ريهام الحكيم تكتب: توترات القوقاز.. تركيا وروسيا وإيران في (ناغورنو قره باغ).. صراع أذربيجان وأرمنيا
في أحدث سلسلة من المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان، شهدت الحدود بين الطرفين، الأحد الماضي، اشتباكات هي الأسوأ منذ عام 2016، أوقعت خسائر بشرية ومادية، على وقع دعوات التعبئة العامة بين البلدين.
أعلنت السلطات في إقليم “ناغورنو قره باغ ” ، المتنازع عليه بين أرمنيا وأذربيجان، عن مقتل العشرات من جنودها وإصابة المئات في معركة لإستعادة أراضي احتلتها القوات الأذربيجانية يوم الأحد الماضي.
الدولتان أرمينيا وأذربيجان أعلنتا التعبئة العامة والأحكام العرفية في بعض المناطق.
أرمينيا، الداعم الأساسي لاستقلال إقليم “ناغورنو قره باغ”، اتهمت أذربيجان بتخريب التوصل إلى تسوية سلمية للصراع، أما أذربيجان فتبدو عازمة على احتلال أجزاء من الإقليم الذي يحظى بإدارة مستقلة، والذي يعد أكثر من 90 في المئة من سكانه من الأرمن.
أذربيجان ، واحدة من الدول الست المستقلة عام 1991بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهى دولة ناطقة بالتركية، أعلنت على لسان المتحدث باسم الرئاسة، بعد مقتل سبعة أشخاص من أذربيجان وإصابة العشرات،: “أنّ بلاده تتخذ “إجراءات مضادة” في مواجهة استفزازات أرمينيا”.
ويعد التصعيد بين الدولتين مؤشراً إلى إضطراب سيطال أسواق النفط العالمية، لأن جنوب القوقاز ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية. و يفتح السؤال عن تحول منطقة جنوب القوقاز لساحة التقاء تجذب كلاً من تركيا وروسيا وإيران وأطراف دولية أخرى.
تركيا، التي تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من تلك المنطقة ، أعلنت دعمها لأذربيجان بشكل علني وطالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أرمينيا بإنهاء إحتلال” منطقة ناغورنو قره باغ” التي تتنازع عليها مع أذربيجان وأكد على أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان الصديقة والشقيقة بكافة إمكانياتها.
اتهمت أرمينيا تركيا بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان لمساعدتها في السيطرة على الأراضي، وأرسلت تركيا مجموعات من المقاتلين السوريين (المرتزقة) إلى المنطقة للقتال إلى جانب القوات الأذربيجانية في إطار الاستراتيجية التي تتبناها قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالدفاع عن أبناء القومية التركية في كل الدول والمناطق، باعتبارها عمقاً استراتيجياً وديموغرافياً لتركيا، وإرثاً يجب الحفاظ عليه من تراث الإمبراطورية العثمانية التاريخي.
أما روسيا، التي لها قواعد عسكرية في أرمينيا لكنها صديقة أيضاً لأذربيجان ، فقد دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.
إيران، المتاخمة لكل من أذربيجان وأرمينيا، عرضت التوسط في محادثات سلام و استعدادها للعب دور الوسيط في هذه الأزمة، وسارعت لدعوة طرفي الأزمة في (يريفان عاصمة أرمنيا) و(باكوعاصمة أذربيجان) إلى التهدئة ووقف القتال والحوار.
تعيش أذربيجان وأرمينيا في حالة حرب منذ تسعينيات القرن الماضي بعد حرب طاحنة أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص وحوالي مليون لاجئ.
على وقع تجدد الاشتباكات الدامية بين الجيش الأذربيجاني والانفصاليين الأرمن، عاد الصراع التاريخي في إقليم “ناغورنو قره باغ” بين البلدين إلى الواجهة، مهدداً باحتمالات استدراج روسيا وتركيا أكبر داعمين لطرفي الأزمة الممتدة منذ عقود، إلى ساحاته.
إقليم ” ناغورنو قره باغ”
إقليم “ناغورنو قره باغ” هو عبارة عن منطقة جبلية، تبلغ مساحتها حوالي 4,400 كيلومتر مربع، ويقع في الجزء الغربي من أذربيجان، على بعد نحو 270 كيلومتراً من عاصمتها باكو. أما مدينة “شوشا” والتي يسميها الأرمن “شوشي”، والتي تُعد مكاناً مقدساً لديهم، ما يجعل تحديد وضعها النهائي أحد العناصر الهامة في تسوية النزاع.
يسكن الإقليم حوالي 90 % من الأرمن والباقي عرقيات أخرى، بتعداد سكاني 150 ألف نسمة، يعمل أغلبهم في الزراعة، مستفيدين من تعدد الأنهار ومياه الأمطار التي تهطل صيفاً في الري وتوليد الطاقة الكهربائية.
