«سليمان مش عايز حراسة» .. ذكرى ميلاد سليمان خاطر الذي شهد مذبحة «بحر البقر» وقتل 7 إسرائيليين واحتفت به ميادين «25 يناير»
كتب: عبد الرحمن بدر
في مثل هذا اليوم ولد سليمان خاطر بمحافظة الشرقية، الذي رحل شابًا وأبقته الذاكرة الشعبية والوطنية بطلا تذكره الأجيال المتلاحقة بفخر واعتزاز بدوره الوطني.
لذلك لم يكن غريبًا أن تزين صورة مجند الأمن المركزي جدران ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير 2011 بجوار عدد من الشهداء ورموز العمل الوطني، تأكيدًا على أن ذاكرة الشعوب لا تنسى رغم محاولات التشويه الكثيرة، وتحل ذكرى ميلاده هذا العام في الوقت الذي يشن فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا غاشمًا على فلسطين.
ولد خاطر عام 1961 في قرية أكياد بمحافظة الشرقية، شهد في طفولته آثار قصف القوات الإسرائيلية لمدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة في 8 أبريل سنة 1970، وهو القصف الذي خلف عشرات الشهداء من الأطفال، قالت شقيقة خاطر في تصريحات صحفية سابقة، إن «سليمان جرى بسرعة لمشاهدة ما حدث وعاد مذهولا مما رأى».
خاطر نشأ داخل بيت ريفي بسيط وكانت بداية تفتحه على العالم تزامنت مع هزيمة 1967، وهو في عمر 6 سنوات.
كبر سليمان خاطر، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بالخدمة العسكرية، وجاء تجنيده في وزارة الداخلية ضمن قوات الأمن المركزي.
وفي 5 أكتوبر1985 وأثناء قيامه بالحراسة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من الجنود الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته فأطلق رصاصات تحذيريه ثم أطلق النار عليهم وقتل 7 بعدما لم يستجيبوا لتحذيره.
وقال التقرير النفسي لحالته إنه مختل نوعًا ما، وقال الرئيس المخلوع حسني مبارك وقتها إنه في غاية الخجل بعد وقوع الحادث.
تمت محاكمة خاطر عسكريا، وصدر الحكم عليه في 28 ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة لمدة 25 عامًا، وتم ترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر، نُقل إلى السجن ومنه إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا، وفي اليوم التاسع لحبسه، في 7 يناير 1986 أعلنت الإذاعة خبر انتحار سليمان خاطر في ظروف غامضة، وخرجت مظاهرات غاضبة بالجامعات تهتف باسم خاطر، وشككت أسرته في انتحار ابنها، وطالبت بإعادة التشريح لكن طلبها قوبل بالرفض.
في رسالة من السجن كتب سليمان خاطر، أنه عندما سأله أحد السجناء بتفكر في إيه؟ قال: «أفكر في مصر أمي، أتصور أنها امرأة طيبة مثل أمي تتعب وتعمل مثلها، وأقولها يا أمي أنا واحد من أبنائك المخلصين، من ترابك.. ودمي من نيلك، وحين أبكي أتصورها تجلس بجانبي مثل أمي في البيت في كل إجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون، وتقول: لا تبكي يا سليمان، أنت فعلت كل ما كنت أنتظره منك يا بني».
خلال التحقيقات قال سليمان خاطر «أنا راجل واقف في خدمتي، وأؤدي واجبي، وفي أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها، والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي، دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر وإلا يبقى خلاص نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها».
في المحكمة قال المجند الشجاع: «أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه .. إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم».
وفور الحكم عليه بالحبس 25 عامًا من الأشغال الشاقة المؤبدة قال: «إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأن جندي مصري أدى واجبه» ثم التفت إلى الجنود الذين يحرسونه قائلاً: «روحوا واحرسوا سينا.. سليمان مش عايز حراسة».
بيان رسمي ذكر أن خاطر استخدم غطاء من النايلون مخصصا للسرير كي يشنق نفسه، بينما أكدت مجلة المصور الرسمية أن الانتحار تم بملاءة قماشية، فيما ذكر تقرير الطب الشرعي أن الانتحار تم بقطعة قماش من النوعية التي تستعملها قوات الصاعقة.
وقال شقيق خاطر إن أسرته طالبت بإعادة تشريح الجثة عبر لجنة مستقلة؛ لكن السلطات رفضت، مؤكدا أنه لاحظ آثار تعذيب على الجثة قبل دفنها.
واستبعدت أسرة الجندي الراحل أن يكون ابنها انتحر بسبب التزام ديني أو عدم اتزان نفسي؛ لأنه كان يعتقد أن السلطة ستفرج عنه بعد فترة قصيرة، كما أنه طلب قبل يوم واحد من وفاته كتبا في مجال القانون استعدادا لاستكمال دراسته الجامعية، حيث إنه كان طالبا بكلية الحقوق “نظام الانتساب”.
رحل سليمان خاطر بعد حياة قصيرة.. لكن صورته مازالت محفورة في عقول وقلوب أجيال كثيرة، لتظل أيقونة خالدة لواحد من أبناء الوطن المخلصين.