د. أحمد حسين يكتب: افعلها يا ريّس..نداء من أسر الشهداء
“هم بيعاقبونا علشان أزواجنا راعوا ضميرهم ونزلوا ينقذوا الناس اللي بتموت، ودلوقت اتنسوا وفضّلنا إحنا قهرة قلبنا عليهم”،”هم بيعجزونا علشان إحنا ملناش أي مستحقات غير معاش الحكومة اللي بندفع به فاتورة الكهرباء والغاز”، “إحنا فقدنا الأمل أننا نحصل على مستحقاتنا”.. تلك بعض تعليقات وأسئلة أسر شهداء الفريق الطبي جراء فيروس كورونا، لا أمتلك عليها إجابة سوى مشاركتهم أوجاعهم وتفهمي لمنطقة الغام تعيشها تلك الأسر، بين فخرها بإستشهاد أربابها فداء الوطن وبين بؤس ذويهم الذي خلفه إستشهادهم..أرفع تلك الأسئلة لرئيس الجمهورية، لعله يفعلها وينقذ تلك الأسر من منطقة الألغام.
نهاية الحكاية
طبقًا لآخر إحصائيات وزارة الصحة المصرية الصادرة في 26 يوليو الجاري، فقد توفى إثر فيروس كورونا 16494مواطنًا مصريًا وأعلنت نقابة أطباء مصر وفاة 585 طبيب وطبيبة جراء الإصابة بكورونا حتى هذا التاريخ، ما يعني أن نسبة وفيات الأطباء 3.5% من مجموع وفيات المصريين، بخلاف وفيات أطقم التمريض والفنيين الصحيين والإداريين بالصحة والتي لم تُعلن عن أعدادهم أي جهة يُعتد بها..دراسة حكومية في مارس 2019 أكدت أن 82 ألف طبيب فقط يعملون بالحكومة من 212 الف و 835 طبيب مرخص لهم بمزاولة المهنة، انتقص من هذا العدد 7 الآف طبيب هاجروا خارج مصر منذ بداية جائحة كورونا..أثناء كتابة تلك الكلمات هناك آخرون يستعدون لهجرة العمل الحكومي سواء بالإستقالة أو السفر للخارج، هاتفني أمس طبيب ليؤكد لي نيته في الاستقالة نتيجة تكليفه بالعمل في ثلاث وحدات صحية متباعدة لعجز الأطباء في الريف، بينما اليوم طبيب صديق لي كان من أشد المعارضين لفكرة السفر، يسابق الزمن لإنهاء إجراءات سفره وزوجته الطبيبة..معاش أسر طبيب توفى أثناء عمله بالحكومة متوسطه ألفي جنيه بينما الطبيب العامل بالخاص لم تجد أسرته بعد وفاته بكورونا عائدً لها سوى 700 جنيه نسبتها في معاش إتحاد المهن الطبية.
منتصف الحكاية
من البديهي أن يُستثنى الفريق الطبي من قرار رئيس الوزراء بتناوب أيام العمل بين العاملين في الجهاز الإداري وإمكانية العمل من المنزل، فقد أعلنت وزارة الصحة حالة الطواريء ووقف الإجازات للأطقم الطبية في المستشفيات الحكومية، كما كان من البديهي أن تُلزم الحكومة المستشفيات الخاصة باستقبال مرضى كورونا..وبينما قامت بريطانيا بتخفيف القيود على بقاء الأطباء الأجانب وتسهيل إجراءات إستقدام غيرهم، وكذا السعودية التي أعلنت صرف مبلغ مقداره 500 ألف ريال لذوي المتوفى بسبب جائحة «فيروس كورونا الجديد»، الذي يعمل في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنياً كان أم عسكرياً، وسعودياً كان أم غير سعودي، في المقابل صرحت وزيرة الصحة المصرية في مؤتمر صحفي أن إعتبار إصابة العمل لمن توفى بكورونا في مستشفيات العزل فقط وغيرهم قد أُصيب إصابة مجتمعية، وكأن العاملين من الأطقم الصحية في المستشفيات الغير مخصصة للعزل أو في المستشفيات والعيادات الخاصة أهدتهم الحكومة أجهزة كاشفة ومانعة لزيارة مريض كورونا لهم..لم تكتف وزيرة الصحة بهذا التصريح الغير مهني فضلًا عن كونه غير إنساني، فقد رفضت إقتراح د.فريدي البياضي عضو مجلس النواب بأن تتقدم الوزيرة بطلب للحكومة لإدراج شهداء الفريق الصحي ضمن المخاطبين بصندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، وعلقت الوزيرة على طلب النائب بـ”أن مسألة ضم الأطباء المتوفين بسبب فيروس كورونا إلى صندوق الشهداء ليس من سلطتها، مشيرة إلى أن الوزارة بدأت فى تشكيل مجلس إدارة صندوق الطوارئ الخاص بالأطباء وسيتم التعامل مع حالة الوفاة بكورونا كإصابة عمل وأن أى طبيب توفى بكورونا سيحصل على تعويض”، ولم تنوه الوزيرة للنواب أن صندوق طواريء الفريق الطبي الذي تعينه كل موارده إستقطاعات رواتب العاملين أنفسهم، أي أنه صندوق تكافل لا فضل للحكومة فيه.