الإقليم ليس به نفط أو غاز يُثير مطامع احتلال وسيطرة، ولكن موقعه وتضاريسه الجبلية تمنحه ميزة استراتيجية لأرمينيا على أذربيجان الغنية بالنفط والغاز.
أرمينيا التي تعاني حصاراً اقتصادياً بإغلاق الحدود بينها وبين أذربيجان من ناحية، وبينها وبين تركيا من ناحية أخرى، ولا يبقى لها سوى حدود قصيرة مع إيران جنوباً وجورجيا شمالاً.
ولذا تُعد أرمينيا، ومعها إقليم “ناغورنو قره باغ”، في وضع اقتصادي صعب منذ سنوات لعدم وجود أي منفذ بحري لهما. أما أذربيجان فلديها نقطة ضعف تتمثل في مرور خطوط أنابيب النفط والغاز من أراضيها إلى جورجيا.
وتضم المنطقة التي تُعتبر نقطة التقاء ومحطة عالمية رئيسة لنقل النفط والغاز، ثلاثة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم: روسيا، وإيران، وأذربيجان، بالإضافة إلى ثلاث دول تعتمد على واردات الغاز: أرمينيا، وجورجيا، وتركيا.
لمحة تاريخية والحرب بين عامى 1989- 1994
تعود جذور الصراع في إقليم “ناغورنو قره باغ” إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قرر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين عام 1923 ضم الإقليم، الذي يقع داخل حدود أذربيجان إلى أرمينيا ومنحه حكماً ذاتياً، في المقابل ضم ستالين إدارياً منطقة ناختشيفان التي تقع جغرافياً في قلب أرمينيا إلى أذربيجان، لزرع بذور الصراع بين الدولتين مما يضمن للحكومة المركزية في موسكو نفوذاً دائماً.
حظيت منطقة “ناغورنو قره باغ” المأهولة بمواطنين من أصول أرمينية، بحكم ذاتي أبان فترة حكم الاتحاد السوفيتي داخل أذربيجان. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، سعى سكان الإقليم إلى الوحدة مع أرمينيا، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب.
في عام 1989، أعلن القادة السياسيون في إقليم “ناغورنو قره باغ” استقلال الأقليم وعدم تابعية لأذربيجان ولا إلى أرمينيا.
اعترضت أذربيجان على إعلان استقلال واعتبرته تمرداً، وأرسلت قوات عسكرية لاستعادته، بينما أعلنت أرمينيا دعمها لإستقلال الإقليم ومدتهم بالمال والسلاح، وهو ما أعتبرته أذربيجان بمثابة إعلان الحرب.
نشبت حرب طاحنة في تسعينيات القرن الماضي بين أذربيجان وأرمينيا، انتهت بقرار لوقف إطلاق النار من دون اتفاق سلام، إذ تطالب أذربيجان بعودة الإقليم إلى سلطتها وتعرض حكماً ذاتياً عليه، فيما تدعم أرمينيا انفصاله وتقدم مساعدات لسلطته المحلية التي غيرت اسمه إلى “آرتساخ”.
انتهى القتال بين أذربيجان وأرمينيا على “ناغورنو قره باغ” عام 1994، عندما تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وما زال الجانبان رسمياً في حالة حرب لأنهما لم يوقعا على معاهدة سلام.
منطقة “ناغورنو قره باغ” معترف بها دوليا على أنها جزء من أذربيجان، لكنها فعليا تخضع لسيطرة الأرمن منذ توقف الحرب.
تركيا وروسيا وإيران
الصراع العسكري بين أذربيجان وأرمينيا حظى باهتمام عالمي؛ نظراً للتهديد الكبير لإمدادات الطاقة الوافدة للأسواق الأوروبية والدور اللوجستي الفاعل للمنطقة في هذا الشأن. فالتهديدات تمس بشكل مباشر خطوط أنابيب النفط والغاز وتربط منتجي آسيا الوسطي بالأسواق العالمية؛ إذ تقع المعارك بالقرب من هذه الأنابيب.
ويمثل القوقاز لروسيا منطقة نفوذ تقليدية، لعبت روسيا دوراً رئيساً كوسيط في اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدته أطراف النزاع في مايو 1994.
وتعد أرمينيا بالنسبة إلى روسيا شريكاً استراتيجياً في منطقة القوقاز التي تمثل ساحة رئيسة لنفوذ موسكو، ويتم تأمين حدود أرمينيا من قبل حرس الحدود الأرمينيين والروس، كما أن أرمينيا جزء من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EEU) بقيادة روسيا، وتستضيف قاعدة عسكرية روسية.
