“شيماء” ضحية جديدة للاغتصاب تهز الجزائر (بأي ذنب قتلت؟)
محمود هاشم
هزت جريمة قتل الفتاة شيماء (18 عاما)، الشارع الجزائري، منذ الأحد الماضي، في أحدث حلقة من مسلسل اختطاف وقتل الأطفال والقاصرين في البلاد، لتعيد الحديث بشأن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المتهمين في جرائم مماثلة، بعدما أقدم قاتل الفتاة على اغتصابها للمرة الثانية خلال 4 سنوات، وقتلها ثم حرق جثتها.
ودعا عدد كبير من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إيقاع أشد العقوبة بحق مرتكب جريمة اختطاف واغتصاب وقتل وإحراق الفتاة شيماء، والتي عثر عليها الأحد جثة هامدة في محطة وقود مهجورة في مدينة الثنية الواقعة في ولاية بومرداس شرق العاصمة الجزائر، حسبما نقلته وسائل الإعلام المحلية.
وتم تداول مأساة شيماء (19 عاما) بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهور والدتها في شريط فيديو، وهي تروي بعض تفاصيل المأساة، داعية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تنفيذ القصاص (عقوبة الإعدام) بحق الجاني.
وقالت والدة شيماء التي بدا عليها الانهيار والصدمة في الفيديو الذي تداوله مستخدمو الشبكة وأيضا وسائل الإعلام الجزائرية “قتلها وأحرقها يا تبون أنا أطلب القصاص، يا تبون إنها ابنتك”. وأضافت الأم الباكية المفجوعة بفقدان ابنتها “ريان قتلها وأحرقها” في إشارة إلى المتهم بتنفيذ هذه الجريمة المروعة، والتي تضاف إلى سلسلة من عمليات اختطاف وقتل الأطفال والقصر التي تهز البلاد منذ سنوات.
وأضافت والدة الضحية أن ابنتها شيماء قالت لها إنها ستخرج من البيت لدفع اشتراك، وأشارت إلى حكم صدر عام 2016 في قضية تعرض الفتاة إلى الاغتصاب بيد الجاني نفسه، حسبما قالت في نفس الفيديو.
وبحسب وسائل الإعلام المحلية، فقد أقدم الجاني على خطف شيماء من منطقة قريبة من منزلها الكائن في مدينة رغاية قرب العاصمة، وأعلنت محكمة بومرداس احتجاز المشتبه به رهن الحبس المؤقت، حيث سبق وأن اغتصب الضحية في 2016 وتمت إدانته ما دفعه على الأرجح إلى الانتقام.
وأشار وكيل النيابة في بومرداس بمؤتمر صحفي، إلى أن المتهم استدرج الضحية وقام بـ”الفعل المخل بالحياء” قبل أن يضربها ويحرق جثتها بالبنزين.
وبعد أن عاينت السلطات جثة الفتاة المغدورة، تبين أن هناك كدمات وجرحاً كبيراً على فخذها الأيسر، ومؤخرة رأسها، كما كان بعض من شعرها ملقى أمام الجثة.
ووجهت محكمة محلية تهمي الاغتصاب والقتل العمدي باستعمال التعذيب، وارتكاب أعمال وحشية.
وأفادت السلطات في بيان سابق أن مرتكب الجريمة من أصحاب السوابق، وقد سبق للضحية أن تقدمت بشكوى ضده بتهمة الاغتصاب عام 2016، حين كانت تبلغ من العمر 14 عاما فقط، وقد ظلت القضية تراوح مكانها، وقد عاد المجرم إلى فعلته وقام باختطاف شيماء من أمام بيتها مستخدما السلاح الأبيض واغتصبها، ثم أحرق جثتها، وفر هاربا.
وتقدم المتهم الذي رمز له بـ” ب.ع” فقط، ببلاغ إلى السلطات عن تعرض صديقته شيماء للحرق في محطة بنزين مهجورة بالثنية، مدعيا أن شيماء طلبت منه طعاما وعندما خرج لإحضاره اشتعلت النيران في الغرفة التي كانت بها، في رواية ركيكة لم تقنع المحققين.
وخلال التحقيق معه، تراجع عن أقواله الأولى، وأكد أن الضحية التي تربطه بها علاقة منذ سنوات اتصلت به طالبة اللقاء، وعند اللقاء في محطة البنزين المهجورة قام بضربها حتى فقدت وعيها، واتجه المتهم الى محطة البنزين المقابلة، حيث جلب قارورة بلاستيكية مملوءة بالبنزين ورش بها جسم شيماء ثم أضرم النار فيها وغادر المكان، وفقا لسكاي نيوز.
ولاقت رسالة الأم تضامنا واسعا، وتعالت الأصوات التي تطالب السلطات الجزائرية بتوفير المزيد من الإجراءات لحماية الأطفال من الاختطاف، ولا سيما عبر تغليظ العقوبات وخاصة عقوبة الإعدام.
ودعت مجموعة نساء جزائريات من أجل التغيير للمساواة إلى تجمع وطني، الخميس المقبل، أمام الجامعة المركزية بالعاصمة، للتنديد بجرائم القتل البشعة التي ارتكبت ضد شيماء والنساء المقتولات، ومن بينهن 38 امرأة في العام الحالي.
كما دعا تجمع نساء قسنطينة CFC ضد جرائم قتل النساء، جميع المواطنات والمواطنين، لوقفة وطنية في وسط المدينة بقسينطينة للتنديد بجريمة القتل البشعة ضد شيماء، إكرام، أسماء، أميرة، رزيقة، وكل النساء المقتولات، تحت شعار “العدالة لشيماء” ، و”ماتقبليش”.
