د. أحمد حسين يكتب: إلى وزير التعليم العالي والصحة.. القهر في طب سوهاج وصحة السويس
” فيه حد يقف أمام سيارة نقل!، أساتذتكم عربة نقل وأنتم هتبقوا كده، بس مش دلوقتي، أنتم لسه صغيرين”، مستنكرًا فعلة الأطباء، ومكملًا عبارات التوبيخ: “ده إحنا بقالنا 25 سنة محدش عمل كده”.
هذه العبارات مقتطف من لقاء توبيخي لأحد أساتذة كلية طب سوهاج ومسؤول بالجامعة بها، والفعلة التي ينكرها ويوبخ الأطباء عليها، هي قيام الثلاثة أطباء وطبيبة بقسم النساء والتوليد بمستشفى سوهاج الجامعي بشكوى إلى وزير التعليم العالي، يطلبون فيها رفع الظلم الذي وقع عليهم من غالبية مجلس قسم النساء الذين صوتوا لعدم تعيينهم بالقسم، رغم أنهم قاموا بعملهم المكلفين به على مدار ثلاث سنوات بتفاني شهدت به التقارير التي منحتهم درجة الإمتياز في تقييم عملهم، وأصيبوا عدة مرات خلال عملهم بفيروس كورونا، ويؤكد الأطباء بالمستندات مدى حاجة القسم لمدرسين مساعدين أمام تزايد عدد طلبة الطب وإنشاء مستشفى جامعي جديد بمدينة سوهاج الجديدة، الأمر الذي جعل غالبية أقسام المستشفى تطلب تعيين أطباء.. لا مبرر ولا منطق لرفض تعيين هولاء الأطباء سوى التسلط وفرض الهيمنة، رسالة يتم توجيهها إلى شباب الأطباء والطلاب بشكل عام أن بالجامعات ملوك لا بد لهم من عبيد.
في مثل تلك الأيام من شهر رمضان الماضي، نُكبت سوهاج بإصابات كورونا تفوق قدرة مستشفياتها، واقع كان لا ينكره مواطن في سوهاج، في هذه الموجة الثالثة توفى في أسبوع واحد بسوهاج 6 أطباء، وفي ذات الوقت الذي سجلت فيه مقطعًا مصورًا وحوارً مع المواطنين ونشرته هنا على “درب” يوضح إنتظار المرضى في ردهات المستشفيات ومبيت ذويهم على أرصفتها منتظرين خلو سرير بشفاء صاحبه أو موته، في نفس تلك الأيام يخرج عميد كلية طب سوهاج وقتها د.حسان نعمان مع عمرو أديب ليصرح أن سوهاج أقل نسبة في الإصابات من المحافظات الأخرى، وأن الزيادة فقط نسبية إلى الموجتين الأولى والثانية في سوهاج، وأن أسرة العناية غير مكتظة ولا داعي للرعب..إن عجزت عن مشاهدة الفيديو الذي نشرته “درب” فستجد المداخلة مع عمرو أديب بسهولة على اليوتيوب واقرأ تعليقات مواطني سوهاج عليها.
عميد كلية طب سوهاج السابق ونائب رئيس الجامعة الحالي لشئون الأبحاث والدراسات العليا د.حسان نعمان هو رئيس اللجنة الداخلية المشكلة لفحص شكوى الأطباء وإعداد تقرير بها إلى رئيس الجامعة.
لا داعي لأمل واهم نصدره لشباب الأطباء، فالنتيجة محسومة بقوانين الأرض و قوانين الجامعات أيضًا وعرف الملوك بها، ولا مفر من نيل الثلاثة أطباء والطبيبة الويلات جراء شكواهم، ليس فقط بعدم التعيين ولكن ستشهد نتائج إمتحانات الدراسات العليا التي يستعدون لإجتيازها بقسم النساء والتوليد درسًا آخر لهم وربما ليس أخير.
فقط أوجه رسالة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن مثل هولاء من ملوك الجامعات لا يدمرون شباب فقط بل يدمرون دولة، فإذا أقررنا أن الأرض لا تعيش عليها ملائكة فتأكد أن هولاء الشباب قنابل موقوتة صنعت من الإحباط واليأس والقهر..فماذا نتوقع أن يهدوا وطنهم.
في وزارة الصحة أيضًا ملوك تقتنص عبيدً لتتوهم أنها تجلس على كرسي عرش، فمن مدينة السويس قصة شبيهة، طبيب من مواليد السويس ورب أسرة وشهد الجميع ممن علموا معه بكفاءته، تم توزيعه ضمن برنامج الزمالة المصرية للتدريب في مستشفى حميات السويس بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية، يفاجيء الطبيب آسر حسن أن إدارة مستشفى الحميات تقوم بعمل إخلاء إداري له بناء على تعليمات وكيل وزارة الصحة بالسويس وإخطاره بالرجوع إلى إدارة الزمالة المصرية لتوزيعه خارج محافظة السويس، المبرر أن مستشفى حميات السويس لا يوجد بها مدرب وأن جميع مستشفيات السويس تحت التطوير وغير مؤهلة لإستقبال متدربي زمالة، معمل عيادات مستشفى السويس للتأمين الصحي موزع عليه متدربتين وبها مدرب زمالة مع أن المستشفى نفسها مهدمة وتحت التطوير، عند مصاحبتي للطبيب إلى أمين مساعد الزمالة المصرية د. عبد السلام شلبي وبصدر رحب بعد شرح كافة التفاصيل المعلنة والمبطنة، كانت استجابته للحل المنطقي بنقل الطبيبتين المتدربتين مع مدرب الزمالة من عيادات مستشفى التأمين الصحي غير المؤهلة إلى مستشفى حميات السويس المعتمدة ولكن دون مدرب وبقاء الطبيب آسر بنفس المستشفى..
هذا حل منظقي وسهل يقدم للمحافظة خدمة طبيبة وللأطباء خدمة تعليمية دون أن تشرد أسرة لنقل عائلها خارج المحافظة، ولكن لأن هناك من الأمور المبطنة فقد فؤجيء الطبيب برفض تسليمه وإلغاء عمل الطبيبتين بعيادات مستشفى التأمين الصحي وتكليفهن بمأمورية عمل إلى مستشفى السويس العام بالمخالفة للوائح الزمالة، وإعادة مخاطبة الزمالة المصرية لتوزيع الطبيب خارج محافظة السويس..
أما الأمور غير المعلنة فهي أن الطبيب عضو مجلس نقابة أطباء السويس والنقابة هناك ليست مهضومة باللهجة اللبنانية أو دمها ثقيل على وكيل الوزارة باللهجة المصرية.
روايتان في مجلدات التعسف والقهر الذي نصطدم بها على مدار عقود مضت، وتتجرع مرارتها الدولة والمجتمع المصري عندما نقرأ عن نجاح مبهر في الخارج لهولاء المقهورين بعد هجرتهم من مصر.. أُهديهما إلى د. خالد عبد الغفار كونه وزير التعليم العالي والقائم بعمل وزير الصحة، وأرجو منه أن يتحرى حرصه الذي سمعته منه مرارً عن تذليل العقبات أمام شباب الأطباء لإستبقائهم بمصر، ويقوم بتشكيل لجان خارجية بقرار منه لا ينتمي أعضاؤها للجهتين التي يتظلم منهن الأطباء للوقوف على حقائق الأمور، وإنصاف من له مظلمة وإنقاذ الوطن من تجريف أبناءه وإجبارهم على الهجرة منه.