وفي الوقت الذي تعارض فيه روسيا بشدة الطرق التجارية وخطوط الطاقة المنافسة للغاز الروسي المتجه نحو الأسواق الأوروبية مروراً بأذربيجان. سعت أرمينيا إلى علاقات وثيقة مع روسيا وإيران جزئياً لمواجهة علاقات أذربيجان مع تركيا. وشددت جورجيا وأذربيجان على العلاقات مع الولايات المتحدة جزئياً لتعزيز استقلالهما في مواجهة روسيا.
وفي مقال نشرته صحيفة أوراسيا ديلي حمل عنوان ” إيران وقره باغ” تحدث عن القلق الإيراني من مشاريع أذربيجان في المنطقة وتعاونها مع تركيا وإسرائيل ، والذي يجعل أذربيجان أكثر اعتمادا على تركيا، الأمر الذي لا يناسب إيران.
ويسكن شمال إيران أكثر من 15 مليون أذربيجاني (ضعف عدد سكان جمهورية أذربيجان)، مما أثار قلق إيران من احتمال وجود حركة انفصالية.
موضوع “توحيد أذربيجان”، الشمالي والجنوبي (الإيراني)، يشغل الجهات المعنية في إيران. وسيناريو حرب واسعة النطاق حول قره باغ سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى اضطرابات في المناطق الإيرانية المتاخمة للحدود الجنوبية لأذربيجان.
فأرمينيا قوية ستشكل بالنسبة لإيران ثقلا موازنا لأذربيجان، التي تزداد طموحاتها من خلال تحالفها مع تركيا وتسعى جاهدة للتوسع في المقاطعات الشمالية للجمهورية الإسلامية. وأشار المقال إلى أن التعاون العسكري والسياسي الوثيق بين أذربيجان وإسرائيل شكل في السنوات الأخيرة، وما زال يشكل، مصدر قلق لطهران…
من الواضح أن السلطات الأذربيجانية لا تنوي التخلي عن علاقاتها الوثيقة مع الإسرائيليين. ويعد هذا سببا مهما جدا لإيران لغض الطرف عن بقاء القوات الأرمنية على طول محيط “الحزام الأمني” حول “ناغورنو قره باغ.”
الحليف الأرميني ، ذو الأغلبية المسيحية، لإيران يشكل رأس الحربة الإيرانية في منطقة القوقاز بعيداً عن البُعد الأيديولوجي أو العقائدي انطلاقاً من كونه يقوم على التحالف مع طرف يتناقض كلياً مع الطرف الأذربيجاني، ذو الأغلبية الشيعية، من الناحية العقائدية والمذهبية، التي تنسجم مع البُعد الأيديولوجي للنظام الإيراني.
وتحصل تركيا على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير، وحيث أن الغاز الروسي باهظ الثمن بالنسبة لتركيا وهو السبب في أن أنقرة متحفزة للتحرك بعيداً عن غاز روسيا.
تبحث تركيا عن دور ونفوذ إقليمي يضمن لها الوجود على خريطة الشرق الأوسط وغرب آسيا بعد انتهاء رسم معالم وحدود نفوذ اللاعبين والمؤثرين في هذه المنطقة ) مناطق النزاع في ليبيا وسوريا وشمال العراق).
تصف أنقرة علاقاتها مع أذربيجان على أنها علاقة “شعب واحد ودولتين”، و الرئيس التركي أكد في يوليو الماضي أن “تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان”، فخلال الشهور الماضية شاركت تركيا في مناورات عسكرية ضخمة في أذربيجان، وإبقت على مجموعة من قواتها هناك، وسط دعم مؤكد بالسلاح وربما بالمقاتلين بحسب تقارير صحفية.
و على الرغم من أن الصراع يبدو في ظاهره عرقياً يغذيه التعنت القومي، فإن هناك جانباً رئيساً يتعلق بالمنافسات الجيوسياسية في منطقة القوقاز، التي لا تشمل الأرمن وأذربيجان فحسب، ولكن الأتراك والروس، وربما إيران وإسرائيل، وحتى الولايات المتحدة.
تضفي خطوط أنابيب الغاز والمنافسة التجارية القائمة بين شبكات الطرق وسكك الحديد والموانئ وحتى كابلات الألياف الضوئية، بعداً اقتصادياً على الصراع بين روسيا وتركيا في تلك المنطقة الحيوية التي تعمل كحلقة وصل برية بين آسيا وأوروبا، وفي غياب الدور المبادر والقيادي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية الصراع، تبدو الساحة مثالية لتصفية الحسابات بين موسكو وأنقرة وحلفاء كل منهما.