وأمر رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون يوم الأحد, خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء, بفرض أقصى العقوبات ضد مرتكبي جرائم اختطاف الأشخاص, مع عدم تخفيفها أو الاستفادة من العفو “مهما كانت أسبابها وخلفيات الاختطاف”.
كما أمر رئيس الجمهورية, خلال عرض المشروع التمهيدي للقانون المتعلق بالوقاية من جرائم اختطاف الأشخاص ومكافحتها, بالفصل في “القانون بين القضايا المتعلقة بالحالة المدنية مثل حالات اختطاف الأبناء المترتبة عن الزواج المختلط وبين قانون الحماية ومكافحة الاختطاف, تجنبا للتمييع”, مع إعطاء جمعيات المجتمع المدني “دورا أساسيا في محاربة هذه الآفة الدخيلة على المجتمع الجزائري من خلال التأسيس كطرف مدني”.
وكان وزير العدل الجزائري بلقاسم زغماتي قال في أواخر سبتمبر/أيلول إن “ورشات كثيرة مفتوحة حاليا في قطاع العدالة على رأسها القانون المجرم للاختطاف الذي كلف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بإعداده في أغسطس الماضي بغرض حماية أمن المواطن”، حسبما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية.
من جهته، كتب المحامي والباحث القانوني عمار خبابه في صفحته على موقع فيس بوك “شيماء مرة أخرى يا مجرمين!! قال لي محدثي سيعدل القانون!! قلت القانون موجود،. جريمة الاختطاف والاغتصاب والقتل عقوبتها الإعدام. والمحاكم تحكم بها. ما ينقصنا هو تنفيذ العقوبة!!”.
وتنص المادة 261 من قانون العقوبات الجزائري، الموثق على موقع الجريدة الرسمية الجزائري الحكومي، أنه “يعاقب بالإعدام كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم،” وتضمنت المادة 262 من نفس القانون “ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﻗﺎﺗﻼ كل ﻣﺠﺮم ﻣﻬﻤﺎ كان وﺻﻔﻪ اﺳﺘﻌﻤﻞ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ أو ارﺗﻜﺐ أﻋﻤﺎل وﺣﺸﻴﺔ ﻻرﺗﻜﺎب ﺟﻨﺎﻳﺘﻪ”.
وأضافت اﻟﻤﺎدة 263 “ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻹﻋﺪام إذا ﺳﺒﻖ أو ﺻﺎﺣﺐ أو ﺗﻠﻰ ﺟـﻨﺎﻳﺔ أﺧـﺮى. كما ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻹﻋﺪام إذا كان اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻪ إﻣﺎ إﻋﺪاد أو ﺗﺴﻬﻴﻞ أو ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺟﻨﺤـﺔ أو ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻓﺮار ﻣﺮﺗﻜﺒﻲ هذه اﻟﺠﻨﺤﺔ أو الشركاء ﻓﻴﻬﺎ أو ﺿﻤﺎن ﺗﺨﻠﺼﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺘﻬﺎ. وﻳﻌﺎﻗﺐ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﺆﺑﺪ،”.
لكن الجزائر وبرغم أنها لم تلغ بشكل رسمي عقوبة الإعدام من قوانينها، جمدت العمل بتنفيذ هذا الحكم منذ 1993. ففي هذه السنة، تم تنفيذ آخر أحكام بالإعدام وتحديدا في شهر أكتوبر/تشرين الثاني حسب جريدة الشروق الجزائرية، مست 13 شخصا متورطين في تفجير مطار هواري بومدين، وفي وقضايا تتعلق بالإرهاب. وتم تنفيذ الأحكام رميا بالرصاص تضيف الصحيفة، مشيرة إلى أنه “منذ هذا التاريخ أي 1993 قضت محاكم الجنايات بمئات أحكام الإعدام، ولكنها لم تنفذ”.
كما ونقلت صحف جزائرية عن رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس اللجنة الاستشارية لمجلس الحقوق الأممي للإنسان البروفيسور بوزيد لزهاري، قوله إن الدستور الجزائري وضع مادة جديدة وهي الحق في الحياة. مشيرا إلى أن “حكم الإعدام موجود ولا يطبق، خاصة بعد مطالبة البعض بتطبيقه على معتدي الأطفال”. وأضاف لزهاري حسب نفس المصادر “الجزائر صادقت على اتفاقية دولية تمنع أخذ الحياة بطريقة تعسفية، لذلك فالشخص الذي يرتكب جريمة القتل يجب أن توفر له محاكمة عادلة”.
في سياق متصل، نشرت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى” أرقاما مخيفة عن واقع العنف المرتكب بحق الأطفال في البلاد خلال الآونة الأخيرة. حيث كشفت عن تسجيل 800 حالة اعتداء جنسي على الأطفال ما بين 3 و12 سنة منذ فرض الحجر الصحي لمواجهة أزمة فيروس كورونا، حسبما نقلت صحيفة الشروق الجزائرية.
وأضافت الصحيفة أن سنة 2019 شهدت 712 حالة اغتصاب لأطفال، وأن عددا كبيرا من الضحايا يتعرضون للاعتداء بالسلاح الأبيض والحرق والكي والترهيب والتهديد بالخنق، وبينهم حالات اغتصاب داخل الأسرة.
ومنذ سنوات يطالب عدد كبير من الجزائريين بوضع التدابير والإجراءات الكفيلة بردع ظاهرة الاعتداء على الأطفال والقصر، والتي ما انفكت تتكرر وتتفاقم، وأيضا بإعادة العمل بعقوبة الإعدام خصوصا بحق مختطفي وقاتلي الأطفال.