خالد علي يكتب عن جاسر عبد الرازق بعد اعتقاله: قدم كل ما يملك من إبداع للعمل الحقوقي.. فخور بك يا صديقي
عبد الرحمن بدر
كتب خالد علي، المحامي الحقوقي، عن الحقوقي جاسر عبد الرازق بعد القبض عليه مؤخرًا ضمن قيادات الحركة المدنية.
وقال علي في حسابه على (فيس بوك)، إن جاسر قدم كل ما يملك من عطاء إبداع للعمل الحقوقي، مؤكدًا أنه فخور به وبما قدم.
وتابع: “من مقاومة قانون الجمعيات إلى تأسيس مركز هشام مبارك للقانون إلى استضافة اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية كان جاسر حاضراً وفى مقدمة المقاومة”.
وإلى نص ما كتبه خالد علي عن جاسر عبد الرازق:
عشت مع جاسر معركتين فى بداية حياتى، وشايف انهم أثروا فى خياراتى بشكل كبير، وفى خيارات كل من كان جزء من هذه المعارك:
المعركة الأولى:
لما اشتغلت فى المساعدة القانونية لحقوق الانسان عام ١٩٩٦ كان جاسر هو المدير التنفيذى للمكان، وكان هشام مبارك مؤسس المركز يحاول الابتعاد عن الإدارة ليتفرغ لإعداد رسالته للدكتوراه، لكنه توفى فى ريعان شبابه قبل استكمال هذا الحلم.
وفى ١٩٩٨ الدولة شنت هجمة إعلامية وأمنية على الجمعيات الأهلية، وأصدرت قانون جديد، فتشكلت حركة مقاومة لهذا القانون، وكان المركز يلعب دور محورى فيها، وتم تجميع كل الجمعيات الأهلية المعترضة على القانون، وأصدرت كتاب نقدى لنصوص القانون، وأعدت تظاهرة أمام مجلس الشعب، وقدمت مذكرة اعتراض على القانون، وكان هذا الأمر فى التسعينات حدث جلل، وواكب ذلك إعلان مناضلات إضرابهن عن الطعام اعتراضا على تقييد العمل الأهلى، وهن(د.عايدة سيف الدولة، د.ماجدة عدلى، د.سوزان فياض، د.ليلى سويف)، وكان مقر الإضراب فى مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان بالدقى، وبالطبع شجاعة جاسر فى الاشتراك فى قيادة هذه المقاومة، واستضافة الاضراب جعل مقر المركز هو بؤرة تلك الحركة، وكان فى استهداف من الدولة لضرب المركز بشتى الطرق، لكن اختيار طريق المقاومة، ورفض هذا القانون، بل والإعلان عن تأسيس مركز هشام مبارك للقانون كشركة مدنية لأعمال المحاماه وغير خاضعة لقانون الجمعيات، كان خطوة شجاعة وفارقة من جاسر وكل الفريق اللى كان معاه، وقبوله لأن يكون أول مدير تنفيذى للمركز، وتم تسميته بهذا الإسم تخليدا لذكرى المناضل الراحل هشام مبارك مؤسس المساعدة القانونية، والجميع يعلم دور مركز هشام مبارك فى الحركة الحقوقية المصرية بعد ذلك.
المعركة الثانية:
لما تم تأسيس مركز هشام مبارك للقانون نهاية التسعينات، كان عندنا فرع فى أسوان يدير المحامين به الأستاذ مصطفى الحسن طه، وفرع القاهرة كان الاستاذ سيف يدير المحامين، وكان جاسر عبد الرازق أول مدير تنفيذى للمكان بفرعيه، وكانت البدايات فى غاية الصعوبة لظروف كتيرة جداً، لدرجة إن كل أثاث المكتب كان تبرعات من الأصدقاء، وظل فريق العمل لا يتلقى رواتب تقريباً لسنتين، كان المهم دفع الإيجارات ورسوم الدعاوى.
لما قامت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سعت القوى السياسية المصرية لخلق كيان داعم للإنتفاضة، فتشكلت اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، لكن هذه اللجنة الوليدة واجهت مأزق كبير جداً، إن كل الأحزاب وقتها رفضت استضافتها بمقارها.
