رسائل المؤتمر الأول لـ”حياة كريمة”| “جمهورية جديدة” ورسائل طمأنة وتحذير و”مباركة من صندوق النقد”
“عشرات الآلاف من الحضور بسعة شبه كاملة في ستاد القاهرة، رسائل وتوجيهات رئاسية في جميع الاتجاهات، ورسائل للطمأنة وأخرى للتحذير، وكشف حساب وخطط معلنة وأخرى في انتظار التنفيذ، وحديث عن جمهورية جديدة”، كان ذلك مجمل محاور المؤتمر الأول للمشروع القومي “حياة كريمة” الذي عقد مساء أمس الخميس.
في يناير 2019، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإطلاق مبادرة “حياة كريمة” بغرض تحسين مستوى المعيشة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجا في القرى المصرية والمناطق العشوائية في الحضر، وغيرها من جوانب الدعم، بالتنسيق بين مؤسسات وأجهزة الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، قبل أن يقرر تحويلها إلى مشروع قومي يشمل العديد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
خلال المؤتمر، الذي شهد حضور الحكومة بكامل أعضائها، فضلا عن العديد من كبار المسئولين، ورجال الأعمال، وممثلي المجتمع المدنى، والمؤسسات والجهات والأجهزة الحكومية، والإعلاميين، والصحفيين، والفنانين، وآلاف المواطنين من جميع أنحاء الجمهورية، استعرض المسؤولون المعنيون أهداف وخطة عمل المبادرة وإنجازاتها على مدار أكثر من عامين، إلا أن الجانب الأكثر استحواذا للانتباه كان كلمة السيسي بشأن مسار المبادرة، وعدد من القضايا الأخرى ذات الاهتمام العام، على رأسها قضية سد النهضة.
المياه “خط أحمر”.. “بلاش هري”
في كلمته، أوضح السيسي أن القلق بشأن مياه النيل بالنسبة للمصريين هو قلق مشروع، إلا أن الدولة تتعامل في كل قضاياها بعقل راشد وتخطيط عميق، مضيفا: “عمرنا مع عيشنا الوهم ولا حاولنا نصدره ليكم”، مؤكدا أن المساس بأمن مصر القومي خط أحمر شاء من شاء وأبى من أبى.
وفقا لحديث السيسي أخبرت مصر السودان وإثيوبيا أنها ستدعم أي مشروع يعود بالتنمية على الدولتين، لكن بشرط عدم المساس بحصة مصر من المياه، وأضاف: “قلنا لو السد هيوفر التنمية من خلال الكهرباء، إحنا معاكم ومستعدين نتعاون معاكم لتحقيق رفاهية الشعبين الإثيوبي والسوداني، ولدينا في مصر قدرات مختلفة متوفرة لأشقائنا في جميع أنحاء القارة، بشرط عدم المساس بمياه مصر”.
وتابع: “ممارسة الحكمة والجنوح للسلام لا تعني السماح بالمساس بمقدرات الوطن، ونحن لن نسمح لأي ما كان بالاقتراب من حقنا في المياه، ولدينا في سبيل الحفاظ عليها خيارات متعددة نقررها طبقا للموقف والظروف، أنا والجيش نروح قبل ما تحصل أي حاجة لمصر”.
واستكمل: “لا تقلقوا من شيء، خططنا في كل شئ تسير بشكل صحيح وجيد، ومن فضلكم عيشوا حياتكم وهقول كلمة بتقولوها أنتم يا مصريين، كلمة صعبة مش ح ينفع أقولها، لا خلاص مش هينفع، مش هينفع، يعني بلاش هري يعني”.
ولفت إلى أن تحرك مصر في مجلس الأمن الدولي بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي جاء لوضع القضية على أجندة المجتمع الدولي، خاصة أن مصر طالبت باتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، واستطرد: “إحنا بنعمل مشاريع لتوفير كل نقطة مياه علشان نبقى خدنا بأسباب الحفاظ عليها، على رأسها مشروع تبطين الترع الذي يتكلف أكثر من 60 مليار جنيه، ونأمل في الانتهاء منه خلال 3 سنوات، بالإضافة إلى مشروعات تحلية المياه وغيرها”.
