زهدي الشامي يكتب: تطوير السكة الحديد.. من يتحمل التكلفة؟!
عرضت في المقال السابق لتطور السكة الحديد في مصر ورؤية الدولة لإصلاح السكة الحديد ومن الذي يجب ان يتحمل التكلفة، ثم عرضت لبعض التصريحات المنشورة عن الفساد في الهيئة وبعض تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات المنشورة عن الهيئة. وهناك دائما حديث عن التطوير والتحديث وابرام القروض والتعاقدات لتطوير المرفق الحيوي القديم الذي تراكمت عليه السنوات والفساد وهو ما نحاول التعرف على أبعاده المختلفة.
تعديل قانون السكة الحديد
تم صدور القانون 152 لسنة 1980 بتنظيم السكة الحديدية وقد نصت مادته الأولي على إنشاء هيئة قومية لإدارة مرفق السكك الحديدية “تسمي سكك حديد مصر”، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع وزير النقل وتدار بطريقة مركزية موحدة، ويكون مركزها الرئيسي مدينة القاهرة ولها فروع بجميع أنحاء جمهورية مصر العربية. كما جاء بالمادة الرابعة من القانون: مع عدم الاخلال بأحكام المادة الثانية من القانون يجوز للهيئة في سبيل تحقيق اغراضها وبعد موافقة وزير النقل انشاء شركات مساهمة بمفردها او مع شركاء اخرين ويجوز تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها ويكون للعاملين في الهيئة الأولية في شراء تلك الأسهم. وبناء على ذلك تم تحويل قطاعات الهيئة الي شركات مساهمة تمهيداَ لدخول شركاء من القطاع الخاص.
ثم صدر القانون رقم 67 في 18 مايو 2010 لتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة، وأصدر رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون يوم 23 يناير 2011 وقبل يومين من انطلاق الثورة. وبذلك وضع الأساس التشريعي لمشاركة القطاع الخاص وإن كان قد تأخر التنفيذ لسنوات بعد يناير الا انه عاد للحياة في العديد من مشروعات الخدمات والمرافق العامة.
إبريل عام 2018 صدر القانون 20 بتعديل قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر. ونص في مادته الرابعة على أنه ” يجوز للهيئة في سبيل تحقيق أغراضها، وبعد موافقة وزير النقل، إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين، ويجوز تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها ويكون للعاملين بالهيئة الأولوية في شراء نسبة لا تتجاوز (10%) عشرة في المائة من أسهم تلك الشركات. ولم يكتفي التعديل بذلك فأضاف” كما يجوز للهيئة منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين، لإنشاء أو تشغيل أو صيانة مرافق السكك الحديدية، وذلك دون التقيد بأحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة والقانون رقم 61 لسنة 1958 في شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998″. وبذلك إطلاق الحرية الكاملة لمشاركة القطاع الخاص ومنحه امتياز لا يزيد علي خمسة عشر سنة وضرب عرض الحائط بكل التشريعات التي كانت تمنع ذلك من سنة 1947وحتي التسعينات. وفي إطار ذلك بدأت خطط التطوير والاقتراض المتسارع ومشاركة القطاع الخاص.
من جهته قال عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، عفيفي كامل، إن مشروع القانون الذي أقره البرلمان، يطلق يد المستثمر في التحكم في تسعير خدمة السكة الحديد دون رقيب، مضيفًا أنه تقدم في الجلسة بطلب إلى رئيس البرلمان موقع من 20 نائب آخر، لإعادة المداولة بشأن تعديل المادة الرابعة، ولكن رئيس البرلمان رفض الطلب بحجة أنه يستهدف تعطيل إقرار القانون. وشدد كامل على أن التعديل لم يتضمن أي ضوابط تمنع المستثمرين من الاستئثار بالقرار، مضيفًا أنه كان يقترح إضافة فقرة تنص على مشاركة الهيئة بأكثر من 50% من رأس مال أي شركة تعمل في مجال إدارة أو تشغيل السكك الحديدية، ليكون للهيئة كلمة نافذة في مجالس إدارات تلك الشركات عندما يتعلق الأمر بسعر الخدمة.
