيضًا، دعا حسان في 2013 “الجماعات الجهادية” في سوريا إلى الاتحاد ورفض الفرقة، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة النظام السوري، لكنه أمام القضاء في 2021 أدان كل تلك الجماعات ما تواجد منها في مصر وما تواجد في الشام كداعش والنصرة والقاعدة.
فعن رأيه في تنظيم داعش رد حسان خلال شهادته قائلا: إن تنظيم داعش هو رأس الخوارج وهم أصحاب الانحراف الفكري الذي يؤدي إلى التدمير والتخريب وهو الفكر الذي يتبناه تنظيم داعش الإرهابي وهو ما يخالف معتقد وأصول الدين الإسلامي، نافياً أن تكون أفكاره أو خطبه أو الدروس الدينية التي يلقيها أو يشرف عليها ذات صلة أو تشجع على ذلك الفكر الدموي.
ورد مبديا عن رأيه في تنظيم القاعدة عمومًا، قائلًا: «فقه الجماعة يختلف عن فقه الدولة، ولن تستطع سياسة الجماعة ذات الطيف الواحد الانتقال إلى مرحلة الدولة ذات الطيف متعدد الألوان، ولما حدث الصدام الحقيقي بين الجماعة وبين الدولة، تكون النتيجة للدولة وهذا لم يحدث في مصر، ولن ينفع».
أي الشهادتين حق..
شهادة حسان بجواز “الجهاد” ودعوته للفرقاء في سوريا بالاتحاد، أم شهادته بأن “الجماعات الجهادية” منحرفة ولا علاقة لها بالإسلام؟
يرى بعض المتشددين أن محمد حسان أحد علماء الأمة الذين يجب الدفاع عنهم وإن كان لهم سقطات، لكن ما شهد به الرجل أمام القضاء ليس سقطة وإنما مناقضة كاملة لمنهج حاول غرسه في نفوس عبر سنوات وسنوات.. في دقائق معدودة بدل “الداعية” مواقفه واختلفت آراؤه وتحولت من النقيض إلى النقيض متخليًا عن أفكاره ومعتقداته التي سبق وأن طرحها على جمهوره.