“زحمة” و”منطقتي” حلم آخر يضيع.. قصة تجربة صحفية متميزة ونهاية مأساوية يدفع ثمنها الصحفيون.. والمالك: كانوا يعلمون
بلاغ يتهم المالك بالإغلاق المفاجيء ومساومة العاملين على قبول ربع مستحقاتهم بشرط “عدم إثارة القضية اعلاميا”
رئيس تحرير منطقتي: تحملنا تخفيض المرتبات وعرضنا إدارة الموقعين دون تحميله تكاليف فطلب مهلة.. وفوجئنا في اليوم التالي بتغيير الكالون
طالبنا بمستحقات الصحفيين والعاملين بعد الاغلاق المفاجئ فرد: أنه مفلس بسبب كورونا ولا يستطيع دفع سوى المرتبات
عطية: الجميع كان لديهم علم بالغلق وتعثر الشركة وصرفنا المرتبات حتى نهاية يونيو.. ومستمرون في فتحهما كأرشيف
كتب – محمود هاشم
فرضت قضية توقف موقع “زحمة” وموقع وجريدة “منطقتي” عن العمل، نفسها على الساحة الصحفية، بعد ما يقارب 7 سنوات من انطلاقهما، حيث اتهم الصحفيون والعاملون مالك الشركة المسؤولة عن الموقعين بإغلاقهما بشكل مفاجيء ورفض صرف مستحقاتهم، في الوقت الذي يرد الأخير بأنه أخطرهم بالقرار منذ فترة، كما منحهم مرتباتهم حتى آخر يونيو، وفيما يقف الصحفيون يتحسرون على تجربة دفعوا فيها 7 سنوات من عمرهم .. فإن هناك من دفع الثمن ايضا وهم القراء الذين خسروا منصتين مهمتين في الصحافة الحديثة والمحلية، بصرف النظر عن ملابسات وأبعاد القرار.
منذ يومين، قال رئيس تحرير موقع زحمة محمد خير، ورئيس تحرير موقع وجريدة منطقتي يحيى وجدي، إنهما تقدما نيابة عن الصحفيين والإداريين والعاملين في الموقعين، بالبلاغ رقم ٢٣٥٩ لسنة 2020 / قسم شرطة عابدين ضد مؤسس شركة البرنامج المصري لتطوير الإعلام، المالكة للموقعين، ومدير مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأمريكية طارق عطية، لاتهامه بإغلاق المقر بشكل مفاجئ، والتهرب من سداد مستحقات الصحفيين والعاملين الذين يعمل بعضهم بالشركة منذ أكثر من ٦ سنوات.
كما نشر المتقدمون بالبلاغ صورة قالوا إنها محاولة من صاحب الشركة عبر محاميه مساومة العاملين من أجل قبول أقل من ربع مستحقاتهم بشرط “عدم إثارة الموضوع على السوشيال ميديا”.
وأوضحوا أنهم سوف يتابعون إجراءاتهم القانونية عبر القضاء ومكتب العمل والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحفيين، من أجل تحصيل مستحقاتهم كاملة غير منقوصة.
كما أرفقوا صورة منسوبة لعطية، بالتوازي مع إغلاق المقر، يظهر فيها وقد أزال أسماء مديري ومؤسسي صفحات ومنصات السوشيال الميديا من على الصفحات التي أسسوها، مثل صفحات زحمة ومنطقتي وأخبار الحيوانات وغيرها.
و”زحمة”، بحسب تعريفه، موقع إخباري انطلق مبكرا في 2001 ثم انطلقت نسخته الجديدة في 2013 على يد مجموعة صغيرة العدد من المحررات والمحررين، ويركز على الأخبار المهمة ويقدم الترجمات والملخصات الضرورية، كما يغطي موضوعات نادرة في الإنترنت العربي إذ يضم زحمة قسما خاصا بعالم الحيوان، وقسما آخر ينفرد حصريا بآراء نخبة كتاب العالم.
أما “منطقتي” فهي صحيفة مجانية، لها موقع إليكتروني، تهدف إلى تقديم صحافة شديدة المحلية بمستوى من الجودة ينافس الصحف التى تصدر على المستوى القومى، وفى الوقت نفسه توفر فرصة لأصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة فى الإعلان عن أعمالهم بأسعار مناسبة، وبشكل يستهدف تحديدا العملاء المحتملين الذين يسكنون فى نطاقهم الجغرافى أو يترددون عليه.