نفس اللغة
ربما كان الأمل في عودة الحياة لأسر شهداء الفريق الصحي، الدعوى القضائية التي أقامها المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية تطوعًا عن بعضهم، استنادًا إلى القانون 71 لسنة 1964 وفيه”يجوز منح معاشات ومكافآت إستثنائية أو زيادات في المعاشات للعاملين المدنيين الذين انتهت خدمتهم في الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة والوحدات الإقتصادية التابعة لها أو لأسر من يتوفى منهم، كما يجوز منحها أيضًا لغيرهم ممن يؤدون خدمات جليلة للبلاد أو لأسر من يتوفى منهم، وكذلك لأسر من يتوفى في حادث يعتبر من قبيل الكوارث العامة”، ولم يعدم هذا الأمل قرار قاضي المحكمة الإدارية في أول جلسة للقضية الثالث من أبريل الماضي إحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة دون الإستجابة إلى طلب المحامين بسماع مرافعتهم، تنفس الأمل عندما طلب القاض بهيئة المفوضين تقديم أصول المستندات المودعة في حافظة القضية، إلا أنه عاد نفس القاض ووأد الأمل في نفوس عشرات الأسر عندما طلب إحضار إفادة من المستشفى الحكومي التي كان يعمل بها المتوفي بأن الوفاة حدثت بسبب الإصابة بكورونا أثناء العمل.
طلب يكاد يكون تعجيزي أن تطالب مدير مستشفى حكومي أن يقر أن الإصابة بفيروس كورونا حدثت لأحد العاملين في فترة العمل الصباحية أو المسائية، فضلًا عن التجاهل للقانون المستند إليه في إقامة الدعوى القضائية والمخاطب للعاملين خارج مؤسسات الدولة..طلب هيئة مفوضي الدولة هو ترديد بنفس اللغة لنفس مفهوم وزيرة الصحة التي أعلنت عنه بأن العاملين في مستشفيات العزل فقط هم من تعتبره الحكومة شهيد الواجب.
الرئيس..والأمل الأخير
سنوات عديدة مرت ومرضى ضمور العضلات وأسرهم إضافة إلى العديد من الأطباء، يطالبوا أن تقوم الحكومة بعمل إحصائيات دقيقة لعدد المرضى لأنواع ضمور العضلات المختلفة وتوفير مراكز علاجية لهم والتفاوض مع شركات الأدوية لإدخال العلاجات الحديثة إلى مصر، تخلل تلك السنوات وعود زائفة من وزراء صحة مختلفين، لم يلمس المرضى وذويهم البدء في التنفيذ الفعلي إلا عندما أعلن رئيس الجمهورية بنفسه وأعطى توجيهاته بالتحرك في هذا الملف..قياسًا على هذا المثال، الكثير من الأزمات والملفات التي لا يتم إنجازها سوى بتعليمات من الرئيس السيسي، وأملًا في أن تكون مآساة عشرات الأسر لشهداء العاملين بالصحة أحد تلك الأمثلة، أخاطب رئيس الجمهورية أن يفعلها بضم أسر شهداء العاملين بالصحة نتيجة إصابتهم بالأوبئة في القطاعين الحكومي والخاص، إلى المخاطبين بصندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم..رأفة بأيتام لأباء إنتموا لوطن واستشهدوا زودًا عنه، فهل سيفعل؟.