ساعد الإسرائيليين بجسر أسلحة في حرب أكتوبر واعتبر غزو العراق “تحولا ديمقراطيا” ودعم العدوان على غزة.. وفاة هنري كيسنجر عراب “الدبلوماسية الأمريكية”
توفي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وعراب “الدبلوماسية الأمريكية”، هنري كيسنجر، في منزله في ولاية كونيتيكت، عن عمر يناهز 100 عام، وفقا لما أعلنته شركته “كيسنجر أسوشيتس.
كان نجم كيسنجر برز خلال حرب أكتوبر 1973، نظرا لدوره في وقف التقدم المصري العربي على الاحتلال الإسرائيلي، تمهيدا إلى توقيع معاهدة “كامب ديفيد” لاحقا، في الوقت الذي كان وكانت له مواقف عدة حول قضايا منطقة الشرق الأوسط.
واندلعت حرب أكتوبر بعد أسبوعين من أداء كيسنجر اليمين كوزير للخارجية مع احتفاظه بمنصبه في البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي، ففي الوقت الذي أظهرت تفوقا مصريا عربيا على الاحتلال، أشعلت مواجهة مع الاتحاد السوفييتي، وألهمت السعودية وغيرها من المصدرين العرب لفرض حظر نفطي أدى إلى شل تدفق الوقود في العالم.
وتفاوض كيسنجر على إنهاء الحرب، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، ويعرف بدوره كوسيط بين الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية، وفي أثناء حرب أكتوبر 1973 نظم جسرا جويا كبيرا لمد الحليف الإسرائيلي بالأسلحة، حيث جاء وقف إطلاق النار في أعقاب الجسر العسكري الجوي الأمريكي لقوات العدوان، لدرء التقدم الأولي للجيوش العربية.
كان هو ومسؤولون أمريكيين آخرون يشعرون بالقلق من أن الصراع قد يتصاعد إلى أول صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الراعي الرئيسي للقاهرة ودمشق، قبل أن تنتهي الحرب بموافقة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، على إجراء محادثات عسكرية مباشرة مع الإسرائيليين، ولعب كيسنجر دورا في استبعاد السوفييت من المفاوضات التي تلت ذلك.
وابتداءً من يناير 1974، ذهب إلى الشرق الأوسط 11 مرة للترويج لاتفاقيات فض الاشتباك العسكري التي من شأنها تسهيل حقبة جديدة مما سميت “مفاوضات السلام”، وخلال 34 يوما في ذلك الربيع، زار القدس 16 مرة ودمشق 15 مرة، وسافر إلى 6 دول أيضًا
ولم تسفر هذه الماراثونات عن أي اتفاقات سلام دائمة خلال فترة تولي كيسنجر مهام منصبه، لكنها نجحت في تحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة وجعلت الولايات المتحدة “وسيط حصري” بالشرق الأوسط، مع استبعاد الاتحاد السوفييتي.
كما كان كيسنجر من أشد المنتقدين للسياسة الخارجية لجيمي كارتر وبيل كلينتون، قائلا إن “الرئيسين يريدان تحقيق قفزة سريعة للغاية نحو السلام في الشرق الأوسط”، وفق هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، حيث بالنسبة له، لا يمكن أن يحدث ذلك إلا “خطوة بخطوة”.
وبعد غزو الولايات المتحدة وحلفائها العراق عام ٢٠٠٣، عقد كيسنجر اجتماعات مع الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، ونائبه، ديك تشيني، لتقديم المشورة لهما بشأن السياسة هناك، حسبما ذكرت “بي بي سي”، وقال لهما إن “الانتصار على التمرد هو استراتيجية الخروج الوحيدة”.
وفي حديثه عن الحرب في العراق على وجه التحديد، قال كيسنجر لصحيفة “نيويورك تايمز”، بعد ذلك بعام إن بوش “أراد تحويل العراق إلى نموذج لإمكانية التطور الديمقراطي داخل العالم العربي”، وفق ما ذكرته وكالة “أسوشيتد برس”.
وبعد عملية “طوفان الأقصى” قال كيسنجر إن إسرائيل مضطرة إلى فرض عقوبة ردا على ذلك، وإن وقف إطلاق النار السريع أمر مستحيل، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقال في مقابلة مع ماتياس دوبفنر، الرئيس التنفيذي لشركة أكسل سبرينغر، لقناة فيلت التلفزيونية الألمانية، إن محادثات السلام “لا يمكن تصورها بالنسبة لي” إذا “تمكن الإرهابيون من الظهور علانية واحتجاز الرهائن وقتل الناس”، حسب تصريحه.
وردا على سؤال حول شعوره تجاه احتفال العرب بهجوم حماس في شوارع برلين من خلال توزيع الحلوى، قال كيسنجر إنه “لا يوجه اللوم للشعب الألماني”، لكنه قال إنهم سمحوا لعدد كبير جدا من الأجانب بدخول البلاد.
وأضاف: “لقد كان من الخطأ الفادح السماح بدخول هذا العدد الكبير من الأشخاص من ثقافات وأديان ومفاهيم مختلفة تماما، لأن ذلك يخلق مجموعة ضغط داخل كل دولة تفعل ذلك”.
وكان كيسنجر يشتهر بنظارتيه السوداوين السميكتين وفرض نفسه صورة للدبلوماسية العالمية عندما عينه الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشادر نيسكون، مستشارا للأمن القومي في العام 1969 ومن ثم وزيرا للخارجية، وقد احتفظ بالمنصبين معا من 1973 إلى 1975 وطبع لعقود الدبلوماسية الأميركية، حتى بعدما ترك منصبه كوزير للخارجية.
ورغم استقالة نيكسون عام 1974 جراء فضيحة ووترجيت، صمد كيسنجر في منصبه وزيرا للخارجية في عهد خلفه جيرالد فورد حتى العام 1977، وفق وكالة “فرانس برس”.
وقد حاز في 1973، جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الفيتنامي لي دوك ثو بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في إطار النزاع، وعن السنوات الثماني التي قضاها في الخدمة الحكومية، والتي امتدت من عام 1969 حتى عام 1977، منحه الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد، كيسنجر وسام الحرية الرئاسي.