ضحايا لم يصبهم الفيروس.. العمالة في الخليج مخاوف التمييز والموت جوعا أشد فتكا من كورونا
محمود هاشم
ضرب وباء فيروس كورونا المستجد مئات الآلاف من الضحايا بين إصابات ووفيات، دافعا الجميع للانشغال بالتفكير في سبل احتوائه وتخفيف تداعياته، في الوقت ذاته، يعيش المتضررون من آثاره، خاصة العمال الأجانب في دول الخليج العربي من أوضاع مريرة، ومخاوفة متجددة يوميا من تسريح بعضهم، بينما يجد البعض الآخر نفسه محاصرا بين قيود على السفر وأجور متدنية وأحوال معيشية صعبة.
وكدست قطر عشرات الآلاف من العمال المهاجرين في حي مزدحم، ما أثار مخاوف من أن تصبح بؤرة لانتشار كورونا، بينما توقفت الشركات في المملكة العربية السعودية عن دفع رواتب عدد من العمال الأجانب بعدما طلبت منهم البقاء في منازلهم، وواجهه أقرانهم في الكويت دعوات بطردهم في الصحراء.
ولطالما اعتمدت الممالك الغنية بالنفط في الخليج على جيوش العمال المهاجرين ذوي الأجور المتدنية من آسيا وإفريقيا وأماكن أخرى لتحمل المجهود الأكبر في تعزيز اقتصاداتها، وواجهت انتقادات حقوقية مستمرة لسوء أوضاع هؤلاء العمال، بحسب ما يروي الكاتب الصحفي “بن هوبرد” في نيويورك تايمز.
وزادت أزمة كورونا هذه الضغوط التي يواجهها العمال، حيث وجد بعضهم أنفسهم محبوسين في مساكن ضيقة وغير صحية، وبعضهم محروم من الدخل، وغير قادر على العودة إلى دياره بسبب قيود السفر، وينفد الطعام والمال من آخرين، بينما لا يجدون ملجأ آمنا في المجتمعات التي تعاملهم في كثير من الأحيان مثل الطبقات الدنيا.
يقول محمد السيد ، عامل مصري في مطعم، عالق مع 7 أصدقاء في شقة من غرفة واحدة في جدة، بالمملكة العربية السعودية، بعد أن فقدوا وظائفهم: “لم يتصل بنا أح، لم يفحصنا أحد على الإطلاق، أنا لست خائفا من الفيروس، لكني أخشى أن نموت من الجوع”.
ووجه الركود الاقتصادي الناجم عن الإغلاقات بسبب كورونا ضربات قاسية لمجتمعات المهاجرين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في جنوب شرق آسيا و داخل الهند، لكن العدد الهائل وتنوع المهاجرين في الخليج يعني أن الأضرار التي لحقت بصحتهم وأموالهم سوف يتردد صداها عبر القارات.
لا مبالغة في الحديث عن دور العمالة الوافدة في الخليج، حيث يهيمن ملايين العمال من باكستان والهند وبنجلاديش ونيبال والفلبين وأماكن أخرى على وظائف في البناء والصرف الصحي والنقل والضيافة وحتى الرعاية الصحية، وهم غالبًا ما يعملون ويعيشون في ظروف دون المستوى المطلوب لكسب أكثر مما يستطيعون في مواطنهم.
وبحسب كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية، فإن أكثر من ثلث سكان السعودية – البالغ عددهم 34 مليون نسمة – من الأجانب، وكذلك نحو نصف سكان البحرين وعمان، في الكويت يفوق عدد الأجانب عدد المواطنين بأكثر من اثنين إلى واحد، في قطر والإمارات العربية المتحدة، هذه النسبة تقارب تسعة إلى واحد.
مع انتشار الفيروس، فرضت دول الخليج عمليات إغلاق وقيود أخرى للحد من العدوى التي أدت إلى تباطؤ اقتصادياتها بشكل كبير، وأثرت هذه الخسائر على العمال، حيث يكسب بعضهم ما لا يقل عن 200 دولار شهريًا، بينما يدفعون الكثير من الأموال وبعضهم يلجأ للديون للدفع لوسطاء العمل، ولا يؤثر هذا الدخل على العمال فحسب، بل على بلدانهم الأصلية ، التي تتلقى تحويلات بمليارات الدولارات كل عام نظرا لأعدادهم الكبيرة.
و هناك مؤشرات على أن الفيروس أصاب المهاجرين بشكل خاص، حيث أوضحت وزارة الصحة السعودية في 5 أبريل الحالي، أن أكثر من نصف حالات الإصابة بكورونا،من الأجانب، وأعلنت المملكة أكثر من 4 آلاف حالة.
وجدت قطر، في خضم أعمالها الإنشائية لاستضافة كأس العالم 2022، مئات الحالات في منطقة صناعية يعيش فيها العديد من المهاجرين، لتعلن الحكومة عزل المصابين للعلاج وإغلاق المنطقة، ما أثار مخاوف من استمرار انتشار الفيروس بين العمال داخل هذه المنطقة المعزولة.
وقالت فاني ساراسواتي ، المحررة المساعدة في مجموعة حقوق المهاجرين، إن التمييز المتجذر في النظام نفسه لن يختفي فجأة، بل سيصبح أكثر حدة مع استمرار هذه الأزمة في النمو.
ويقول المدافعون عن العمال إن الإجراءات التي أعلنتها حكومات الخليج لدعم اقتصاداتها وإبطاء انتشار الفيروس لا تقدم ما يكفي لحماية العمال.
وأعلن العاهل السعودي الملك سلمان، الشهر الماضي، أنه سيغطي علاج أي شخص يعاني من الفيروس 19 في المملكة، بما في ذلك الأجانب، إلا أن حزمة المساعدات بقيمة 2.4 مليار دولار التي تغطي جزئياً رواتب العاملين في القطاع الخاص، تنطبق فقط على المواطنين السعوديين.
وأصدرت دولة الإمارات لائحة جديدة، تعطي الشركات صلاحية منح إجازة مدفوعة الأجر وغير مدفوعة الأجر وخفض الأجور مؤقتًا أو دائمًا للموظفين غير المواطنين، وفي حين أن مثل هذه التغييرات يجب أن تتم بالاتفاق المتبادل، يقول حقوقيون إن العمال ليست لديهم نفوذ كبير في مواجهة أصحاب العمل.
وترى ساراسواتي أن هناك انفصال في هذه البلدان حول مدى حاجتها إلى العمال، مؤكدة أن “مجتمعاتهم سوف تنهار حرفيا إذا لم يكن هؤلاء العمال موجودين”.
قال فاني ساراسواتي ، المحرر المساعد في مجموعة حقوق المهاجرين Migrant-Rights.org: “هناك هذا التمييز الفطري في النظام نفسه الذي لن يختفي فجأة” . “ستصبح أكثر حدة مع استمرار هذه الأزمة في النمو.”
ويحكي إسلام الدين إقبال، وهو عامل باكستاني في عُمان، عالق في غرفة مع 4 رجال آخرين منذ أكثر من شهر: “لا يمكننا الخروج لأن الشرطة صارمة للغاية، كنا نخرج لشراء الخبز، لكن المخبز مغلق، لذا لم يبق لهم سوى الأرز في غرفتنا”، ويستكمل: “إمداداتنا تنفد بسرعة، لقد بدأنا في تناول كميات أقل، لتوفير ما تبقى لدينا.”