واستهل رئيس مجلس النواب الجلسة المخصصة للتصويت النهائي على المشروع، في حضور وزير النقل، بقوله إن «الحادث الذي وقع في البحيرة لن يكون الأخير، وليس هناك مخرج من هذا النفق المظلم إلا بمشاركة القطاع الخاص»، وأضاف: “أي كلام أن الدولة تستطيع أن تدير المرفق بكفاءة يكاد يكون مستحيل، المشاركة ثم المشاركة مثل دول عربية وأجنبية”.
وفي المقابل، قال وكيل لجنة النقل، النائب محمد زين الدين، إن وزير النقل هو المعني، بعد إقرار القانون، بتحديد ضوابط التعاقد مع المستثمرين، وإلزامهم بتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر استخدامًا للسكك الحديد، سواء الطلبة أو الموظفين، لافتًا إلى أن المستثمرين يستهدفون الربح، ومن ثم فقد يحفزهم إنشاء خطوط سكك حديد لنقل البضائع، وإنشاء مطاعم وكافيهات في محطات القطارات، أكثر من اهتمامهم بإنشاء خطوط نقل الركاب. (مدي مصر- 4 مارس 2018)
خطة التطوير وتكلفتها
بالرجوع الي الموقع الالكتروني لوزارة النقل لا توجد أي تفاصيل لخطة تطوير هيئة السكك الحديدية وكذلك على موقع الهيئة وتضاربت التصريحات والأرقام حول تكلفة التطوير والتي ستمول بالقروض ومن القطاع الخاص ويتحمل تكلفتها المواطن بشكل رئيسي. كان الرئيس السيسي قد أعلن في 14 مايو 2017، رفضه تحمل الدولة تكلفة تطوير السكك الحديد، وتحدث أن تكلفة التطوير تحتاج إلى أكثر من 100 مليار جنيه.
قال المهندس مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، إن حجم الاستثمارات في النقل والمواصلات يصل إلى تريليون جنيه، موضحاً أن الدولة تسعى إلى تطوير هذا القطاع بشكل كبير. وتابع: “علينا الوعي بضرورة تغطية التكلفة الخاصة بتطوير الخدمات الأساسية، وعلينا عدم تكرار أخطاء الماضي، حيث إن الدولة تنفق عشرات الأضعاف لتكاليف الصيانة، وعلينا أن نعى أننا أمام مسئولية مشتركة بين الدولة والمواطنين، وأن تكون الايرادات الخاصة بالمرافق أن تضمن صيانة المرافق حتى نضمن استمرار الخدمات للمواطنين”. (اليوم السابع، 29 يوليه 2020) ثم عاد في مرة أخري ليقول ” إن السكة الحديد كانت مهملة لفترة طويلة جداً، خصصنا 142 مليار جنيه لتطوير المرفق بشكل كامل”.