المواطن “بطل” آثار الإصلاح الاقتصادي
وعلى صعيد التنمية، قال إن الدولة تسعي من خلاله إلى رفع مستوى المعيشة لأكثر من “أربعة آلاف” قرية مستهدفين تحقيق تنمية مستدامة وتحسين جودة الحياة لحوالي 58 مليون مواطن خلال السنوات الثلاث القادمة بموازنة تقارب 700 مليار جنيه أو يزيد.
وعن مشروع تطوير قري الريف المصري، قال إنه يقف متحدثًا اليوم في لحظة يمتزج في نفسه مزيج من السعادة والفخر، السعادة بوجوده في وسط رموز وممثلين من كافة فئات الشعب المصري والفخر بما حققناه معًا من انتصارات متتالية وإنجازات عظيمة تحققت بسواعد أبناء مصر وبدماء شهدائنا الأبرار.
وأضاف: “اقتحمنا أزمات ومشكلات اقتصادية متراكمة على مدار عقود، على قدر ما كانت التحديات والصعوبات، التي واجهتنا جراء قرارنا شعبًا ودولة بأن نستعيد مصر من شرذمة البغي والضلال التي تتاجر بالوطن والدين بقدر ما كان العزم على خوض غمار التحدي وأن نحقق النصر المبين في معركتي البقاء والبناء”.
وواصل السيسي: “واجهنا موجة إرهاب عاتية، سالت دماء أبنائنا من رجال الجيش المصري العظيم والشرطة المصرية الباسلة واقتحمنا مشكلات، وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود ببرنامج للإصلاح الاقتصادي كان بطله هو المواطن المصري الذي تحمل آثاره المباشرة على حياته اليومية، متفهما أهمية هذه الإجراءات لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة”.
وشدد على أنه والشعب المصري “أعادا بناء مؤسساتنا الوطنية الدستورية، كما تشكلت الغرف التشريعية الممثلة للشعب المصري وعلى التوازي كان السباق مع الزمن لبناء مصر المستقبل وتعظيم قدراتها وأصولها فكانت المشروعات القومية الكبرى رمزًا يعبر عن إرادة المصريين في البناء. وما بين مدن جديدة، تتسع لكافة المصريين في ربوع الوطن وإسكان اجتماعي يوفر المسكن الملائم لشبابنا وتطوير للمناطق الخطرة وغير الآمنة، للقضاء على العشوائيات وتحديث شامل لشبكة الطرق القومية وزيادة للرقعة الزراعية وصولًا اليوم إلى انطلاق مشروعنا الوطني الأعظم لتنمية الريف المصري حياة كريمة” .
ووجه حديثه الحاضرين، قائلاً: “أجدد معكم العهد وأصدقكم الوعد بأن نبدأ جمهوريتنا الجديدة المولودة من رحم ثورتكم العظيمة في 30 يونيو عازمين على المضي قدمًا نحو المزيد من العمل والبناء ممتلكين القدرة الشاملة مستمرين في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية داعمين المزيد من المساحات المشتركة بين أبناء الوطن موفرين كافة السبل لشبابنا لتحقيق مستقبل يليق بهم في وطنهم العظيم، كما أود أن أعبر عن عظيم امتناني للشعب المصري العظيم على كل ما بذله من جهود وما قدمه من تضحيات لنقف اليوم آمنين مطمئنين سعيًا للبناء والتطوير والتنمية”.
“جمهورية جديدة”.. و”مشروعات باختيار المواطن”
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قال إن الدولة المصرية نفذت وما تزال تنفذ على مدار السنوات السبع الماضية العديد من المشروعات القومية، تجاوزت تكلفتها 6 تريليونات جنيه، ساهمت في تعزيز القدرة على البدء في تحقيق التنمية المستدامة للريف المصري، ضمن مبادرة “حياة كريمة”.
وأضاف أن كل مشروع ينفذ هو مشروع قومي وعالمي، ولكن يظل “حياة كريمة” و”تنمية الريف المصري” الأكبر والأعظم في تاريخ مصر، كما يعد الأكبر على مستوى العالم في العصر الحديث.
