سنة أولى درب.. خالد علي يكتب: الدخل الأساسى الشامل
قبل الدخول فى موضوع المقال أوجه التحية والشكر لكل فريق درب بمناسبة مرور عام على إطلاق الموقع، تلك التجربة الصحفية الملهمة التى قادها الزميل خالد البلشى فى أوقات شديدة القسوة على كل من يقترب من المجال العام، ورغم الحصار والحجب والموارد المادية الشحيحة إلا أن الموارد البشرية وجسارة فريق العمل جعل صحافة درب واحدة من خمس مواقع مصرية أتابع إصدارها اليومى لمحاولة التعرف على الحقيقة، واستكشاف ما ترصده الصحافة الحرة من تفاعلات الناس مع الأحداث، وما تبذله من مجهود لدعم الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات حتى فى أشد الموضوعات خطراً، لكن اختتم هذا العام بهدية ثمينة لفريق درب، وهى خروج الصحفى بالموقع الزميل اسلام الكلحى من الحبس الاحتياطى بعد القبض عليه فى سبتمبر 2020 أثناء محاولة تغطية احتجاجات أهالى المنيب على مصرع شخص فى قسم الشرطة نتيجة التعذيب… فكل عام وأنتم أحرار.
الدخل الأساسي الشامل، هو نظام للمدفوعات النقدية غير المشروطة التي يتم صرفها لجميع الناس دون اشتراط قيامهم بعمل محدد، بل هو آليه طرحها العديد من الاقتصاديين ليس فقط لمحاربة الفقر وخفض معدلاته ولكن أيضا للحفاظ على كرامة المواطنين، ومنحهم فرص أفضل لتحسين السكن والتعليم والغذاء والعلاج والرعاية الصحية والاجتماعية.
وهو ما يتيح للأفراد فرصة لتجاوز فترات تعطلهم عن العمل أو العمل في وظائف سيئة، كما يساعدهم أيضا على إعادة اكتشاف إمكانيتهم والاستثمار فى مهاراتهم الخاصة بما يساعدهم على التحول المهنى للأعمال التى يحبون مزاولتها أو امتهانها.
وهذا الدخل حال إقراره سيحلّ محلّ معظم مظلات الرعاية القديمة ليكون بديلاً لها بما يساعد على تقليل التكلفة على الخزانة العامة لضمان الوفاء به.
ينظر البعض لهذه الفكرة باعتبارها درباً من الجنون، أو يصفها البعض بأنها فكرة حالمة وخيالية ولا يمكن تطبيقها، وهناك من يهاجمها باعتبارها مكافأة للكسل التى ستساعد على إهدار قيمة العمل، لأن هناك من سيركنون للمال المجانى.
ولكن تطبيق مشروع الدخل الأساسى الشامل فى فنلندا منذ 2017 كشف عن أنه لم يساعد على الكسل، بل ساعد على تحسين صحّة الفنلنديين المشاركين فى المشروع، وزاد من احتمالَ عثورهم على وظائف، وقد توقف المشروع لمحاولة إدخال تحسينات عليه.
كما أن الآثار النفسية والاجتماعية لمن يحصلون على هذا الدخل حتماً ستكون أفضل بدرجات كبيرة، بما يساهم فى إحداث إصلاح فى منظومة الدفاع الاجتماعي دون أشكال المشروطية التى قد تعوق المستحقين من الحصول على دخل لعدم قدرتهم على الوفاء بالشروط رغم أحقيتهم له، بل وحاجتهم المُلحة إليه، لمحاولة خلق نظاماً تراكمياً جديداً يمكنه ضمان حصول كل شخص على دخل نقدي منتظم بلا قيود يضمن الاحتياجات الأساسية.
إن تدهور الأحوال المعيشية لملايين البشر بعد جائحة كورونا جعل السعى لتطبيق الدخل الأساسى الشامل بعيداً عن اختبار القدرات المالية وفرض الشروط والتكاليف الإدارية المرتفعة، امراً شديد الجدية لإعادة توجيه السياسات الاجتماعية نحو تحقيق دخل أساسي شامل وغير مشروط، وهو ما يجب السعى لتطبيقه فى مصر وخلق حيز للنقاش العام بشأنه، وخاصة أنه بالرجوع للأرقام الرسمية نجد أن حوالى 33% من المصريين فقراء، وقطاع كبير من المصريين مهددين بالوقوع تحت خط الفقر مع أى هزة اقتصادية شأن قطاع العمالة غير الرسمية الذى تعرض لضربات موجعة جراء تعويم الجنيه من ناحية، ومن أخرى انتشار وباء كورونا.
كما أن التحولات النقدية المشروطة أو أنظمة التأمين الاجتماعى والمعاشات غير كافية لتحقيق حماية إجتماعية لأبناء الشعب على النحو الذى يستحقه و نطمح إليه أيضا.
فالتحولات المشروطة هى عبارة عن تحويلات نقدية مباشرة للأسر الأكثر احتياجاً شأن برنامج تكافل وكرامة، ولابد من توافرشروط للانضمام للبرنامج، وكتير من الأسر تواجه صعوبات فى إثبات مطابقتها للشروط، فضلاً على أن إجراءات الفحص والقيد تحتاج لوقت طويل مما جعل حوالى 20% من أسر المحتاجين هم فقط الذين حصلوا على مساعدة تكافل وكرامة.
كما أن أنظمة المعاشات تعانى العديد من المشكلات بسبب انهيار القوة الشرائية للجنية من ناحية، وانخفاض حجم التغطية وارتفاع معدلات التهرب التأمينى بأنواعه سواء الكلى منه أو الجزئى، فضلاً على أن التامينات تغطى فقط قطاع العمل الرسمى والذى يمثل أقل من نصف قوة العمالة فى مصر.
فمتى يحصل الدخل الأساسى الشامل على حيز من النقاش العام، أو على محاولة لتجربته ورصد نتائجه فى نطاق إقليمة أو مهنى لعل هذا يساعدنا فى وضع خطط أفضل، وتلافى ما قد يظهر من سلبيات، توطئة لتعميمه فى المستقبل على قطاعات جغرافية أو نوعية أوسع.