وبدأت الصحيفة بتغطية منطقة البورصة فى وسط المدينة، وشهرا بعد شهر، بدأ طموحها الجغرافى يتسع، وتسعى لأن تكون جريدة “وسط البلد” بأكملها، ونجحت على مدار سنتها الأولى فى توثيق علاقتها بسكان المنطقة، وزوارها، والعاملين فيها، وفى لفت الانتباه إلى الخصائص الثقافية والمعمارية والاقتصادية المميزة لوسط البلد، وكذلك فى إطلاق مبادرات للتعاون بين مختلف عناصر المنطقة (الحكومة المحلية فى الحى- منظمات المجتمع المدنى- أصحاب الأعمال- الأهالى)، من أجل تطوير المنطقة اقتصاديا وثقافيا ومعماريا.
وقال رئيس تحرير موقع وجريدة منطقتي يحيى وجدي، إن عطية أخبرهم منذ ما يزيد عن شهر بتوقف العمل في الموقعين مؤقتا أو تجميد نشاطهما، بدعوى مرور الشركة بضائقة مالية، إلا أنه لم يتطرق إلى الحديث بشأن الإغلاق الكامل.
وأضاف في تصريحات لـ”درب”: “في 29 يونيو عقدنا جلسة معه بحضور رئيس تحرير موقع زحمة الزميل محمد خير، وعرضنا علينا إدارة الموقعين والبحث عن ممولين لاستمرارهما، دون تحميله تكلفة مادية، حفاظا على التجربة التي عملنا فيها طوال سنوات، ليطلب منا بعدها مهلة أسبوعين للتفكير في الأمر، وفي اليوم التالي حينما ذهب الزملاء إلى موقع العمل لصرف مرتبات آخر شهر لهم، فوجئوا بتغيير كالون الباب، وبمندوب عن مالك الشركة يطلب منهم أخذ حاجاتهم الموجودة في المكتب”.
وتابع: “انتظرنا أسبوعين آخرين، على اعتبار أن النشاط مجمد أو مؤقت، وسنعود بها للعمل مجددا، وفي منتصف يوليو الحالي اتصلت بعطية لأستفسر منه بشأن رده على العرض، فأخبرني بعدم موافقته، قائلا إنه لم يتخذ قرارا بشأن الموقف النهائي للموقعين”.
واستطرد: “طالبناه بسداد مستحقات الصحفيين والعاملين والإداريين، فقال إنه دفع المرتبات حتى آخر شهر، وحينما طلبنا منه الحق القانوني لكل منهم بمرتب شهرين عن كل عام استنادا للمادة 122 من قانون العمل، فضلا عن تعويضهم عن القرار المفاجيء الذين وجدوا أنفسهم بسببه في الشارع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أو مكافأة نهاية خدمة، رد قائلا إنه مفلس ولا يستطيع سوى دفع مرتبات الشهر الأخير، وحينما سألناه عن سبب إغلاق المقر على الرغم من عدم إصدار قرار بالغلق الكامل للموقعين، قال إنه بسبب كورونا”.
ولفت رئيس تحرير “منطقتي”، إلى أنه في 20 يوليو، أرسل له عطية رسالة هاتفية يخبره بالتحدث مع المدير المالي لشرح تفاصيل قراره النهائي، وفي اليوم نفسه اتصل به المدير المالي ليخبره بعدم صرف أي مستحقات للصحفيين والعاملين سوى الشهر الأخير من المرتب، على أن يتصل بهم المحامي لاحقا لبحث التسويات، وهو ما لم يحدث، بحسب وجدي.
وواصل: “منذ يومين، ذهب الزملاء إلى مقر العمل لصرف آخر شهر من المرتب، ففوجئوا بسيارات تنقل الأجهزة والأثاث، وتزيل اللافتات الخاصة بالموقعين، في الوقت ذاته حضر محام شاب من طرف المحامي الرئيس للمالك يطلب منهم التوقيع على إقرار باستلام جميع مستحقاتهم، والتعهد بعدم التعرض للملاك أو المساهمين من خلال أي منصة إعلامية وإلا تعرضوا لإجراءات قانونية، وحينما أخبره بعدم حصولهم على مستحقاتهم من الأساس، قال إنه سيتم صرف مكافأة لهم لاحقا بشرط التوقيع على الإقرار”.
وكشف وجدي عن اتصاله بمحامي عطية، الذي أخبره أن الشركة تعرضت للإفلاس، وحينما سأله عن مدى اتخاذهم الإجراءات القانونية في هذا الإطار، رد عليه الأخير بالإيجاب، إلا أن ذلك لم يحدث بحسب ما يؤكد رئيس تحرير “منطقتي”، الذي أشار إلى أن المحامي رد عليهم حينما طالبوه بالمستحقات الباقية قائلا: “هو ده اللي عندنا، واعملوا اللي عاوزينه”.
