حياة تحت التهديد| قصة واقعية عن واقع المهاجرات واللاجئات في مصر.. والتحديات والمصير المجهول
بقلم / شيماء سامى
تستضيف مصر أكثر من نصف مليون لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 60 جنسية مختلفة. مع نهاية أكتوبر 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددًا يليها الجنسية السورية، مع أعداد أقل من جنوب السودان، إريتريا، إثيوبيا، اليمن، الصومال، والعراق. مصر تعتبر وجهة رئيسية لهؤلاء الأفراد نتيجة لموقعها الجغرافي والسياسي.
وتشير التقارير إلى أن مصر تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ وطالب لجوء، تتنوع جنسياتهم وأسباب هجرتهم بين النزاعات المسلحة والاضطهاد السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى البحث عن حياة أفضل. رغم هذه الأعداد الكبيرة، يواجه المهاجرون واللاجئون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية.
ويواجه المهاجرات واللاجئات في مصر تحديات عدة أبرزها:
1. العنف الجنسي: تتعرض العديد من اللاجئات للعنف الجنسي سواء في أماكن العمل أو في الحياة اليومية. شهادات كثيرة تشير إلى التحرش الجنسي والاعتداءات الجنسية.
2. العنف الاقتصادي والعمالة المنزلية: تشمل الاستغلال في العمل، عدم دفع الأجور المستحقة، أو العمل في ظروف غير إنسانية. يتم توظيف بعض اللاجئات في أعمال منزلية بأجور زهيدة ودون حماية قانونية.
3. العنف النفسي والعاطفي: يتمثل في التمييز، العزلة الاجتماعية، والضغوط النفسية الناتجة عن الظروف الصعبة. العديد من اللاجئات يعانين من مشكلات نفسية نتيجة للاضطهاد والتشرد.
4. العنف العنصري والتمييز: تواجه اللاجئات والمهاجرات تمييزًا بناءً على جنسيتهن أو عرقهن. يتم تمييزهن في الأماكن العامة وأحيانًا يواجهن رفضًا من المجتمع المحلي.
السيدة “س.ب”نموذجًا مكررًا رغم فرداته
“أنا عالقة في مصر.. ولا أعرف كيف أقنن أوضاعي، أخشى الترحيل ولا أستطيع علاج ابني”، كانت هذه أول كلمات إحدى اللاجئات الجزائريات، “س.ب”، أرملة فلسطيني الجنسية “ف.م”، تعيش مع ابنها الذي يعاني من مرض نادر يهدد حياته.
“س.ب” هي سيدة جزائرية في منتصف العقد الرابع من عمرها، ولدت في عام 1982، وتزوجت من “ب.د.م” في عام 2008، لكن زواجهما انتهى بالطلاق في عام 2014. لم يمضِ العام التالي قبل أن تتزوج مرة أخرى من “ف.م”، الفلسطيني الذي كان يقيم في مصر حينذاك.
انتقلت “س.ب” إلى مصر بحثًا عن حياة جديدة، هاربة من الفقر في الجزائر، إلا أن الأمور لم تسر كما توقعت. اكتشفت لاحقًا أن زوجها كان يعيش على حد الكفاف بعد وفاة زوجته المصرية.
تحملت “س.ب” هذه الأوضاع الصعبة، وأنجبت منهما ابنهما “ي.ف” في عام 2019، لكن القدر لم يمهل زوجها ليعيش مع ابنه، حيث توفي في نفس عام ميلاده. بعد وفاته، واجهت “س.ب” صعوبة في استخراج شهادة الوفاة ودفنه، وعاشت مع ابنها في ظروف صعبة، بلا أوراق قانونية، ودون مصدر رزق ثابت.
حاولت “س.ب” اللجوء إلى أهل زوجها في الأراضي المحتلة، لكنهم رفضوا مساعدتها هي وابنها. ومع بداية الحرب على غزة انقطعت كل سبل التواصل معهم. بدأت تبحث عن عمل يناسبها في مصر، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل بسبب أوضاعها القانونية غير المستقرة. والفرص المتاحة لها للعمل تمثل تهديدًا أكثر من فرصة لكونها امرأة بلا أسرة ولا أوراق ولا أية حقوق.
معاناة المهاجرات واللاجئات في مصر
تفتقر مصر إلى تقديم المساعدات الكافية والتعاون مع الحالات المماثلة لحالة “س.ب”. تتخوف “س.ب” من أن يتم عرض ملفها على الأمن الوطني واستجوابها حول إقامتها غير القانونية، كما حدث بالفعل مع عدد مختلف من أصدقائها. كما أنه تزداد احتمالية ترحيلها القسري دون مراعاة لظروف مرض ابنها الذي يحتاج إلى رعاية صحية خاصة ليست متوفرة في بلدها الأصلي. تعيش”س.ب” تحت وطأة هذه التهديدات بشكل مستمر ويشاركها الخوف نفسه مئات المهاجرات في مصر. هذا النقص في الحماية القانونية والاجتماعية يجعل الوضع بالنسبة للمهاجرات واللاجئات في مصر أكثر تعقيدًا وخطورة بالإضافة للمشاكل التي تواجه النساء بشكل عام في مصر.
مليارات في الهواء: أموال الاتحاد الأوروبي والمصير المجهول للاجئات في مصر
إن حالة “س.ب” تسلط الضوء على معاناة اللاجئات العالقات في مصر، اللاتي يواجهن مستقبلاً مجهولاً في ظل غياب آليات قانونية فعالة لحل مشكلاتهن. قصتها تدعو للتفكير والعمل الجاد لتوفير حماية قانونية وإنسانية، وضمان حياة كريمة ومستقبلاً أفضل لهن.
ورغم حصول الحكومة المصرية على مليارات من الاتحاد الأوروبي لدعم المهاجرين واللاجئين، فإن الوضع على الأرض يعكس شيئًا مختلفًا تمامًا. لتجاوز هذه التحديات، ينبغي التركيز على تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للمهاجرات واللاجئات، بما يساعدهن على التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن أوضاعهن الصعبة. كما يجب تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، لضمان حياة أفضل لأسرهن وأطفالهن.
إضافة إلى ذلك، من الضروري تعزيز الحماية القانونية ورفع الوعي بحقوق المهاجرات واللاجئات، بحيث يشعرن بالأمان والحماية القانونية. ينبغي على الحكومة أن تتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه، من خلال تحديث القوانين وتطبيقها بفعالية، وضمان عدم تعرضهن للاستغلال أو الترحيل القسري.
تشجيع التعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية يعد أيضًا خطوة حيوية نحو تحسين الأوضاع الإنسانية للمهاجرات واللاجئات. هذا التعاون يمكن أن يسهم في تقديم الدعم اللازم وتوفير موارد إضافية لتحسين حياتهن وضمان حقوقهن.
يتطلب الأمر ضغطًا مستمرًا على الحكومة لاتخاذ هذه الإجراءات الضرورية وتطبيقها بفعالية، لضمان أن القصص مثل قصة “س.ب” تصبح جزءًا من الماضي، وليتمتع كل فرد في مصر بحياة كريمة “بجد”.