“سيدتي أنا”.. إعادة تقديم رواية برنارد شو: الحفاظ على النص الأصلي مع شخصية جديدة وإبداع خاص
كتب – جمال عبد القادر
تجربة تقديم عرض مسرحي عن رواية “سيدتي انا” لـ برنارد شو التي كتبها وقدمها قبل 110 عاما أي في عام 1913، وأثارت جدلا واسعا وقت عرضها بسبب انتقاده للتميز الطبقي في لندن في هذا الوقت، تجربة محفوفة بالمخاطر والمقارنة واردة ومنطقية، حيث تم تقديم نفس النص في أكثر من عمل فني سواء سينما أو مسرح منها: فيلم سيدتي الجميلة لـ اودري هيبورن و وريكس هايسون عام 64 وحاز على أوسكار أفضل فيلم وفي السينما المصرية قُدم أكثر من مرة منها: أيام الحب لـ احمد مظهر ونادية لطفي، المتوحشة لـ سعاد حسني ومحمود عبد العزيز، ثم أيقونة المسرح المصري “سيدتي الجميلة” لـ الكِبار فؤاد المهندس وشويكار، لكن التجربة عندما تكون مدروسة ومحسوبة تكون ناجحة وتشكل إضافة للمسرح.
سيدتي أنا لـ محسن رزق، هو التمصير الرائع والمبهر للعمل الشهير، وأحسن رزق القرار بالحفاظ على النص الأصلي، لكن بشخصية جديدة وإبداع خاص، محسن رزق ومعه فريق عمل رائع ومميز أجادوا بشكل كبير وهو ما انعكس على النجاح الكبير الذي حققه العمل منذ افتتاحه وهو أيضا ما يعني غياب المقارنة وتحقيق العرض نجاحه الخاص.
داليا البحيري.. سيدة العرض، أجادت في دور ليزا دوليتل، قدمت الغناء والاستعراض والكوميديا بشكل مميز، وأعادت اكتشاف نفسها كممثلة ونجمة مسرح موهوبة وفتحت نافذة جديدة لموهبتها في انتظار من يستغلها في عروض مسرحية أخرى، حضور مميز وطاقة فنية كبيرة مُشعة على المسرح.
نضال الشافعي.. مسرحجي قدير، ليست المرة الأولى التي أرى فيها نضال على المسرح ولم أندهش من تميزه وإجادته لدور “آدم هنري” تفوق نضال على نفسه وقدم أداءً مميزًا للشخصية بكل تفاصيلها وتحولاتها، وأكثر ما لفت نظري إجادته للغناء والاستعراض بنفس درجة إجادته للتمثيل.
فريد النقراشي “الأستاذ” موهبة كبيرة بحاجة لفرصة بحجمها، قدم دور “دوليتل” والد ليزا، فنان مُبهر و عظيم، انتزع إعجاب الجمهور أضحكهم وأبكاهم، أسعدهم بغناءه الجيد والسليم، أفضل من قدم دور السكير دون افتعال أو مبالغة وقع فيها كثيرون.
مجموعة مميزة من المواهب الشابة أجادت في أدوارها منهم محمد دسوقي، ولبنى عبد العزيز وعبد الباري سعد وخالد إبراهيم ونشوى حسن.
خلف كل هذا مخرج كبير بحجم محسن رزق، قدم عملا مميزا يُضاف للأعمال التي قُدمت عن النص الأصلي وربما يكون من أفضلهم، عمل يليق بالمسرح القومي، أقدم وأهم مسارح الشرق والمنطقة العربية، المسرح القومي والذي تجاوز عمره عمر دول كثيرة، حيث تأسس عام 1869 وظل على مدار كل هذه السنين قلعة فنية ومنارة للإبداع، عرضت عليه أهم وأكبر الفرق المسرحية في تاريخ المسرح المصري، حيث قدم الشيخ سلامة حجازي وفرقته أول عروضهم عام 1905، وحديثا قُدمت عليه عروضا مميزة حققت نجاحا كبيرا منها “أهلا يا بكوات” و”الملك لير”.
المسرح القومي الذي وقف عليه عمالقة الفن والتشخيص في تاريخ المسرح المصري والعربي “عبد الله غيث، كرم مطاوع، حمدي غيث، سميحة أيوب، شفيق نور الدين”، وغيرهم من كبار فنانينا ومصدر فخرنا.
شاهدت العرض أمس وفي طريقي للمسرح كنت في تخوف من المقارنة مع نجوم كبار خاصة فؤاد المهندس وشويكار، وما الجديد الذي يمكن أن يُقدم بعد كل هذه الأعمال وهذا الإبداع الذي بقى في ذاكرتنا سنوات طويلة، لكن التخوف زال بعد مشاهدة العرض وحالة السعادة والإنبهار بما شاهدته، داليا البحيري، نضال الشافعي، فريد النقراشي، محسن رزق، محمود طلعت، عادل سلامة، حمدي عطية، مصطفى حجاج وباقي فريق العمل اسعدتمونا.
“سيدتي انا” عرض مسرحي جيد يليق بالمسرح القومي ويؤكد على أن العمل الجيد يجذب الجمهور، كل التحية للفنان أيمن الشيوي والمخرد خالد جلال.
يبقى أن أكرر طلبي مع كل عرض مسرحي مميز وهو تصوير العمل وعرضه فضائيا حتى يشاهده اكبر عدد من الجمهور، يشاهده من لم يستطع الحضور للمسرح، أعمال كثيرة مميزة تم تقديمها على المسرح القومي ومسارح الدولة بعد نجاحها اختفت لعدم تصويرها وعرضها لجمهور التليفزيون، الزمن تغير ومن حولنا أحداث فنية واحتفالات ربما أقل قيمة من عروض المسرح القومي، لكن عرضها فضائيا والدعاية لها جعلت منها حدثا فنيا هاما، في حين لدينا ما هو أهم وأقيم لكن لا نجيد التعامل معه والإهتمام به.