سوق الفوانيس في زمن كورونا: «م السيدة لسيدنا الحسين».. أجواء رمضانية وفرحة مختلطة بالركود ومخاوف العدوى
أوضاع سوق الفوانيس هل تبدلت خيارات زبائنه بتبدل أوضاعهم المعيشية بعد الأزمة؟
كتب – محمود هاشم
تقف طفلة مبتسمة وهي ممسكة والدها بيد، وفي اليد الأخرى تحمل دميتين لـ”طمطم” و”فطوطة” العرائس الشهيرة المرتبطة بقدوم شهر رمضان، وترفع نظرها إلى فانوس ملون معلق في أعلى “فرشة” أحد البائعين في ميدان السيدة زينب، وتتودد لوالدتها لشرائه، تسأل البائع عن ثمنه فيجيبها البائع: “450 جنيها”، لتخبره أنها ستتجول في المحلات القريبة للسؤال عن الأسعار، على أن تعود إليه.
ألقى فيروس كورونا المستجد بظلاله القاتمة على جميع مناحي الحياة في مصر، ولم تسلم منه حتى صناعة الفوانيس والزينة مع اقتراب قدوم شهر رمضان، الوضع الآن بات مختلفا، فالشوارع التي كانت مكدسة بالبائعين والمشترين سكنتها القطط والكلاب بدلا من البشر إلا قليلا، الأسواق لم تعد برواجها المعتاد، وأجواء التعقيم والحذر تسيطر على المكان، قبل ساعات قليلة فاصلة بين بدء اليوم ونهايته باقتراب وقت سريان حظر التجوال.
لم تعد والدة الطفلة، لكنها تركت لنا فرصة للحديث مع البائع الستيني “أونش”، ليحكي لنا عن أوضاع سوق الفوانيس في ظل أزمة كورونا، هل تبدلت خيارات زبائنه بتبدل أوضاعهم المعيشية بعد الأزمة، كيف يحقق ربحه من بضاعته خلال ساعات قليلة فاصلة بين بداية عمله وبداية ساعات الحظر.
يقول “أونش” إن أسعار البضائع لم تتغير كثيرا عن أسعار العام الماضي، بل تكاد تكون انخفضت قليلا لاستقطاب مزيد من الزبائن لمواجهة حالة الركود غير المتعادة التي فرضتها الأزمة.
قائمة أسعار الفوانيس في “فرشة أونش” تبدأ من 15 جنيها للمصنوعات البلاستيكية والحديدية التي لا يزيد حجمها عن 10 سنتيمترات، وتزيد عن هذا الرقم حتى تصل إلى 950 جنيها للحجم الأكبر أو الأفضل جودة، والكهربائية من 25 إلى 150 جنيها، فيما تباع الفوانيس الكبيرة المصنوعة من القماش بمبلغ 50 جنيها فأكثر، أما الزينة فيختلف سعرها، حيث تباع الصور منها بـ10 جنيهات، وتتراوح أسعار الأقمشة من 15 إلى 25 جنيها.
على مقربة من “أونش”، يتبادل “حسين”، ذو الـ20 عاما، الحديث مع زبون آخر وزوجته اللذان يتحاوران معه وهما يرتديان كمامات وقفازات، حول طرق التفريق بين البضائع الجيدة وغيرها، فيكلمهما عن “المصنعية” ودورها في تحديد السعر، بينما يتوافد عليه مواطنون يسألون عن أسعار الفوانيس، قبل أن يهموا بالانصراف دون شراء شيء.
يقول حسين: “ميدان السيدة السنة اللي فاتت مكانش فيه مكان لرجل من كتر الناس اللي بتشتري وتبيع، وكان الموسم بيبدأ معانا من أول شعبان، دلوقتي الزباين نفسها قلت، ووقت البيع كمان قل مع فترة الحظر، والاحتياطات خلت الناس تقلق من الزحمة والتجمعات”.
ويوضح أنه في هذا الموسم، أصبح البائعون يرتدون كمامات وقفازات لطمأنة الزبائن من نظافة البضاعة، حيث بات الكثيرون يتوجسون بسبب إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، لكن كثيرين لا يفضلون ارتداءها، مطمئنين من هدوء الأوضاع.
ويضيف: “معظمنا لا يمتلك البضاعة التي نقدمها، لكننا نقف في الفرشة لجذب الزبائن لشرائها، ومع بدء سريان حظر التجوال يحصل كل منهم على يوميته، متجها إلى منزله”.
في منتصف شارع بورسعيد، تستقبل “أم يوسف”، المواطنين في طريقهم للميدان بفرشتها الصغيرة، بعيدا عن المحال الكبيرة.
يحيط بأم يوسف 6 زبائن، بعضهم يشتري قطعة أو قطعتين، بينما يسأل الآخرون عن الأسعار أغلبهم انصرف دون شراء، وتقول: “الدنيا نايمة والسوق واقف، والواحد مش بيلاقي زبونين تلاتة يبيع لهم في الفترة دي”، مستطردة: “الزبون اللي كان بيشتري فانوس كبير، دلوقتي بيشتري قطعة متوسطة أو صغيرة، وأصحاب موائد الرحمن بطلوا يشتروا بعد ما اتلغت، وإحنا شغالين دلوقتي على الزبون المعرفة”.
وفي منطقة الحسين، يقف مصطفى على كرسيه الخشبي فارشا بضاعته في شارع المعز لدين الله الفاطمي، وبجواره كاسيت يصدح بأنغام “أهه جه يا ولاد” للثلاثي المرح، أشهر أغاني رمضان، بينما يحيط الفوانيس بأشرطة إضاءة لجذب الزبائن.
يشير مصطفى إلى أن بعض الزبائن استغلوا الأزمة “للمناهدة في الفصال” مع البائعين، اعتقادا منهم أن “صاحب الفرشة” لن يتركهم يرحلوا دون البيع لهم، نظرا لركود الحركة، ويستكمل: “جالنا زبايننا بتوع كل موسم يشتروا الفوانيس والزينة، لكن فيه ناس منهم مجاتش السنة دي، وفيه اللي قلل حجم الشراء علشان الأزمة”.
ويوضح الشاب الثلاثيني، أن ضعف الإقبال دفع العديد منهم لتخفيض أسعار البضائع للتغلب على أزمة ركود حركة البيع والشراء: “بقينا نعمل عروض علشان نمشي الدنيا، وبطلنا مناهدة مع الزباين علشان ميطفشوش”.
يبدي مصطفى أمله في انتهاء الأزمة سريعا وعودة سوق العمل إلى طبيعتها إنقاذًا لأسر العاملين في هذه الصناعة، مرجعا ضعف الإقبال الحالي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين على إثر تداعيات كورونا: “الناس اللي بتشتري برضه تعبانة زينا ولازم نراعيها، وكلنا على باب الله، محدش دلوقتي هيبدي الفوانيس والزينة على أكل بيته”.