سنة أولى #درب.. د. أحمد الخميسي يكتب: درب تشعل شمعة ثانية
تدخل ” درب” عامها الثاني متخطية انعدام الاعلانات والتمويل علاوة على حصار الحجب، وتواصل دورها بكتيبة مقاتلة تؤمن مع سلامة موسى أن الصحافة قبل كل شيء ” رسالة”، والكلمة مسئولية. وفي مقدمة الصورة سنجد خالد البلشي، الذي سبق أن خاض تجربة إصدار ” البديل”، فلما توقفت لم يفقد حماسه ولا توقف بل نهض ليغرس زهرة أخرى بين الأشواك، ويثبت لنا أنه مثل الكرة كلما ضربوها إلى أسفل قفزت إلى أعلى!
ويشهد تاريخ الصحافة المصرية على تاريخين متوازيين، أحدهما تاريخ التملق الرسمي، والثاني تاريخ الحقيقة. ولقد نشأت الصحافة المصرية مع صدور” الجورنال” عام 1813 بأمر من محمد على لسد حاجة الحاكم إلي تقرير منتظم عن نشاط الدواوين الحكومية، ثم تحول الجورنال عام 1828 إلي جريدة ” الوقائع ” ولم تكن سوى نشرة حتى تولى أمرها رفاعة الطهطاوي عام 1841 فصارت تنشر مقطوعات أدبية وأنباء العالم الخارجي، وبذلك ولدت أول صحيفة مصرية، لكن تلك الولادة لم تكن تعني أن الصحافة قد أمست صحافة موقف، ورأي، ورسالة، لكن تلك المعاني ظهرت خلال الحرب التركية الروسية عام 1877 ودخول مصر الحرب مع تركيا مما أجج الأزمة الداخلية فبدأت الصحافة تعرف طريقها إلي الرأي والموقف.
وبدأت الصحف لأول مرة بعد خمسة وستين عاما من نشأتها في انتقاد الأوضاع السياسية والاقتصادية، وظهرت صحف عديدة تجاهر بالرأي وتغلق وينفي أصحابها، وللمرة الأولي في تاريخ مصر تصف إحدى الجرائد الخديوي إسماعيل بأقذع الألفاظ فتقول إنه: ” أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضي بالبلاد إلي الهاوية” فتأمر الحكومة بإغلاق الجريدة.
وتكتب جريدة”مرآة الشرق” ومحررها إبراهيم اللقاني عن أسباب الفساد فتقول مباشرة إن السبب هم الحكام الذين : ” لا يعرفون شرعا ولا يرضون قانونا بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم وحاربوا العدل، فطغوا وبغوا ونهبوا وسلبوا، وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا”!
وينشر أديب اسحق مقالاته النارية في جريدة مصر مهاجما قانون المطبوعات والامتيازات الأجنبية فتغلق الحكومة صحفه وتأمر بنفيه إلي باريس، فيصدر في باريس صحيفة”مصر القاهرة” ويكتب فيها:” سأكشف حقائق الأمور.. وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا أولي الأمر، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما أمناء الأمة “.
وعندما تجمعت في الأفق نذر الثورة العرابية ظهرت صحف عبد الله النديم التي حمل فيها على طغيان الحكام ووصف بؤس الفلاح داعيا إلى الثورة. وخلال مقدمات ثورة 1919 تبلور إدراك أن الصحافة ” رسالة” متعلقة بالضمير، وهو ما عبرت عنه صحف مثل اللواء التي أسسها مصطفي كامل ففتحت نيرانها على الاحتلال وأيقظت الشعور الوطني.
والآن، تظهر درب، وتدخل عامها الثاني، يزفها في عرسها كل المخلصين للكلمة لتصبح ” درب” إضافة إلى” تاريخ الحقيقة” بالتزامها بكل معايير المهنية، والموضوعية، وانحيازها لقضية الحرية، والعدل الاجتماعي، ولنتذكر ما قاله فولتير ذات يوم : ” وما علي إذا لم يكن لي صولجان؟ أليس لي قلم؟”.