عشر سنوات على ثورة يناير.. مدحت الزاهد يكتب: نهر البشر المتدفق.. جمعة الغضب.. (ذكريات يناير)
كنت واحدا من عشرات الآلاف الذين تجمعوا فى ميدان الجلاء فى طريقهم إلى التحرير ، تعترضهم قوات الأمن فى اشتباك شرس جعل السماء كتلة سواد من كثافة القنابل المسيلة للدموع دون أن يتوقف نهر البشر الوافد من المهندسين والدقى وامبابة والوراق وبولاق الدكرور، وشدنى الاصرار العجيب على دخول الميدان، كما شدنى أن هذه الكتلة البشرية الهائلة كانت تحيط بقسم الدقى من كل جانب حتى بدأ وسطها كنقطة فى محيط دون أن تمسسه بحجر أو تظهر العداء لضابط أو جندى رغم ضراوة الاشتباك فى المحيط مع القوات التى كانت تصدها عن الميدان.
بعد ساعات من المواجهات الشرسة أصبح نهر البشر المتدفق قال قوسين أو أدنى من دخول الميدان بعد أن استنفذ العنف التقليدى أهدافه ووصل إلى نقطة استخدام الذخيرة الحية على نطاق جماهيرى واسع، على نحو ما طالب مبارك وزير الداخلية حبيب العادلى ملوحا باستخدام الجيش ولكن العادلى، مدركا النتائج الكارثية لتصعيد العنف إلى مذبحة، أمر قوات الشرطة بالانسحاب..
وعندما وصلنا الميدان كان الغاز خانقا حتى اننى انسحبت منه لفترة حتى راودنى الشك أن إخلاء الميدان كان مقصودا لخنق من يدخل إليه، وعندما عدت، وكانت الحشود قد زينته لم يكن هناك دليل على أن الثورة كانت عملا حصريا لأبناء الطبقة الوسطى، كما تردد بعدها، فالذين فتحوا طريق الميدان من شارع رمسيس كانوا هم القادمون من بولاق أبو العلا وباب الخلق وباب الشعرية والسكاكينى والعتبة والضاهر والذين فتحوا طريقه من ناحية القصر العينى كانوا أيضا القادمون من السيدة زينب والجيزة والمنيل وزينهم وعين الصيرة، فضلا عن أهالى إمبابة والوراق وبولاق الدكرور من ناحية كوبرى الجلاء فالطبقات الشعبية شاركت كتفا بكتف مع أبناء الطبقة الوسطى وهى من ساهمت فى الحسم والشعار كان عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
وهذا المشهد تكرر مرات ومرات فى الأيام التالية، فالمسيرات القادمة من كل اتجاه كانت تردد نفس الشعار وكانت تطوف بعشرات المؤسسات الحكومية وأقسام الشرطة دون أن تمسسها بحجر أو أى عمل عدائي وكان المظهر حضاريا ومبهرا من جانب الشعب قبل أن استخدام الخطة ب من قبل الأجهزة الأمنية لفض الميدان بإطلاق السجناء والبلطجية والمتحرشين ممزوجة بالمناورة والخداع وتدخلات طرف ثالث يستهدف اضعاف كل الأطراف حتى تدنو له الثمرة منفردا .. وقبل هذه المناورات حافظت الثورة على سلميتها وأظهرت أجمل القيم الثقافية والحضارية ولم تستهدف فى كل مسيرتها المؤسسات الحكومية رغم أن الهتاف كان يدوى فى كل الميادين الشعب يريد إسقاط النظام
الشعب يريد اسقاط النظام