ولما جاسر عرف الموضوع رحب باستضافة اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينة بمقر مركز هشام مبارك للقانون الكائن فى ١٠٤٩ شارع كورنيش النيل بالملك الصالح، وجاء هذا الترحيب بعد مناقشات مع كل فريق العمل بالقاهرة وأسوان وموافقة الأغلبية على هذه الاستضافة رغم كل التخوفات والمخاطر الموضوعية اللى طرحها بعض الزملاء، وكانت كل القرارات المصيرية للمكان تناقش مع الجميع و لا ينفرد بها أحد، ويتم تنفيذ رأى الأغلبية.
وكانت هذه الاستضافة علامة فارقة فى تاريخ الحركة الحقوقية المصرية، لسببين:
السبب الأول: إن اللجنة عملت حراك مزهل لدعم القضية الفلسطينية فى الجامعات والأحياء الشعبية والقرى، وكانت اللجنة تتلقى (بمقرها فى مركز هشام مبارك للقانون) البضائع والأدوية والملابس التى كان. يتبرع بها المصريون لتقوم اللجنة الشعبية بتصنيفها وارسالها للمخازن لحين استخراج التصاريح بمرور القوافل إلى فلسطين ، لدرجة إن الأستاذ حمدى قنديل فى برنامجه الشهير كان يضع شريط إخبارى أن (اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية تتلقى تبرعات المصريين العينية بمقر مركز هشام مبارك للقانون فى العنوان التالى….)
ودا ساهم إن آلاف المصريين من فئات وأعمار مختلفة تيجى المركز تقابل ممثلى اللجنة وتسلمهم التبرعات، وطبعاً كان دايما فى سؤال مين هشام مبارك؟ وهل ليه علاقة بأسرة مبارك؟ ويعنى إيه مركز هشام مبارك للقانون؟، وطبعاً نشطاء اللجنة لما كانوا يتسألوا هذه الأسئلة كانوا بيطلبوا حد من المركز يقعد مع الناس يشرح لهم إن مركز هشام مبارك كيان حقوقى ويوضح الانشطة والمجالات، ومين هو هشام مبارك، وإزاى كان باحث ميداني فى المنظمة المصرية لحقوق الانسان، وتم القبض عليه بسبب دعمه لعمال الحديد والصلب فى إضرابهم عام ١٩٨٩، وتم تعذيبه وأصيب اصابات بالغة، ولما حصل على جائزة لدولية قرر انه بهذه الجائزة يؤسس مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان فى ١٩٩٤، واللى نقل الحركة الحقوقية المصرية من أعمال الرصد والتوثيق والبحث إلى أعمال التمكين القانونى للمصريين وتخصيص محامين للدفاع عن الحقوق والحريات، وإن هشام ليس له أى علاقة بأسرة مبارك، بل من أسرة مصرية عاشت طوال حياتها بالدقى، ولما توفى هشام وكان عمره لم يتجاوز منتصف الثلاثينات، وتم تسمية المركز باسمه تخليداً لذكراه ودوره، ووسط كل هذا الحديث كان يتم تناول حركة حقوق الانسان المصرية ودورها ونشاطها وأبرز المنظمات المصرية وعناوينها وخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعى لم تكن موجودة، وكل الصحف كانت ورقية فقط، فكان استضافة المركز للجنة فرصة ليتعرف المجتمع ليس فقط على هشام مبارك للقانون بل الحركة الحقوقية المصرية ودورها.
السبب الثانى: كانت الدولة ومنذ أحداث الكشح فى منتصف التسعينات مروراً بقانون الجمعيات، نجحت فى شن حملة إعلامية ضد العمل الحقوقي وكان يتم وصفها بالعمالة والخيانة ودعم الصهيونية والأجندة الخارجية …الخ، وكانت قيادات من أحزاب وحركات سياسية تردد تلك المزاعم أيضا.
