ريهام الحكيم تكتب عن: الانتخابات العراقية.. تقسيم الداوئر والصراع داخل البرلمان (حكاية عربية)
رغم التصويت عليه قبل شهور تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت شوارع مدن ومحافظات العراق، فإن الألغام التي زرعت في قانون الانتخابات العراقي بدأت الآن تنفجر في وجه مشرعي القانون، فيما عمدت قوى سياسية إلى استثمار ضغوط الشارع المستمرة رغم تشتتها بين مطالب فئوية ومناطقية.
وجاء إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي موعد الانتخابات المبكرة (6 يونيو 2021) القادم خلال كلمة مُتلفزة له تعهَّد خلالها بحماية كل القوى المُتنافسة لخوض الانتخابات، موضحاً أن الانتخابات “ستخضع لمراقبة دولية، ولن يؤثر فيها سلاح منفلت ولا تُزوَّر فيها إرادة الشعب”، كما طالب مجلس النواب بالإسراع لإرسال قانون الانتخابات الجديد لرئاسة الجمهورية للتصديق عليه.
ويدور حاليا جدل سياسي داخل العراق حول مشروع (الدائرة الانتخابية الواحدة) أو(مشروع الدوائر المتعددة)، والذي يحظى بتأييد قطاعات واسعة من العراقيين، حيث أُتهم نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة بالتلاعب من قِبل المشرعيين والأحزاب لإبقاء هيمنتها على الدوائر الانتخابية.
وتعد المادة 15 من قانون الانتخابات المثيرة للجدل والتي نصت على أن “الدوائر الانتخابية تنقسم على أساس دائرة انتخابية واحدة لكل قضاء/ مدينة في المحافظة”.
وتتمحور خلافات القوى السياسية حول كيفية اعتماد الدوائر المتعددة، فهل يصار إلى اعتبار أن المحافظة تشكّل دائرة واحدة، أو يتم تقسيم المحافظة إلى دوائر انتخابية عدة.
يرى البعض أن مصطلح الدوائر المتعددة جاء مبهماً، فليس هناك معيار متفق عليه لحجم الدائرة، هل هو القضاء بحدوده الجغرافية أو الاعتماد على طريقة مقعد لكل 100 ألف نسمة.
يستند نظام الدائرة الانتخابية الواحدة الذي سارت عليه كل الانتخابات البرلمانية السابقة ، منذ اقرار دستور 2005، إلى جعل العراق بكل محافظاته وإقليم كردستان دائرة انتخابية واحدة، أي أن القوائم الانتخابية تتنافس في ما بينها على المستوى الوطني، وليس على مستوى الإقليم والمحافظات، فيحق للناخب في أي محافظة التصويت لأي مرشح إذا كانت القائمة مفتوحة، أما في ظل نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، فستكون لكل محافظة وإقليم دائرة انتخابية مستقلة عن غيرها، يتنافس فيها مرشحون وقوائم من أبناء الدائرة الانتخابية بمعنى أن المرشح والناخب يجب أن يكونا من محافظة واحدة.
ولكن بعد انتفاضة أكتوبر 2019 ، وبضغطٍ من الشارع العراقي، صوت البرلمان على قانون إنتخابات الجديد الذي شمل مادة تنص على الدوائر المتعددة، بواقع 320 دائرة انتخابية على أساس المقعد الواحد عدا كوتا المكونات، حيث وافق الجميع على أنه لا يمكن العودة إلى نظام الدائرة الواحدة لكل العراق.
واختلفت الكتل، والتحالفات داخل البرلمان حول الدوائر تكون فردية أم متعددة أم متوسطة، فمثلا “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، يريد أن تكون المحافظة دائرة انتخابية واحدة، والأكراد، خصوصاً “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، يريدون أيضاً دائرة انتخابية واحدة، لكن قوى أخرى منها قوى شيعية مثل “تحالف سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تريد أن يكون المقعد الواحد دائرة انتخابية وليس المحافظة.