ولفت إلى أن هذه المشروعات ليست مجرد منشآت حديثة، بل إعادة رسم خريطة مصر وتوزيع البشر والإمكانات الاقتصادية على ربوع الوطن، بما يستجيب لمشكلات الحاضر وتحديات المستقبل، وهذا هو جوهر ما أسماها “الجمهورية الجديدة” المتمثل في إعادة تصميم وإعادة بناء شاملة لمكونات الدولة المصرية، ونصيب الريف في ذلك أن يشهد تنمية حقيقية لا تتوقف عند مجرد إدخال المرافق أو تنفيذ مشروعات أو تحسين وضع منازل، بل إحداث تنمية شاملة ترفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأهالينا في الريف المصري.
وكشف عن أن “حياة كريمة” تجمع جهود عمل جميع المبادرات الرئاسية، وعددها نحو 20 مبادرة، مثل “100 مليون صحة”، و”تكافل وكرامة”، وغيرها، حيث تنفذ في جميع القرى المستهدفة، في سبيل تغيير حياة جميع المصريين للأفضل.
ونوه إلى أن مشروعات “حياة كريمة” تغطى ربوع مصر بالكامل، سواء مشروعات جديدة في الأراضى الصحراوية أو تطوير الأماكن القديمة والقائمة التي كانت تعانى من الإهمال، وأن مصر ستشهد للمرة الأولى “ملحمة بناء وتعمير” تمتد لكل أرجاء مصر، تغطي 4500 قرية، وأكثر من 28 ألف تابع، وتنفذ فيها المشروعات في 175 مركزاً، و20 محافظة، كما تستهدف الدولة أكثر من نصف سكانها بمشروع واحد للمرة الأولى في تاريخها، حيث يستفيد به نحو 58% من المواطنين، وفقا لتأكيده.
وتابع: “حياة كريمة هي أول مشروع مصري يتم تنفيذه بنسبة 100% باستثمارات مقررة تتجاوز 700 مليار جنيه، بدأ بأفكار الشباب المصري واستجابت لها قيادة سياسية حكيمة، وأطلقت المشروع، ثم بلورت الحكومة خطته التنفيذية في صورة مشروعات وخطط بعقول مصرية، وسيتم تنفيذه بأياد وسواعد ومواد مصرية بالكامل”.
واستكمل: “لأول مرة سيختار المواطن المصري مشروعاته ضمن تطوير الريف المصري لأجل «حياة كريمة»، حيث تم عقد اجتماعات عديدة مع أهالينا في القرى للتعرف على احتياجاتهم؛ حتى يتسنى للحكومة ترجمة هذه الاحتياجات إلى مشروعات يتم تنفيذها في إطار هذا المشروع”.
وكشف عن أنه سيجرى ضخ مليار ونصف المليار جنيه في صورة قروض لمشروعات متناهية الصغر في قرى الريف المصري، كما ستدخل خدمة الإنترنت فائق السرعة للمرة الأولى في الريف، عن طريق كابلات الفايبر، والألياف الضوئية، بالإضافة إلى تحسين تغطية شبكات المحمول داخل القرى.
تبرعات ومباركة صندوق النقد
قالت آية عمر، رئيس مجلس أمناء “حياة كريمة”، في كلمتها خلال المؤتمر الأول، إن المبادرة تمكنت من جمع 5.5 مليارات جنيه تبرعات منذ انطلاقها.
وقال المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي والمبعوث الأممي لتمويل التنمية المستدامة محمود محيى الدين، إن الأمم المتحدة تعتبر مبادرة حياة كريمة واحدة من أفضل ممارسات تطبيق برامج التنمية المستدامة حول العالم، استنادا على معايير دولية في الاختيار.
وأوضح أن الأمم المتحدة تراعي في الاختيار قواعد التنمية المستدامة وأهمها مكافحة الفقر المدقع، وأن من معايير اختيار الأمم المتحدة لـ”حياة كريمة” وجود برنامج زمنى محدد وليست مفتوحة، حيث بدأت من 2019 حتى الانتهاء عام 2024.
وشدد على أن المبادرة تركز بشكل أكبر على مكافحة الفقر، لاسيما الأسر الأشد فقرا مع إتاحة فرص العمل في سبيل الاستمرار في رفع معدلات التنمية الأكثر شمولًا وتأثيرًا على عموم الناس.