لكن قيام مركز هشام مبارك للقانون باستضافة الحملة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ثم الدفاع عن كل من يتم القبض عليه من السياسيين أو الطلبة أو العمال فى قضايا دعم الانتفاضة كان أبلغ رد عملى على هذه المزاعم الواهية، فالأحزاب التى تردد هذه المزاعم ترفض استضافة اللجنة التى تدعم شعب فلسطين، والحقوقيين الذين يتم وصفهم بتلك المزاعم هم الذين قبلوا استضافة اللجنة وتحملوا كل المخاطر فى سبيل ذلك، ويقدموا الدعم القانونى لكل من يقبض عليه.
وكل ذلك نجح فى كسر القيود الشعبية أو السياسية التى حاولوا فرضها على الحركة الحقوقية، وساهم فى مد جسور التعاون بينها وبين العديد من الفئات والأعمار.
من مقاومة قانون الجمعيات إلى تأسيس مركز هشام مبارك للقانون إلى استضافة اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية كان جاسر حاضراً وفى مقدمة المقاومة.
ومنها انتقل جاسر للعمل الحقوقي فى أماكن عدة مقدماً كل ما يملكه من عطاء وإبداع وشجاعة
فخور بك يا صديقى
وبكل ما فعلته وتفعله.
يذكر أنه تعرضت المبادرة المصرية لهجمة أمنية شرسة خلال الأيام الأخيرة هي الاعنف التي تتعرض لها منظمة من منظمات المجتمع المدني، ففي صباح الأحد 15 نوفمبر اقتحمت قوة أمنية مدججة بالسلاح منزل محمد بشير، وألقت القبض عليه، وتم احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي في منشأة أمنية لمدة 12 ساعة، قبل نقله إلى نيابة أمن الدولة العليا حيث تم استجوابه للمرة الأولى من قبل جهاز الأمن القومي أولا دون محام، ثم من قبل نيابة أمن الدولة العليا. تمحور الاستجواب حول زيارة عدد من الدبلوماسيين لمكاتب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قبل أيام، للتعرف على نشاط وعمل المبادرة في مجال الدفاع الجنائي ومطالعة إصدارتهم. وهي أنشطة مشروعة تمامًا لمنظمة حقوقية تعمل في مجال المساعدة القانونية، ولا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال محورا لاتهام واحتجاز المدير الإداري للمبادرة 15 يوما على ذمة التحقيق، أو اتهامه بالانضمام إلى منظمة إرهابية، ونشر معلومات كاذبة، وتقويض الأمن العام، دون أي دليل.
وبعد أيام قليلة من اعتقال بشير، اعتقلت السلطات المصرية أيضا كريم عنارة في 18 نوفمبر 2020، أثناء وجوده في مطعم خلال عطلته بمدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، بعدما صادرت جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، والهاتف الجوال، وبعض ممتلكاته الشخصية. وكانت قوات الأمن قد توجهت لمنزل عنارة في القاهرة في وقت مبكر من صباح يوم 17 نوفمبر ولكنه لم يكن هناك. وبعد تحقيق استمر أربع ساعات، أمر وكيل أمن الدولة بحبس عنارة لمدة 15 يومًا على ذمة القضية 855 لسنة 2020، بتهم ملفقة لا أساس لها تتعلق أيضا بـ “الانضمام لجماعة إرهابية” و “استخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة”. وقالت النيابة أن هذه الاتهامات تستند لتحريات أمنية تشير لاتفاق كريم مع “مجموعات داخل السجون على نشر إشاعات كاذبة من شأنها تقويض السلم العام والسلامة العامة”.
وفي 19 نوفمبر، أفادت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن قوات الأمن اعتقلت أيضا جاسر عبد الرازق المدير التنفيذي للمبادرة من منزله في القاهرة واقتادته إلى مكان مجهول. ثم ظهر فيما بعد وتم استجوابه في مقر نيابة أمن الدولة، التي أمرت باحتجازه لمدة 15 يومًا على ذمة القضية 855 لسنة 2020 بتهمة “الانضمام لجماعة إرهابية” و “نشر بيانات كاذبة لتقويض الأمن العام” و“استخدام الإنترنت لنشر أخبار كاذبة “.