النائب حسين عرب عن “كتلة عراقيون” بزعامة عمار الحكيم صرح للاندبندنت أن “الكتل السياسية الكبيرة لا تقف ضد الدوائر المتعددة، لكن هناك خلافات حول عدد المقاعد لكل دائرة انتخابية. بعض الكتل يعتبر أن الدائرة الانتخابية تتكوّن من أربعة مقاعد نيابية لكي يتم ضمان الكوتا النسائية، في حين تتجه كتل أخرى لفكرة مقعد واحد لكل دائرة انتخابية”.
الدائرة فردية/ متعددة/ متوسطة
الدائرة الفردية : وهى عبارة عن أن كل مقعد في المحافظة يكون دائرة وحدها وكل مقعد يكون الترشح له فردياً. أما الدائرة المتعددة فهى أن تقسيم المحافظة إلى دوائر متعددة ويكون الترشح بها فردي.
وهناك اقتراح ثالت، تؤيده بعض الكتل الكبرى، بعمل ما سمي بـ “الدائرة المتوسطة” وهى أن كل 4 مقاعد تكون دائرة انتخابية واحدة.
الدائرة المتوسطة اعتبرت حل وسط بين المتعددة والفردية، وهناك احتمال أن تقسم المحافظة إلى ثلاث أو أربع دوائر، وتقسم بغداد العاصمة إلى خمس أو ست دوائر، وهناك بعض المحافظات خاصة الصغيرة ستكون دائرتين أو واحدة بحسب نسبة السكان، وهو ما اعتبره البعض خطوة للتقسيم الطائفي والعرقي أو حتى العشائري من قبل المشرعين لضمان الحفاظ على مكاسبهم الانتخابية السابقة.
اعتبرالبعض أن إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي موعد السادس من يونيوالمقبل موعداً لإجراء الانتخابات العامة، جاء صاعقاً لبعض رموز العملية السياسية في العراق، ممن يصرّون على استكمال الدورة البرلمانية الحالية حتى منتصف العام 2022، والتمتع الأقصى بمنافعها السياسية والمادية الضخمة، خاصة بعد أن أظهرت الانتفاضة الشعبية ، في أكتوبر الماضي، حجم الغضب الشعبي من أداء الكثير من الساسة الذين اتهموا بالفساد وإهدار المال العام، ودعم الميليشيات المسلحة لتمرير أجندتهم السياسية.
الباحث العراقي صباح الناهي يقول في الاندبندنت: “تحديات كثيرة تواجه عقد الانتخابات إضافة للمماطلة المبكرة من أحزاب السلطة التي لا تريد إقامتها، إلا بعد استكمال مدة الدورة الانتخابية الحالية البالغة 4 سنوات، والتي هي نتاج التزوير الميليشياوي الذي بات معروفاً لدى جميع العراقيين الذين يجمعون عليه، فإن الانتخابات المقبلة أيضاً تواجه زعزعة الثقة بين الناخب وعدم ثقته بصندوق الاقتراع، نتيجة عدم ضمان مشاركة كبيرة في إحداث التغيير نحو حلول وطنية حقيقية، واستمرار المحاصصة السياسية التي يتخندق من خلالها الفاسدون لتدوير وجودهم بالمال السياسي، وشراء الأصوات، مستغلين عوز الناس والفاقة التي تعيشها البلاد، وحاجة الناس للوظائف مع ازدياد عدد العاطلين.
التوزيع الجغرافي للدوائر
اتهم العديد من أهالي مدينة الموصل (محافظة نينوى شمال العراق) المشرعين في البرلمان بـ”تلاعب الديمغرافي والجغرافي” في تقسيم الدوائر لأغراض انتخابية وبسبب ضم كل من مدينة البعاج والحضر إلى مدينة الموصل في دائرة واحدة وهم يبعدان جغرافيا عن المدينة.
ونظم عدداً من أبناء مدينة الموصل وقفات احتجاجية اعتراضاً على ضم مدينة البعاج والحضر إلى الموصل في دائرة واحدة واعتبروا الخطوة نوعاً من التلاعب بالأصوات الانتخابية لصالح أحزاب معينة.