اتصل رئيسا تحرير الموقعين بشرطة النجدة، لتحرير أكثر من محضر بالوقائع، منهم محضر إثبات حالة، الذي شهدت فيه صاحبة الشقة المؤجرة لموقع العمل، وفي اللحظة نفسها بدأ حجب الموقعين لمدة يوم، قبل إعادة فتحهما كأرشيفيين، بعد تداول الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لوجدي.
واستكمل: “لم نكن نرغب في أن تصل الأمور إلى هذا الوضع، وطوال فترة عملنا حاولنا إنقاذ المكان بطرق متعددة، ففي السنة الماضية وافقنا على قرار بتخفيض المرتبات مقابل استمرار العمل، بعدها أصبحنا نحصل عليها على دفعات وليست مرة واحدة، مخفضة منها نسبة 25%، إلا أن الأمور باتت تسوء يوما عن الآخر، وكل ما نطلبه هو دفع المستحقات الكاملة للصحفيين والإداريين والعاملين، مع مطالبة عطية بنشر اعتذار للصحفيين عن الوقائع المذكورة، ومطالبة الجهات التي يعمل لديها بالتضامن معنا في قضيتنا، ونحن مستمرون في إجراءاتنا القانونية للحصول على حقوقنا”.
وبدوره، نفى عطية الاتهامات الموجهة إليه في البلاغ، بشأن إغلاق المقر بشكل مفاجئ، والتهرب من سداد مستحقات الصحفيين والعاملين.
وقال عطية، إن الشركاء المالكين للموقعين يبحثون منذ سنوات عن سبل لحل الأزمة المالية التي تعاني منها المؤسسة، فضلا عن الجدوى الاقتصادية، خاصة بعد الوصول إلى مرحلة لم تستطع الموارد فيها حتى تغطية تكلفة النشاط نفسه، بالإضافة إلى قلة المداخل وتراجع الاستثمارات في المجال.
وأضاف عطية أن قرار تجميد العمل في الموقعين لم يكن مفاجئا، حيث تحدث مع الصحفيين والعاملين في منذ فترة، وشرح لهم الأزمة التي تعاني منها الشركة، مؤكدا أن الظروف الحالية تعيق الاستمرار، خاصة بعد أزمة فيروس كورونا.
ونفى عطية إجباره العاملين على التوقيع على إقرار بالحصول على ربع مستحقاتهم مقابل عدم إثارة الموضوع في السوشيال ميديا، قائلا إنه عرض صيغة اتفاق مجدية للجميع، وتتماشى مع الأعراف القانونية، وتابع: “سنرد على هذه الاتهامات في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، والقانون سيحدد مدى سلامة وضعنا”.
وواصل: “حاولنا الالتزام بالوعود التي قطعناها، ودفعنا مرتبات جميع الصحفيين العاملين حتى آخر يونيو، كما أن الجميع كان لديهم علم بغلق الموقعين وتعثر الشركة، لذا لجأنا إلى فتحهما كموقعين أرشيفيين بعد القرار، احتراما للمنصة والقراء والمادة الصحفية للزملاء، ونحن ملتزمون بتحمل تكاليف استمرارهما على هذا النحو، دون حجب أو حذف لأي مادة”.
واستكمل: “القرار مؤلم للجميع، وعلى رأسهم الملاك أنفسهم الذين تبنوا التجربة منذ بدايتها، لكن الظروف الحالية في العالم كله، وفي مصر خاص، فرضت تغيرات في المنظومة الاقتصادية، وبشكل أكبر في مجال الإعلام، ونحن لسنا أول أو آخر شركة تمر بمشاكل مالية أو ديون كبيرة، على الرغم من جودة عملها الصحفي”.
ورغم ردود عطية.. تبقى الحقيقة أن فريقا من أفضل الصحفيين، استيقظ بعد سنوات من العمل الدؤوب ليجد نفسه بلا عمل، وبلا أية مستحقات أو تعويضات عن جهدهم، يضاف إلى ذلك أن تجربتهم التي طالما حلموا بها تكبر، لم تعد موجودة بدعاوى كـ كورونا والافلاس، تستكثر عليهم حتى المطالبة بحقوقهم في التعويض طبقا لنصوص القانون، وبقيت بروفة الكابوس الأكبر عندما حاولوا الوصول له فلم ليجدوا الموقع، فيما خرج المالك بعد ساعات ليرد على اتهاماتهم له بحجبه اراديا بأنه لم يكن محجوبا وسيبقى ارشيفا، فيما ظلت بروفة غيابه المؤقت تؤجج مخاوفهم من فقدان آخر شاهد على حلم صحفي تبدد وأنهم كانوا يوما هنا يحلمون ويصنعون صحافة مختلفة.