من جانبه قال الحقوقي حسام بهجت عقب القبض على جاسر عبد الرازق إنه سيتولى منذ اليوم إدارة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مؤقتاً لحين الإفراج عن قياداتها الرهائن.
وأكد بهجت في تدوينة على حسابه على فيسبوك إن أكثر ما يعتز به في حياته هو تأسيس المبادرة في ٢٠٠٢ وتولي إدارتها لمدة ١٠ سنوات. وتابع ” كما شرفني أن أظل رئيساً لمجلس إدارتها كمتطوع حتى اليوم. والآن أنضم من جديد لفريقها الموهوب والشجاع”.
وتوالت الإدانات المحلية والدولية للهجمة التي تعرضت لها المبادرة المصرية، و أعربت باريس عن قلقها بعد احتجاز محمد بشير، بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” ونشر “أخبار كاذبة” على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلنت أكثر من 50 منظمة من مختلف انحاء العالم عن تضامنها مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن كريم عنارة ومحمد بشير وجاسر عبد الرازق.
وأعربت المنظمات والمبادرات الحقوقية عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بالتصعيد غير المسبوق والمثير للقلق ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى أقدم منظمات حقوق الإنسان في مصر وواحدة من أكثرها شهرة.
وقال السيناتور الأمريكي وعضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ذو الميول اليسارية بيرني ساندرز إنه يجب مواجهة الموجة الأخيرة من الاعتقالات في مصر للمدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان من المبادرة المصرية، ودعا ساندرز الإدارة القادمة أن توضح لمصر، وجميع الدول أن الولايات المتحدة، مرة أخرى، ستدعم الديمقراطية وليس الديكتاتورية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان “تعرب فرنسا عن قلقها العميق بعد توقيف محمد بشير، المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وأضافت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، “تقيم فرنسا حوارًا صريحًا ومتطلبا مع مصر حول مسألة حقوق الإنسان، بما في ذلك القضايا الفردية. وتعتزم مواصلة هذا الحوار، وعلاوة على ذلك، التزامها بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في كل مكان في العالم.
وأصدرت إدارة حقوق الانسان بوزارة الخارجية الأمريكية بيانا قبيل اعتقال جاسر عبد الرازق يدين اعتقال اثنين من الحقوقيين المصريين بسبب نشاطهم الحقوقي، ويؤكد علي حق كل المصريين في التمتع بالحق في التعبير عن آرائهم بحرية. وقال البيان الذي نشرته إدارة حقوق الإنسان عبر صفحتها الرسمية على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، “نشعر بقلق بالغ إزاء احتجاز اثنين من موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي تعمل على تعزيز وحماية الحقوق والحريات في مصر”. وأضاف البيان “تؤمن الولايات المتحدة بأنه يجب أن يتمتع جميع الناس بحرية التعبير عن معتقداتهم والدعوة سلمياً.
وأدانت منظمة العفو الدولية الهجمة على المبادرة وطالبت السلطات في مصر إنهاء حملتها الانتقامية الشرسة ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والإفراج الفوري وغير المشروط عن العاملين بالمبادرة الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي.
وعبرت منظمة العفو الدولية الجمعة عن صدمتها إزاء قيام السلطات المصرية اعتقال المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، جاسر عبد الرازق، وهو الموظف الثالث الذي يتم اعتقاله خلال 4 أيام.
وأضافت أنه يتوجب على الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماع مع المركز مطالبة السلطات المصرية إنهاء الحملة الشرسة وإطلاق سراح جميع العاملين في المبادرة.
وتابعت: “تمثل تلك الاعتقالات ضربة قوية للعمل الشرعي الذي يقوم به المدافعين عن حقوق الانسان في مصر، والتي قد أتت على خلفية لقاء تم مع عدد من الدبلوماسيين في المبادرة. فمن الضروري على المجتمع المدني أن يطالب السلطات بأنهاء قمع منظمات حقوق الانسان”.