النائبة بهار محمود عدّ تقول في صحيفة الشرق الاوسط إن :”تطبيق أغلب فقرات قانون الانتخابات على أرض الواقع شبه مستحيل وفي حال اعتبرت كل مدينة دائرة انتخابية، فلا توجد لدينا إحصائية موثوقة للمدن، وهناك بعض المدن في المناطق المتنازع عليها، بعضها تابع لإقليم (كردستان العراق)، والبعض خارجه”.
الكاتب العراقي سعد الكناني في موقع صوت العراق، يقول أن “غياب القرار السياسي الوطني، وطبيعة بنية النظام القائم على الطائفية والمحاصصة والتبعية، وسيطرة الميليشيات على قرار الدولة، وإصرار مجلس النواب على حماية الفاسدين سياسيا وتغليف عمل الميليشيات بقانون سمح لها أن تمارس عمليات الاختطاف والقتل والسرقة بهوية الدولة وسلاحها”.
ويضيف الكناني: “لانعرف هل هو حظ العراق العاثر، بحيث أصبح البلد يتنقل من مشكلة إلى أخرى، حتى صارت أزماته كالسلسلة التي لا تنفكّ حلقاتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعب هو جزء لا يتجزأ من تلك المشكلات التي تعصف بهذا البلد، ويتحمل جزءا من المسؤولية عما وصل إليه البلد من وضع خطير بسبب سكوت الأغلبية من الشعب على هذا الظلم والفساد والدمار، حتى ثورة تشرين 2019”.
ويتابع الكاتب: “ومن يريد الخلاص من هذا الوضع السيء عليه أن يبحث عن إرادة سياسية وطنية مخلصة من خارج العملية السياسية الفاشلة محورها ثورة الشباب التشرينية لتعيد للدولة سيادتها وهيبتها بقرارات شجاعة تعمل لأجل العراق وشعبه فقط، وليس عبر الانتخابات المزيفة تحت فوهات الكواتم وأحزاب الخزي والعار، ولا ننسى أن الشعب كلما كان أكثر وعيا وأعلى ثقافة سيكون وقت الخلاص قريب”.
المحكمة الاتحادية
وعقب الإعلان عن موعد الانتخابات يونيو المقبل، سارعت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإصدار بيان أكدت فيه استعدادها لإجراء الانتخابات في الموعد الذي حدَّده رئيس مجلس الوزراء، واشترطت لذلك أن يُنجز مجلس النواب قانونَ الانتخابات بأسرع وقت، وعليه أيضاً أن يُشرِّع نصّاً خاصّاً بإكمال نِصاب المحكمة الاتحادية العليا.
حيث ظهرت عقبة دستورية كبرى تُعرقل سير الانتخابات وتهدد شرعية العملية الانتخابية باكملها، وهي قانون المحكمة الاتحادية العليا، و ينصُّ الدستور العراقي لعام 2005 على أن “المحكمة الاتحادية العليا تختص بالمُصادقة على نتائج الانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب”، وأوكل الدستور المُصادقة على النتائج النهائية للانتخابات للمحكمة الاتحادية العُليا وهى التي صادقت على نتائج انتخابات 2010 و2014 و2018.
وينص قانون المحكمة الاتحادية العليا “على أن انعقاد المحكمة لا يكون صحيحاً إلا بحضور جميع أعضائها”، وعليه فالقرارات لا تصدر إلا إذا اكتمل النِّصاب”.
وفي عام 2019 أُحيل القاضي فاروق سامي، أحد أعضاء المحكمة، إلى التقاعد بناءً على طلبه فأصبحت المحكمة في وضع عدم اكتمال النِّصاب، وهذا يعني أنه لا يمكن التصديق على أي قرار، لأن قانون المحكمة يشترط حضور أعضائها بالكامل لكي يُبَتُّ بالقرارات.
ولكي تعوض المحكمة العضو الذي أُحيل للتقاعد، فاتحت رئاسة الجمهورية لترشيح القاضي محمد رجب الكبيسي كبديل عن فاروق سامي، الذي طلب الاحالة إلى التقاعد، واستندت المحكمة في طلبها إلى قانونها الذي ينصُّ على أن “المحكمة تتكون من رئيس وثمانية أعضاء يُعيَّنون من مجلس الرئاسة بناءً على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى.
