سامية بكري تكتب: «جوكر 2019».. الوقوع في غواية القضايا الكبرى (ريفيو)
تباينت ردود أفعال الجمهور المصري من رواد السينما ما بين الانبهار الشديد بفيلم “جوكر” ومابين الاحباط ، ويبدو أنني أنتمي للفريق الثاني.
دخلت الفيلم على أمل الاستمتاع بفيلم انساني ينتمي إلى الفن الاصيل، فقضيت مايقرب من ساعتين في ميلودراما عادية تحيلك إلى فيلم قديم كتبه وقام ببطولته الفنان المصري فريد شوقي اسمه جعلوني مجرما، وان كان الفيلم الاخير له منطق ومتسق مع ذاته اكثر من جوكر، ففي جعلوني مجرما يقدم الفيلم ادانة للمجتمع الذي يهمش الفقير ويضطهده ثم يساند الغني القوي للاستيلاء على حق الفقير ويدفعه دفعا للجريمة، اما في جوكر فهناك ارتباك في الرؤية اذ انك كمشاهد مطلوب منك ان تتقبل مشاهد طويلة من حمامات الدماء التي يرتكبها مختل نفسيا بدعوى أن خشونة المجتمع واضطهاده دفعه لذلك، قد يكون لتلك الحجة وجاهة في حالة قتل واحدة يضطر إليها لكن لماذا كل هذا القتل المجاني ؟ والذي امتد الى قتل الام التي كانت بدورها مهمشة ومريضة نفسيا؟ ويمتد الارتباك الى تتويج البطل كأيقونة ثورية، اذ يرتدي جميع المهمشين ضحايا الرأسمالية في المدينة الكئيبة المشحونة بالعنف والاضرابات والتدني الاخلاقي قناع الجوكر ليحتجوا على حكومتهم ومرشحها الرأسمالي ما يمنحك شعورا بأن الفيلم يحاول انتحال رسالة اجتماعية ليصنع توليفة من افلام الاكشن والرعب النفسي والديستوبيا محلاة برسالة اجتماعية ضد الرأسمالية القذرة
تبدأ جرائم الجوكر بقتل ثلاثة شبان يعملون في وول ستريت كانوا يحاولون التحرش بقتاة تركب المترو ثم احتكوا بجوكر فقتلهم بمسدس اعطاه له زميله المهرج ليوقع به وبالفعل يتم استبعاده من عمله كمهرج لان صديقه دس له لدى الرؤساء ثم تمتد الجرائم لينال من كل من سبب له ألما او ظلما او تنمر به
ورغم ان الفيلم تدور احداثه في عقد الثمنينات من القرن الفائت الا انه يعطي انطباعا بانه يدور في المستقبل ، في بلد اصابها الكساد والفقر وعاد بها الى الخلف فيما يشبه ديستوبيا سوداوية خلفتها الرأسمالية المتوحشة.
ويلفت النظر عرض برنامج كوميدي للقطة للمهرج البائس يقدمها على احد المسارح فيما يشبه فيديو يتم تداوله على يوتيوب او لقطة بالموبايل وهو مالم يكن موجودا في زمن الاحداث فيبدو ان السيناريو كان مكتوبا لفترة زمنية اخرى
تميز الفيلم رغم ذلك بعنصري التمثيل والاستعراض اللذين برع فيهما خواكين فينكس بطل الفيلم كما تميز بموسيقى معبرة واخراج جيد لتود فيليبس، والذي شارك في كتابة السيناريو مع سكوت سيلفر.وديكورات ملائمة جدا سواء في البيوت والشقق الفقيرة او في الاستديوهات والقصور او ديكورات الشوراع المكتظة باكياس القمامة المعبرة عن القبح الخارجي الموازي لقبح نفوس الناس، اذ يعيش الجوكر المهرج في مجتمع قبيح شكلا ومضمونا ويعجب بجارته التي تقوم بدورها زازي بيتز مكونا علاقة بها لاتحدث الافي خياله وحده، ومع ازدياد ضغط المجتمع وعدم قدرته على الاحتمال يتحول البطل من الكوميديا والاضحاك الى العنف، وهكذا يتورط الفيلم في رغبة جامحة لطرح عدد كبير من القضايا المعاصرة الشائكة وشرحها وشرح أثارها على الفرد والمجتمع. قضايا كالتنمر والمرض النفسي والمرض العقلي والاعاقات الخفية وتجاهل المجتمع لفئات معينة والعلاقات الاجتماعية بين الفئات المختلفة ودور الإعلام وكيف يقبل المجتمع التحرش بالمرأة مادام التحرش لأغراض كوميدية، حتى لو ظهر رفضها وانزعاجها.
ولايكتفي بذلك وقد كان كافيا ليكون فيلما انسانيا واجتماعيا عظيما يعكس جوانب سياسية دون ان يقول بفجاجة لتسقط الرأسمالية من خلال تجسيده لسياسات الحكومات التقشفية خفض الميزانيات في بعض القطاعات كالقطاع الصحي واثارة قصايا متضمنة مثل كيف يتحول شخص مهمش إلى بطل؟ وهل كل من ينصب بطلا او رمزا لثورة هو بطل أو رمز فعلا؟ وهل بالضرورة ان من يتعرض للظلم هو من الفئات المهمشة؟ ام أنك قد تكون من عائلة ذات صيت وغنى وتتحول إلى جوكر مستقبلي؟ ومن هي الفئات التي تحدد الأكواد المقبولة والغير مقبولة في المجتمع؟ وكيف تحكم على الشخص انه جيد ام سيء؟ متى تستمع له ومتى تتجاهله؟ هل البدلة والتعليم هما الفيصل ام ان هناك معايير أخرى؟ ولماذا يطالب المجتمع المرضى النفسيين بالتظاهر انهم ليسوا مرضى؟ لماذا لا يقدرون هم حالتهم؟ وهل الحصول على دواء لمرضك “حق” ام تفضل من الحكومة عليك؟ هل نعني ب”الحق في العلاج” فئات بعينها؟ وكيف تؤدي المظالم الى نشوب حركات احتجاجية؟
جعلني الفيلم اتذكر مقال كتبه الاديب الكبير الراحل ابرهيم أصلان حول كيفية معالجة الادب للقضايا الكبرى فقط من خلال معالجة اثارها على الانسان، فيكفي ان ترصد رعب مواطن وهو يمر من امام قسم الشرطة لكي تشير الى انه يعيش في دولة بوليسية ،ويكفي ان تسمع القارئ قرمشات رجل عجوز للقمة جافة وهو في فراشه لتسرد اثار الحرب على هذا الرجل لكن فيلم جوكر وقع صناعه في غواية القضايا الكبرى، فأطاح ذلك بملمح انساني كان ينتظره بعض محبي السينما من جوكر 2019 بينما اسقط في يد اخرون ممن انتظروا كمية اكبر من العنف والدماء وفئة ثالثة راحت تقارن الفيلم بجوكر ليث هيدجر.