وأوضحت وزارة النقل، أنّ خطة وزير النقل لتطوير السكة الحديد، تنفذ لتقليل حوادث القطارات، من خلال تنفيذ مشروعات سكة حديد بإجمالي 257 مشروع بإجمالي تكلفة 225 مليار جنيه حتى عام 2024، وتم الانتهاء من تنفيذ 177 مشروع بإجمالي 45 مليار جنيه وجار تنفيذ 53 مشروع بإجمالي تكلفة 48 مليار جنيه، واعتبارًا من 1/7/2021 مخطط البدء في تنفيذ 27 مشروعا بإجمالي تكلفة تقديرية 132 مليار جنيه. (الوطن – 26 إبريل 2021)
بينما قدرت التليفزيون الألماني تكلفة اصلاح السكك الحديدية بثمانية مليار دولار (حوالي 126 مليار جنيه). ويقول ” ويأتي قسم من هذه الأموال عن طريق عائدات وقروض محلية، أما القسم الآخر فسيكون على شكل قروض وتسهيلات من دول ومؤسسات مالية أجنبية على رأسها بنك الاستثمار الأوروبي الذي وافق حتى الآن على برامج تمويل في قطاع النقل بقيمة 1.1 مليار يورو(19.6 مليار جنيه) حسب وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا الشماط. ويثير إنفاق الأموال التي تم حشدها في مثل كبيرة كمشاريع السكك الحديدية شهية الفاسدين وما أكثرهم في الكثير من الإدارات الحكومية ومن بينها إدارات شبكة السكك الحديدية. وما إقالة مسؤولين كثر والتحقيقات التي شملت العشرات منهم خلال السنوات القليلة الماضية سوى بعض الأدلة على ذلك. وإضافة إلى الفساد تعاني هذه الإدارات من الفلتان والتسيب وغياب ثقافة الانضباط في العمل. ومن هنا فإن السؤال المطروح هل يتم إصلاح الإدارات بشكل يسمح بإنفاق الأموال على المشاريع بكفاءة عالية؟ وفيما عدا ذلك فإن قسما كبيرا من الأموال سيجد طريقه إلى جيوب الفاسدين وأعوانهم عن طريق صفقات شراء مستلزمات المشاريع بنوعية رديئة وتنفيذ العقود بشروط لا تلبي المواصفات المطلوبة.”
وتواصل” تفيد خبرات السنوات القليلة الماضية أن التركيز يحصل على إقالة هذا الشخص أو ذلك من المسؤولية عقب الحوادث المؤلمة. أما عملية إصلاح أليات العمل الإدارية التي تشكل أرضا خصبة للفساد فيتم تناسيها أو تسير بشكل بطيء لا يتناسب وحجم التحديات القائمة. ومن هنا فإن تسريع وتيرة الإصلاح هذه بمساعدة دول لديها خبرات رائدة في إدارة السكك الحديدية مثل اليابان والصين وألمانيا ينبغي ان يكون من الأولويات في المرحلة القادمة. ومن ضرورات هذا الإصلاح أيضا أن قسما من المشاريع مطروح للتنفيذ والتشغيل من قبل القطاع الخاص حسب نظام بي او تي BOT. ومما يعنيه ذلك أن مستثمري القطاع الخاص سيمولون هذه المشاريع وينفذونها مقابل منحهم حق تشغيلها واستغلالها تجاريا لمدة معينة عادة ما تكون عشرين سنة على صعيد مشاريع البنية التحتية الكبيرة. وبعد انقضاء فترة التشغيل هذه تعود ملكية المشاريع للدولة.
ومن المعروف أن مثل هذه المشاريع التي ينبغي أن تعمل بكفاءة وربحية عالية لاسترجاع رأس المال الخاص المستثمر فيها مع أعلى نسبة ممكنة من الأرباح، يمكن أن تكون مثالا يُحتذي في حال تمكنت الإدارات المعنية من توقيع عقود تشمل البناء بالمواصفات المطلوبة والقيام بالتحديث والتطوير والصيانة الدورية خلال فترة التشغيل. وفيما عدا ذلك فإن الدولة ستستلمها بعد انتهاء العقود وهي في حالة مزرية كما حدث في دول عديدة بينها بريطانيا ونيوزيلاندا وألمانيا من خلال تجارب خصخصة العديد من مؤسسات القطاع العام. (DW – 27/12/2020)
كما حدد وزير النقل، حزمة مشروعات نقل بالسكك الحديدية يمكن تنفيذها من خلال المستثمرين بآلية الإنشاء والتشغيل ونقل المشروع لملكية الدولة، والمعروفة بـ”BOT”. وبحسب تصريحات للوزير، خلال مؤتمر صحفي، فإن هذه المشروعات تشمل إعادة تأهيل خط سكة حديد أبو طرطور – قنا – سفاجا – الغردقة، وإنشاء خط سكة حديد الروبيكي – العاشر – بلبيس وربطه مع الميناء الجاف بالعاشر من رمضان المقرر إنشاؤه.