ولكنَّ هذا الترشيح طُعِنَ، لوجود ثغرة في قانون المحكمة عقب الغاء المادة التي تنص على ترشيح القُضاة من قِبَل مجلس القضاء الأعلى في 2019 من قِبَل المحكمة الاتحادية تحت مبرر أن ترشيح القُضاة لا يدخل ضمن صلاحيات مجلس القضاء الأعلى؛ كون المحكمة هيئة مستقلة.
وهو ما منع القاضي محمد رجب الكبيسي، من أن يحل محل القاضي المتقاعد فاروق سامي؛ إذ صدر قرار بنقض ترشيحه، وعليه بقي نصاب المحكمة ناقصاً، وبذلك عدم تمكن المحكمة من التصديق على نتائج الانتخابات في حال عدم اكتمال النصاب القانوني لها.
قانون المحكمة الاتحادية العليا لم يُعالج آلية استبدال الأعضاء، ولذلك وقعت المحكمة في هذه الثغرة القانونية.
ويعتبر الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو تشريع قانون جديد من قبل البرلمان للمحكمة ليُعالج موضوع استبدال أعضائها.
مجلس النواب بصدد إعداد قانون خاص للمحكمة الاتحادية يُعالج المشاكل السابقة، ومن ضمنها المادة الثالثة الخاصة بتعيين القُضاة، والتي أُلغيَت في وقت سابق، وهناك اتفاق على كل المواد الخاصة بقانون المحكمة الاتحادية العليا باستثناء المادة التي تتعلق بآلية التصويت على قرارات المحكمة الاتحادية، وهو الغالبية المُطلقة أو غالبية الثلثين أو الإجماع.
والقانون الجديد يجب أن يُقَرَّ قبل أن يُحَلَّ البرلمان نفسه وإجراء الانتخابات، والمادة 64 من الدستور العراقي والتي حددت خطوات حل البرلمان بتقديم طلب من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية, ثم يحول الأمر إلى مجلس النواب للتصديق والموافقة بالأغلبية المطلقة, أو بطلب من ثلث أعضاء البرلمان ويحتاج ايضا للتصويت – 166 نائب – بالأغلبية المطلقة.
البطاقة البايومترية
وتشمل النزاعات حول القانون الانتخابات أيضاً آليات الانتخاب ذاتها، ففي حين تريد بعض الكتل والأحزاب اعتماد البطاقة البايومترية، والتي وصفها البعض الحل الوحيد الذي يحد من عمليات التزوير، ولكن قوى وأحزاب أخرى تحاول وضع العراقيل كي تُعتمد البطاقة الإلكترونية القابلة للتزوير بسهولة.
النائب في البرلمان منصور البعيجي في تصريحات صحفية قال إن : ” الأحزاب الكبيرة المتنفذة تسيطرعلى مليون ونصف المليون بطاقة انتخابية”.
وقال أيضا إن “هيئة رئاسة البرلمان مطالبة بجدية وواقعية أكثر في حسم قانون الانتخابات، وكذلك اعتماد النظام البايومتري لتصحيح مسار الانتخابات.. أكثر من مليون بطاقة انتخابية مفقودة، استولت عليها الأحزاب الكبيرة، وبإمكان هذه البطاقات تنصيب 10 نواب من الآن ضمن مقاعد تلك الأحزاب في البرلمان المقبل”.
وأضاف أن “الأحزاب ستأخذ أصوات العازفين (عن الإقتراع) إذا لم يتم تفعيل النظام البايومتري، في حال بقاء نظام البطاقة الإلكترونية، فإن الأحزاب نفسها ستعود وسيعود الفاسدون المنصبون من قبل “حيتان الفساد”، 20% من الأحزاب فقط تريد البايومتري والبقية يريدون النظام الإلكتروني، ومن يصر على الإلكتروني يريد التزوير حتماً”
وضع تحديد موعد الانتخابات المبكرة خلال أقل من عام، الذي أعلن عنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، البرلمان أمام اختبار صعب، فعليه أن يُنجز قانون الانتخابات الجديد وقانون المحكمة الاتحادية العليا، ويبدو أن الوقت لن يتَّسع لكل هذه القوانين التي غالباً ما تشهد تجاذبات سياسية تعوق عملية إنجازها.