كما تتضمن الحزمة إنشاء الخط السادس لمترو الأنفاق – المعادي – الخصوص، وإنشاء خط سكة حديد أسوان – توشكي ومده إلى مدينة وادي حلفا بالسودان، وتدشين خط سكة حديد الفردان – بئر العبد – العريش – رفح مرورًا بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومده مستقبلًا لمدينة طابا، وإنشاء خط سكة حديد مرسى مطروح – ميناء جرجوب، وخط مرسى مطروح – سيوة، ومد خط مطروح – السلوم إلى مدينة بني غازي بليبيا، إلى جانب خط سكة حديد يربط ميناء غرب بورسعيد حتى ميناء أبوقير بالإسكندرية مرورًا بدمياط والمنصورة الجديدة.
من جهة أخرى، حدد وزير النقل نسب المساهمة في الشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية، التي ستتم إقامتها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بواقع 50% لصالح الجهات الحكومية، و50% لنسب مساهمات شركات القطاع الخاص.
من يتحمل تكلفة التطوير؟!
كل هذه المليارات التي انفقت وسوف تنفق على التطوير يتحملها المواطن المستخدم للسكك الحديدية وقد بدأ اتخاذ خطوات متعددة على هذا الطريق منها:
كشفت مصادر مطلعة بوزارة النقل، أن هيئة السكة الحديد وضعت خطة خمسية، تستهدف زيادة أسعار القطارات على مدى الـ5 سنوات المقبلة، وأن الزيادة التي تم تطبيقها بداية من يوليو الحالي ليست الأخيرة التي سيتم إقرارها. (الشروق – 20 يوليو 2015)
توالت الزيادات التي يتحملها المستخدم للسكة الحديد وعلي سبيل المثال فإن أفقر محافظات مصر وهي أسيوط وسوهاج، عام 2020 ارتفع ثمن التذكرة بالقطار المميز من 17 جنيه الي 43 جنيه وبنسبة 253% مرة واحدة وتذكرة القاهرة سوهاج من 20 جنيه الي 50 جنيه بنسبة 250% والقاهرة الزقازيق من 5 جنيه الي 13 جنيه بنسبة 260%.
بعد تفعيل الغرامات.. «السكك الحديدية» تجمع 8.3 مليون جنيه في أسبوع، وأعلنت هيئة السكك الحديدية، عن زيادة الإيرادات المحققة خلال الفترة من 1/4/2019 حتى 7/4/2019، لتصل إلى 41.7 مليون جنيه. (المال 13 إبريل 2019)
بدأت هيئة السكك الحديدية تفعيل الرسوم التي كان يتم فرضها “كراتين” الركاب بمختلف أنواعها، بقيمة تتراوح بين 10 و40 جنيها، وفقا للحجم. (جريدة المال- 8 سبتمبر 2018)
بدأت هيئة السكة الحديد، فرض غرامات جديدة على غرار الأمر الذي يجري تنفيذه في مترو الأنفاق بواقع تحصيل جنيه حال الانتظار لأكثر من ساعة على رصيف المحطة وعدم وجود التذكرة. (جريدة المال – 2 نوفمبر 2018)
يتضح من سياسات الهيئة وتوجهاتها أن أعباء الإصلاح وتكلفته يتحملها المواطن بالكامل ولا يوجد تدرج في زيادة الأعباء ولكن يتم رفع التذاكر وفرض الغرامات والتشديد لتزيد أعباء المواطن الفقير ليبحث عن وسيلة نقل أخري، وبالتالي فإن هذه السياسة لا تراعي أعباء النقل على الأسرة المصرية وفي دولة تتجاوز معدلات الفقر بها 32% من السكان. وبدلاً من إلغاء تصاريح الركوب المجانية لبعض الفئات يتم تحميل محدودي الدخل تكلفة الإصلاح دون أن يشارك في مناقشة خطط التطوير ودون شفافية في الحصول على القروض وانفاقها.